الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

اللاجئات في مخيمات قطاع غزة: عنف بأشكال ومستويات مختلفة..ومحاولات مستمرة للخلاص

كتبت: سامية الزبيدي* 


اكتظاظ هو الأعلى في العالم، في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، وللبيوت أسرار كما يقول الفلسطينيون يرفضون البوح بها في العلن، التزاماً بثقافة شرقية عمرها قرون مضت. 

نساء، ورجال، وأطفال، يملأون شوارع المخيم سواء كان جباليا، أو النصيرات أو رفح أو غيره، فالمشهد يتكرر، ولا يكاد يتمايز من مخيم عن آخر في الكثير، ففي ساعات النهار، وحتى الساعات الأولى من المساء ينشط الفلسطينيين والفلسطينيات على حد سواء في تأمين احتياجاتهم، والسعي وراء متطلبات استمرار حياتهم، كلٌ بطريقته، ووفق ما يتاح له من حرية وامكانات. 


وعلى رغم الظروف الصعبة، والشرسة أحياناً، التي تكتنف حياة اللاجئين واللاجئات في هذه المخيمات، الا أن قدرتهم على التكيف مع صعوباتها المتصاعدة، أمر لازال يجتذب المزيد من الباحثين والدارسين لأوضاعهم السياسية والاقتصادية والمجتمعية على المستويين الدولي والمحلي. 

واقع اللاجئات 

ففي الوقت الذي يزداد فيه معدلات التعليم والتعليم العالي في صفوف اللاجئات، ولا يكاد بيت يخلو من تقنيات العصر الحديث من تلفزيون وراديو، وكمبيوتر وهواتف نقالة وغيرها..وتنشط اللاجئات جنباً إلى جنب مع أشقائهن الرجال في استخدام الشبكة العنكبوتية، هذا الفضاء الواسع في شتى المجالات. 

فإن هذه اللوحة ليست كاملة بعد، فالمرأة حتى وبعد انتهاءها من دراستها الجامعية، فإنها غالباً ما تتحول لمقاعد البطالة الجاهزة لاستقبال الآلاف منهن سنوياً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وتفضيل السوق المحلية اشغال الرجال على النساء رغم محدودية قدرتها على خلق فرص عمل عموماً، كما أن جهود النساء المتواصلة لايجاد فرص اعلى للتعليم والعمل لقيت دفعة قوية جداً من واقع الفقر والبطالة الذي خلفه الحصار المتواصل لقطاع غزة، والاعتداءات المتكررة للاحتلال على قطاعي الصناعة والزراعة، الأساسيان في تشغيل الرجال. 

وهو ما دفع المجتمع رجالاً ونساءً لتشجيع الفتيات على اكمال تعليمهن، لتحسين فرصهن في الحصول على وظائف، وحتى النساء الاكبر سناً واللواتي لم ينلن القدر اللازم من التعليم، خرجن من منازلهن بحثاً عن لقمة عيشهن بعد أن فقدن المعيل، الا أن ذلك لم يعنِ للكثير من النساء تغييراً في النظرة إليهن ولأدوارهن المجتمعية، فتحملت المرأة العاملة مسؤوليات مضاعفة خارج البيت لجهة تأمين رزق عائلاتهن، وداخل البيت لجهة تلبية متطلبات زوجها وأولادها. 

كما برزت شكاوى جديدة للنساء، من نوع زيادة الضغوط المادية والنفسية عليهن، علاوة على استمرار تعنيفهن، خصوصاً للسيطرة على مدخولاتهن المالية. 

عنف بأنواعه 

ولئن كان اللاجئ واللاجئة على حد سواء تحت حد سكين الاحتلال وممارساته القمعية، فإن قمع مزدوج تتعرض له المرأة اللاجئة إلى بيوت أغلبها من صفيح أو اسبست، أو من الباطون في أحسن الأحوال، مكتظة بالاسر الممتدة، أو ضيقة بأسرتها النووية، والملاصقة لبيوت الأعمام والأخوال، والجيران، لا سرية ولا حرمة للانسان، الا في حدود الوعي التخيلي للفلسطيني المضطر، والذي يدفع ثمنه بالدرجة الأولى المرأة، فهي الشرف بعرف هذا المجتمع، والعورة التي لا تنكشف الا وفق مصالحه واحتياجاته. 

وفي ظل هذه الظروف، تُقتل المرأة لأدنى شك في مسلكياتها، أو للتغطية على تهديدها لمصالح قاتلها وجشعه لاستلاب حق لها، وربما تضرب، أو تسجن، أو تغتصب، وتشتم وتهان وتذل..لا لشيء الا لأنها لم تخلق رجلاً. 

هذه صورة لا يحب تصديقها، أو رؤيتها الكثير منا، لكنها الحقيقة، التي صدمت الناس في قطاع غزة مطلع هذا العام، حينما كشفت أجهزة الأمن في قطاع غزة عن حبس شقيق لشقيقته لأكثر من 14 عاما في "عشة دجاج" في ظروف غير إنسانية على الاطلاق، فقط ليسرق حقها في الميراث. 

فيما يستمر المجتمع في تواطؤه مع قتلة النساء، فيكفي أن يتهمها القاتل بممارسة الرذيلة، ليطلق سراحه بعد فترة التوقيف أو بعد 24 شهراً من السجن على أكثر تقدير. 

أما حال ضرب النساء وتعنيفهن جنسياً أو معنوياً، فلا زال من حق الزوج على زوجه، والأب على ابنته، والأخ على أخته، وأي اعتراض أو شكوى من هذا العنف، يقع في باب العقوق، والنشوز، والتطاول وقلة الأدب. 

وتشير نتائج مسح العنف الأسري الذي أجراه الجهاز المركزي للاحصاء 2006 إلى أن العنف ضد المرأة يمارس في المدن والريف والمخيمات بنسب قريبة من بعضها بعضاً..خصوصاً أن ثلاثة أرباع سكان قطاع غزة هم من اللاجئين ومن سكان المخيمات، وهو واقع لا يخلق أي تمايز يمكن ملاحظته في حال النساء تبعاً للموقع الجغرافي. 

ويبين المسح أن 62% من النساء اللواتي سبق لهن الزواج تعرضن للعنف النفسي، و23% منهن تعرضن للعنف الجسدي، و11% للعنف الجنسي مرة واحدة على الأقل. 

ما خفي أعظم! 

وفي الوقت الذي شككت فيه متخصصات في شؤون النساء ومتابعة قضايا العنف ضدهن في مدى صدقية هذه النتائج، ارتباطاً بخوف النساء وترددهن ازاء الافصاح عن تعرضهم للعنف، ناهيك عن تأثرهن بالثقافة المجتمعية التي ترى في تعنيف النساء وسيلة لتقويمهن، وسبباً ليس كافياً لتهديد استمرار الحياة الأسرية. 

ريم فرينة (38 عاما) مسؤولة برنامج المرأة بجمعية عايشة لحماية الطفل والمرأة بمدينة غزة، خلصت بعد أكثر من خمسة عشر عاماً من العمل مع المرأة المعنفة إلى أن سوء الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية يولد المشكلات، والعنف احداها. 

واعتبرت أن الاسر ضعيفة الاقتصاد غالباً ما تكون بؤر للعنف أكثر من سواها، لافتة إلى تزايد أعداد النساء والأطفال الذين يلجئون للجمعية على خلفية تعرضهم لعنف جنسي". 

منسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة، الكاتبة هداية شمعون، قالت لـ"ينابيع" أنها لا تعتقد أن الأرقام المطروحة لنسب العنف الممارس بحق النساء دقيقة، فالعنف ضد المرأة لازال من القضايا المسكوت عنها والتي تعتبر مجتمعيا من أسرار البيوت التي لا يتم الاعتراف بها بسهولة. 

لذا ترى شمعون أن وجود النساء في المخيمات لا يعني بالضرورة معدلات أعلى من العنف ضدهن، فواقع الحال يؤشر إلى أن النساء في المدن يتعرضن لنسب متقاربة من العنف لمثيلاتهن في المخيمات والأرياف. 

وفاء (25عاما)، على ما يبدو، كان الشقاء الذي عرفته أكبر من سنها بكثير. 

في الخامسة من عمرها، اضطر والدها لبيع منزلهم اثر مشكلة مالية ألمت به، والعودة بعائلته المكونة من خمسة أولاد وثمانية بنات للسكن في منزل والديه، لتبدأ المشكلات مع اخوانه وأخواته. 

"منذ ذلك الوقت تغير أبي، واصبحت حياتنا جحيم مستمر، ولأنني الكبيرة من بين أخوتي، كنت فشة الخلق بالنسبة له، فكان يضربني بأسلاك الكهرباء، ما تسبب لي بأثار لازالت موجودة حتى الآن"، قالت وفاء. 

وفي ظل هذه الأوضاع المالية المتردية، اضطرت وفاء للعمل مبكراً في مهن متعددة، كمستخدمة حيناً، ومدرسة في رياض الأطفال، والحضانات، وبائعة ملابس أحياناً أخرى، وكوافيرة أخيراً..وهو ما ساعدها على الانفاق على دراستها المتعثرة لفن تصميم المواقع الالكترونية، والذي استغرق ست سنوات للحصول على درجة الدبلوم فيه. 

ورغم سيطرة والدها على راتبها، الا أن ذلك لم يشكل عاملاً لوقف تعنيفها على أتفه الأسباب. 

وفاء، التي تعرضت أيضاً لمحاولات تحرش ومساومة على جسدها مرات عدة من قبل مشغليها، قالت لـ"ينابيع" "تحملت كل ذلك من دون أن أفرط بشيء أندم عليه من أجل اخوتي"، وأضافت: "أنا عايشة علشانهم فقط". 

العنف النفسي 

سائدة (27 عاما) من مخيم رفح، مطلقة، والسبب تعنيفها من قبل زوجها وحماتها طوال ثلاث سنوات متواصلة من زوجها. 

تقول: "لا شيء يعجبهم، مهما أفعل لارضائهم، دائماً ما ينتقدونني، ولم يقف الأمر عن هذا الحد، فيتعمدون شتمي أمام الآخرين، وشتم أهلي..حتى وصل بهم الحد إلى سب أمي مباشرة، والتشكيك في شرفي في حضورها". 

سائدة لم تكن متأكدة ان كانت هذه الحادثة من حسن حظها أو من سوءه، فقد ساهمت في اقناع والدتها التي دأبت على اقناعها بالصبر والتحمل، بأن الأمور وصلت حداً لا يمكن الصمت عليه..فكانت المحكمة هي الحل الأخير. 

بحسب الجهاز المركزي للاحصاء فإن العنف النفسي بحق النساء الأكثر شيوعاً في المخيمات الفلسطينية، بالنظر إلى حالة التعنيف اللفظي السائدة بين الفلسطينيين رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً، خصوصاً وأن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والمجتمعية المستمرة جراء الاحتلال، والحصار، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة في صفوف الغزيين، يجعل من مظاهر العصبية والتوتر السمة الأبرز بين اللاجئين خصوصاً. 

وتعتقد شمعون أن القتل والتشريد وفقدان الأمن الذي يسببه الاحتلال للرجال والنساء معاً، تحول حياة النساء لجحيم نظراً لما تتحمله من مسؤوليات مركبة، ما يؤثر على أوضاعهن النفسية ويزيد من شعورهن بالتوتر والاضطرابات النفسية، وهو ما يحول كثير منهن لمُمارسات للعنف بحق أطفالهن. 

وتشير إلى تأثير الانقسام السياسي على نفسية النساء، خصوصاً وأنهن كن الضحايا الأوائل للتعصب الحزبي لأسرهن وأزواجهن وأبناءهن، وكثير منهن تعرضت لفقدان عزيز، أو اعاقته، أو لحرمان من عائلتها أو طلاقها لاعتبارات فئوية. 

ثقافة معنفة ايضاً 

كما أن المكون الثقافي للمجتمع الشرقي يضع المرأة والطفل في المكانة الأدنى، ما يحولهما إلى "فشة خلق" للأكبر سناً سواء كان ذكرا أو انثى. 

فالاسم الذي حملته المرأة منذ ميلادها يتلاشى لصالح لفظ "يا مرة" (يا امرأة)، أو "ولي" (من الولية بالعامية)، وعقلها وإحساسيها ليستا ذاتا صلة بالحياة المشتركة، فتستمع كثير من النساء لعبارات من نوع "انتي ايش فهمك؟ مين قال لك تتدخلي؟ مين طلب رأيك؟ خليكي بالطبخ أحسن الك؟"، أو "بدينا نكد؟ هي اللي انتي شاطرة فيه؟". 

ناهيك عن ادوات الحوار الاعتيادية مع النساء، خصوصاً الفتيات منهن: "انصرفي، انقلعي، انخمدي..."، أما شتمها وأهلها فهو حق مكتسب للرجل، وهو ما حدا بمها (26عاما) المتزوجة منذ عامين للتساؤل: "هو بيحق الو يسب على أهلي، بس أنا يا ويلي لو نطقت بحرف مش مناسب عن أهله، يعني هو عنده كرامة وأنا ما عنديش؟". 

ريم فرينة تقول أن النساء يفضلن الضرب على تعنيفهن النفسي، فكثير من النساء المعنفات اللواتي لجأن لها خلال مسيرتها الطويلة في العمل قلن لها "كان أهون عليّ لو ضربني وما قال لي كذا...". 

وهو أمر وافقتها فيه الاختصاصية النفسية هالة السراج، قائلة أن "النساء يعتبرن اهانتهن عبر انتقاد شخصياتهن أو مظهرهن، أو عائلاتهن أسوأ من الضرب"، لافتة الى مدى تأثير ذلك على تقديرهن لأنفسهن ولقدراتهن. 

وأشارت إلى أنهن يعانين من قهر نفسي نتيجة عدم قدرتهن على "الحرد" وترك أولادهن، خصوصاً أن معظم الأسر تجبر النساء على الاستمرار في الحياة الزوجية. 

كيف يؤثر هذا العنف النفسي على النساء؟، تقول هداية شمعون: "المرأة المعنفة لا تملك أن تساعد نفسها فكيف يتوقع منها دوراً ريادياً تساعد من خلاله الآخرين في حياتهم، وتساهم في اتخاذ القرارات المناسبة مجتمعياً وعائلياً وثقافياً؟". 

ووصفت السراج شخصية المرأة اللاجئة، بالقوية، لكنها دفاعية في ردود أفعالها أكثر من سواها، وكأنها في معركة اثبات ذات دائمة، وهي ايضا ذكية في اختياراتها المرتبطة بتدبير أمور عائلتها حتى في أحلك الظروف. 

أم اسماعيل (43 عاما) أم لست أولاد، وبنت واحدة، قالت لـ"ينابيع" أن الحياة كلها مشاكل، فزوجها لا يعمل بسبب عدم قدرته على الرؤية بشكل طبيعي، وأحد أولادها في الجامعة، وآخر في الثانوية العامة، وآخر معاق لم تستطع وضعه في مؤسسة تعليمية لعدم قدرتها على تحمل نفقاتها. 

وتعيش أم اسماعيل في منزل مكون من غرفتين فقط، فيما يكمن مطبخها في بيت الدرج، في عمارة مقسمة بين زوجها واسلافها، وتأخذ في جانبها الكثير في سبيل التخفيف من الضغوط التي يعاني أولادها منها، ومن المشكلات التي تنشأ بينهم. 

بعد سنوات طويلة من المعاناة من الزوج والحماية والسلفات صبرت عليها أم اسماعيل، تجددت معاناتها بعد أن أوكل إليها مهمة تسيير أوضاع عائلتها: "الله لا ينسى أحد، لا أعلم كيف؟ ولكنها دائما اذا ما ضاقت فرجت والحمد لله". 

وترفض ام اسماعيل الشكوى لأحد من متاعبها، ومخاوفها من المستقبل، قائلة بان الشكوى لغير الله مذلة. 

العنف الجسدي 

ريهام، مطلقة لمرتين، وهي لما تزال في الثانية والعشرين من عمرها، قررت بشكل لا رجعة فيه عدم الزواج مرة أخرى مطلقاً..والسبب؟ 

"تزوجت وأنا في 15 من عمري، كنت أفكر أن الزواج يعني حياة سعيدة، وبالفعل كنت سعيدة في البداية وكان زوجي يعاملني بشكل جيد، الا أن مضايقات أخته المستمرة، تسببت في مشاكل كبيرة بيني وبينه، تطلقت بسببها بعد ستة شهور فقط على زواجي". 

نصيب ريهام من المعاناة لم ينته بعد، بل اشتد بعد زواجها الثاني: "كان متزوجا، وزوجته حردانة، ووافقت على الزواج منه بعد تعهده بطلاقها، وبينما نحن في المحكمة لعقد القران، اتصلت به زوجته لتخبره بأنها حامل..بعدها بدأت المصاعب..أسكنني أنا واياها كل واحدة في غرفة، وصار يضربني ويحبسني في غرفتي بدون سبب، متهماً ايايي بتعقيد الأمور مع زوجته الأولى". 

وتضيف: "كان يضربني بالعصا أو البربيش، وخصوصاً اذا ما جاءتني العادة الشهرية فقد كان متعجلاً على إنجابي". 

ريهام لم تحتمل كثيراً، وعادت لأهلها، بعد أقل من ستة أشهر، مطلقة للمرة الثانية، وهي عازمة على عدم اعادة التجربة بعد ما رأته من عنف، وهي منكبة حالياً على الدراسة لتقديم امتحانات الثانوية العامة، وتطمح لاكمال تعليمها. 

ريهام ليست حالة استثنائية، وانما نموذج من حالات كثيرة لازالت طي التكتيم المجتمعي، والقانوني ايضاً، فعشرات الحالات من الحرق والخطف ومحاولات الاغتصاب والشتم والتحقير والايذاء يتم التستر عليها اما داخل العائلة، أو بعد وصولها لمخفر الشرطة لدواعي الستر المجتمعي. 

وفي الأعوام الأخيرة، وفي أعقاب سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، ازدادت صعوبة الوصول لمعلومات حول اذا ما كانت هذه الجرائم تصل إلى مراكز شرطتها، وما هي أعدادها، وأنواعها، وكيف يتعامل مكلفو انفاذ القانون مع الضحايا والجناة على حد سواء. 

الا أن جهود الكثير من المؤسسات النسوية والمجتمعية في مجال التوعية القانونية والمجتمعية للنساء ساعدت في الكشف عن كثير من العنف الممارس ضد النساء في المجتمع الغزي، على رغم أن دراسة لمؤسسة مفتاح حول العنف الأسري في فلسطين في العام 2008 تشير الى أن نسب قليلة من النساء تتوجه الى الشرطة او مراكز الحماية لدى تعرضها العنف. 

وتقول الدراسة أن 1.7% فقط من النساء المعنفات لجأن إلى مراكز نسوية، أو قمن بالذهاب إلى الشرطة، و42.9% استخدمن اسلوب التحدث مع الزوج، و 30.4% قمن بترك البيت، وذهبن الى بيت الأهل، و26% لم يتركن بيوتهن. 

مؤسسات كثيرة والهم أكبر 

في غزة، إلى جانب عدد من المؤسسات النسوية، هناك برنامج غزة للصحة النفسية، وبيتان للأمان واحد تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وآخر لائتلاف نسوي، كما كان للنساء النصيب الأكبر كفئة هشة وضعيفة، من مشروع "العون القانوني" الهادف لتمكين الفئات الهشة في قطاع غزة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الانمائي undp وتمويل الحكومة اليابانية. 

هذا المشروع الذي يشترك في تنفيذه مؤسسات عديدة وكبيرة تبدأ من نقابة المحامين في القطاع، وكلية الحقوق بجامعة الأزهر، وتكبر وتستمر في تقديم خدماتها عبر جمعية عايشة، مركز شؤون المرأة، جمعية العطاء، التحالف من أجل العدالة، مؤسسة الثقافة والفكر الحر، الجمعية الوطنية للديموقراطية والقانون، الجامعة الاسلامية، وثلاثة اتحادات للبرامج النسائية في قطاع غزة. 

هذه المؤسسات مجتمعة، فتحت أبوابها أمام النساء وكل الفئات الضعيفة والمهمشة التي تحتاج للتوعية، المشورة، الدعم القانوني، والقضائي عبر الترافع بقضاياهن في المحاكم. 

فدوى (22عاما)، التي قابلتها "ينابيع" في جمعية عايشة، وجدت من يخرجها من تحت سياط أخوتها، ويساعدها في الحصول على فرصة عمل، لتتحول من "شحاتة" لمصروفها من أهلها كما قالت بنفسها، إلى معيلة لنفسها ولوالدها. 

وعلى رغم أن عملها في تنظيف مركز صحي خيري بمنطقة سكنها لا يدر عليها دخلاُ كبيراً، الا أن تأثيره كان واضحاً على توقف ضربها من قبل والدها، وشقيقها. 

فدوى، حرمت من اكمال تعليمها حتى الصف الثاني ثانوي على خلفية تعرضها ل"معاكسة" من شاب في طريقها من المدرسة للبيت، ولم يشفع لها القسم على "المصحف" أمام شقيقها بأنها لم تبادله أي رد فعل من تعليقها على الشباك، وحرمانها من العودة للمدرسة". 

العنف الجنسي 

تجاهل المسح الذي أجره الجهاز المركزي للاحصاء للعنف الأسري التعرض للعنف الجنسي، ربما تخوفاً من رد فعل شعبي سلبي بسبب تطرقهم لأحد المحرمات المجتمعية، الا أن المختصين المجتمعيين والنفسيين يؤكدون أن جرائم الاغتصاب، والتحرش الجنسي، وسفاح القربى في انتشار مستمر في المخيمات الفلسطينية التي يتفاقم اكتظاظها كل يوم. 

ريم فرينة، قالت لـ"ينابيع" أن الانفتاح التكنولوجي الكبير أثر بشكل سلبي، على زيادة معدلات الاعتداءات الجنسية، علاوة على أن التزام عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية بيوتهم في أعقاب سيطرة حركة "حماس" على القطاع، فاقم الوضع أكثر. 

وقالت أن نساء كثيرات اشتكين للجمعية من قضاء أزواجهن معظم أوقاتهم على شاشات الكمبيوتر، وبمشاهدة أفلام إباحية، أو اقامة علاقات جنسية عبر شبكة الانترنت. 

أما الاختصاصية النفسية هالة السراج، ففاجأت "ينابيع" بالكشف عن شكاوى كثيرة للنساء من مطالب أزواجهن لهن بممارسات جنسية شاذة، في تأثر واضح بما يشاهدونه عبر الانترنت أو القنوات الفضائية الاباحية. 

وكذلك زادت جرائم سفاح القربى بحسب السراج، والتي تترك اثار مدمرة على النساء، والأطفال من الجنسين. 

منال (14 عاما) من مخيم الشاطئ حرمت من والدها بالاستشهاد، ومن والداتها بزواجها، فتحولت الى خادمة في منزل عمها الذي تحرش بها مراراً في غياب زوجته وأبناءه، ما اضطرها إلى الهرب إلى أمها. 

وهي خائفة من تمكنه من ايجادها واعادتها لبيته، ولا تعلم ماذا يمكنها أن تفعل للنجاة بنفسها وبعفتها؟. 



غياب الحماية 

في ثقافتنا، الحامي هو الرجل، ممثلاً بالأب، ثم الأخ، ثم الزوج، فإذا انفضت العلاقة بالأخير، أحيلت لمن سبقه، وكأن المرأة لا تشكل كياناً مستقلاً لذاتها. 

ام محمد (37عاما) من مخيم "جباليا" اضطرت لـ"الحرد" في دار أهلها عدة مرات، احتجاجاً على ضربها المبرح من زوجها على أتفه الأسباب، الا أن أبيها كان يصر في كل مرة على إعادتها لزوجها، فالمرأة ليس لها الا منزلها كما دأب على اسماعها. 

ولم يقتنع والدها بضرورة وقف زوجها عن أفعاله، الا بعد أن نقلها إلى المشفى ليجبر لها يدها، ويلف رأسها بالشاش الأبيض، محولاً قضيتها لـ"كبار" العائلتين، الذين أعادوها لزوجها وأولادها بعد تشديد الشروط على زوجها بعدم ضربها مرة أخرى. 

الحماية العائلية أو العشائرية لازالت أحد مصادر الحماية الأساسية للمرأة، على رغم أنها في أغلب الأحيان ما تؤبد هذا الواقع المجافي بحق النساء. 

وبات واضحاً ان الحديث عن مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة لا يمكن أن يحرز أي تقدم من دون توفير الحماية القانونية للمرأة، فغياب القانون المختص بتوفير الحماية للمرأة المعنفة، وكذلك قصور الاجهزة المكلفة بانفاذ القانون، وتواطؤها احياناً من أهم العوامل المشجعة على زيادة وتيرة العنف ضد المرأة. 

وتكشف مراجعة تحليلية لحالات قانونية مختارة من واقع القضاء الفلسطيني، نشرها مشروع العون القانوني، عن قصور قانوني واضح في حماية المعنفات، ناهيك عن تجاوزات قانونية في اجراءات الضبط القضائي، والمحاكمة، بدءاً من الشرطة، الى مأموري الضبط القضائي، والنيابة العامة، ومحكمة الصلح، ومحكمتي البداية، والاستئناف، تتمحور حول مماطلة أو تأخير في سير الشكوى والقضية حيناً، وفي اساءة استخدام المرونة القانونية لصالح الجاني حيناً آخر، وفي تقدير المحاكم لعقوبات غير رادعة أو زاجرة لغيره أحياناً كثيرة. 

ويتضح من قراءة مجريات هذه القضايا أن كثير من الاحكام القضائية تجاهلت أحد أهم واجبات القضاء في التصدي للظواهر السلبية في المجتمع عبر تشديد العقوبات على الجناة في قضايا يمكن أن يكون لها تداعيات على المجتمع، خصوصاً وأن تعنيف النساء له تأثير واضح وجلي على كامل أفراد الأسرة، ومن ثم على المجتمع، وهي ظاهرة تحتاج وبشدة لتشكيل رادع قانوني عبر تغليظ العقوبات بحق الجناة. 

إنجازات رغم التهميش 

للعنف المعنوي مستويات مباشرة، وأخرى غير مباشرة، ومنها تهميش المرأة وحرمانها من المشاركة في صنع القرار، وهو أمر ضروري وحيوي لتحسين واقع النساء، فمطالبة النساء بحقوقهن طوال القرون الماضية ظلت مرتبطة طردياً بمدى قدرة النساء أنفسهن على التأثير على صناع القرار، والوصول لصناعته بأنفسهن. 

ومن هنا فإن سعي المرأة اللاجئة منذ النكبة الفلسطينية وحتى الآن، دءوب من أجل المشاركة الحثيثة في النضال الوطني، وتقديمها التضحيات الجسام مع شريكها الرجل من أجل تقرير مصيريهما، وتأسيس الكيان الفلسطيني المستقل الذي يعبر عن تطلعاتهما المشتركة. 

وفي الوقت الذي كانت فيه المرأة اللاجئة، تقاوم المحتل، أو تتعرض للاستشهاد، أو الجرح، أو الأسر، كانت تصبر على تلكؤ كبير ومستمر في تأمين حقوقها السياسية لوعيها أن معركتها الأساسية هي مع الاحتلال أولاً. 

وبصبر وأناة، تميز المرأة الفلسطينية اللاجئة خصوصاً، حققت الكثير من المكتسبات، ووصلت للعديد من المناصب على رغم انها لازالت دون طموحاتها. 

ويهتم اللاجئون بشكل خاص بتعليم بناتهم، الا اذا اصطدم بالامكانيات المالية، فتكون كفة التعليم راجحة لصالح الولد حتى ولو كان أدنى في التحصيل الدراسي، الا واقع الحال يشير إلى زيادة كبيرة جداً في معدل تعليم الفتيات حتى التعليم العالي، وزيادة قليلة في عدد النساء الحاصلات على درجتي الماجستير والدكتوراة 

أما عن حقها في العمل، فتشير بيانات ديوان الموظفين للعام 2008 أن نسبة النساء العاملات في قطاع غزة الحكومة بلغت 29.3%من العاملين في القطاع، معظمها في وظائف دنيا، فيما بلغت نسبة مشاركة النساء 15% فقط من القوى العاملة بحسب الجهاز المركزي للاحصاء لعام2010. 

وتشير الاختصاصية النفسية السراج، التي تعمل في إحدى مؤسسات الأمم المتحدة بقطاع غزة الى أن المرأة اللاجئة على محدودية مشاركة المرأة عموما في سوق العمل، حققت لنفسها مكانة مرموقة، فنجد أنهن منتشرات في المؤسسات الرسمية، والأهلية المحلية والدولية. 

مشاركة نفعية 

وحول مشاركة المرأة في المخيمات سياسياً، فيشير مختصين إلى تراجع هذه المشاركة في أعقاب النكسات الوطنية المتمثلة في الانقسام، وتعطيل عمل المجلس التشريعي، ومجالس البلدية، واستمرار تهميش النساء من السياق السياسي العام، وعدم قناعتهن بقدرة الأطراف الحالية سواء كانت سلطة أو أحزاب أو مجتمع مدنى على تحصيل حقوقهن. 

وتنحصر مشاركة أعداد قليلة من النساء خصوصاً من الجيل الأكبر سناً في اطار الأحزاب السياسية، ويبرز هنا انخراط النساء في الانتماء لبعض الأحزاب لمصالح نفعية كالحصول على وظائف لهن أو لازواجهن أو لابناءهن، أو مقابل معونات مالية أو عينية متوقعة. 

هداية شمعون تشترط عدم تعنيف النساء للوصول لنساء رياديات قادرات على زرع روح التسامح وممارسة أدوارهن السياسية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية بالشراكة مع الرجل في تقدم المجتمع بأكمله. 

هذا ولا تزال حقوق المرأة مؤجلة قانونياً، فلازال القانون المصري الذي أكل الدهر وشرب عليه، مرجعاً قانونياً للمرأة في كل ما يتعلق بأحوالها الشخصية، فيعطل حقها في الزواج، والتفريق على حد سواء. 

ويسهل للرجل تعنيفها عبر اشتراطه لاصابة المرأة بكسر في العظم أو إسالة للدم لقبول شكاوها بتعنيف زوجها لها، كما يمنحه حق طلاقها تعسفياً من دون رادع أو محاسب، أو ابقاءها معلقة في انتظار رحمة من زوج أو قاضي. 

وحتى حقها في مؤخر صداقها، وعفش بيتها، وهما سلاح المرأة الوحيد للضغط على زوجها لتحصيل حقها في الطلاق، أو للضغط على الزوج لاعادتها لعش الزوجية، أو لضم الأولاد لحضانتها، دأب القضاة الشرعيون في السنوات الماضية على تفريغهما من محتواهما، عبر تقسيط هذه الأموال على دفعات يسيرة تمتد لسنوات، ما يسهل على الرجل مصادرة كل حقوق المرأة التي لا يكون امامها الا التنازل عن هذه الحقوق مقابل تحصيل حق واحد. 

وتشتكي مئات النساء في ظل ارتفاع وتيرة الطلاق في المجتمع الغزي خلال السنوات الاخيرة، من عراقيل ومماطلة طويلة في حصولهن على حقهن في النفقة. 

أمنة (24 عاما) هرولت لأشهر من المحكمة الشرعية على قاضي التنفيذ للحصول على نفقتها وأولادها من زوجها الذي أبرحها ضرباً وطردها وأولادها من منزله، فما كان من القاضي الا أن يحكم لها بنفقة خمسين ديناراً شهرياً، ورغم ذلك لم يلتزم زوجها بدفعها، ما دفعها إلى مراجعة المحكمة، ومركز الشرطة لمرات عدة لالزام زوجها بالدفع، الأمر الذي يلتزم به لشهر أو شهرين، ثم تتجدد المعاناة وتبدأ جولة أخرى من التوسل لحقها. 

مستغلة اقتصاديا 

تعتقد اتفاقية "سيداو" أن تمكين النساء اقتصادياً، خطوة ضرورية لتعزيز خياراتها، ففي السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة التشجيع المجتمعي لعمل المرأة، ارتباطاً بالأوضاع الاقتصادية المتردية، واغلاق سوق العمل أمام قطاعات واسعة من الرجال الحرفيين، الا أن ذلك لم يصاحبه أي تغيير في النظرة الدونية للمرأة، أو اعتراف بحقوقها الانسانية، أو مشاركتها أو التخفيف من أعباءها الأسرية الأخرى، وهو ما ضاعف مسؤولياتها، وفاقم من الضغوط الممارسة عليها. 

كما أن جل عمل المرأة في قطاعي الزراعة، والصناعة (الخياطة مثلا) من دون أجر، أما عملها في المنزل فإنه أحد واجباتها غير المدفوعة الأجر بالنسبة للرجل، ناهية عن محاولات التقليل من قيمة هذا العمل وأهميته معنوياً. 

علاوة على ذلك فإن حق المرأة في الحصول على ميراثها، وفي تملك العقارات والأصول الثابتة، لازال محل نزاع عائلي وعشائري، لا يصل في جله إلى حكم القانون والقضاء الذي يحسم هذا النزاع وفقاً للشرع بشكل محدد وجازم. 

ويشكك كثير من الباحثين في قضايا قتل النساء على خلفية ما يسمى بـ"الشرف" بأن أطماع بالسيطرة على ميراثهن أو نزاع على حقوقهن المادية وراء قتلهن، مستفيدين من العذر المخفف الذي يمنحه القانون للرجل الثائر لشرفه، ويحجبه عن المرأة، كأن لا شرف لها. 

وكثيرا ما تعنف النساء اذا ما طالبت بتسجيل العقارات باسماءهن على رغم أنهن من دفعن أثمانها، وحتى في حالات افتراقهن عن أزواجهن، فإنهن يتنازلهن عن كل حقوقهن المادية مقابل حصولهن على حقهن في فض الحياة الزوجية. 

ويعتبر سيطرة الزوج على مصاغ المرأة "أبجد هوز" في العلاقات الزوجية في المجتمع الغزي، فليس للمرأة أن ترفض بيع مصاغها لصالح زوجها، حتى أن عدد من النساء فوجئن بأن مصاغهن تحول لمهور عرائس جدد لأزواجهن. 

أما النساء العاملات، فرواتبهن ليس من حقهن، فلبعض الرجال الكلمة العليا في أوجه انفاقه، وحتى في استلامه عبر بطاقة الصراف الآلي من البنك مباشرة، فيما تنتظر المرأة العاملة مصروفها من زوجها في الطابور اليومي مع أولادها. 

بعض النساء يقفن على الحياد في نزاع بين أسرهن وأزواجهن على رواتبهن، وأيهما أحق بالراتب أو ببعضه، تبعاً لمن ربى وعلم من جهة، أو لمن تزوج وحصد من جهة ثانية. 

وأخريات، لم يقدر لهن الله وظيفة عمل، فبحثن عن مشاريع خاصة، عبر استخدام مخزونهن النقدي أو الذهبي، أو عبر الاستدانة أو الاقتراض من المؤسسات النسوية أو الاغاثية، فاجترحن قصص نجاح عديدة، لنساء حولن أسرهن من الفقر المدقع للعيش الميسور أو المستور. 

أم نائل (55 عاما) اضطرت لبيع سوار ذهبي، ورثته عن أمها، وللاستدانة من أقاربها، لعمل محل بقالة متواضع، ورفضت اللجوء لجمعية اقراض تخوفاً من حرمة الفوائد الربوية حيناً، أو من عدم مقدرتها على الالتزام بدفع الأقساط الشهرية، خصوصاً وأنها غير مرتبطة بتحقيق المشروع النجاح من عدمه. 



محددات مجتمعية 

انفصام واضح، في شخصية اللاجئة في مخيمات قطاع غزة كحال المجتمع عموماً، فبعد سنوات عديدة من تصاعد أعداد النساء المحجبات في المخيمات، فإن زيادة عكسية ملحوظة طرأت في الملبس والمسلك العام، حتى بات مشاهد لفتيات يرتدين ملابس ضيقة جداً ويغطين رؤوسهن في الوقت نفسه في أزقة المخيم أمراً مألوفاً. 

ويكاد يكون التضييق المجتمعي متساوياً تقريباً على الظاهرتين، فمن ناحية يتحدث الناس عن المحجبات بوصفهن "يخفين ما هو أسوأ شكلا ومضموناً"، ويرفض البعض قبولهن أو التعامل معهن، ومن ناحية ثانية، يعيب الناس ملبس ومسلك الاخريات، ويشكك في أخلاقهن وانضباطهن المجتمعي. 

وعلى رغم حالة الانفتاح النسبي، فإن اللاجئين في المخيمات لا زالوا صارمين إلى حد بعيد في وضع محددات على حرية حركة المرأة، وسفرها، ويسموا من تستطيع التحرر من هذه القيود بالاسترجال حيناً، وبالفساد الأخلاقي أحياناً أخرى، وهما تهمتان منفرتان مجتمعياً وكفيلتان بحرمانها من الزواج وربما من الحياة أيضاً. 

علاوة على أن النظرة المجتمعية لكثير من قطاعات التعليم والعمل للمرأة، تمنع، وتعرقل جهود المرأة للانخراط في قطاعات يمكن أن تشكل أحد أهم الحلول لأزمة البطالة، في ظل محدودية قدرة السوق المحلي على استيعاب عمالة، عبر فتح آفاق عمل جديدة. 

والصحة أيضاً 

"النساء في المخيمات مسؤولات عن كل كبيرة وصغيرة في عائلاتهن، وآخر من يهتممن به هو أنفسهن". 

هذا ما أظهره تقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "اونروا" المسؤولة عن اللاجئين واللاجئات في المخيمات على حد سواء، من أن نسبة إصابة النساء اللاجئات بفقر الدم بين الحوامل بلغ 35.6%، فيما بلغ 45.7% في صفوف المرضعات". 

كما ينتشر بين النساء في المخيمات أمراض هشاشة العظام، الروماتزم بأنواعه، علاوة على السرطانات، وخصوصاً سرطان الثدي والرحم. 

وتعاني المرأة مع الرجل من تدني مستوى الخدمات الصحية عموماً، والمعاملة غير الإنسانية من قبل مقدمي الخدمة الصحية خصوصاً. 

وتتزايد في الآونة الأخيرة شكاوى المواطنين من الجنسين من الإهمال، والأخطاء الطبية المتكررة بحق المرضى في قطاع غزة، سواء من المستشفيات الحكومية أو الخاصة، وإن كانت نسبة الشكوى أعلى من القطاع العام حتى الآن. 

ولئن كانت الصحة الجسدية والجنسية للمرأة في أدنى أوليات المرأة نفسها، وأسرتها، فإن الاهتمام بصحتها النفسية غير موجود أصلاً إلا في الحالات التي يصاحبها أعراض صعبة تعرقل استمرارها في تأدية واجباتها اتجاه أسرتها. 

وهنا يبدو جلياً حالات الإحباط والعصبية والتوتر التي تعاني منها النساء من مختلف الأعمار في المخيمات الفلسطينية نظراً لما يعانيه من تعنيف مزدوج من الاحتلال، ومن المجتمع. 

ذوات الاحتياجات 

وان كانت حياة المرأة الفلسطينية صعبة بما فيه الكفاية، فإن ذوي الاحتياجات الخاصة منهن أشد صعوبة. 

ففي حال كانت الإعاقة جسمانية، فإن معظم العائلات الفلسطينية تتحرج من التجول ببناتها على الكراسي المتحركة، ما يحرم كثير منهن من فرص التعليم والعمل والانخراط في المجتمع، ويحولهن إلى سجينات لمنازلهن، وربما لأسرتهن. 

يذكر هنا أن المؤسسات التعليمية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة قليلة، وتتوقف خدماتها عند مرحلة تعليمية معينة، فيما لا تزال المؤسسات التعليمية الرسمية على أغلبها خالية من أي تجهيزات لوجستية تسهل التحاق ذوي الحاجات الخاصة بها. 

وان كانت الإعاقة ذهنية، فحدث ولا حرج، عن ظروف حبس وتقييد غير إنسانية بالمرة لهؤلاء النساء، خصوصاً في ظل ندرة المؤسسات المختصة بمعالجتهن، وإسكانهن. 

ويبدو التهميش جلياً بشكل لا يمكن إنكاره، لنساء بهذه الحالة الشديدة من الاحتياج لمن حولهن طوال حياتهن. 

سماهر (21 عاما) مصابة بشلل رباعي، متخوفة من مصيرها في حال وفاة والدتها التي ترعاها بعد أن تقدم بها العمر، خصوصاً وأن باقي أسرتها تتهرب من أي مسؤولية اتجاهها، وهو ما يسبب لها أرق دائم إلى درجة أنها تتمنى الموت اليوم قبل الغد، الذي تتوقع أنه سيكون فيه ذل كثير لها. 

أما والدتها الذي تقدم بها العمر، وتكالبت على جسدها الأمراض من ضغط وسكري، وآلام المفاصل، فتتشارك مع ابنتها في الدعاء وإن كان في سرها بأن يجعل الله يوم ابنتها ويومها معا حفاظاً على كرامتها، وقلبها يتقطع ألماً: "ألا يكفيها الإعاقة، لكي تذل على آخر حياتها أيضاً". 







· ملاحظة: أسماء صاحبات القصص الواردة في التقرير، من اختيارات الكاتبة، حفاظاً على سرية المتحدثات وأمنهن..وهذا عنف آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق