حديث مع



بعد عام على اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "المجلة" تحاوره من داخل سجنه في أريحا 

سعدات يدعو السلطة الفلسطينية إلى إلغاء اتفاقها مع إسرائيل وأميركا وبريطانيا 

ويؤكد أن إعطاءه الأوامر من داخل سجنه في أريحا بتنفيذ علميات فدائية شرف لا يدعيه. 

غزة-سامية الزبيدي

دعا الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات السلطة الفلسطينية إلى إلغاء الاتفاق الذي وقعته مع إسرائيل تحت إشراف أميركي بريطاني، وتم بموجبه رفع الحصار المفروض على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات آنذاك مقابل اعتقاله وأربعة من رفاقه في الجبهة.

وكانت السلطة الفلسطينية اعتقلت سعدات في 15كانون ثاني (يناير) الماضي، رضوخا لضغوط إسرائيلية أمريكية بريطانية، وسجنته في مقر الرئيس عرفات بمبنى المقاطعة في رام الله، بعد أن اتهمته إسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي اليميني المتطرف رحبعام زئيفي، التي نفذها أربعة من أعضاء الجبهة، يقبعون حاليا مع سعدات في سجن أريحا، الذي عادت السلطة الفلسطينية ونقلتهم إليه منذ الأول من أيار (مايو) الماضي ،إضافة إلى فؤاد الشوبكي المسؤول المالي لقوات الأمن الوطني الفلسطيني والمتهم في قضية سفينة الأسلحة "كارين أيه"، بموجب الصفقة التي أبرمتها مع إسرائيل لفك الحصار عن الرئيس عرفات.

حول هذه القضايا وغيرها، أجرت "المجلة" الحوار التالي مع سعدات من داخل سجنه في أريحا:



س1: الاهتمام الداخلي والخارجي بالحوار بين "فتح"و"حماس" يعطي انطباعا بأنهما اللاعبان الأساسيان في الساحة الفلسطينية؟ فهل أصبحت الجبهة الشعبية لا تشكل ثقلا فيها ؟

ج: ما يؤرقنا ويقلق جماهير شعبنا في هذه المرحلة التي تمر فيها القضية الداخلية الوطنية ليس تحديد مكانتنا أو مكانة أي فصيل في ملعب الصراع الداخلي، فما هو مطروح على شعبنا من تحديات أكبر من أن تحصر في ترتيب القوى حسب وزنها، أو أن تتصدى لها قوة أو قوتان وتحتاج أن يكون الشعب وفصائله طريقا واحدا مسلحا برؤية موحدة لإدارة حربه الدفاعية عن الوجود والهوية الوطنية المهددة في مواجهة الحرب الهمجية التي تديرها حكومة شارون العنصرية.

وعلى هذا الأساس فأننا في الجبهة ننظر بإيجابية إلى أي حوار ثنائي فلسطيني _فلسطيني أو مبادرة داخلية أو خارجية تسعى لإعطاء دفعة للحوار الفلسطيني الداخلي لإعادة بناء وترتيب بيتنا الفلسطيني بما يمكننا من تحشيد وتعبئة كافة عناصر القوة لدرء الأخطار التي تهدد مستقبل ووجود شعبنا وحقوقه الوطنية العادلة.

ومن هذا المنطلق لا يضيرنا أن نكون في المرتبة الثانية أو الرابعة أو حتى الأخيرة ، إذا كان منسوب دورنا يعطينا هذا الوزن، ما يهمنا أن نكون على الدوام على أعلى درجة من المسؤولية والإحساس بالواجب الوطني اتجاه شعبنا وقضيته الوطنية، واعتقد أن وزن الجبهة ودرجة تأثيرها وحضورها في هذا المجال ليس هامشيا، أن لم يكن مميزا، وهو ما عكسته مشاركة الجبهة الفاعلة ضمن جولة الحوار الداخلي في إطار لجنة المتابعة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، والتي توصلت إلى مشروع مسودة للتفاهم بين كافة القوى حول كافة محاور النقاش التي يطرحها الوضع الراهن ثم في العاصمة المصرية لاحقاً.



س2: في حال أعلنت الفصائل الفلسطينية المختلفة وقفا للعمليات في داخل الخط الأخضر هل ستحذو الجبهة حذوها؟

ج: يبدو أن موضوع العمليات الفدائية داخل الكيان الصهيوني أصبحت كرأس الدبوس الذي تتجمع عليه كافة عفاريت الأرض والسماء، فهل حقا هي قضية القضايا، التي إذا تفاهمنا واتفقنا على وقفها سيجري حل كافة معضلات الوضع الوطني الداخلي وتفتح الآفاق لشق طريق الانتصارات على جبهة الرأي العام الدولي؟، ولماذا التركيز عليها مع أنها في تأثيرها لا تساوي واحد من الألف من تأثير حرب العدو الهمجية؟، أم لأنها أقوى سلاح يمتلكه الشعب الفلسطيني في حربه غير المتكافئة مع اسبارطة عصر العولمة إسرائيل؟، ألا تعني هذه الهجمة أنها محاولة لتجريدنا من السلاح؟، ألم يبدأ العازفون اليوم على لحن لعن العسكرة بهذه النوتة وانتهوا بمطالبة شعبنا ليس فقط بوقف مقاومته بل وأيضا بتحميل المقاومة مسؤولية تعثر مسار المفاوضات المتعثر أصلا.

إن أي حديث يحصر الخلاف في هذه الزاوية فان صاحبه لا يسعى فعلا إلى تحقيق التوافق الوطني، و يخالف احتياجات الساحة الوطنية الفلسطينية، فما نحتاجه اليوم هو الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني الجدي والمسؤول والشامل وإجراء مراجعة شاملة للمرحلة السابقة نستخلص على أساسها الرؤية السياسية الأصوب لإدارة صراعنا مع العدو ، والشكل الأمثل لبناء مؤسسات الشعب الفلسطيني الديموقراطية باعتبارها الحوامل لما تطرحه المرحلة من مهام، وأخيرا أساليب ووسائل المقاومة التي فرضتها ظروف المواجهة والتي تشكل العمليات الفدائية داخل الكيان الصهيوني إحدى أساليبها، لا لنرفض هذا الأسلوب أو ذاك،بل لنظم الاستخدام المنهجي لكافة هذه الوسائل في الظرف والتوقيت المناسب الذي تحدده متطلبات المواجهة الوطنية.



س3: كيف تقيمون مشاركة الجبهة الشعبية في العمل العسكري في الوقت الذي يتهمكم البعض بان عملياتكم موسمية وفاشلة أحياناً ؟

ج: على رغم أننا لا نشعر بحال الرضى عن النفس حين نقف أمام هذا العنوان مع ذلك فان سياق السؤال يحمل في طياته الكثير من التجني على دور الجبهة الكفاحي وآمل أن يجري تصحيح هذا الانطباع، فهل من قدم تسعة استشهاديين خلال العام الأخير، منها ستة عمليات نوعية ناجحة داخل المستوطنات المسورة والمحروسة جيدا في الضفة أو داخل الخط الأخضر؟، أو من شارك قياداته وكوادره وأعضاؤه في كافة معارك المواجهة مع العدو في كل المناطق الفلسطينية، وقدم العديد منهم شهداء، منهم على سبيل المثال القائد الوطني والقومي الكبير الأمين العام للجبهة الشهيد أبو علي مصطفي، والقائد الوطني ربحي حداد عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة ، و رائد نزال عضو لجنة فرع الضفة المركزية ، ومعهم عشرات الشهداء ومئات الجرحى، مضافا إلى كل مطاردة واعتقال اكثر من نصف أعضاء اللجنة المركزية العامة والمكتب السياسي وكامل أعضاء لجنة الفرع المركزية، هل هذا المستوى من العطاء عملا موسميا، وإذا كنا كذلك فلماذا يستهدف العدو قيادتنا وأعضائنا وكوادرنا.

واعتقد أن الجميع يعرف محدودية إمكاناتنا ومستوى قدرتنا على توفير وسائل وأدوات العمل أو التعبئة الواسعة لأعضائنا، فنحن التنظيم الوحيد الذي يفتقد الدعم الإقليمي أو العربي أو المحلي أو الدولي واعتقد أن في ذلك دلالة على أن طموحنا واستعدادنا الداخلي أعلى بكثير من الإمكانات المتوفرة بين أيدينا وهذا يؤرقنا ، لان الواجبات المطروحة على فصائل العمل الوطني كبيرة وتحديدا على قوى المقاومة.



س4:إلى أين ترون الأمور تسير على الساحة الداخلية الفلسطينية في ضوء الصدامات والخلافات بين السلطة والمعارضة؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة من وجه نظركم؟

ج: الأزمة الداخلية التي يعيشها الوضع الداخلي هي نتاج عدم تنفيذ استحقاقات ترتيب البيت الداخلي ، فالانتفاضة كحالة نوعية وانعطاف حاد طرحت بقوة ضرورات إعادة بناء الأدوات والمؤسسات القيادية بما يلائم حاجات نمو وتصاعد ظاهرة المقاومة، كما أن الحرب الشاملة التي فرضها العدو على شعبنا في إطار سعيه لإجهاض الانتفاضة أضافت ضرورات جديدة لإعادة صوغ العلاقات الفلسطينية ، فالوحدة الميدانية في ساحات الاشتباك في ظل غياب الوحدة السياسية ستظل قاصرة عن احتواء التناقضات الداخلية ومنع تفاقمها وتراكمها، وإذا تعذر تحقيق الوحدة السياسية فهذا لا يسقط ضرورة صوغ اللوائح الناظمة التي تضع كل فصيل في إطار ممارسته لواجباته النضالية.

فما تشهده الساحة الداخلية اليوم مؤشر إلى وصول مستوى التناقض الداخلي إلى مستوى الأزمة وهذا بدوره يحتاج لإدارة حوار وطني شامل جاد ومسؤول يستهدف إعادة تنظيم وترتيب الوطن بما يؤدي إلى درجة من الوحدة تبقي الجميع مشدودا صوب إدارة صراعه الرئيس مع الاحتلال، وفي هذا الاتجاه فقد قطعت القوى السياسية في قطاع غزة شوطا يستحق التثمين وتوصلت إلى مسودة وثيقة تصلح لان تشكل ورقة عمل لإدارة حوار حول تفاصيلها في أعلى المستويات القيادية لإخراج الوضع الداخلي من أزمته الراهنة.

ومع ذلك وعلى رغم أية مظاهر سلبية هنا أو هناك فإني على ثقة في أن كل القوى الفلسطينية تتحلى بدرجة من الشعور بالمسؤولية يمنعها من نقل الصراع إلى الداخل الفلسطيني،وهذه الروح المسؤولة قادرة من خلال التفاعل والحوار على إيجاد الحلول لتناقضاتها .



س5: ما هي حقيقة اتهامكم من قبل إسرائيل بأنكم تعطون الأوامر بتنفيذ عمليات فدائية من سجنكم في أريحا؟

ج: أرفض أن اقف، أو أن يقف أي من قيادات العمل الوطني أو أي مناضل فلسطيني متهما أمام حكومة الاحتلال الصهيوني، فالوضع الطبيعي أن يكون الاحتلال وقيادته وحكومته التي تمارس جرائمها وحربها لتهديد وجود وهوية وحقوق شعبنا في قفص الاتهام وان تجرى محاكمتهم كمجرمي حرب ، وإجابة على سؤالكم المباشر أقول أن ما تدعيه حكومة الاحتلال شرف لا ادعيه.



س6: كيف ترون السبيل للإفراج عنكم ؟ خاصة بعد صدور قرار الإفراج عنكم من قبل محكمة العدل العليا، ورفض السلطة الفلسطينية تنفيذه ؟ والى ماذا انتهت زيارة كل من وزير الداخلية السابق عبد الرازق اليحي ، والحالي هاني الحسن لكم ؟

ج: السبيل الوحيد للإفراج عني وعن فؤاد الشوبكي ورفاقي الأربعة المتهمين في قضية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، هو إلغاء الاتفاق الذي وقعته السلطة الفلسطينية، الذي نص على استمرار اعتقالنا في إطار ضمانات الرقابة الأميركية البريطانية، و تحرر السلطة من كل الاملاءات الأمنية التي تجعلها تنتهك الأعراف الوطنية والقوانين التي تدعو لسيادتها في المجتمع الفلسطيني.

آمل أن تكون السلطة الفلسطينية قد توصلت إلى قناعة أن استمرار هذا الوضع يؤكد أن لا سبيل أمامي وأمام رفاقي سوى استمرار نضالنا الاحتجاجي المتنوع تعبيرا عن استنفاذنا واستنفاذ الحركة الوطنية والشعبية الفلسطينية طرق الحوار لتحقيق مطالبنا، وآمل أن نصل عبر الحوار خلال فترة قصيرة إلى ما يشير إلى استعداد السلطة لحل هذه المشكلة و إخراج نفسها من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، خاصة بعد لقائي وزير الداخلية السابق عبد الرزاق اليحي الذي حملته مجموعة من الأسئلة عن الأسباب التي تدعو إلى استمرار احتجازي وكذلك الرفاق الأربعة الذين تمت محاكمتهم في ظل غياب أدنى الشروط القانونية أو مبرر الاعتقال من أساسه أو استمرار احتجاز الأخ فؤاد الشوبكي، إلا أن التطورات التي حدثت أجلت موضوعيا الحوار، أهمها حصار المقاطعة الأخير واستقالة الحكومة.

وتقديرا للظروف الوطنية تريثت باتخاذ أي موقف احتجاجي حتى تشكلت الحكومة الجديدة ، والتقيت وزير الداخلية الجديد الأخ هاني الحسن واعدت عليه الأسئلة نفسها، فحملها وعاد في المرة الثانية من دون أن يعطي أي جواب على مبرر استمرار اعتقالنا، أو أية آلية أو موقف لإنهاء هذه المهزلة التي لا يبررها المنطق الوطني وتفتقد إلى أي أساس قانوني، خاصة بعد صدور قرار المحكمة العليا الفلسطينية في الثالث من حزيران (يونيو) الماضي بالإفراج الفوري عني وصدور قرار آخر عن المحكمة يقضي بالإفراج عن الشوبكي في شهر كانون أول(ديسمبر) بما يحمله عدم تنفيذ هذين القرارين من انتهاك لسيادة القانون واحترام الفصل بين السلطات كأساس ومعيار لديمقراطية أي سلطة أو نظام.

ووعد (الحسن) أن يحمل في لقائه القادم إجابات واضحة ومحددة.



س7:ما هو رأيكم في التبرير الرسمي الفلسطيني وراء عدم إطلاق سراحكم حتى الآن هو للحفاظ على حياتكم على رغم قرار المحكمة العليا ؟

ج: ما طرح من تبرير للأوساط الرسمية الفلسطينية لا يقنع من أطلقها، واعتقد أن أوضح من عبر و أجاب بوضوح هو السيد إبراهيم الدغمة وزير العدل السابق المستقيل، فقد عرف الدغمة السبب بإيجاز ووضوح حين قال: أن السلطة لا تستطيع الآن بعد الاتفاق الدولي الذي وقعته بشأن عملية الاعتقال أن تفرج عن سعدات" وكان ذلك في سياق رده صبيحة إقرار القانون الأساسي الذي نص على الفصل بين السلطات واحترام استقلالية سلطة القضاء.

و أنا أقول أيضا باختصار وإيجاز أن السلطة بعد أن وقعت الاتفاق الذي أصبحت فيه إسرائيل ومن خلال المراقبين شريكا في عملية الاعتقال بل المتحكم فيه من منطق قدراتها و قوتها العسكرية، فان السلطة لا تستطيع الإفراج عني وعن الأخ العميد الشوبكي أو أي مناضل أنهى محكوميته مثل الرفيق عاهد أبو غُلمة (عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة ) ولا يزال رهن الاعتقال دون موافقة إسرائيل على ذلك..وهذا يعني أننا سنبقى رهائن ومعتقلين سياسيين خارج إطار القانون إلى أجل غير مسمى.

أما اقصر الطرق والذي يحسم الصراع إيجابا بين احترام السلطة لقرارات القضاء واحترام سيادته وبين التزاماتها الأمنية فهو إلغاء هذا الاتفاق المشين والمعيق للتطور الديمقراطي الفلسطيني ويمثل أسوأ شكل للتدخل والرقابة الدولية قدمتها تجارب البشرية ،وهذا ممكن، لكنه يحتاج إلى قرار شجاع يرجح كفة الالتزامات الضرورية الداخلية الفلسطينية وليس الالتزامات اتجاه إسرائيل.


س8: وكيف تقيمون رد فعل الجبهة على اعتقالكم في الوقت الذي يرى الكثيرين أنها لا ترقي إلى مستوى حدث اعتقال أمين عام حزب جماهيري يحتل المرتبة الثالثة في الساحة الفلسطينية بعد حركتي فتح وحماس؟

ج:أعتقد أن رد الجبهة كان مسؤولا وحمل في إطاره أعلى مستوى من القدرة على الجمع بين إدارة تناقضها الداخلي مع السلطة وصراعها الرئيس مع الاحتلال، حيث أن التطورات على صعيد هجمة العدو الإسرائيلي على شعبنا تزامنت مع اعتقالي وفيما بعد اعتقال الرفاق الأربعة، وكان من الطبيعي أن تنشّد الجبهة لإدارة الصراع مع الاحتلال على حساب مصالحها الخاصة من دون أن تهمل البعد الديمقراطي لتناقضها مع السلطة.

فقد حولت الجبهة إحدى التظاهرات التي نظمتها احتجاجا على اعتقالي في رام الله لدى اجتياح الاحتلال لأجزاء من المدينة إلى المناطق التي يحتلها العدو بدلا من توجيهها إلى المقاطعة حيث يجري احتجازي، واعتقد أن هذا المثل وغيره وفي ظل هذا التداخل الذي تسارعت فيه خطى الاحتلال نحو إعادة سيطرته على الضفة تطلب هذا الموقف المسؤول، وأنا عموما اشعر أن الجبهة تصرفت كما يجب أن يتصرف تنظيم وطني حريص وغيور على المصلحة الوطنية حتى لو كان في ذلك بعض الخسائر لها .

في الوقت نفسه، فرض سلوك الاحتلال على شعبنا وقائع جعل من قضية اعتقالي قضية جانبية رغم استيائهم العام من سلوك السلطة .



س9: ما هو ردكم على مقولة أن الجبهة الشعبية تعيش حال "انهزام داخلي" إن جاز لنا التعبير؟
ج: حتى نتحدث عن أزمة لابد من تحديد مظاهرها حتى نتفق على وجودها ، ببساطة لا اشعر أن تنظيما انخرط في العملية الكفاحية لشعبنا من الرأس حتى أخمص القدمين، وقدم أمينه العام الأول وقائده ورمز نضاله شهيدا، و أمينه العام الثاني سجينا سياسيا، ونائبه ومعه نصف أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي معتقلين لدى الاحتلال، وأعطى أكثر مما أعطت الجبهة، يمكن الحديث عن انه يعاني من أزمة.
لكن المؤتمر الوطني السادس وضع حدا لتباين الاجتهادات السياسية والأيدلوجية والتنظيمية وصاغ القرارات العامة بشأنها ، والانتفاضة شكلت ميدان اختبار أكدنا من خلالها حضورنا ودورنا السياسي والكفاحي، وهذا يعني أن إطلاق صيغة الأزمة لا يتلاءم مع واقع الجبهة ودورها، أما أن نتحدث عن مشكلات ومعضلات ونقص في الكادر أو أن يكون دورنا دون المستوى الذي كانت تأمله منا الجماهير فهذا ممكن...ونسعى على الدوام لوضع حل لهذه المعضلات، فقد غادرنا الأزمة ، ولا اعتقد أننا سنعود إليها.


س10 : في حال فوز رئيس حكومة إسرائيل حاليا ارئيل شارون أو رئيس حزب العمل عمرام متسناع كيف ترون الأفق السياسي وسبل حل القضية الفلسطينية المتوقع تنافسهما في جولة الانتخابات الإسرائيلية القادمة؟

ج : جربت السلطة المفاوضات مع كل من حزبي العمل والليكود، كما راهنت في وقت سابق على فوز باراك وعملت على توظيف السياسة الفلسطينية من اجل توفير شروط فوزه وكانت النتيجة التي لخصت وكثفت الحد الأقصى للاستعداد الإسرائيلي لتقديم أيّ من الحقوق الفلسطينية، يهبط كثيراً عن سقف الحقوق الوطنية لشعبنا وقرارات الشرعية الدولية.

ومع كل ما حملته تجربة الصراع خلال أكثر من سنتين والتي مازالت مستمرة، فان ما يطرحه متسناع يمكن أن يعيد الاعتبار لحزب العمل وسياسته المتميزة عن سياسة الليكود كقوة معارضة داخل المجتمع والمؤسسة الصهيونية، وربما يحسّن من وضعه الذي تدهور كثيرا في حقبة قيادة بن اليعازر وبيرس ومشاركتها في حكومة وحدة صهيونية، لكنها لا ترقى إلى مستوى الالتزام الواضح والصريح بقرارات الشرعية الدولية التي تنص على انسحاب الاحتلال التام من كافة الأراضي التي احتلت عام 67 بما فيها القدس والاعتراف بحق شعبنا بالسيادة والاستقلال الوطني على أراضيه وحق لاجئي شعبنا بالعودة دون تأويل.

فمازالت قيادة حزب العمل أو غيره من الأحزاب الصهيونية التي تضع نفسها في اليسار تتحدث عن مكافحة الإرهاب لوقف المقاومة الفلسطينية وتتنكر لحق عودة اللاجئين أو لعروبة القدس وحق السيادة الفلسطينية عليها ولا تتحدث عن تفكيك شامل لكل المستوطنات التي أقامتها إسرائيل بعد احتلالها الأراضي الفلسطينية ومن دون ذلك فان فرص تحقيق السلام بالتفاوض مع هذين الحزبين ستكون عقيمة.

وسواء نجح حزب العمل بتشكيل الحكومة القادمة أو الليكود أو اندمجا معاً في حكومة وحدة سيظل خيار الشعب الفلسطيني هو استمرار النضال حتى يتحرك المجتمع الدولي واضعا ثقله لإلزام إسرائيل بالانصياع لقرارات الشرعية الدولية وإنهاء اضطهادها ومصادرتها لحقوق الشعب الفلسطيني.

فالمنطق يقول بعد أن عجز أسلوب التفاوض المباشر خلال السنوات السابقة عن التوصل إلى حل، أن استمرار المفاوضات سيعيد المسار المأزوم نفسه، وربما على شكل أسوأ من الأزمة السابقة.

وعليه فان واجب المجتمع الدولي إذا كان حريصا فعلا على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة إجبار من يعاند إرادته وقراراته على الاستجابة لها ، وليس دفع الطرف المنتهكة ابسط حقوقه على التكيف مع شروط ومتطلبات خصمه الأقوى.


س11: ما هو موقفكم من الخطة الأميركية المسماة "خريطة الطريق"؟

ج: ما يسمى بخارطة الطريق تعبير مكثف وإعادة ترجمة لرؤية شارون وحكومته لمنطق الصراع و آفاق حله ، فهي من حيث الجوهر تقلب منطق الصراع على رأسه وتحوله في شكل تعسفي من صراع بين احتلال عسكري واستيطاني للأراضي الفلسطينية وشعبنا الفلسطيني الطامح إلى تحقيق حريته وانعتاقه واستقلاله الوطني، إلى صراع بين إسرائيل كطرف مُعتدى عليه وتخوض حرب الدفاع عن أمنها و أمن مواطنيها ضد "الإرهاب الفلسطيني" وبهذا تصبح حاجات إسرائيل الأمنية هي المرجعية والحكم والشرط الضروري للتقدم في تطبيق باقي بنود الخطة وجداولها الزمنية، وبهذا تكرر الخطة شرط شارون القديم الجديد الذي عرف بـ"أيام الهدوء المطلق السبعة"، كشرط لأي حديث سياسي.

وعلى هذا الأساس تضمنت الخطة سلسلة من الإجراءات العقابية بدءا من فرض الرقابة الشاملة على مؤسسات الشعب الفلسطيني ومرورا بفرض طبيعة النظام السياسي والقيادة التي تراها أميركا ضرورية لترجمة ما عرف بدعواتها للإصلاح وبهذا تنتهك ابسط حقوق الشعب الفلسطيني التي ينص عليها القانون الدولي والذي يعتبر أن اختيار أي شعب للنظام السياسي أو الاجتماعي أو قيادته يعتبر شأنا من شؤونه الداخلية لا يجوز التدخل فيه أو فرضه عليه، وهي من زاوية أخرى محاولة للالتفاف على إنجازات الانتفاضة الفلسطينية والقرار الدولي الذي نص دون إبهام على حقنا بالاستقلال الوطني و إقامة دولتنا المستقلة و إعادتها من خلال الآليات الجديدة المقترحة إلى المسار السياسي السابق الذي يبقي أميركا كمرجعية وحيدة لأي عملية مفاوضات ويضع المفاوضات المقترحة في مسارها السابق الذي وصل إلى طريق مسدود.

وأخير ا فهي محاولة لتهميش الدور الدولي ومساهماته في إيجاد تسوية للصراع في المنطقة وتحديدا الدور الأوروبي -حتى وان كانت الخطة التي تقدمت بها دول الاتحاد الأوروبي لا تختلف كثيرا عن هذا الجوهر-واستبقاء أميركا كمرجعية سياسية وحيدة ومقررة لأي عملية سلام في فلسطين، فضلا عن استخدامها مفاهيم غامضة من نمط الدولة بحدود مؤقتة واستثناء القدس كموضوع مستعصي وقصر الحديث عن موضوع اللاجئين بالتعويض من دون حق العودة، ومع كل هذه الثغرات فهدف المشروع على الأقل وعلى المستوى المنظور ليس سوى أكثر من ملئ الفراغ لتركيز جهودها للتحضير للعدوان المحتمل على العراق.
س12: ما هو موقفكم من عرض شارون إقامة دولة فلسطينية على نحو 42% من أراضي 67؟

ج: يأتي عرض شارون لخطته السياسية كمناورة سياسية تستهدف توفير الغطاء لجرائمه التي يمارسها ضد جماهير شعبنا، ومحاولة لترويج نفسه كرجل سلام على المستويين الدولي والإسرائيلي كجزء من حملته الانتخابية لتعزيز فرص فوزه في الانتخابات القادمة ،وهي من جهة أخرى تعكس إقرارا بفشل القمع وأساليبه المتنوعة وعجزه عن احتواء الصراع الناشئ عن استمرار الاحتلال العسكري والاستيطاني وتوفير الأمن الذي وعد به المجتمع الصهيوني عشية صعوده إلى رأس الهرم السياسي بعد عدة أشهر من انفجار الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، ولا يختلف هذا العرض عن عرضه الذي سبق أن تقدم به قبل اقل من سنة والداعي إلى فرض منطق الحل الانتقالي الطويل الأمد الذي يحوله مع الزمن إلى حل دائم في حال نجح في فرض الحقائق من خلال القوة على شعبنا والمجتمع الدولي.



س13 : في حال تم تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية هل ستشارك الجبهة فيها أم ستقاطعها كما فعلت في انتخابات عام 96؟

ج: المقاطعة أو المشاركة كسلوك لأي حزب سياسي في أي انتخابات سياسية تشريعية تحددها ظروف ملموسة ترتبط بشروط العملية الانتخابية ولا يمكن أن تحدد مسبقا، لان السياسة راهنة وترتبط بالمعطيات السياسية في كل لحظة سياسية ، وعليه فان الجبهة تتصرف على النحو الذي تمليه عليها مصلحة شعبنا الوطنية وليس مصلحة الجبهة الخاصة والفئوية.

ولكي أبتعد عن العمومية و أجيب عن سؤالكم أقول أننا كحزب ومعنا كافة قطاعات شعبنا الوطنية نطالب بالديموقراطية والانتخابات كآلية لأي عملية بناء ديموقراطي لمؤسسات المجتمع الفلسطيني، وهيئاته القيادية السياسية، وننظر لهذه الانتخابات خاصة وأنها قد تجري وللمرة الثانية في ظل ظروف عدم إنجاز شعبنا لتحرره السياسي، كآلية وجسر عبور لممارسة شعبنا حقه في تقرير مصيره السياسي وسيادته على أرضه، وليس آلية لتكريس الاحتلال وتقزيم حق تقرير المصير في حدود الحكم الإداري الذاتي الوظيفي للصلاحيات المدنية مضافا إليه في بعض المناطق الصلاحيات الأمنية.

ولتحقيق هذه العملية من هذا المنظور نرى أن مجموعة من الأسس لابد من توفرها أبرزها:

1- أن نكون جزءا من عملية انتخابات شاملة للمرجعية السياسية الأولى والقيادية لشعبنا (منظمة التحرير الفلسطينية)، والتي تعكس وحدته في الداخل والشتات، وان يكون المجلس التشريعي أو البرلمان في الداخل جزءا من مجلس وطني منتخب لعموم الشعب الفلسطيني.

2- أن لا تخضع هذه الانتخابات لأية شروط أو املاءات تنتقص من حق أي حزب أو كتلة أو شخص في الترشح أو الانتخاب .

3- أن تجري الانتخابات بعد جلاء الاحتلال ، لان أي علمية ديموقراطية ستفقد نزاهتها وحريتها في ظل وجود الاحتلال ، ويمكن أن تتم في ظل الإشراف الدولي المؤقت من قبل الأمم المتحدة .

4- أن تستند الانتخابات إلى قانون ديموقراطي عصري مستمد من حاجة الشعب الفلسطيني، وغير مقيد بأي شروط، ومستند إلى التمثيل النسبي، كأساس لإجراء انتخابات سياسية تمثيلية لا تتحكم فيها النزعات العشائرية أو الفئوية .

هذه هي رؤيتنا للشروط الضرورية لأي انتخابات تجسد آلية لممارسة شعبنا لحقه في تقرير المصير والاستقلال الوطني، وإذا استطعنا نحن ومن يلتقي معنا تحقيقها، أو حققناها جزئيا، حينها سنتخذ الموقف الذي نجده تجسيدا لمصلحة شعبنا الوطنية والديموقراطية.


س14: كيف تقضون يومكم في السجن ، وما هي طبيعة العلاقة مع الحراس الأميركيين والبريطانيين؟

ج: إذا أردت أن اصف الحالة في شكل عام فلا يوجد مشكلة بخصوص الزيارات والطعام والعلاج، لكن الأهم من كل ذلك مضمون الاعتقال السياسي من حيث أولا نحن معتقلون من قبل ثلاثة أطراف إلى جانب السلطة الفلسطينية، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

وإذا أردنا الترتيب فان الطلب إسرائيلي والسجن فلسطيني وضمان علمية الاعتقال و تنفيذ الاتفاق برقابة مباشرة،فهو أميركي وبريطاني وهذا ينتج عنه عدة مشكلات الأولى أن عددا من المعتقلين هم (سعدات والشوبكي وعاهد أبو غلمة) خارج إطار القانون من حيث أن الأول والثاني حصلوا على قرارات بالإفراج عنهما من قبل المحكمة العليا ولم تنفذ، ولن تنفذ ، والثالث أمضى محكوميته لمدة سنة ومع ذلك لم يجر الإفراج عنه ولن يفرج عنه، وقد انتهت مدة محكوميته في سبتمبر الماضي وبالتالي لم يفرج عنه بذريعة أن الإسرائيليين يرفضون ذلك، وهذا ينقلنا إلى صفة جديدة للاتفاق أنه عبارة عن رزمة لا يمكن تفكيكها بمعنى أن المحكوم عليه مدة 18 عاما مثله مثل المحكوم عليه عاما واحدا.

وبحكم أن التقرير يذهب إلى أربعة أطراف هي السلطة الفلسطينية وأميركا وبريطانيا وإسرائيل فان الإسرائيليين من خلال اطلاعهم على التقارير يقولون أن الشروط غير كافية ولا تمنع المعتقلين من مزاولة نشاطهم .

وهذا يعني أن المتحكم الأساسي في عملية الاعتقال ومدتها وشروطها هم الإسرائيليون الذين يرفضون الإفراج عن أي من الستة ويهددون دائما بالتنصل من الاتفاق، ما يعني تهديد حياة المعتقلين الستة وحريتهم الشخصية وهذا يضعنا أمام حقيقة يمكن استنتاجها وهي أن وضعنا في أريحا لا يختلف عن وضعنا أثناء حصار المقاطعة فنحن تحت التهديد الإسرائيلي المباشر.

وهذا يجعل مصيرنا غامضا دون تحديد مدة اعتقال كل معتقل من الستة أو حتى إذا كان هذا الوقت سينتهي بمبادرة إسرائيلية من جانب واحد قد تقوم بها تحت ذرائع شتى يمكن أن تفتعلها كأن تقول أن الاتفاق غير مطبق كما يجب وان المعتقلين غير معتقلين ولا يعيشون شروط اعتقال حقيقية.

والسؤال المهم هو كيف يمكن أن تكون قوتان عظمتان تدعوان لاحترام القانون الدولي وفي الوقت نفسه تقبلان الإشراف على اعتقال أناس بشكل منافٍ تماما للقانون الدولي من جانبين الأول أن المعتقلين هم مناضلون فلسطينيون والقوانين الدولية تشرع لأبناء الشعب المحتل أن يناضلوا ضد الاحتلال والثاني هو أن هناك وضع اعتقال غير قانوني للثلاثة.

وسؤال آخر حول دور الرقابة التي يجري الحديث عنها دوليا ، هل ستكون بالشروط والمنطق والجوهر ذاته كما في أريحا ، معنى ذلك أن هذه الرقابة ستكون إجراءات عقابية ضد شعبنا الفلسطيني وليس وسيلة من وسائل شعبنا وتوفير الأمن والاستقرار له .









س15 :كيف ترون مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في حال أقدمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على ضرب العراق؟

ج: هذا السؤال يثير سؤالا مرادفا ويشكل مدخلا للإجابة ، فهل من باب الصدفة أن تتزامن حرب الخليج الأولى مع نهوض الحالة الشعبية الفلسطينية في الانتفاضة الكبرى الأولى ويأتي الإعداد للحرب الجديدة أيضا في سياق الانتفاضة الحالية الراهنة؟؟ أعتقد أن الأمر ليس صدفة بقدر ما يقلق أمريكا وحليفتها الوحيدة إسرائيل القوة الإقليمية الموثوق فيها خطر استمرار الانتفاضة والتداعيات التي يمكن أن تثيرها في عموم المنطقة والتي بطبيعة الحال ليست مريحة لأميركا، التي تسعى لبسط سيطرتها وهيمنتها الكاملة على المنطقة.

فاهتزاز مكانة إسرائيل وضعفها وتراجع سطوتها يحتاج إلى أقصى درجة من الدعم حتى لو تطلب الأمر تدخلاً عسكرياً أميركياً.

ومن خلال هذا المنظور فان اللجوء الأميركي للحرب على العراق وغزوها، والترتيب الإقليمي الأمني السياسي الجديد في الشرق الأوسط والذي سيضع إسرائيل في موقع الشريك الرئيس والوحيد، سيخلق ظروفا، ومحيطا مجافيا لنضالنا الوطني وانتفاضة شعبنا المجيدة.

لكننا على رغم كل الصعوبات وعظم التحديات الجديدة فان النضال الفلسطيني سيستمر لان مبررات وجوده ستظل قائمة مادام الاحتلال قائما وما دامت حقوقنا الوطنية مصادرة.



س16 : ما هي الكلمة التي توجهونها لأمتكم ولشعبكم ورفاقكم في الجبهة بعد عام على اعتقالكم ولمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاقة الجبهة في الحادي عشر من كانون اول (ديسمبر)؟

ج: ما يمكن أن أوجهه إلى رفاقي في الجبهة لن يختلف عما يتوجب علي إسماعه لجماهير شعبنا، فرفاقي جزء من جماهير شعبنا ومن كياناته السياسية الوطنية المناضلة، ورسالتي لجماهير شعبنا وامتنا العربية ، أننا كشعب وأمة وفي ظل الحرب التي تفرضها علينا أميركا الإمبريالية وحليفتها في المنطقة إسرائيل، سواء في استهداف العراق أو القضية الفلسطينية ، تطرح علينا خيارين لا ثالث لهما، أما الاستسلام والذل لامتنا العربية ولشعبنا، أو المقاومة، وان النصر سيكون حليفنا، إن لم يحققه جيلنا، ستحققه الأجيال القادمة، فلتنتقل راية المقاومة والنضال من جيل إلى جيل، فمهما كانت التضحيات الجسام، فان آلامها ستظل اقل وطأة من معاناة العبد المقيد الفاقد لإرادته وكرامته، هذه هي نظرية الشعوب الحية التي ظلت تصوب عينيها نحو شمس الحرية حتى عانقتها.

وان كانت ظروف اليوم مجافية، فان ما نزرعه اليوم من إصرار وعزيمة ورفض للهزيمة سيؤسس غدا لنصر مهيب أن عاجلا أو آجلا، وموازين القوى الراجحة لصالح جبهة الخصم ليست قدرا ، مادام هناك أمة وشعبا حيا "يفز" ليؤسس مداميك حريته وانعتاقه.

هكذا كانت لبنان ، وقبلها اليمن الجنوبي، والجزائر ومصر ، وكل الشعوب الفقيرة التي انتصرت على أعتى آلات الحرب والدمار، التي هُزمت ونزفت في معارك عديدة، خسرت جيوشا، لكنها لم تخسر إرادتها ولم تهن عزيمتها، وظلت تراكم انتصاراتها الجزئية حتى أدركت النصر.





على طريقتها الخاصة
سلوى الخالدى تناضل من أجل حفظ التراث الفلسطيني
حوار-سامية الزبيدي
فلسطين
في حارة من حارات الشيخ رضوان احد أحياء مدينة غزة المتواضعة، يقبع دكان صغير(محل تجاري) يفوح منه عبق التاريخ الفلسطيني...قطع متراصة في شكل لافت للنظر، تسلب اللب وتشغل العقل بجمالها وروعة إتقانها.
تجول ببصرك، محاولا اختيار أجمل ما تراه عيناك، من دون جدوى...فكلما اقتربت من قطعة يشدك إليها جمال وإبداع تصميمها، حتى تجد نفسها مبهورا بأخرى.
في دكان السيدة سلوى الخالدي (40عاما) التي أطلقت عليه اسم "بازار القبائل العربية للتراث" تجد كل ما يخطر لك على بال أو لا يخطر، مطرزا وموشحا بالغرزة الفلاحية الفلسطينية.
السيدة سلوى الأم لثلاثة أولاد وفتاتين، والزوجة المخلصة ورفيقة الدرب لزوجها، والفنانة التي بحثت عن أسمى المعاني لترسمها على طريقتها الخاصة، في مطرزاتها وتحفها وقطعها، التي ترجعك الى ما قبل أكثر من نصف قرن من الزمان...إلى تراث فلسطين الأصيل.
"لها اون لاين" التقت السيدة سلوى وحاورتها مطولاً، محاولة سبر غور هذه السيدة الجليلة وهذا العمل المتميز...في الحوار الآتي:
س. متى بدأت في تصميم الأشكال التراثية المختلفة؟ وكيف اكتشفت موهبتك في هذا المجال؟
ج. الحمد لله، لقد أعطاني الله الموهبة من عنده، فلم اخضع لأي دورات تدريبية، وعلى رغم إجادة والدتي لهذا الفن إلا أنها لم تعلمني إياه، بل تعلمته وحدي، كنت أحب جدا الأثواب الفلسطينية المطرزة، وأحببت ان يكون عندي ثوب فقمت بتطريز الثوب الأول في حياتي عندما كان عمري 12 عاما.
وأذكر انني في ذلك الوقت أنجزت ثوبين دفعة واحدة في مدة لا تتجاوز شهر واحد، وبدأت من بعدها وحتى بعد زواجي بعمل مطرزات بسيطة وجميلة لمنزلي مثل الشراشف والمخدات(الوسائد) ومعلقات مطرزة وغيرها.
س. تملكين محلا مميزا للأعمال التراثية، متى وكيف فكرتي في افتتاح محل لمشغولاتك وجعلها مهنة لك؟
ج. افتتحت المحل قبل أربع سنوات فقط، إلا انني كنت قبل ذلك لأكثر من عشر سنوات اصنع المطرزات المختلفة وأبيعها، لكن في حدود ضيقة وأنا في منزلي، أما وقد كبر أبنائي و أصبحوا يعتمدون على أنفسهم، فقررت استغلال المساحة الموجودة أسفل منزلنا في تنفيذ فكرة طالما راودتني، وهي ان يكون لدي محل تجاري خاص اعرض فيه مطرزاتي التي أعطيها من وقتي وجهدي وتفكيري الكثير، ليراها الجميع ويعرفون جمال وروعة تاريخنا الفلسطيني.
والحمد لله افتتحت المحل، وكانت بداية متواضعة وبسيطة، عملت على تطويرها شيئا فشيئا، حتى صنعت من اللاشيء شيئاً، افتخر به جدا.
س.ماذا تطمحين من وراء هذا العمل؟
ج. اطمح في شكل أساسي إلى إيصال هذا الفن والتراث الفلسطيني إلى كل أصقاع الأرض، فمن فرط ما أحبه أتمنى دائما ان أرى كل فلسطينية ترتدي الثوب الفلسطيني بدلا من الأثواب المستحدثة والغربية. وثانيا اطمح إلى إثبات هوية هذا التراث الفلسطيني الذي يسرق منذ عشرات الأعوام من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكثيرا ما شعرت بالدم يغلي في عروقي وأنا أرى مضيفات الطيران الإسرائيليات يرتدين الثوب الفلسطيني المطرز، ويفتخرن به، مدعيات انه تراثهن، بينما الفلسطينيات لا يفعلن، كما يشتد غيظي عندما أرى السرقة والاغتصاب الوقح لتراثنا على شاشات التلفزة الإسرائيلية عندما أراهم يدبكون الدبكة الفلسطينية على أبواب الخيمة العربية الأصيلة التي خرجنا جميعا منها، مرتدين الثوب والحطة الفلسطينية، لذا اسعى بكل جهدي من خلال عملي الى فضح الكذب والسرقة الاسرائيلية والمحافظة على تراثنا من الاندثار او النسيان.
كما انني اطمح في المستوى الثالث إلى مساعدة زوجي وعائلتي ماديا، حيث تعاني اسرتى من ضيق مالي، في الوقت الذي يدرس أبنائي في الجامعات ويحتاجون إلى مصروفات كثيرة.
س. كيف ينظر زوجك وأولادك إلى عملك؟ وهل وجدت منهم تفهما لموهبتك الخاصة؟
ج. الحمد لله، دائما ما أجد الدعم والتشجيع من قبل زوجي وأولادي في كل خطوة أخطوها في عملي، منذ افتتاح المحل وحتى الان، وكثيرا ما يساعدني ابني البكر في تغيير بعض تصاميم أو طريقة عرض بعض الأعمال في شكل أكثر جمالا وتميزا، حتى انه هو من اقترح تسمية المحل بـ"بازار القبائل العربية للتراث"، كما انه يساعدني في تحسين إنتاجي بمقترحاته الدائمة.
ولقد توسعت في عملي بعد ان كبر أولادي وأصبحوا يعتمدون على أنفسهم، وزوجي يعطيني الثقة الكاملة في التصرف، لإدراكه انني لن أتصرف إلا بما يعود عليه وعلى أولادنا وعلى وطننا إلا بالخير.
س.ما هي ابرز الأشغال التي تقومين بعملها؟ وكيف تخدمين بهذا العمل وطنك؟
ج. افتخر كثيرا بانني استطعت ان اجمع اكبر عدد ممكن من الأثواب الفلسطينية التراثية المختلفة، التي تخص كثير من بلدات فلسطين وقراها، ومازلت أسعى الى جمع المزيد، حيث ان هناك أثواب مدن وقرى موجودة منذ خمسون عاما، فكل بلدة في فلسطين لها ثوبها المميز، يافا زرنوقة المجدل كرتة زدود الفالوجا والمسمية وبيت لحم وغيرها من قرانا التي احتلت العام 1948 من قبل قوات الغزو الصهيوني.
كما انني أقوم بحياكة أثواب على شاكلة التي اجمعها للمحافظة على هذا التراث وضمان استمراريته، إضافة إلى انني سعيت ومازلت لإدخال التطريز الفلاحي في كل ما يخص الحياة الحديثة، من أغلفة الهواتف النقالة إلى حقائب النساء، وملابسهن، والصور والمرايا وغيرها مما يستخدمه الإنسان في عصرنا الحالي.
ولعل ابرز ما سعدت بإنجازي له هو تطريز للمسجد الأقصى، حيث انني زرت القدس قبل اندلاع الانتفاضة الحالية، وقمت عند زيارتي للحرم القدسي للصلاة فيه، برسمه وتحديد ألوانه الحقيقية، وعندما عدت بدأت في رسم المسجد الأقصى بالغرزة الفلاحي الفلسطينية، وقد وفقت فيه إلى حد كبير، وحافظت على جمال ألوانه الطبيعية.
س. كيف تقومين الاهتمام بالتراث الفلسطيني؟
ج. الاهتمام كان ومازال ضعيفاً ودون المستوى المطلوب في شكل عام، إلا انه شهد كسادا اكبر خلال الانتفاضة الحالية.
كما ان الإقبال على التراث الفلسطيني كان في معظمه من قبل الأجانب، إلا ان الفلسطينيين بدأوا يهتمون في الآونة الأخيرة بتراثهم أكثر، حيث نظمت جهات أهلية ومحلية معارض عدة في فلسطين وخارجها للتراث الفلسطيني.
كما ان وزارات السلطة الفلسطينية المعنية بدأت في الاهتمام بهذا التراث أكثر، لكنه يبقى دون المستوى المطلوب أيضا.
س.كيف تسوقين إنتاجك؟ وما هي حدود هذا التسويق؟
ج. في البداية كان تسويق منتجاتي يقتصر على المنطقة المحيطة بي، ثم قمت في مرحلة ثانية بارسال بعض المطرزات الى البلاد العربية لتسويقها هناك بصورة شخصية عبر بعض المعارف.
الا انني مازلت أعاني من ضعف في التسويق، لذا قررت الدخول في معرض للتراث سيقام في مدينة غزة خلال الأشهر القادمة.
س.هل شاركت في معارض سابقة؟
ج. شاركت في معرض نظمه الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في محافظة غزة، وقبل انتفاضة الأقصى بأسبوع واحد فقط، عملت سيدة من الضفة الغربية وأنا لتنظيم معرض هناك إلا ان اندلاع الانتفاضة وإغلاق الطرق والمعابر حال دون ذلك.
وعرض علي في أوقات سابقة المشاركة في عدد من المعارض في الدول العربية والخليجية، إلا انني لم استطع الالتحاق بها لانشغالي حينئذن بأبنائي ودراستهم.
س.ما هي أهم المشكلات التي تواجهك في عملك؟
ج. اكبر مشكلة لدي تتعلق بالمواد الخام التي احتاجها في مطرزاتي من أقمشة وخيوط، حيث أعاني من نقص شديد فيها، وكنت أسافر مرتين في الأسبوع إلى الضفة الغربية لإحضارها من هناك، إلا انني لم اعد أستطيع ذلك بسبب عمليات الاغلاق والحصار المفروضة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.
كما أعاني من قلة تسويق إنتاجي ما يكلفني خسائر كبيرة، خاصة وأنني لا زلت أعاني من ديون سابقة منذ افتتاح محلي.
إلا أنني أتمنى على الله سبحانه وتعالي، أن تتحسن الأوضاع وأستطيع تسويق الإنتاج الموجود لدي، وبيعه.
س.هل حاولت المزج بين التراث الفلسطيني والتراث العربي عموما، والإسلامي خصوصا في مشغولاتك الفنية؟
ج. على رغم اعتنائي بالمشغولات التراثية الخاصة بفلسطين بصورة أساسية، إلا أنني دائما ابحث عن التجديد والابتكار، وكثيرا ما أشاهد قوات التلفزة بنهم بحثا عن البرامج التي تتناول موضوع التراث، إلا أنني حرصت على تصميم مطرزات إسلامية، لأسماء الجلالة، وللرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وآيات من القرآن الحكيم، في تصميمات متميزة وجميلة، لتظل كلمات الله ورسوله أمام المسلم أينما حل أو ذهب، في منزله أو سيارته....
س.كيف تمضين يومك، وتوفقين بين عملك الذي يحتاج إلى تركيز وتفرغ كبيرين، وبين متطلبات منزلك وحياتك الأسرية؟
ج. احرص دائما على تنظيم وقتي، فاستيقظ مبكرا لأصلي صلاة الفجر، ثم ابدأ في ترتيب منزلي، وتهيئة أموره، بمساعدة من بناتي في معظم أعمال المنزل، ثم أتوجه إلى محلي لأبدأ في عمل وتصميم المطرزات المطلوبة مني، وكثيرا ما اضطر إلى السهر إلى وقت متأخر من الليل لإتمام العمل المتبقي علي، لحرصي على التقيد بالمواعيد بدقة متناهية، فعندما أقول لأي زبونة أو زبون أن ما يطلبه سيكون جاهزا خلال مدة معينة، فإنني والحمد لله غالبا ما أكون عند حسن ظنه، وعند الاتفاق، حتى لو كان ذلك على حساب راحتي الشخصية.
والحمد لله، فقد ربيت أولادي أحسن تربية على رغم انشغالي بعملي، حيث زرعت فيهم حب الله وطاعته، والاتكال عليه وحده، والالتزام بفرائضه جميعا، ودائما ما اذكرهم بان الإنسان لن يأخذ من الدنيا شيء غير عمله الصالح في النهاية.
س. هل تشعرين انك تقطفين ثمرة عملك في شكل عادل، في ظل ما تحدثت عنه من ضعف الإقبال على الأعمال التراثية؟
ج. هناك ثمرة لعملي، لكن نظرا للظروف فإنها لا تغطي ما أنفقه، لكني آمل أن يحدث ذلك في القريب العاجل.
وعلى رغم عدم اكتفائي المادي من هذا العمل، إلا أن العائد النفسي والمعنوي لا يقدر بثمن، خاصة وأنا أرى أن عملي هذا يعيل أكثر من 30 أسرة.
فعندما يكون هناك عمل كاف فان عدد النسوة اللواتي يعملن معي على المطرزات يصل إلى 30 امرأة، فيما لا يتجاوز عددهن 6 نساء في الأوقات الصعبة التي نعيشها حاليا.
س.هل لديك رسالة معينة تودين توجهيها إلى أخواتك الفلسطينيات والمسلمات في شكل عام؟
ج. أتمنى من كل فلسطينية ان تفكر في ارتداء الثوب الفلسطيني، وان تهتم بتراثها بدلا من ملاحقة الأزياء الغربية، وان تحرص على ألا يخلو بيتها على الأقل من أي مطرزات أو مشغولات تراثية لتساهم في حفظ الهوية الفلسطينية من الضياع والسرقة.
كما أتمنى على الفلسطينيات أن يفخرن ويعتززن بتراثهن الجميل والمتميز الذي كان مطمعا ونهبا من قبل الآخرين.
وما يثير عجبي هو الضجة الكبيرة التي صاحبت سرقة تراث العراق الشقيق وحضارته، فيما تراثنا الفلسطيني وحضارتنا يسرق منذ عقود في صمت مطبق.
كما اطلب من جميع المسلمين والمسلمات ان يشعروا بمعاناة الفلسطينيين ومشاكلهم واقتصادهم المنهار، ويساعدونهم في تخطي هذه المحن.
كما أطالبهم بدعم التراث الفلسطيني، والمساهمة في حمايته وصونه من النهب، عبر تنظيم المعارض الخاصة به في الدول العربية، ورعايتها.
* لها اون لاين 2003

---------------------------------

في ظل ندرة الكاتبات النساء
الكاتبة والصحافية الفلسطينية مها عبد الهادي تؤكد لـ"لها اون لاين":
v الاعلامية الفلسطينية ضربت المثل في صمودها وقدرتها على الابتكار
v الانتاج الفكري للمرأة يحمل طابعا خاصا واسلوبا مختلفا عن انتاج الرجل، وباب التنافس مفتوح للارتقاء بالعمل
v كتابة النساء تغير ملموس...ومستقبل يبشر بالخير

حوار: سامية الزبيدي
فلسطين
اقتحمت الفلسطينية مها عبد الكريم صالح عبد الهادي، عالم الكتابة، لتدق اصعب ابوابه، فكتبت في مجالات متعددة وشائكة مثل التحليلات السياسية المعمقة، والبحوث والتقارير المطولة، اضافة الى فنون الصحافة المختلفة من اخبار وتحقيقات وتقارير وغيرها.
عملت عبد الهادي في عدد من المجلات والصحف، والمواقع الاعلامية، المحلية والعربية والدولية والواسعة الانتشار، كما نشرت كتابين، تناولت فيهما وضع المرأة من وجهة نظر اسلامية، والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
وتعد عبد الهادي (30عاما)، والام لمحمد (عامان)، والحامل في طفلها الثاني في شهرها الاخير، كاتبة متخصصة في التحليل السياسي.
كما حصلت على  شهادتي البكالوريوس في العلوم السياسية والصحافة، والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس بالضفة الغربية.
في محاولة لالقاء الضوء على واقع المرأة الفلسطينية الاعلامي والفكري، اقتربنا اكثر من النموذج الذي تقدمه الكاتبة والصحافية عبد الهادي، للتعرف اليها والى تجربتها المتميزة في عالم الكتابة، والتغطية الصحافية الجريئة، واجرينا الحوار الآتي معها:
س. لم ترضخ مها عبد الهادي للدور المتوقع من المرأة، وطرقت ابوابا لم تطرقها المرأة الكاتبة من قبل؟ هل تحدثينا عن هذه الفضاءات الجديدة التي طرقتها؟ وأي منها كانت الاجمل في عالمك؟
ج. بدات الكتابة في مجال التحليل السياسي المعمق للاحداث الجارية على الساحة الفلسطينية، خصوصا في مجال العلاقة مع اسرائيل والعلاقات الفلسطينية الداخلية قبل ان انتقل الى الكتابة في فنون الصحافة الاخرى، التي تعتبر اكثر سهولة من مجال كتابة المقالات خاصة فن كتابة الخبر والتقرير والتحقيق التي اجيدها بشكل كامل.
وقد ساعدتني الكتابة في مجال التحليل السياسي على الابداع في كتابة البحوث والتقارير المطولة لعدد من الدوريات الفلسطينية المتخصصة في الداخل والخارج، خصوصا مجلة دراسات شرق اوسطية  ومجلة السياسة الفلسطينية وغيرها.
كما ان لي كتابان منشوران: الاول بعنوان : "اوضاع المرأة في فلسطين من وجهة نظر اسلامية" نشر في العام 1996 ونشر برعاية مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس.
والثاني بعنوان "الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين بعد قيام السلطة الفلسطينية ونشر في العام 1998  تحت اشراف مركز دراسات الشرق الاوسط في العاصمة الاردنية عمان.
لكن يبقى مجال كتابة المقال والتحليل السياسي الأقرب إلى قلبي كوني بدأت العمل بهما ومن خلالهما جاء التعريف بي ودخلت بقوة إلى مجال العمل الصحافي. وهنا لا أنسى أنني حتى الآن أصنف الكاتبة الفلسطينية الوحيدة المتخصصة في مجال التحليل السياسي في الأراضي الفلسطينية بين كثير من الأسماء اللامعة التي برزت في مجال الكتابة عن المرأة وفي المجال الاجتماعي.
س. متى اكتشفتي موهبتك في الكتابة في مجالات صعبة وشائكة مثل التحليل السياسي؟
ج. الحقيقة جاء اكتنشاف قدرتي على الكتابة قضاء وقدرا. فانا كنت التحقت بكلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، ولم اكن اعلم ان لدي قدرات على الكتابة مع وجود اهمتمامات كبيرة لدي بما يحدث من تطورات سياسية على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية.
وشاءت الاقدار ان انهي متطلبا اجباريا في الكتابة الصحافية لدى احد اساتذة الجامعة وهو د. فريد ابو ضهير رئيس قسم الصحافة حاليا، الذي تنبه الى القدرة المتميزة المتوفرة لدي في مجال الصحافة على رغم انني لم ادرس الا مادة واحدة، وشجعني بدوره على التخصص في مجال الصحافة التي لم تكن آنذاك تخصصا رئيساً بل فرعيا فسجلتها مع تخصص رئيس هو العلوم السياسية التي وفرت لي قاعدة معلوماتية مهمة جدا فيما بعد استندت اليها كتاباتي الصحفية.
وتشاء الاقدار ان يسافر د. فريد ابو ضهير الى بريطانيا للحصول على درجة الدكتوراة وخلال فترات زيارته للضفة الغربية قام بافتتاح مكتب صحافي وانا كنت لا ازال في السنة الدراسية الثالثة في الجامعة، وطلب مني العمل في المكتب الى جانب زميل آخر.
وفي البداية ترددت خوفا من ان يعرقل العمل تفوقي الدراسي، حيث كنت منذ بداية التحاقي بالدراسة وحتى تخرجي والحمد لله الاولى على القسم، لكن الجميع شجعني، خصوصا وانني كنت عملت عاما واحدا قبلها في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس لدى د. خليل شقاقي الذي اكتشف ايضا قبل ذلك قدرتي على كتابة البحوث السياسية.
س. كيف عملتي على تطوير قدراتك في مجال كتابة التحليل السياسي؟
ج. كان التطور مفاجئا لي، حيث لم يكن مضى على التحاقي بالعمل إلا اشهر قليلة عندما طلب مني د.أبو ضهير كتابة مقال سياسي وإرساله إليه وفوجئت بعد أيام بإرسال صورة عن المقال المنشور في صحيفة الحياة اللندنية التي يكتب بها كبار الباحثين والكتاب، وبدأت الكتابة للصحيفة بشكل أسبوعي وتطورت مقدرتي الكتابية بشكل كبير بعد تغذيتها بالإطلاع الواسع على الأحداث السياسية وهكذا توسع العمل وأنا حاليا مراسلة لوكالة "إسلام أون لاين" ومقرها قطر، كما أنني اكتب لصحيفة "البيان " الإماراتية، ولمجلات "فلسطين المسلمة" و"شؤون شرق أوسطية" و "السياسة الفلسطينية".
ومؤخرا بدات اطرق مجال الكتابة الاجتماعية وبالتحديد حول قضايا المرأة ولي العديد من المقالات منشورة في صحيفة "صوت النساء" ومجلات "بيتنا" و "الصدى" و "السعادة" وغيرها من المجلات والصحف الصادرة في فلسطين.
س. لمن يرجع الفضل في تطور ادائك السريع؟
ج. الحقيقة لا استطيع ان انسى فضل الكثيرين علي الذين زودوني بالدعم المعنوي والثقة بالنفس في وقت تكون فيها الصحافية اشد ما تكون لمثل هذا الدعم.
وعلى المستوى العائلي لا تزال كلمات والدي ووالدتي ترن في اذني وهما يحفزاني على التفوق والتحدي والتقدم، وكان لهما الفضل في ازالة الكثير من المعوقات التي واجهتني، والان بعد زواجي قدر الله ان ارتبط بالصحافة في علاقة ابدية، حيث ان زوجي ايضا صحافي واستشيره في الكثير من كتاباتي، حيث احرص على سماع ملاحظاته حول ما اكتب وهو ما يشعرني بالقوة والرضا عما اكتب وانشر.
كما لا يمكن ان انسى فضل اساتذة قسم الصحافة الذين يكنون لي التقدير الى الآن ويقدمون لي الدعم المعنوي الذي اعتبره في غاية الاهمية، خصوصا د.ابو ضهير الذي رافقني منذ بداية خطواتي في العمل الأعلامي وكان له الفضل في تقديمي الى صحيفة "الحياة اللندنية" التي اعتبرها المنبر الرئيس الذي اوصلني الى ما انا عليه الآن.
كما لا أنسى أيضا زملائي من الصحافيين، خصوصا في مدينة نابلس، حيث تلقيت الكثير من الدعم منهم وكانوا يعتزون بأنني الإعلامية الوحيدة بينهم حتى العام 1999، حيث كنت لا أزال الصحفية الأولى في منطقة الشمال ولا أنسى كيف تم انتخابي من قبلهم بالإجماع في انتخابات نادي الصحافيين في العام 1999.
س. ما مدى رضاك عما وصلت اليه، وهل كنت تتوقعين المزيد؟
ج. الحمد لله رب العالمين. انا اشعر بأن ما حققته خلال سنوات قليلة لم يحققه الكثيرون خلال عدة عقود من الصحافيين الذين اعرفهم، وهو التقويم الذي سمعته منهم مرارا ولكن هذا لا يعني بأني وصلت الى ما اطمح اليه فهناك الكثير لا زال على سلم المهمات التي انوي بمشيئة الله تحقيقها واولها الحصول على درجة الدكتوراة هذا العام في مصر ومحاولة توسيع آفاق العمل.
س. ماذا عن الصعوبات التي واجهتك في حياتك وكان لها تأثير على شخصك وكتاباتك؟
ج. بالنسبة الى الصعوبات التي واجهتني. فللصدق على المستوى العائلي لم اجد الا التشجيع والعون، لكن الصعوبات الحقيقية كانت في مجال العمل. فكون انطلاقتي كانت متميزة فان هذا تطلب مني بذل الكثير من الجهود لاحافظ على الاقل على المستوى ذاته مع النظر للتقدم الى الامام.
وحقيقة ان مراحل التطور التي عايشتها، وانتقلت بي لادعى للندوات والمؤتمرات المتخصصة في المجال الصحافي وبعدها في المجال النسوي في داخل وخارج فلسطين قد اعطتني قدرة كبيرة كبيرة على التطور واثبات الذات، واستطيع القول والحمد لله ان رصيدي من الثقة بنفسي وبالله وبمن حولي باتت كافية لتدفع تقدمي الى الأمام ، لكن هذا التقدم هو مثل مسيرة حياة الأنسان فهو كالموج يعلوا احيانا ويهدأ احيانا اخرى .
س. كيف استطعت ان توفقي بين حياتك الاسرية وحياتك العملية؟
-لا استطيع ان انكر بأن ارتباطي بزوج صحافي افادني والحمد لله الى حد كبير. فأنا لا اعتقد بان زوجا يعمل في مجال آخر يمكن ان يتفهم طبيعة عملي التي لا ترتبط بزمان او مكان محدد بالقدر الذي يتفهمه الصحافي.
وزوجي الذي كان يعرفني ويقدر المستوى الذي وصلت اليه حتى قبل ارتباطنا اعطاني الكثير من الحوافز للتقدم، وكان يحرص علي ان لا يكون معيقا لتقدمي في أي مرحلة من المراحل، ولا انسى كيف وافق بل شجعني على السفر الى الاردن حيث كنت مدعوة للمشاركة في  ندوة هناك في الاسبوع الاول لزواجنا.
لكن ومع ذلك فان عمل الصحافية المتزوجة لا يكون بقدر عمل المتفرغة، فالحياة الأسرية تحتاج الى إعطاء المزيد من الاهتمام والرعاية ما يشكل أحيانا صعوبة في التوفيق بين الأمرين، خصوصا وان الأحداث على الساحة الفلسطينية هي في تسارع كبير وتحتاج الكثير من المتابعة.   
س.هل ترين ان انتاج المرأة الفكري يختلف عن انتاج الرجل؟ وكيف اثر كونك امرأة على كتاباتك؟
ج. اعتقد بان قلم النساء يحمل طابعا خاصا وأسلوبا مختلفا عن قلم الرجال، حتى في مجال الكتابة في التحليل الصحافي.
فالنساء غالبا ينظرن الى الامور حتى تلك التي تحمل طابع العنف والقسوة بعين المرأة وحسها المرهف الذي يضفي على الكتابة لمسة جمالية خاصة يستطيع القاريء ان يتلمسها وان يتلمس تأثيرها الكبير.
وهنا لا أبالغ اذا قلت بأن نظرة النساء الى الأمور هي غنية بشكلها وطابعها الخاص الذي لا يقل في مستواه عما يتواجد لدى الصحافي الرجل ومن هنا اعتقد ان هذا يفتح باب التنافس بين الطرفين بهدف الارتقاء في شكل ومضمون العمل الصحافي لا ان يكون التنافس مبارة كلامية فحسب.
س. كيف تقومين اداء المرأة الفلسطينية في شكل عام على هذا الصعيد؟
ج. أعتقد ان الاعلامية الفلسطينية وصلت الى مستوى تستطيع فيه ان تباهي الكثير من الاعلاميات الاخريات على المستوى العالمي وليس على النطاق العربي فحسب.
فالتجربة الفلسطينية بمجملها وفرت للاعلامية الفلسطينية امكانية خوض مجالات كثيرة، والتحرك على صعد واسعة في العمل الاعلامي خاضته بجرأتها المعروفة كمرأة فلسطينية قبل ان تكون صحافية او اعلامية كيف لا والمرأة الفلسطينية تضرب الأمثال في روعة الصمود والتحدي والابتكار والقدرة على التلاؤم والتأقلم مع كل ما يحيط بها من احداث وما يجري من تطورات.
وهناك الكثير من الامثلة على ما  نقول، خصوصا عمل الاعلاميات في القنوات الفضائية اللواتي اثبتن قدرة فائقة على اثبات النفس والصمود في وجه المعيقات الموضوعية والذاتية، والخروج من بوتقة النظرة التقليدية للمرأة عموما ليثبتن امام العالم ان المرأة قادرة على صنع الكثير.. وقادرة على كشف عورات الاحتلال.. وقادرة على مواجهته و فضحه على طريقتها الخاصة .. بالصورة والصوت والقلم.
س. كيف جسدت وفائك لمعتقداتك الاسلامية في كتاباتك وانتاجك الفكري؟ وهل تعرضت لصعوبات معينة بسبب ميولك الاسلامية في الكتابة؟
ج.انا اعتقد بأن الصدقية والموضوعية والشفافية والنظر الى المصلحة العليا الفلسطينية قبل النظر للمصلحة الخاصة في العمل الصحافي تجعل جميع الملتزمين فيها اوفياء لمعتقداتهم الدينية كما حاولت من جانبي.
فخدمة الإسلام لا تتأتى فقط من خلال العبادات وإنما من خلال الأخلاق في التعامل مع مختلف القضايا حتى في المجال الإعلامي والدفاع عن القضايا انطلاقا من هذه الأخلاقيات، وليس من منطلق التناحر الفصائلي أو الحزبي.
س. ما هي مشاريعك المستقبلية؟
ج. الحقيقة ان اهم مشاريعي المستقبلية تندرج في اطارين:
الاول اكاديمي حيث انوي ان شاء الله الحصول على درجة الدكتوراة هذا العام في مصر.
والثاني استمرار تطوير عملي الصحافي وتوسيع آفاقه في المستقبل ان شاء الله.
اما على المستوى العائلي فادعو الله ان يعينني على التميز في تربية ابنائي كما تميزت في عملي الاعلامي حتى تكتمل الدائرة ولا اشعر بالتقصير في أي من هذه الجوانب.
س. الى ماذا ترجعين السبب في قلة الكاتبات ذوات التوجهات الاسلامية في حين نلحظ وجودا اكبر للكتابات ذوات التوجهات العلمانية؟</DIV>
ج. اعتقد ان هذا التقويم بالنسبة الى قلة الكاتبات ذوات التوجهات الاسلامية صحيح الى حد كبير حتى قبل عامين تقريبا، والأسباب نفسها التي تحدثنا عنها سابقا بالنسبة النساء الكاتبات في شكل عام مقارنة بالرجال، وهناك ايضا اسباب اخرى اضافية اعتقد بان لها علاقة اصلا بالفهم الخاطيء لكثير من الاسلاميين بأن عمل المرأة في المجال الاعلامي هو عمل غير مناسب بسبب طبيعة العمل الاعلامي الذي يتطلب من الفتاة الاحتكاك بالوسط الصحافي الذي معظمه من الرجال، فهذا العمل باعتقادهم يتطلب من الفتاة الخروج الى مناطق المواجهات او الى مؤسسات ولقاء شخصيات هنا وهناك وهذا من وجهة نظر البعض قد يزيد من حالة الاختلاط ويضر بالمجتمع.
لكن منذ عامين بدانا نلحظ تغييرا مهما في هذا المجال، حيث بدأنا نلحظ تزايدا ملموسا في عدد النساء الاسلاميات اللواتي التي بتنا نقرأ لهن، وان كان في مجالات محدودة فقط  وخصوصا في الجانب الاجتماعي المتعلق بالمرأة وفي الجانب الديني والدعوي، واعتقد ان أي بداية صعبة، لكن طالما ان الكتابات النساء عموما الاسلاميات في خاص بدأن خوض المجال فان المستقبل يبشر بخير
س. من وجهة نظرك ما هي اهم الموضوعات التي تشغل بال المراة الفلسطينية وتلح عليها حاليا؟
ج. اعتقد ان الهموم التي تشغل بال المرأة الفلسطينية هموم كبيرة وعظيمة، لكن اهميتها تختلف من شريحة الى اخرى.
فبالنسبة الى المرأة الام والزوجة والاخت في الشارع الفلسطيني اعتقد ان سلامة اسرتها واستمرار عيشها في شكل مشرف هو ما يطغى على اهتمامها وتفكيرها.
فالأم والأخت والزوجة حريصة على سلامة أفراد عائلتها من بطش الاحتلال الإسرائيلي، ومن يصاب من هذه العائلات بفقدان احد أفراد الأسرة نتيجة استشهاد أو إصابة أو سجن نرى المرأة حريصة على سد الفراغ الموجود وعدم الاكتفاء بالولولة وسكب الدموع، وهذه مهمة عظيمة تسجل لصالحها، والأمثلة على ما نقول في هذا المجال كثيرة، حيث كثيرا ما نسمع ونشاهد نساء يقمن بدور الأب والأم معا لإعالة أسرهن وينخرطن في سوق العمل أو يقمن بإقامة مشاريع صغيرة تدر دخلا على أفراد الأسرة وتقيهم شر العالة والفقر على رغم أنهن لا يملكن شهادات جامعية أو مؤهلات كثيرة.
وهذه النماذج نجدها ايضا لدى نساء توقف ازواجهن او معيلهن الوحيد عن العمل نتيجة ظروف الانتفاضة فتقوم المرأة  بمحاولة سد الفراغ لتحفظ لاسرتها كرامة العيش.
اما بالنسبة الى النساء العاملات في المجال النسوي فالاهتمام مركز حاليا -كما نقرا ونشاهد من برامج المؤسسات التي تقوم عليها النشيطات في هذا المجال- على الاندماج في العملية السياسية الجارية، وضمان ان يكون هناك دور للمرأة فيما يجري من تغييرات سياسية على مستوى الهيكلية الجديدة في وزارات ومؤسسات السلطة والمجتمع والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وان كان هذا الدور لا يبشر بالخير الكثير. </DIV>
س. كيف تقومين التعاون والتفاعل بين المراة الفلسطينية والمسلمة في البلاد الاخرى؟ وما هو السبب وراء ندرة هذا التواصل؟</DIV>
ج.اعتقد من خلال تجربتي ان العلاقة القائمة بين المرأة الفلسطينية وشقيقاتها في الخارج موجودة، لكن جسر التعاون للاسف يبقى محدودا في اطار اللقاءات خلال المؤتمرات والندوات وورش العمل التي تعقد سواء في فلسطين او في الخارج.
واقول للاسف على محدودية هذه العلاقة لان اثرها والحماس لها يزول مباشرة بعد انتهاء النشاط المذكور من دون ان تكون هناك آليات عمل للتواصل والتفاعل المستمر بين الطرفين.
لذلك فأنا ادعو اخواتنا النشيطات في المجال النسوي في العالمين العربي والاسلامي الى العمل على بناء جسور من التواصل المستمر والفعال لضمان استكمال الجهود لخدمة المرأة  في شكل عام والمرأة الفلسطينية في شكل خاص، وحتى لا تبقى الأمنيات سجينة القول، بل تنتقل الى مستوى الفعل.
*  لها اون لاين 2003