الأحد، 3 يونيو 2012

"معاً" مع من؟

سامية الزبيدي 

استبشرنا خيراً نحن الصحافيات والصحافيين، والفلسطينيون عموماً بانطلاق شبكة معاً الاخبارية خصوصاً في نسختها الالكترونية "وكالة معاً الاخبارية" التي تصلنا هنا في غزة كما في كل أصقاع العالم، خصوصا وأن الساحة الاعلامية الفلسطينية افتقرت ولازالت إلى منابر غير مصنفة سياسية (حزبيا).



ورغم انطلاقتها المشوبة بالكثير من الأخطاء المهنية واللغوية، التي جاءت بتمويل أوروبي، الا أنها كانت انطلاقة قوية بفضل تغطيتها السريعة والشاملة للخبر الفلسطيني، وتميزها بطريف القصص وغريبها، علاوة على رزمة من القضايا المجتمعية والمغيبة والمهمشة التي طفت الى سطح موقعها الالكتروني، واجتذبت اهتمام المتصفحين الفلسطينيين والعرب والعجم خصوصا مع توفر نسخة انجليزية عنه. 

وبحرص شديد كنت دائماً أقول: "لدى معاً امكانات متعددة لو استغلتها يمكنها أن تظل رقم واحد بين المواقع الاخبارية الفلسطينية"، وقد يقول قائل أنها لازالت كذلك، على الاقل بعدد زوارها اليومي بالمقارنة مع المواقع الاخرى، وهو ما اتفق انا شخصيا معه، الا أنها كذلك بسبب غياب البديل الذي يمتلك امكانات مشابهة لما تمتلكه شبكة "معاً" الاخبارية. ليس لأنها حافظت على تألقها وتماسها مع قضايا الناس. 

فعلي صعيد الخبر العاجل خصوصاً الميداني، تراجعت "معاً" واختطف منها السبق الصحفي مواقع أخرى كوكالتي سما وصفا الاخباريتين، وعشرات الوكالات الاخرى التي تمتلأ بها الشبكة العنكبوتية. 

أما قصص الناس وقضاياهم والتحقيقات الصحافية الكاشفة فلم تعد هي محور اهتمام الوكالة التي بدا واضحاً أن خطها انحاز للشأن السياسي، وانحصر بين نقل الخبر، وعرض وجهة النظر. 

وهنا لديّ ولدى كثيرين ممن أعرف ملاحظات كثيرة على أدائها، أدرج بعضها حرصاً مني على تصحيح تجربتها، ففي نجاح "معاً" وغيرها أفقاً إعلاميا ووطنيا ضاق أو تلاشي إبان الاقتتال الداخلي، وما تبعه من انقسام مستمر حتى هذه اللحظة ترك تبعات واضحة على معظم وسائل الاعلام الفلسطينية، المتحزبة عموماً أو التي تحزبت تبعاً لمصالحها مع هذا الطرف او ذاك. 

وبتنا نسمع: تحولت معاً لبوق للسلطة ورئيسها حيناً، ولرئيس حكومتها الذي يمتلك مفاتيح المؤسسات المانحة ولمن يدفع حيناً آخر؟ ولقيادات محددة في "فتح" مرة، وللاحتلال نفسه مرات أخرى؟. 

ولم يعد قابلاً للتفسير أن تعنون معاً خبراً مهماً بعد 28 يوما من الاضراب المفتوح لأكثر من 1500 معتقل/ة بـ"اسرئيل استجابت لطلب الرئيس بفك العزل وزيارة أسرى غزة"، كما لم يكن مفهوماً أن تتجاهل "معاً" لأيام عدة الاضراب بكليته، ثم تعود لتصحح خطأها فتنشط في نقل أخبار عن الحركة المعتقلة واضرابها من غير مصادره المحددة سلفاً من قبل القيادة المركزية للاضراب في السجون الاسرائيلية، وهو ما أضر بالحالة المعنوية للمضربين وخلق حال من البلبلة في صفوفهم. 

وقد تدعي "معاً" أن الأمانة المهنية تقتضي منها نقل الخبر كما ورد على لسان مدعيه أو صاحبه، الا أن ادعاءها لا يصمد مهنياً أيضاً أمام اشتراط الدقة والتوازن في النقل الاخباري بكل الأحوال في العمل الصحفي. 

كما أنه لا يصمد أمام مئات المرات لتدخل محررها في أخبار أخرى ليصبغها برأيه وتعليقاته مع أن هذا غير مسموح ايضاً في العمل الصحفي الاخباري، فمثلاً: يحتار القارئ عندما يتابع تقرير "حشرت النقابة أنفها في تشكيل الحكومة فقررت القيادة تلقينها درساً سريعاً" فالأحرى بمحرره أن يضعه في خانة المقالات على أسوأ تقدير، فالتقرير ملئ بالأراء والتحليلات الشخصية غير المستندة لأي مصادر. 

إنني لا أفهم فنيّ الخبر والتقرير الصحافيين الا نقلاً أميناً لحدث أو معلومة عن مصادرها كما لا أفهم المهنية الصحافية الا في ضمان المحرر أن يكون النقل متوازناً ويعطي مساحة متساوية لكل الأطراف المعنية بالخبر المنقول، لتدلي برأيها أو شهادتها حوله. كما أن الاستدلال بالماضي الذي يسمى إعلامياً بـ"خلفية تاريخية للحدث" فيقتضي النقل الأمين أيضاً له من دون أي تعليق أو تمييز لبعضه على البعض الآخر. 

كما يسوءني كمتصفحة أن تتصدر صورة فتاتين جميلتين مدخنتين الخبر الرئيس لوكالة معاً، الذي حمل عنواناً متناقضاً معها: "22 في المائة من البالغين في الأراضي الفلسطينية مدخنون" أي ذكور، وهو ما تؤكده الاحصاءات الواردة عن الجهاز المركزي للاحصاء داخل الخبر أن نسبة المدخنين الذكور من 15-65 سنة في الأراضي الفلسطينية بلغت 37.6%، ونسبة المدخنات 2.6%، ولا أرى في الصورة الا اغراءً فاحشاً بالتدخين. 

وهنا على "معاً" أن تدقق في رسائلها الاعلامية التي تأتي في كثير من الاحيان متناقضة إلى حد التحريض على انتهاك القانون من حيث تدري أو لا تدري، كما في خبرها الذي أثار رداً من مركز الاعلام القضائي الذي دعا الوكالة لتوخي الدقة في موادها الاعلامية. 

فلا يمكن أن نتصور أن تحرض "قصة واقعية- هل يدفعك القضاء الفلسطيني للقتل لأنك غير مسنود؟" على القتل حتى من دون قصد بتأكيدها على أمر لم يطرحه صاحب الحق المهدور في القصة نفسها. 

وهنا أنصح "معاً" بكف ايدي محرريها عن تلخيص شهادات الناس وحكاياتهم، أو التعليق عليها، والاكتفاء بما يرد على لسان أصحابها بين مزدوجين، التزاماً بالقانون الاعلامي المعروف "الخبر مقدس، والتعليق حر".

هناك تعليقان (2):