ع الوجع



مسلخ الشفاء
سامية الزبيدي*
عبثاً فشلت محاولاتي لكبح جماح شعور بالغثيان تسلل إلى ملامح وجهي وعيني، فهما مرآتي كما يقول لي الجميع..وعلى رغم تأثري البالغ من رؤية شقيقة صديقتي وهي تكز على أسنانها لكبح أي تعبير علني عن آلامها الشديدة  وهي تمشي في ممر كشك الولادة القيصرية بمستشفى الشفاء بمدينة غزة، بعد انجابها لولدها "محمد" بساعات امتثالاً للأوامر الطبية، الا أن تعاطفي وصدمتي برؤية هذه الشابة التي أعرفها عادةً ممتلئة بالحيوية والطاقة تتحول لامرأة هزيلة الجسد، شاحبة الوجه، تتلوى على أذرع والدتها حيناً وبالركون الى حائط الممر حيناً آخر، كل ذلك لم يستطع أن يمحو الرائحة التي تسللت لأنفي، ولا المشهد الذي ارتسم أمام عيني، ولا حتى الذكريات المريرة التي عشتها يوما هنا في هذا المشفى.
رائحة مادة "الكلور" الممزوجة بروائح الدماء الفاسدة، ومياه الأجنة، التي تتساقط من نسوة يتحضرن لدخول غرفة العمليات للولادة القيصرية، أو يتمزقن من الآلام بعد الخروج منها كانت سيدة الموقف..
غرف مزدحمة، تنفث حرارة أكثر مما يتسرب إليها من هواء بارد من الشبابيك المفتوحة، أربعة إلى خمسة أسرة في كل غرفة، يفصل بين كل منها ستارة لا أعرف لونها من شدة قتامته، أزرق أو أخضر غامق لا فرق، كما لا أتذكر الآن اللون الذي يكسو جدرانها، فالازدحام لا يترك مجالاً لتأثير الألوان أو الاضاءة الطبيعية منها أو الصناعية.
بصحبة كل مريضة إن جاز لنا التعبير، مرافقة أو اثنتان، ووقت الزيارة يتكدس حول سريرها الذي لا تفصله عن الآخر أكثر من نصف متر، ما تيسر من الزوار من نساء ورجال وأطفال.
لا أعلم لمَ توارد إلى ذهني وأنا في هذا الحال، "المسلخ"، تذكرت كيف اضطرني موت جنيني في أحشائي وهو في الشهر الثامن من عمره إلى الولادة في مستشفى الشفاء، وكيف تقاذفتني الطبيبات والأطباء كل إلى الآخر، لاقناعهم بأنني في حالة ولادة، في تجاهل تام لحرمة جسدي، وحرج وضعي النفسي.
وبعد ساعات من الرأي والرأي الآخر، وكأن الديموقراطية لا تتجسد الا على آلامنا، أشعلوا امامي الضوء الأخضر للارتقاء إلى الدور الثالث حيث "كشك" الولادة، لاكتشف هناك أيضا أن أمامي دور طويل من المرشحات للولادة في انتظار تفرغ الأسّرة، ومزاج الطبيب، فهناك وقت للفطور، وآخر للشاي، وآخر للصلاة، وآخر لاجراء المكالمات الخليوية.
أتذكر أن امرأة ضعيفة، بدوية اللهجة والهيئة، بللت ملابسها بالكامل بمياه جنينها وهي تنهب الممر الواصل بين الكشك وباحة الانتظار جيئة وذهاباً حسب أوامر الطبيب لتسريع "ولادتها"، فيما أعرف أن هذه الحالة تستوجب الاستلقاء على السرير.
حاولت اقناع نفسي بعدم الافتاء في غير تخصصي، واضاعة الوقت بالمشي في الممر حيناً، وبالدخول لأول الكشك للبحث عن طبيب أخبره بأني في حالة "ولادة" في الأحيان المتبقية..بعد ساعات جاء طبيب وقال بلهجة قوية وآمرة: "مين حالة ولادة؟ إنت؟ وإنت؟ وإنت؟"، مؤشراً إلى عدد من "رؤوس الغنم" المتلوية هناك، كنت أنا من بينها.
دخلنا إلى غرفة الكشف الأولى، ليتقرر مصير من تحول أولاً إلى غرفة الولادة...هنا أحتفظ لنفسي بذل هذه اللحظات، أذكر لكم منها فقط أن هذا الطبيب قال لي باشمئزاز: "في وحدة بتيجي تولد ببنطلون؟"..
المهم، تشرفت بالدخول أولاً لكشف الولادة، وهناك وقد شارفت دموعي على الهطول، مَنّ الله علي بمرهمين خففا علي ما رأيت: الأول: أن طبيبة قليلة الحجم، رءوم القلب شاركت هذا الطبيب "النازي" في حجمه، وتصرفاته الخشنة، وقساوة كلماته في توليدي، فخففت بعضاً من آلام الطلق، وعجن ما بعد الولادة..وهذه مصطلحات يمكن أن تفهمها النساء فقط.
والأمر الثاني: لا أعرف من هي الدولة أو الجهة التي تبرعت بتجديد كشك الولادة بهذا الأثاث الفاخر، ولكن لها مني أنا إحدى النساء اللواتي صلبن على سرير الشبح المعدني في ولادتي لابني الأول، كل عرفان وشكر وتقدير..وهذا ايضا لن يفهمه الا النساء اللواتي مررن بهذه التجربة.
ففي الوقت الذي يقول فيه العلم أن أفضل أوضاع الولادة هي تحت الماء، أو بجلوس القرفصاء، فإن النوم على الظهر على سرير مريح يعتبر معجزة بالمقارنة مع أسّرة أعتقد أن لها صلة قرابة بهتلر وأفران الغاز لازالت مستخدمة في مستشفيات وعيادات التوليد هنا في غزة.
فاتني أن اذكر لكم مكالمات الهاتف، والحديث الجانبي بين الطبيب والممرضات المستمر ما بين ضحك وجد على وقع أنغام الصراخ الآدمي، علاوة على جولات الممرضات المتدربات مع الطبيب ليأخذن دروسهن وشهاداتهن العملية من وقت معاناتنا وحرمة أجسادنا.
خلاصة الوضع، ولدي لم أره، فالطبيبة الرءوم قالت لي أنه "مشوه" نتيجة موته منذ أيام في بطني..على رغم أن طبيبي الخاص أخبرني فيما بعد أنه كان عليها أن تلفه وتريني وجهه فقط..(إحدى سلبيات التعبير الحر عن الرأي).
الأسوأ بالنسبة لي كان في كتابة الطبيب على ملفي أمراً ببقائي في المستشفى (لاحظوا لم يستشرني ولم يخبرني)، الأمر الذي فسره أحد الأطباء الذي تربطه علاقة معرفة بأسرتي واصطدمنا به صدفةً بالخوف من أي مضاعفات أو تسمم.
لاحظوا كل ما قدمته حول ظروف المبيت، بالنسبة لشقيقة صديقتي، هي الظروف ذاتها التي أمضيت يومين من عمري تحت سنديانها، وهي من أنعش ذاكرتي برؤيتها، ورؤية حال هذه المستشفى بعد أكثر من عامين ونصف على تجربتي الشنيعة، ودفعني للكتابة حولها.
لماذا أقول مسلخ؟، وقد يتهمني القائمون عليه، بالجحود للخدمات الجليلة التي قدموها لي يوماً، ولعشرات الألاف من النساء، وهو المستشفى الأكبر في قطاع غزة، ليس فقط لأن المكان غير صالح لمبيت الأغنام، على رغم الجهود المتواصلة للتنظيف، وزيادة كمية الكلور المستخدمة للتطهير، بل ولأن نوعية الخدمة المقدمة أيضاً لا ترتقي لمستوى التعامل مع البشر، وليس أي بشر، بل نساء في لحظات حرجة من الضعف والألم، يحتجن لكل حنان وصبر واهتمام، هذه الخدمة التي ذهب ضحيتها عشرات النساء ومواليدهن بالموت في أكشاك الولادة أو جراء أخطاء طبية دفعن ثمنها بعدها، وظلت حقيقة ما حدث لهن طي كتمان اللجان التي تشكلت إعلامياً، وحفظت أعمالها ونتائجها في الأدراج المظلمة.
مقالتي هذه، أتمنى أن تزعج البعض إلى درجة أن يضعوا مهمة أنسنة هذا المستشفى وطواقمه على جدول أعمالهم السريع والسريع جداً.

·        صحافية من قطاع غزة


--------------------------------

خلو الفقير على فقرو

سامية الزبيدي
مطاعم، كافيهات، سوبر، وهايبر، ومول ماركت، محال على كل حال، ومن كل الالوان والاشكال، غزت قطاع غزة المحاصر، كما تغزو حبوب الجدري جسد رجل هرم.سنغافورة التي وعدنا بها رجالات أوسلو، والمطبلون والمزمرون له، تحققت أخيراً، لكن على أيدي غرمائهم، الذين عادوا أوسلو وافرازاته طويلاً ثم عادوا وتمرغوا في خيراته أو وحله كيفما تشاءوا، فالأمر "وجهة نظر".هذا الصيف، لم يكن مفاجئاً بحره الشديد فقط، بل ايضاً بانفتاح اقتصادي لافت للنظر، فندق خمس نجوم في غزة، مطاعم فخمة وضخمة، فيلات بأحواض سباحة مغرية، شاليهات ومولات ومحلات كثيرة من أول القطاع لآخره، بعضها أنشأت حديثاً، وأخرى توسعت وتضخمت في المكان والإمكانات والعروض السياحية المغرية، حتى أنك تحتار كيف، ومتى وأين تقضي أوقاتك في غزة؟.لكن السؤال الأهم بالنسبة لشريحة كبيرة من مجتمعنا المعدم، البائس، المستور تحت أسقف الزينكو و الاسبست، وربما الباطون في أحسن الأحوال، هو "من أين؟".ففي الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات المتناقضة في نتائجها كحالنا جميعاً، لمعدلات الفقر والبطالة في القطاع إلى تباين كبير يتراوح بين 38-85 في المئة من مجتمعنا فقراء، وبين 42-57 في المئة منهم متعطلون عن العمل، فإننا نتساءل عن حاجة مجتمعنا لهذه المشروعات الاستهلاكية الضخمة، ومدى قدرة هذه الشرائح الكبيرة من فقراء ومعدمي شعبنا على الاستفادة منها؟.وهل عمالنا المتعطلون منذ مطلع الانتفاضة، وشبابنا الذين يتكدس الآلاف منهم كل عام في انتظار فرص عمل، وحتى موظفي السلطتين في غزة ورام الله الذين تتسرب رواتب معظمهم في الأيام العشرة الأولى من كل شهر، قادرون على الاستفادة من هذه المشاريع السياحية والاستهلاكية الفخمة والضخمة؟ أم هل المطلوب من هؤلاء أن يحترموا أنفسهم ولا ينظروا إلى لقمة أسيادهم من الأغنياء والقادرين على دفع كلفة الانخراط في هذا التطور اللافت؟لاشك أن العروض مغرية جداً، وأعرف عشرات من الفقراء يرتادون هذه الأماكن للفرجة، وأحياناً لنكران فقرهم، وفي الحالتين فإن ذلك يزيدهم إحساساً بفقرهم، وربما يزيدهم فقراً حينما ينفق بعضهم ما يدخره للمصروفات الأساسية على سويعات من المتعة الجديدة، كما أعرف ميسورين (من ذوي الرواتب العالية) تحولوا نتيجة إدمانهم على التمتع بهذه الرفاهية إلى فقراء في النصف الأخير من كل شهر، ما يضطرهم للاستدانة، وربما إعلان الإفلاس فور انقطاع هذه الرواتب أو تأخرها.استذكر أن عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" محمود الزهار، وكذلك برنامج "حماس" الانتخابي، وعد الناس قبيل المعركة الانتخابية بمشاريع استثمارية لا استهلاكية، تشغل الناس، وتقيهم شر السؤال، حتى أنني أتذكر كيف كان يردد الزهار بان جرة الغاز ستباع بأزهد الاثمان...فما الذي حدث يا حماس، وكيف تحولتي من منتقد لأداء السلطة الاقتصادي التبعي للاحتلال، النفعي لأصحاب رؤوس الأموال، إلى ممارس للأداء نفسه؟ وكيف تستقيم دعواتكم للعالم بفك الحصار؟ وأنتم ترعون وتشجعون أصحاب رؤوس الأموال المدعومين، أو الوسطاء باسمكم للاستثمار في مشاريع استهلاكية، تزيد ثروة الأغنياء، وتزيد فقر الفقراء، بل وتزيد إحساسهم بفقرهم وتحرمهم من فرصهم للعمل والحياة بكرامة.لا أكتب اليوم كي أنتقد "حماس" وحكومتها، بل أكتب لأنتقد هذا الأداء الذي يعنيني شخصياً في غزة، كمواطنة أرى، وأحس بنفسي وبمن حولي. هذا الأداء الذي ربط كل حركاتنا وسكناتنا بجدول ضريبي أرهق كاهل الناس، ولم يحارب الاحتكارات بل تعامل معها وكيفها لمصالحه، وترك المواطن وحيداً في معركته مع غلاء المعيشة والأسعار، وتوحش رأس المال، و لم يقدم شيئاً للعمال والفقراء والمعدمين سوى تعزيز ثقافة الهبات والمكرمات والإعانات، والواسطة والمحسوبية في كل المرافق الحكومية.يسؤني ونحن في رمضان، أن يكون هذا هو نموذج السياسة والاقتصاد الإسلاميين الذي انتخبه شعبنا لتغيير هذا الواقع المتردي بالأفضل، هذا النموذج الذي يحاكمه الآن كل أصدقاء وأعداء الفكر الإسلامي الذي ينادي بالإسلام حلاً، ويؤكد أنه نظام شامل لكل مناحي الحياة.ليجبني أحدكم، بم يختلف هذا النموذج عن النموذج الرأسمالي الانتهازي الاحتكاري العفن الذين عانينا هنا في فلسطين إحدى دول العالم الثالث طويلاً من تبعاته؟ولي رجاء بسيط لأباطرة القرار والمال: خلو الفقير على فقره، فإن لم تنتشلوه من ضعفه وقلة حيلته، فلا تسهموا في تعميق فقره، وإحساسه به.


----------------------------

عبودية المرأة الجديدة

 سامية الزبيدي
يزداد يوماً بعد يوم عدد الرجال الباحثين عن زوجات المستقبل من العاملات والموظفات حتى باتوا يتخيرون نوع الوظيفة وقيمة الراتب قبل البحث في سمات شريكة الحياة وصفاتها.
ويحظى هذا التوجه بتأييد العائلة والأصدقاء وتشجيعهم، الأمر الذي يعكس في ظاهره تغيراً مجتمعياً نحو قبول خروج النساء للعمل في مهن مدرة للدخل بأنواعها المختلفة. إلا أن التعمق أكثر في بنية هذا التغيير يكشف عن عبء جديد يريد المجتمع إلقاءه على كاهل المرأة، ألا وهو التخفيف من الأعباء المادية التي ساد الاعتقاد أن الرجل وحده من يحملها لقرون مضت.
فالمجتمع الآن يحض النساء في نسبة كبيرة منه على التعليم والعمل، ليس اقتناعاً منه بإنسانية التعليم والعمل لكل البشر رجالاً ونساءً، وليس باعتباره ضرورة حياتية بل حاجة تتطلبها الأوضاع الاقتصادية المزرية التي وصل إليها سكان فلسطين بوجه عام وقطاع غزة بوجه خاص جراء الحصار المفروض عليه منذ مطلع انتفاضة العام 2000، وزادت وتيرته تباعاً في أعقاب فوز حركة "حماس" في الانتخابات الأخيرة[1]، وسيطرتها عسكرياً على القطاع منتصف صيف عام 2007.
كما لم يأت هذا التغيير نتيجة طبيعية لمعركة الحقوق التي جاهدت المرأة الفلسطينية لنيلها منذ عقود مضت، ولا لمحاولات السلطة الفلسطينية منذ قيامها المواءمة بين قوانينها المحلية والاتفاقيات الدولية لتعزيز حقوق المرأة وتمكينها.
وعلى رغم أن هذه القوانين والتشريعات كفلت حق العمل لكلا الجنسين على قاعدة تكافؤ الفرص في القانون الأساس الفلسطيني وفي قانون العمل الفلسطيني[2] إلا أن هذه النصوص ظلت فضفاضة، بعيدة عن التجديد والتطوير الذي تضمنته المواثيق الدولية الخاصة بالنساء.
ففي الفقرة الثانية من المادة 11 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، تنص الاتفاقية على أنه "توخياً لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، ضماناً لحقها الفعلي في العمل تتخذ الدول الأطراف التدابير التالية: تشجيع توفير الخدمات الاجتماعية المساندة اللازمة لتمكين الوالدين من الجمع بين الالتزامات العائلية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة، ولاسيما عن طريق تشجيع إنشاء وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال".
بل وذهب إعلان بيجين لعام 1995 إلى أبعد من ذلك حينما نص في مادته رقم (15) على أن "المساواة في الحقوق والفرص والوصول إلى الموارد وتقاسم الرجل والمرأة المسؤوليات عن الأسرة بالتساوي والشراكة المنسجمة بينهما أمور حاسمة لرفاهيتهما ورفاهية أسرتهما".
وعلى رغم أن المجتمع الفلسطيني ظل ينظر للمرأة العاملة باعتبارها امرأة قاصر عن إنجاح الحياة الزوجية والأسرية، كثيرة المتطلبات والتطلعات، علاوة على وسمه لكثير منهن بـ"الاسترجال"، إلا أن الأوضاع الاقتصادية المزرية التي وصل إليها الحال في الأراضي الفلسطينية، غير هذه النظرة، وأصبحت المرأة العاملة مرغوبة فجأة وبشدة، وبتنا نسمع أو نرى رجالاً يشترطون أن تكون عروس المستقبل موظفة براتب لا يقل عن كذا، أو تعمل في قطاع محدد.
ويمكن لنظرة سريعة لهذا التغيير أن تكون متفائلة، إلا أن التعمق بين ثنايا هذا التوجه يكشف أبعاداً استخدامية بل واستغلالية جديدة للمرأة. فيوم المرأة العاملة معركة استنزاف مستمر بين المنزل والعمل والالتزامات المجتمعية المختلفة، التي لا يزال الرجل والمجتمع مصراً على تحميلها للنساء فقط على رغم حضه النساء على الخروج للعمل وجني المال.
فنرى أن نساء عاملات كثر يصارعن الوقت للوفاء بالتزامات العمل، من دون التقصير في مهمات المنزل المعلقة بأعناق النساء فقط من إعداد الطعام، وتنظيف، وغسل، وكوي، وربما العجن، ناهيك عن متابعة نظافة الأطفال ودراستهم، علاوة على تأدية فروضها المجتمعية بخطب ود العائلة والأقارب، وكأن صلة الأرحام التي حث عليها الإسلام الحنيف مرتبطة بالنساء فقط.
وعلى رغم الواقع الصعب الذي خلقه تنكر الرجل والمجتمع لطبيعة تغير أدوار النساء نحو الدور الإنتاجي، وتجاهلهما لتكدس الأعباء على كاهل النساء حتى بات الأمر وكأن خروج المرأة للعمل نقمة عليها، إلا أن تذمر النساء وشكواهن الصحية والنفسية جراء تراكم هذه الأعباء دفع بعض الرجال إلى مشاركة زوجاتهم في أعباء المنزل، لكن هذه المشاركة ظلت تمنناً منهم لا واجبة عليهم، وبات المجتمع ينظر لهذه المشاركة باعتبارها تسامح من الرجل وكرم منه في بعض الأحيان، وتحكماً وتسلطاً من المرأة على الرجل في أغلبها.
وهكذا فإن واقع الحال يشير إلى أن المرأة العاملة مربوطة بعجلة من الاستعباد والسخرة لا تتوقف إلا بمرضها الشديد أو موتها، كما أن تحملها لهذه الأعباء الثقيلة يبعدها عن تحقيق أهدافها الفعلية من العمل على تحقيق الذات، والمساهمة في عجلة الإنتاج لصالحها وأسرتها ومجتمعها، وكذلك يبعدها عن المشاركة في العمل النقابي والمجتمعي والسياسي. وهو ما نبه منه تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2008 [3] من أن تحسن أوضاع المرأة في أسواق العمل الدولية لم يساعد في تحقيق تقدم جوهري لتضييق الفجوة بين المرأة والرجل في أماكن العمل"، الأمر الذي يتطلب بحسب تقرير آخر للمنظمة ذاتها[4] إيجاد "سياسات عائلية في مكان العمل لكل من الرجال والنساء على حد سواء بغية المساعدة على تخطي مشاكل العمال ذوي المسؤوليات العائلية من حيث إقامة توازن أفضل بين قضايا العمل والعائلة في عالم يعمل بنظام ساعات أطول وأنماط عمل تجعل المرأة في موقف ضعيف وتؤثر في سيرتها الوظيفية"، ويمكن الإشارة في هذا الجانب إلى أهمية توفير حضانات ورياض أطفال قريبة من أماكن العمل، وتمكين الرجال من أخذ إجازة الأبوة أسوة ببلدان عدة.
وعلى رغم أهمية تطوير القوانين، وسن النظم الإجرائية المنظمة لقطاعات العمل المختلفة وتوفير المؤسسات المساندة للأسرة، في التخفيف من أعباء المرأة العاملة، إلا أن تطوير الوعي الاقتصادي والإنساني بأهمية العمل وضرورته للمرأة والرجل على حد سواء، باعتبار أن العمل الاجتماعي هو جوهر الوجود البشري وما يميزهم عن سائر المخلوقات الأخرى هو المدخل الأهم لمناهضة استعباد المرأة الجديد.
----------------------
[1] فازت حركة "حماس" بأغلبية برلمانية في الانتخابات التشريعية التي أجريت مطلع العام 2006.
[2] نصت المادة رقم (25) من القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت) على أن "العمل حق لكل مواطن، وهو واجب وشرف، تسعى السلطة الوطنية إلى توفيره لكل قادر عليه" إلا أن محاولاتها على مستوى التشريع والممارسة لم تفلح في تهيئة بيئة عمل داعمة للنساء. كذلك فإن قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لعام 2007 نص في مادته رقم (2) على أن "العمل حق لكل مواطن قادر عليه تعمل السلطة الوطنية على توفيره على أساس تكافؤ الفرص دون أي نوع من أنواع التمييز".
[3] تقرير منظمة العمل الدولية بعنوان "اتجاهات التوظيف العالمي للمرأة- مارس 2008" WWW.PANAPRESS.COM
[4] التقرير العالمي بموجب متابعة إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل 2007: "المساواة في العمل: مواجهة التحديات" المقدم إلى الدورة 96 من مؤتمر العمل الدولي، ص 9
-----------------------------------------------------------------------------------------------


أي شباب يا سيادة الرئيس؟ 

سامية الزبيدي

سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن"

اسمح لي من دون أي مقدمات أن أعترض، بوصفي ممن يطالهم اجراءك الأخير، عبر تشكيل المجلس الأعلى للشباب والرياضة التابع لمنظمة التحرير وبعيداً عن الجانب السياسي والقانوني وهو حق لنا جميعاً، فإن ما يدفعني للكتابة اليوم هو ما يتعلق بنا كشباب.

سيادة الرئيس، أنا أعترض على تشكيل هذا المجلس فكرة، ومضموناً، وشكلاً فلا نريد أي مجالس عليا، نريدنا "سفلى" اذا جاز التعبير يا سيادة الرئيس، نريدها أن تمثل الشباب وتعبر عنهم، نريدها أن تأخذنا نحن الشباب للأعلى، لا نريد أن يعتلي رؤوسنا أحد ليس منا.

نريده خياراً يخرج من الشباب وأطرهم ومؤسساتهم، لا مجلساً فوقياً، يحتكر جهد الشباب وتطلعاتهم في نظم بيروقراطية أثبتت عقمها في مجالس وهيئات كثر أنتم أكثر من تعرفونها.

نريده من الشباب يا سيادة الرئيس، بعيداً عن أباطرة المال والسياسة، فهؤلاء الشباب الذين غيروا واجهة المنطقة العربية بأكملها لديهم من الامكانات والطاقات ما يؤهلهم الى أن يديروا أمورهم ويناضلوا من أجل حقوقهم، ويرفعوا اسم فلسطين عالياً في كل المحافل.

سيادة الرئيس، ان قراركم هذا أقل ما يقال عنه أنه مفاجئ، ويتنكر ولن أقول عن عمد أو عن دونه للحراك الشبابي الفلسطيني الذي عبر عن فهم راقي من الشباب الفلسطيني لواقعه ومصالحه ومصالح شعبه.

فبدلاً من أن نشهد تشجيعاً لهؤلاء على المضي في مشوارهم الوطني، وفتح آفاق المشاركة السياسية والمجتمعية والثقافية والرياضية أمامهم، نفاجأ بمحاولة للسطو على حاجات الشباب وطموحاتهم.

سيادة الرئيس، نرفض أن يمثلنا هذا المجلس، أو أي أطر لا تحترمنا كشباب، ولا تقر بالحقيقة الماثلة أمامها، ولا تريدون رؤيتها هناك في رام الله ولا هنا في غزة، لا في السلطة ولا في حكومتيها الرشيدتين، ولا حتى في أحزابنا السياسية، حقيقة أننا خرجنا من القمم ولن نعود إليه مرة أخرى.

لم نعد نخاف يا سيادة الرئيس أن نقول لا، وألف لا لأي محاولة للاستثمار بكافة أنواعه على حسابنا.

سيادة الرئيس، تحت نظرك وسمعك تعرض الشباب المستقل للحراك الشعبي من أجل انهاء الانقسام لكل محاولات الاحتواء، والاعتداء، وحتى التحرش الجنسي ببعض الفتيات، واعتدى بلطجية "الأمن" هناك بزي مدني على شباب معروفين لسيادتكم، أو يمكن أن تعرفهم بسهولة، وهي معلومات موثقة لدى الهيئة المستقلة لحقوق الانسان محلياً، ولدى هيومن رايس ووتش دولياً، وهنا في واحة الديموقراطية المسروقة من الوطن الذي تترأسه، هنا في غزة، أعطونا نحن الشباب عاماً بأكمله، أسموه "عام الشباب"، وفي هذا العام يا سيادة الرئيس ضربونا وسبونا واستدعونا لأننا قلنا "الشعب يريد انهاء الانقسام".

سيادة الرئيس، ارحمونا واحترمونا؟ إنهوا هذه المهازل التي تأكل أعمارنا وأحلامنا يوما بعد يوم..

وتقبل تحياتي

ابنتك/ سامية الزبيدي

21/4/2011

-------------------------------------

لمسة احساس

 سامية الزبيدي

من الصعب بمكان أن نحس بما لا نعرف، وبما لا نرى، وبما لا نسمع، وبما لا نلمس، هذه هي القاعدة التي من خلالها يصوغ الانسان مواقفه، الا أن الأمر ليس كذلك في القضايا الكبرى التي تكون حاضرة بقوتها، بارتباطها العميق والأصيل بكل ما نؤمن، ونحب، ونحلم.

ولن ينفع أياً منا، أن ينغمس في تفاصيل حياته، بحلوها، ومرها، في أن يقول أنه لم يعرف يوماً أن أكثر من ستة آلاف معتقل فلسطيني يمضون أيامهم في غياهب السجن وظلمه، وأنه لم ير عذابات أم أو زوجة في انتظار حبيبها الذي تذوي زهرة شبابه وشبابها من أجل فلسطين، وأنه لم يسمع باستغاثات مئات المرضى الذي يئنون من أوجاع الاهمال والحرمان.

كما لن يشفع لأي منا أنه لم يلمس خد طفل لاسير أو طفلة لأسيرة ليمسح عنها دمعة تساقطت في انتظار لحظات من لقاء ممنوع منذ سنوات طوال.

في القضايا الكبرى، وعندما يضحي أياً منا بدمه، أو ماله، أو سني عمره، من أجلنا جميعاً، من أجل وطننا، من أجل حريتنا وعزتنا وكرامتنا، فلا أقل من أن نجدد في أنفسنا جذوة من الاحساس به، بمعاناته، بحقه في أن يعيش بحرية، وصحة، بصحبة أهله وأحبابه.

هذا الاحساس الذي فقدناه، ومعه لم نستطع أن نبقِ أي وفاء..فكيف نوفي لمن لا نحس، لمن لا نحب، لمن لا نتذكر.

لمن لا يعرف، فان حياوات نائل البرغوثي وفخري البرغوثي واكرم منصور وفؤاد الرازم محجوزة في سجن لا يتعدى الأمتار القليلة منذ ثلاثين عامين، أيامهم تتكرر بتفاصيلها كل يوم منذ ثلاثة عقود، فيما لا يزال سعيد يونس، ورشدي أبو مخ، وجهاد العبيدي، وعبد الهادي غنيم، وسامر المحروم، وحمزة نايفة وأكثر من 135 أسيرا فلم يروا أحبائهم منذ أكثر من عشرين عاماً.

ولمن لا يعرف فإن أكثر من 221 طفلا، اختطفوا من الملاعب، ومقاعد الدراسة، ليتحولوا لأرقام في سجون لا ترحم كبير ولا صغير.

ومن الحرمان من الحرية وهي أسمى معاني الوجود الإنساني، إلى ويلات المرض وآلامه، فأكثر من 1500 مريض منهم من هم مصابون بالسرطان والفشل الكلوي ومرضى القلب يتجرعون في كل لحظة مرارة اوجاعهم في صمت، بعيداً عن أي نوع من الرعاية الطبية، أو النفسية.

ولا تستثنى الأسيرات من هذا الواقع، فبعضهن يقضين أحكاما لا يكفيها أعمارهن لينهينها، فدعاء الجيوسي على سبيل المثال لا الحصر محكومة مدة ثلاثة مؤبدات و 32 سنة اضافية.

هل يتخيلن أحدكم نفسه، مسجوناً في مكان واحد يفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة الانسانية، لمدة ثلاثة أيام، لا ثلاثين عاماً.

كل ما أطلبه من نفسي ومنكم، لمسة إحساس بهؤلاء، ليس فقط في يومهم، بل في كل يوم، دعوة صادقة من القلب لهم بالحرية، كلمة تشد من أزرهم، تضامن مع أهلهم، تعميم قضيتهم.

كل ما أطلبه ممن ينصبون أنفسهم قادة علينا: "لا تزيدوا سجنهم سجناً، لا تخيبوا أمالهم فيما ناضلوا من أجله بانقسامكم وفرقتكم وتناحركم، أعيدوا للبوصلة اتجاهها الصحيح، فلئن كنا عاجزين عن أن نحررهم، فلا أقل من أن لا نقتل أحلامهم بالحرية لهم ولشعبنا.

17/4/2011

-------------------------


مم تخافين يا حماس؟

سامية الزبيدي

زعمت حركة "حماس" وحكومتها مطالبتها بإنهاء الانقسام، وألقت بالمسؤولية عنه على كتف سلطة رام الله وحدها، ولقيت دعوة رئيس حكومة "غزة" إسماعيل هنية بإتاحة الحرية للمعتصمين المطالبين بإنهاء الانقسام الذي تتزعمه مجموعات الحراك الشعبي ارتياحاً كبيراً في أوساط الحراك وشعبنا، واعتقدنا أنهم تعلموا الدرس من النظامين التونسي والمصري، وربما استشرفوا نتائج مبكرة مما يجري في ليبيا..الا أن واقع الحال الذي لم يمهلنا كثيراً جاءنا بالحقيقة.

حقيقة السيطرة والاحتواء والإلغاء الذي مارسته حكومة حماس وحركتها بحق الحراك الشعبي الذي وصل النهار بالليل في التحشيد والتنظيم والتخطيط لحراك شبابي وشعبي هو الأول من نوعه في الضفة وغزة.

فجاء يوم 15 آذار لنكتشف الخديعة. من ادعى توفير الحماية والدعم للمتظاهرين ضد الانقسام، اختطف التظاهرة وخلق انقساماً جديداً حتى بين المتظاهرين أنفسهم، فحوصر من بقي في الجندي تحت رايات حماس الخضراء وخطاباتهم المبايعة لله وللرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام)، فيما نزح مئات من المتظاهرين نحو ميدان فلسطين، ومئات أخرى نحو ساحة الكتيبة.

ولن أتحدث مطولاً عن الاشتباكات بالأيدي، والتراشق بالحجارة، فما يندى له الجبين أكثر أن يقدم فلسطيني على ضرب أخيه واخته وابنته وامه، وعلى ملاحقتهم بأقذع وأقبح السباب؟، فلا أدري بأي مسوغ يسمح رجل أمن لنفسه أن يتحول إلى وغد يعهر الطاهرات، ويعبث بأجسادهن علناً وخفية؟، وكيف يسمح رجل أمن لنفسه أن يضع يديه في صدر "أخته" لمصادرة الجوال؟، وكيف يسمح رجل أمن لنفسه أن يطيح بامرأة في عمر أمه في عرض الشارع؟.

ولا يستاء أحد من صراحتي، بل يجب أن تستاءوا ممن أقدم على اتهام المتظاهرات بأنهن نزلن للشارع للبحث عن "الحرام" بلغة الشارع، لا ليرفعن صوتهن ضد الانقسام.

ويجب أن تستاءوا وتلاحقوا وتحاكموا من جرؤوا على التجبر بسلاحهم وهراواتهم على فتاة لم تبلغ العشرين من العمر بعد، لا لشيء إلا للتغطية على ضعفهم أمام شجاعتها، وعلى انعدام رجولتهم أمام تحدي أنوثتها، التي لم يرحموها، فطاولوها بأيديهم في أماكن حساسة بعضها تحرشاً وأخرى ايذاءً.

نعم هذا ما حدث، وليعلم من لا يعلم، وليدري من يدعي أنه لا يدري، فهذه ليست القصة الوحيدة، عشرات النساء والفتيات اللواتي شاركن في الفعاليات الشعبية منذ 15 آذار وحتى يوم أمس الموافق 19/3/2011 تعرضن للتحرش اثناء معارك الضرب والملاحقة التي لم تستثن صغيرا أو كبيراً، امرأة أو رجلاً سواء في الكتيبة أو جامعة الأزهر وحتى أمام منزل رئيس الحكومة العتيدة نفسه اسماعيل هنية.

لدي سؤال صغير، هو برسم إجابة العنصر قبل القيادي في حركة "المقاومة" "الاسلامية"-حماس وحكومتها من الوزير حتى الغفير، مم تخافون؟ ما الذي يخيفكم من أن ينزل شعبنا وشبابه للشارع ليقول "الشعب يريد انهاء الانقسام"؟ اذا كنتم تدعون أنكم لستم السبب في استمرار الانقسام، فلماذا تمنعون من يساندكم ويدعم موقفكم الداعي لانهاء الانقسام؟

وكيف لحركة تدعي أنها فلسطينية وترفع لواء الاسلام أن تسمح لعناصرها أن يعتدوا على حرمات الناس؟.