الاثنين، 18 نوفمبر 2013

حليب التين..حب في زمن المراحيض

فجاجة لا يقرها حتى متورط حد الثمالة في حيوانيته وبدائيته.
وجرأة في الكتابة لن يغفرها الكثيرون، وعمق لن يترك البعض لنفسه الفرصة لجمع إشاراته، والاستسلام لانحداراته..
حليب التين، ليست مجرد رواية للكاتبة والإعلامية الفلسطينية سامية عيسى.
إنها خلط لماضٍ مستمرٍ، لن يستسيغه خالطيه ولا حتى المتورطين والمتمتعين فيه.
أنها نقد لم نسمح لأنفسنا من قبل بكثير من الوقت والجهد لنخوض فيه.
إنها الحكاية المستمرة المتوالدة..في المخيم.
في المخيم، الذي عشنا وتأبد فينا.


انه حليب التين الذي أفقدنا بصرنا وسمعنا وقدرتنا على تنشق رائحة اللزوجة، وقدرة ألسنتنا على الإحساس بالمرار.
أنه حليب التين الذي أصاب حواسنا بالصمم كي نحتمل لزوجة نكبتنا وقرف فسادنا وانقسامنا.
من المعقل الأكثر ازدواجاً وانفصاماً في المخيم..إلى شهوة الجنس ولعنته..إلى أهاجيس المقاومة والتحرير والعودة إلى كوابيس الذل والفساد والشتات.
حليب التين، بقدر ما تثير الكآبة في نفسك، والرثاء على حالك، ماضيك، بقدر ما تلهمك بقوة المظلوم المجروح حتى من ذوي القربى، وتفتح في نفسك كوة العداء لكل هؤلاء، وينفث منها أعاصير الحقد على الخاطئين وأحفادهم، فتدرك كم تخون نفسك ومن سبقك من الشهداء واللاجئين والجرحى والمكلومين إن صمتت أو فسدت.
صدّيقة زوجة الشهيد أحمد، المثقفة، القوية التي تصهرها اللا خيارات فتقودها إلى طريق البغاء، الذي هربت منه في بيروت، ليطيح بصمودها في دبي.
وفاطمة الأرملة الأربعينية تعيد اكتشاف جسدها، الذي ما رأته يوما أو عرفته إلا إناء لماء الزوج، وولادة رجالها الأربعة الذي استشهدوا جميعاً.
وأبو علي الذي خلفته الثورة بلا معاش، بلا أسرة، بائعاً للخردة، جائعاً للحب والجنس.
وركاد، رئيس اللجنة الشعبية في المخيمات اللبنانية، الذي عرف المعادلة اما أن تكون سارقاً أو مسروقاً فاختار أن يكون تاجر لدماء الفدائيين ومعاناة شعبه.
تقول سامية عيسى في روايتها على لسان بطلتها صديقة: "صرنا ممسحة للجميع! هكذا فكرت وهي تعلم أنهم، أهل المخيم، فكروا مثلها. لكن أحداً منهم لا يجرؤ أن يعترف بالذنب أو بحصته منه. فضلوا الصمت وإغلاق عيونهم عن الحقيقة. وبدل أن يمضوا في حياكة غطاء للفضيحة مزقوا الغطاء لشدة ما جذبوه، كل باتجاهه ليخفوا عراءهم".
وتستخلص صديقة في الجزء الأخير من الرواية: "الثورة لتحرر الناس من الفقر وترجعنا على بلادنا مش عشان تعبي جيوب القيادات الفاسدة بالمصاري ورؤوسهم بالتكبر على أبناء المخيمات. هنّي بواد وأهل المخيمات بواد. وبعدين عم نضيع اتجاه البوصلة. مين عم بيحارب غيركم وكم واحد شريف هون وهون بالتنظيمات. على شو خايف يا أحمد؟ لازم نصرخ فيهم ونحطّ النقاط على الحروف. هذه أموال الشهداء واللاجئين! حرام والله حرام. نحنا صرنا شهود زور!".
ما أشبه اليوم بالبارحة حتى لو أضحى لدينا أفخم المراحيض وأشدها خصوصية، فخصوصيتنا "تضاجعها" كل الأضداد والمترادفات.

* خواطر على هامش قراءة رواية "حليب التين" للاعلامية والكاتبة سامية عيسي الصادرة عن دار الآداب للنشر والتوزيع-بيروت

هناك تعليق واحد:

  1. والله تستحقين كل الاحترام استادة سامية علي ما تقدمينه مزيدا من التقدم والازدهار هده تمنياتي لكي

    ردحذف