تحقيقات


سوء ادارة ومناكفات سياسية وهروب من المسؤوليات 
غزة تصرخ ورام الله تئن والكهرباء تحرق أعصاب الفلسطينيين وجيوبهم

تحقيق: سامية الزبيدي 

لأكثر من 12 ساعة، يتواصل فصل التيار الكهربائي يومياً عن مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، تشغلهم، وتكدر حياتهم، وتعطل مصالحهم، وتزيد من أعبائهم على الصعد كافة. 

أسئلة كثيرة تدور على ألسنة الفلسطينيين: ما هي الأسباب؟ ومن هي الجهات المسؤولة عن استمرار هذه الأزمة وتصاعدها؟ وهل عجزت عن ايجاد حلول لمأساة عمرها ستة أعوام؟ وكيف تفاقمت حتى وصل عدد ساعات فصلها أخيراً لأكثر من 18 ساعة؟. 

وما هو دور السلطة الفلسطينية المسؤولة عن ادارة حياة الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؟، وكيف تعاملت مع هذا الملف الشائك بعد الانقسام، وما هو دور كل من حكومتي رام الله وغزة؟ وأي من سلطتي الطاقة هنا وهناك مسؤولة عن كهرباء غزة؟ أم أن شروط اتفاق انشاء محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع هي السبب؟ 

وهل شركة توزيع الكهرباء هي المسؤولة عن تدني معدلات جباية أثمان استهلاك الكهرباء؟ أم أن هناك أطرافاً لها مصلحة في استمرار الأزمة؟ وهل يتحمل المواطن المتخلف عن دفع قيمة فاتورة الاستهلاك مسؤولية زيادة ساعات فصل التيار؟ أم اسرافه في استعمالها؟ ولماذا يتساوى من يدفع بمن لا يدفع؟ ولماذا يدفع ثمن خدمة لا تصله؟ ولماذا تتساوى قيمة الفواتير بغض النظر عن عدد ساعات الفصل أو الوصل؟ ومن يتحمل كلفة المعدلات العالية لاستهلاك الكهرباء إبان انقطاع الغاز المنزلي عن القطاع؟ ولماذا لم تسهم مئات ملايين الدولارات التي تبرعت بها جهات عدة في خفض قيمة الفاتورة الاجمالية للمواطن؟ ومن هم أصحاب الفواتير عالية القيمة المتأخرين عن دفعها؟ وما هي أسباب عدم الدفع؟ ولماذا لا يتم الزامهم بالدفع؟ وكيف تأثيرات ذلك على عدد ساعات الفصل؟ 

وأخيراً، هل هناك حلول نهائية لأزمة الكهرباء؟ تحفظ ديمومتها، وتخفض أسعارها؟ أم أنها مرشحة للاستمرار والتفاقم؟ 

واقع الحال 

تقول "سلطة الطاقة والموارد الطبيعية" في قطاع غزة إن كميات الكهرباء المتوافرة في القطاع محدودة، وتصل في حدها الأقصى إلى 217 ميجاواط، في حين أن القطاع يحتاج في ساعات الذورة تصل 350 ميجاواط. 

وتنقسم مصادر الكهرباء في القطاع بحسب مدير مركز معلومات الطاقة في سلطة الطاقة في غزة أحمد أبو العمرين إلى ثلاثة مصادر، الأول من شركة الكهرباء الاسرائيلية التي تزودنا بـ 120 ميجاواط منذ العام 1967 وحتى الآن، وحوالي 80 ميجاواط من محطة التوليد الوحيدة، و17 ميغاواط من مصر. 

وعزا أبو العمرين في حديث لـ"معاً" تفاقم الأزمة أخيرا ليصل عدد ساعات الفصل لنحو 18 ساعة يومياً الى نفاد وقود الديزل (السولار) أو (المازوت) اللازم لتشغيل المحطة، وشح توريد الديزل للقطاع عموماً، في شكل متعمد من مصر. 

وكانت سلطة الطاقة اتخذت قراراً قبل أكثر من عام بتشغيل المحطة باستخدام الديزل المصري في اعقاب وقف توريد الديزل الاسرائيلي، بعدما طلبت الحكومة في الضفة الغربية برئاسة سلام فياض من الاتحاد الاوروبي الذي التزم بدفع قيمة فاتورة الديزل الاسرائيلي للمحطة لأكثر من عامين حتى نهاية العام 2009، بتحويل المنحة المخصصة للوقود البالغة 50 مليون شيكل (نحو 13 مليون دولار أميركي) شهرياً لخزينة السلطة العامة. 

ودخل الوقود المصري في معادلة تشغيل المحطة منذ 18 كانون الأول (ديسمبر) 2010، ليتحول اعتماد المحطة عليه بالكامل بعدما توقفت سلطة الطاقة التابعة لحكومة الضفة عن شراء الوقود وتوريده من شركة "دور ألون" الاسرائيلية منذ الرابع كانون الثاني (يناير) 2011. 

ومنذ ذلك الوقت، تشغل المحطة توربينين بطاقة 60 ميجاواط، وثلاثة في أفضل الأحوال بطاقة 80 ميجاواط وفقاً لبيانات سلطة الطاقة في القطاع. 

الأزمة الأخيرة 

في 14 شباط (فبراير) 2012 توقفت المحطة عن العمل تماماً، بعد نفاد مخزونها من الديزل بحسب أبو العمرين نتيجة شح تهريب الوقود من مصر، لترتفع نسبة العجز في التيار إلى 65 في المئة. 

وتباينت التفسيرات الرسمية وغير الرسمية لأسباب الأزمة، بين من يرجعها لشح الوقود في سيناء المصرية، وآخر يعزوها لرغبة الحكومة المصرية في بيع الوقود بأسعاره الحقيقة لحكومة غزة، خصوصاً بعدما تناهى لأسماعها مستويات الجباية العالية التي تعود لخزينة حكومة غزة عن كل لتر يدخل إلى القطاع عبر الأنفاق. 

وذهبت حركة "حماس في بيان صحافي الى اتهام حكومة فياض بالضغط على مصر لوقف توريد الوقود عبر الأنفاق، والبدء في توريده عبر المعابر الاسرائيلية طمعاً في العائدات الضريبية. 

وقال تجار ومالكو محطات وقود إن المشكلة بدأت بعدما وقع خلاف بين الحكومة ومهربي الوقود حول أسعاره، ومن ثم مع الحكومة المصرية، بعدما أصرت مصر على توريد الوقود عبر معبر "كرم أبو سالم" الفلسطيني الاسرائيلي المشترك الواقع عند نقطة تلاقي الحدود مع مصر أقصى جنوب شرقي مدينة رفح جنوب القطاع، بينما تصر حكومة "حماس" على توريده عبر معبر رفح الحدودي وبأسعار أقل، الأمر الذي أكده الدكتور علاء الرفاتي وزير الاقتصاد، عضو اللجنة الحكومية المشكلة لدرس أسباب أزمة الكهرباء. 

وعزا الرفاتي توقف توريد الوقود المصري عبر الأنفاق خلال ورشة عمل نظمتها الجبهة الشعبية قبل نحو اسبوعين الى أن مصر تقول إن الوقود الذي يستهلكه سكان القطاع للمحطة وسياراتهم على حساب الشعب المصري، حيث أن مصر تدعم الوقود بملايين الدولارات سنوياً لتوفيره للمصريين بأسعار مخفضة. 

وبمعزل عن التفسيرات المتعددة، فإن تصريحات مسؤولين فلسطينيين، ومصريين أكدت التوصل لاتفاق لاعادة ضخ كمية الوقود اللازمة لتشغيل المحطة، والبدء في إعادة تأهيل شبكة الكهرباء الفلسطينية والمصرية لرفع قدرة الخط المصري لـ 60 ميجاواط، والاتفاق على ربط القطاع بشبكة الربط الاقليمية (مصر، ليبيا، الأردن، لبنان، سورية، العراق، تركيا). 

إلا أن هذه الاتفاقات لا تزال حبراً على ورق، ولم يطرأ أي تحسن يُذكر على فصل التيار حتى الان. 

وأعلن وزير الكهرباء والطاقة المصري حسن يونس أخيراً أن مصر تدرس امكان زيادة القدرات الكهربائية المصدرة إلى أقصى حد ممكن لانقاذ غزة من الظلام لحين تنفيذ مشروع الربط الكهربائي، موضحاً أن مصر اتخذت الاجراءات المطلوبة لانضمام فلسطين لشبكة الربط الاقليمي. 

فيما أعلن رئيس سلطة الطاقة في الضفة عمر كتانة في اليوم التالي عن اتفاق مع مصر لحل مشكلة الكهرباء على ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، أولاها تتضمن زيادة كمية الكهرباء الموردة للقطاع، واصلاح الجزء المدمر من محولات محطة التوليد، بحيث ستوفر هذه الاجراءات المتوقع تنفيذها خلال شهرين، حوالي 100 ميجاواط من التيار. 

ومع ذلك، فإن أزمة الكهرباء لن تنتهي بطرفة عين، وتوقع مختصون في الطاقة أن تحتاج إلى نحو عامين في حال تطبيق الحلول المتاحة، فيما يعتقد آخرون أن حلها سيستغرق بين ثلاثة أعوام إلى خمسة، خصوصاً وأن معدل الطلب على الكهرباء في تصاعد، في وقت لا تزال فيه الحركة الصناعية والاستثمارية محدودة بسبب استمرار الحصار على القطاع. 

لذا فإن البحث والتنقيب في جذور أزمة الطاقة يكتسب أهمية أكبر في ظل اشتداد الأزمة واستمرارها. 

محطة التوليد 

تأسست شركة غزة لتوليد الكهرباء (محطة التوليد)، التابعة لشركة اتحاد المقاولين العالمية "ccc" التي يمتلك القطاع الخاص 67 في المئة من أسهمها، والبقية يمتلكها مساهمون صغار من الجمهور، برأس مال قدره 60 مليون دولار، فيما اقترضت من البنك العربي 90 مليوناً لتأسيس المحطة برأسمال قدره 150 مليوناً. 

وتشير تقارير الشركة المالية المنشورة على صفحتها الالكترونية إلى أنها وقعت عقداً مع سلطة الطاقة التابعة للسلطة الفلسطينية (قبل الانقسام)، لشراء الطاقة لمدة 20 عاماً بدءاً من بدء تشغيلها تجارياً في 15 اذار (مارس) 2004، بحوالي 10 ملايين شيكل شهرياً (الدولار الواحد يعادل حوالي 3.7 شواكل). 

وأصبحت سلطة الطاقة ملزمة بدفع أثمان كل الطاقة الكهربائية التي تولدها المحطة من دون الأخذ في الاعتبار قدرتها (السلطة) على استغلال هذه الطاقة من عدمه، وبأسعار محددة مسبقاً، فضلاً عن أن الشركة ليس لديها أدنى مسؤولية تجاه شراء وتوريد الوقود اللازم لتشغيلها، الأمر الذي يقع بموجب العقد على عاتق السلطة. 

وتشير بيانات الشركة الى أن صافي أرباحها للعام 2010 تتجاوز 6.5 مليون دولار في ظل أزمة الكهرباء المتفاقمة، وهو أمر لم يخفه المدير التنفيذي للمحطة، المدير الاقليمي لشركة "ccc" المهندس وليد سعد صايل، الذي قال أمام عشرات الشخصيات السياسية والاعتبارية، ومسؤولين في سلطة الطاقة، وشركة التوزيع، ومؤسسات حقوقية وأهلية في لقاء خاص نظمته مؤسسة "بال ثينك" في مدينة غزة في شباط (فبراير) 2012: "عندما استثمرنا في هذا المشروع تم وضع شرط بانتاج 140 ميجاواط، على سلطة الطاقة أن تأخذها بالكامل، بغض النظر عن جاهزيتها، ونحن لدينا قدرة على انتاجها"، محملاً المسؤولية في هذا الموضوع لشبكة التوزيع التي "لا تأخذها". 

ونفى المدير العام لشركة توزيع كهرباء غزة المهندس ماهر عايش ذلك، قائلاً إن الشبكة جاهزة من الناحية العملية لاستيعاب 130 ميجاواط، مشككاً في قدرة المحطة على انتاج أكثر من 115 ميجاواط للتوزيع. 

واتهم عايش شركة غزة (المحطة) بفرض رسوم على كل توربين يعمل فيها، علاوة على مستحقاتها الشهرية، وهو أمر نفته جهات عدة ذات صلة بالموضوع. 

حلول مؤقتة 

ورفض صايل تحميل شركته مسؤولية استمرار فصل التيار، محملاً سلطة الطاقة المسؤولة عن الأزمة. 

واتهم سلطة الطاقة، وشركة التوزيع بالتقصير في حل الأزمة، وعدم أخذهما دورهما المنوط بهما كما يجب، محدداً عدة حلول لم تلجأان اليها منذ سنوات، وهي: "اضافة طاقة جديدة للمحطة (الغاز)، واعادة تأهيل شبكات التوزيع، وتقليل نسبة الفاقد التي تصل الى 30 في المئة". 

واشار الى اتصالات أجرتها شركته مع شركات انجليزية، وافقت خلالها على العمل في القطاع، على أن تحصّل مردودها المالي من ثمن الكهرباء المفقودة". 

واعتبر أن الحل "الأسرع والأجدى للتخفيف من الأزمة بالضغط على مصر لتزويد القطاع بالغاز لتشغيل المحطة، الذي يمكن تنفيذه خلال 6 إلى 8 أشهر، عبر ربطنا بالخط الذي يربط الاردن واسرائيل، ما يوفر 60 في المئة من ثمن الوقود، ويخفض ثمن سعر الكيلوواط الواحد من التيار". 

وشكك البعض في أهداف هذه الدعوة، واعتبر أن ذلك سيحول الفلسطينيين الى حراس لخط الغاز الواصل لاسرائيل، الذي تعرض للتفجير 13 مرة منذ اندلاع الثورة المصرية. 

إلا أن صايل واصل دفاعه عن فكرته، معتبراً أن ربط القطاع بخط الغاز، أمر يمكن تحقيقه سريعاً باتفاق مع القيادة المصرية، على اعتبار أن ذلك يخفف من الضغوط الشعبية التي تتعرض لها مصر بسبب تزويدها اسرائيل بالغاز، في وقت يتعذر عليها الغاء الاتفاق لأنها مكبلة بموجبه بأكثر من سبعة بلايين دولار غرامة على الطرف الذي يخل به". 

بدوره، انتقد أبو العمرين اتفاق تشغيل المحطة ووصف بانه "مجحف وفيه استغلال لخزينة السلطة"، فيما اعتبر عايش أن "محطة الكهرباء التي تأسست بتمويل محلي وأجنبي لم تأخذ الظروف الاجتماعية والاقتصادية في القطاع في الحسبان، كما أن اتفاق تشغيلها مخالف لآليات عمل الكهرباء في كل أنحاء العالم"، وهو أمر وافقته في انتقاده مصادر مختصة في قطاع الطاقة، ووصفت الاتفاق بأنه "مخز ومجحف في حق البلد"، خصوصاً وأنه يحمل السلطة مسؤولية أي كوارث أو تدمير المحطة، ومسؤولية توريد المعدات الخاصة بصيانتها، ودفع تكاليف تشغيلية شهرية باهضة بمعزل عن أي ظروف". 

معلومات متضاربة 

وعزا مصدر لـ"معاً" سبب استمرار الأزمة الى سوء ادارة سلطة الطاقة لقطاع نقل الطاقة (محولات الكهرباء)، حيث تم توريد بديل مصري للمحولات التي قصفتها اسرائيل في 28 حزيران (يونيو) 2006 بعد ثلاثة أيام على أسر الجندي غلعاد شاليت، بنظام مختلف عن الأصلي، وبقدرة أقل من الأساسي، ولم يتم العمل على استيراد محولات اضافية الا منذ ثمانية أشهر تقريباً بعدما أبرمت سلطة الطاقة في رام الله اتفاقاً لشراء محولين من الصين. 

وتوقع المصدر أن تسهم المحولات في استيعاب 140 ميجاواط التي تولدها المحطة، إلا أنه شكك في قدرة شبكة التوزيع على الاستفادة منها، نظراً لاهترائها، خلافاً لتوقعات مساعد رئيس سلطة الطاقة في غزة المهندسة هالة الزبدة بقدرتها على استيعابها. 

وعزت سلطة الطاقة في غزة تأخر استيرادهما الى الحصار الاسرائيلي حيناً، وحصار حكومة رام الله أحياناً أخرى، فيما عزت سلطة الطاقة في رام الله ذلك للحصار الاسرائيلي، وتوقعت أن يصل المحولان نهاية شهر اذار (مارس) 2012. 

وحول تسيس قطاع الكهرباء، اتهم كتانة حماس "بتغيير موظفي وأعضاء مجلسي ادارتيي سلطة الطاقة، وشركة التوزيع في شكل فردي"، لافتاً إلى أنه "منذ فترة وجيزة بدأتُ بالحديث معهم حول التأثير السلبي لهذه التصرفات على مشاريع سلطة الطاقة وتمويلها". 

وقال لـ"معاً" إن سلطة الطاقة في رام الله تورد معدات لمحطة التوليد اسبوعياً علاوة على طواقم الصيانة، لافتا الى أن البنك الاسلامي للتنمية والبنك الدولي وافقا على تمويل مشروع إعادة تأهيل الشبكة بقيمة 16 مليون دولار، وفور توقيع الاتفاق سيبدأ تنفيذ المشروع الذي سيستغرق انجازه عامين. 

الخط الاسرائيلي 

تقول سلطة الطاقة في رام الله إنها تدفع ثمن 120 ميجاواط لشركة الكهرباء الاسرائيلية مباشرة من عائدات الضرائب، التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية. 

وتناول رئيس حكومة رام الله سلام فياض قيمة فاتورة الكهرباء الاسرائيلية عندما كتب على صفحته على "فيس بوك" في 21 كانون الثاني (يناير) الماضي: "اقول بصراحة وألم كبير: لماذا لا نستطيع التعامل مع فاتورة الكهرباء المستوردة من اسرائيل الى قطاع غزة، التي تغطي حوالي 120 ميغاواط؟، هل يعقل أن لا تستطيع شركة كهرباء غزة أن تدفع شيئاً من 45 مليون شيكل شهرياً ثمن 120 ميغاواط. هذا الكلام غير مقبول, خصوصا في ظل الحديث عن ضرائب اضافية وضائقة (مالية)، والبحث عن أوجه خفض الانفاق. السلطة الوطنية لا يمكن أن تقبل اطلاقا أن تقطع الكهرباء عن مواطن غير قادر على دفع فاتورة الكهرباء, لكن لا يجوز أن تدفع فاتورة (..) شخص قادر على الدفع". 

وقرأت أطراف عدة في رسالة فياض تهديداً محتملاً بوقف أو اقتطاع هذه الفاتورة في شكل أو بآخر من موازنة القطاع، فيما ذهب البعض الى احتمال أن يطلب فياض من الشركة الاسرائيلية وقف امداد القطاع بالكهرباء. 

وتعتبر الحكومة وسلطة الطاقة في غزة أن حكومة رام الله مسؤولة عن دفع فواتير القطاع، خصوصاً أنها تأخذ العائدات الضريبية التي تجبيها اسرائيل نيابة عنها من بضائع القطاع المستوردة. 

ورد الناطق باسم حكومة رام الله غسان الخطيب بأن "مساهمة القطاع من الايرادات الضريبية قبل الانقسام كانت حوالي 28 في المئة، ولا تتجاوز بعده 2 في المئة"، مشيراً الى أن "حجم الانفاق على القطاع يبلغ 45 في المئة من مجمل انفاق السلطة". 

واستدرك قائلاً: "الضفة تدفع ضرائب، وتدفع فاتورة الكهرباء أيضا، ان دفع ضريبة لا يعني اسقاط ضرائب أو فواتير أخرى". 

وتساءل الخطيب: "كم عضو في المجلس التشريعي تراكمت عليه فواتير ضخمة للكهرباء؟، والمؤسسات الحكومية لا تدفع. المعلومات الرائجة أن لا أحد يدفع في غزة". 

الخط المصري 

في ايلول (سبتمير) 2006، بدأت مصر بتزويد مدينة رفح الفلسطينية جنوب القطاع بنحو 17 ميجاواط على مرحلتين في إطار اتفاق بين شركة التوزيع، وشركة توزيع كهرباء القناة المصرية" تُحسم قيمتها من مساهمة مصر في دعم فلسطين في صندوق الجامعة العربية البالغة أربعة ملايين شيكل. 

ولم يطرأ أي تغيير يُذكر على هذا الوضع الى أن تم في نهاية شباط (فبراير) 2012 زيادتها إلى 22 ميجاواط، ضمن مرحلة قصيرة المدى، فيما أعلن كتانة عن موافقة وزارة الكهرباء والطاقة المصرية على رفعها الى 60 ميجاواط في غضون شهرين ضمن المرحلة المتوسطة المدى، بكلفة حوالي مليون دولار بتمويل من البنك الاسلامي للتنمية. 

وضمن مشروع الربط الاقليمي في اطار المرحلة الطويلة المدى الذي وقعته جامعة الدول العربية، ووافقت عليه كل الدول ذات العلاقة، فإنه سيتم تزويد القطاع بـ 150 ميجاواط من مصر. 

ترنسات وتبريرات 

وفي ظل العجز في الطاقة المتوافرة من المصادر الثلاثة السابقة الذكر، رأى عايش أن استمرار فصل الكهرباء يؤثر على مستويات الجباية، وعلى ثقة المواطن في شركة التوزيع، لافتاً الى أن 50 في المئة من جهود طواقم الشركة ضائع بسبب أعمال الفصل والتحميل، التي تتسبب في تلف القواطع والمحولات نتيجة زيادة التحميل على الشبكات، ما يستنزف قدرات الشركة في الصيانة واصلاح الأعطال، واجراءات الوقاية والسلامة. 

ورداً على شكوى المواطنين من ارتفاع قيمة فاتورة الكهرباء على رغم فصل التيار ساعات طويلة، قال 

عايش: "عندما يتم الفصل يُؤجل النشاط ولا يُلغى، والكل يريد أن ينجز المهام المعطلة كل اليوم من غسيل، وخبز، وكي، وتدفئة...الخ". 

وعزا مختصون سبب ارتفاع قيمة الفاتورة الى انخفاض قوة التيار الواصل للمشتركين من 220 فولت، إلى 180 وأحيانا 145 فولت، ما يرفع معدل الاستهلاك لتعويض الانخفاض، علاوة على لجوء شريحة كبيرة من مستهلكي الكهرباء لتركيب "ترنس" (محول) للحفاظ على قوة التيار، التي بدورها تستهلك كمية من الكهرباء، ترفع في مجموعها قيمة الفاتورة بنسبة 10 في المئة على أبعد تقدير، الأمر الذي نفاه عايش. 

وحذر عايش من تفاقم أزمة الكهرباء في ضوء زيادة الطلب على الطاقة بنحو 10-20 في المئة سنوياً، مشيراً إلى أن المصانع المتوقفة عن العمل والمدمرة جراء الحرب والحصار كانت تستهلك حوالي 50 ميجاواط. 

وتوقع أن يكون يزداد الطلب بحوالي 100 ميجاواط اضافية لمشاريع محطات تحلية المياة والصرف الصحي قيد الإنشاء حالياً، علاوة على الجامعات والمستشفيات وغيرها. 

من يدفع؟ 

تستهلك المحطة لتشغيل كل توربين 150 ألف لتر سولار يومياً، وتعلن سلطة الطاقة أنها بحاجة لحوالي 500 ألف لتر يوميا لتشغيل ثلاثة توربينات. 

وقال الناطق الاعلامي لجمعية اصحاب شركات البترول في القطاع محمود العبادلة لـ"معاً": "تستورد الشركات الديزل من سيناء المصرية بـ 90 أغورة للتر الواحد (كل دولار يعادل 3.7 شواكل)، لتصبح كلفته بعد أجرة النقل والضخ عبر النفق شيكل واحد وعشر اغورات". 

وأضاف أن حكومة غزة تفرض ضريبة على كل لتر من البنزين أو الديزل قيمتها شيكل واحد وأربعين أغورة فيصبح سعر اللتر2.50 شيكل، ونبيعه بسعر 2.58 شيكل، وفي هذا ظلم كبير لنا، حيث ترفض الحكومة خفض الضريبة، أو رفع السعر للسوق المحلي. 

وأكد العبادلة أن الأسعار ذاتها تعطى لمحطة الكهرباء. 

وبالنظر لمعدل استهلاك الوقود في محطة التوليد، قالت مصادر متابعة لملف الكهرباء أن المحطة تحتاج لتشغيل توربينين فقط حوالي 108ملايين لتر من وقود الديزل سنوياً، ما يعني أن توليد الكهرباء باستخدامه يكلف سنوياً حوالي 278 مليون شيكل، يعود منها إلى خزينة حكومة غزة حوالي 151 مليون شيكل سنوياً بتحصيل الضريبة المفروضة على كل لتر، وهي مبالغ ستتضاعف في حال تشغيل المحطة بكامل طاقتها. 

ووفقاً للاتفاق الجديد الموقع مع مصر لتوريد وقود المحطة عبر معبر رفح الحدودي فإن سعر اللتر سيرتفع الى دولار واحد، ما يعني أن تشغيل توربينين فقط في المحطة يرفع الكلفة السنوية الى حوالي 399 مليون شيكل، وفي حال واصلت الحكومة فرض ضريبة بقيمة شيكل وأربعين أغورة على كل لتر فإن الكلفة الاجمالية السنوية لتشغيل التوربينين سترتفع الى 550 مليون شيكل. 

وتبلغ الكلفة الاجمالية لمصروفات قطاع الكهرباء في قطاع غزة من الشركة الاسرائيلية (45 مليوناً) ومصر (أربعة ملايين) والمحطة في حال تشغيل توربينين فقط (33 مليوناً) اضافة الى عشرة ملايين رسوم للمحطة، وأربعة ملايين مصروفات تشغيلية لشركة التوزيع، حوالي 96 مليون شيكل شهرياً، أي نحو بليون و 152 مليون شيكل سنوياً. 

وعند الحديث عن الجهات المسؤولة عن دفع فاتورة الوقود، تتجه الأنظار لشركة التوزيع المسؤولة عن جباية ثمن الكهرباء من مشتركيها، على رغم أن العقد التأسيسي لشركة التوزيع مع سلطة الطاقة يوضح أن توفير الوقود مسؤولية سلطة الطاقة، وعلى شركة التوزيع تسديد ثمن ما تستهلكه من كهرباء فقط وفقاً للتعرفة الاسرائيلية للكيلوواط وهي (40 أغورة) تقريباً، وهي تعرفة أقل من نصف كلفة انتاج المحطة للكهرباء، التي تصل بحسب أبو العمرين لـ 1.30 اغورة للكيلوواط الواحد. 

وحول ذلك، قال عايش إن "الشركة وسلطة الطاقة لديهما حساباً بنكياً مشتركاً، تُودِع فيه الشركة الأموال المتحصلة من الجباية تحت تصرف سلطة الطاقة بعد حسم الكلفة التشغيلية للشركة" المقدرة بحوالي أربعة ملايين شيكل شهرياً. 

وأضاف أن ما يتبقى من أموال لا يكفي لشراء الوقود اللازم لتشغيل المحطة، مؤكداً أن مستويات الجباية لم تتجاوز 50 في المئة في أحسن أحوالها. 

ولفت عايش إلى أن للشركة ديوناً على مشتركيها تفوق ثلاثة بلايين شيكل، مشيراً إلى أن عدد المشتركين بلغ 178 ألف مشترك، معظمها اشتراكات منزلية. 

ديون وضرائب 

إلى ذلك، اتهمت مصادر خاصة فضلت عدم الكشف عن اسمها بعض المتنفذين في حكومة غزة والمجلس التشريعي باستغلال نفوذهم الوظيفي لعدم تسديد ثمن ما يستهلكونه من كهرباء. 

وكشفت المصادر أن وزارات حكومة غزة المختلفة لا تسدد فاتورة استهلاكها الكهرباء، اضافة الى مؤسسات مجتمعية وصحية وتجارية وسياحية محسوبة على الحركة (نتحفظ على نشر الأسماء) يترتب عليها عشرات ملايين الشواكل شهرياً. 

وأشارت إلى أن استخدام المكيفات في المساجد المنتشرة بكثرة يستهلك الكثير من الكهرباء، في وقت يغرق القطاع في ظلام دامس، اضافة الى أنها لا تسدد ثمن ما تستهلكه من كهرباء. 

وهو أمر نفاه، وكيل وزارة المالية في حكومة غزة اسماعيل محفوظ جملة وتفصيلاً، وقال لـ"معاً" إن "شركة الكهرباء مدينة للحكومة بمبالغ طائلة"، مضيفاً أن "المعادلة معكوسة، الحكومة تقدم تمويلاً للشركة". 

وقال إن الديون المتراكمة المستحقة للسلطة، منذ نشأتها، على الشركة تبلغ حوالي 2.5 بليون شيكل. 

وحول نصيب حكومة غزة من هذه الديون، قال محفوظ إن شركة التوزيع مدينة للحكومة منذ بدء تشغيل المحطة بالوقود المصري بحوالي 75 مليون شيكل، دفعت أثمان للوقود المورد للمحطة نظراً لعدم قدرة الشركة على الدفع. 

ونفى أن تكون فاتورة الوزارات والمستشفيات الحكومية تقدر بعشرات ملايين الشواكل، وقال إنها لا تتجاوز 2.5 مليون شيكل شهرياً تحسم من الديون المترتبة عليها. 

وأشار الى أن استهلاك المشاريع الحكومية المقامة على المحررات خلال عام 2010 وصل لـ 600 ألف شيكل فقط، نافياً المعلومات التي تتحدث عن عدم الدفع، أو عن امدادات غير قانونية للكهرباء لهذه المشاريع. 

وقال إن الحكومة تعتبر توفير الكهرباء مسؤولية حكومية شمولية وليست علاقة تجارية مع الأطراف المعنية. 

وحول ما تجبيه الحكومة من عائدات الضرائب المفروضة على الوقود المورد للمحطة، قال محفوظ: "عندما كان السولار يورد عبر سلطة الطاقة برام الله كان شاملاً الضريبة، وأيضاً من الاتحاد الاوروبي، تفرضها السلطة الفلسطينية بواقع دولار على كل لتر سولار، والآن حينما تشتريه سلطة الطاقة من التجار لمحطة التوليد فإنه شامل للضريبة أيضاً، وهذا نظام مالي معمول به، ويطبق على كل السلع، والوقود سلعة". 

وأضاف أن "هذه العائدات هي حسابية فقط، لكن عملياً لا يتم تحصيل ضرائب، بل بالعكس الحكومة تدفع". 

مصادر مطلعة قالت لـ"معاً" أن هذه المعلومات مشوهة، مؤكدة أن لا علاقة مباشرة بين شركة التوزيع والحكومة أو وزارة المالية، وأن مسؤولية توريد الوقود للمحطة تقع على عاتق سلطة الطاقة وليس شركة التوزيع. 

وقالت إن الديون التي يتحدث عنها محفوظ مستحقة على سلطة الطاقة، وليس على شركة التوزيع، وإن مسؤولية الأخيرة تنحصر في دفع قيمة ما تستهلكه من كهرباء، التي تتراوح بين 14-20 مليون شيكل تبعاً للكميات المتوفرة من الكهرباء. 

ولفتت إلى اطلاعها على تقرير لشركة التوزيع مفاده أن معدل التحصيل خلال عام 2011 بلغ 20 مليون شيكل شهرياً، مؤكدة أن الشركة تغطي استهلاكها من الكهرباء بالكامل لسلطة الطاقة، متوقعة أن يرتفع معدل التحصيل فيما لو التزمت وزارة المالية بتحويل ثمن ما تستهلكه وزاراتها من كهرباء. 

وقارنت المصادر بين ما تسجله الحكومة من ضرائب على السولار المورد للمحطة، وبين ما تسجله كديون على سلطة الطاقة، الأمر الذي يرجح الكفة لصالح الحكومة. 

قرصنة وسوء ادارة 

على صعيد آخر، تحدثت مصادر عن استغلال بعض الشخصيات والجهات نفوذها لعدم تسديد فاتورة الكهرباء، أو تمديد أكثر من خط للكهرباء في شكل غير قانوني، وهو ما يبرر شكوى بعض المواطنين من أن الكهرباء متصلة دائماً في بعض بيوت تعود لمسؤولين ومتنفذين في الحكومة والحركة وأجهزتها المختلفة، وهو أمر، نفاه عايش، وقال إن طواقمه تقطع الكهرباء عن أي مشترك غير مسدد بعد تحذيره خطياً على الفاتورة، وبالتوجه له مرات عدة. 

وأضاف أن مواطنين عاديين يقومون بربط منازلهم بمصدرين للكهرباء على الأقل، ما يزيد من الأحمال، ويتسبب في الكثير من الأعطال، مشيراً إلى أن الشركة تنفذ حملات لإزالة هذه الخطوط غير الشرعية. 

وقالت مصادر لـ"معاً" إن "هناك سوء ادارة واضح لملف الكهرباء من قبل سلطة الطاقة، وحكومة غزة"، مشيرة إلى أنهما "لم تبحثا عن حلول بديلة فيما لو توقف توريد الوقود أو الكهرباء من أي مصدر من المصادر". 

واستذكرت "الأزمة التي نشأت فور توقف الاتحاد الاوروبي عن دفع كلفة الوقود الاسرائيلي، ثم تخلي حكومة فياض عن تحمل هذه الكلفة، وما حدث بعد وقف توريد السولار المصري". 

وأشارت الى "غياب الرؤية الواضحة لسبل توفير الكهرباء للناس على المديين القصير والبعيد، وهو ما يتمظهر في كثرة الاقتراحات والمشاريع لحل الأزمة، من دون البدء في تطبيق أي منها، أو الاتفاق على أفضلها من ناحية الاستمرارية والكلفة المالية". 

وتحدثت عن مشاريع مطروحة، تم توقيع اتفاقات في عدد منها، من دون أن يتم تطبيقها. 

حلول استراتيجية 

أحد هذه الحلول الربط بالخط الاسرائيلي 161 الذي تقوم فكرته على شراء حوالي 250 ميجاواط من شركة الكهرباء الاسرائيلية، ويتطلب لانجازه بحسب الرفاتي عاماً كاملاً، موضحا أنه "سيتم بموجب العرض المقدم من الشركة الاسرائيلية تزويد القطاع بـ 250 ميجاواط على مرحلتين، 150 ميجاواط في المرحلة الاولى، ترتفع لمئة ميجاواط أخرى في المرحلة الثانية، الا أن الشركة الاسرائيلية اشترطت لذلك خفض القدرة التشغيلية للخطوط الاسرائيلية الحالية من 120 إلى 80 ميجاواط كخطوة أولى"، في اشارة الى أن هذه الاشتراطات، وطول المدة المطلوبة لتطبيقه، تقف وراء تعطيله. 

وقال كتانة إن سلطة الطاقة بذلت مساع في عام 2010 لزيادة كمية الكهرباء الواردة من الشركة الاسرائيلية وتغذي القطاع بحوالي 62% من التيار، إلا أن شركة التوزيع لم تغتنم الفرصة ورفضت تقديم الضمانات المالية من أجل ربط غزة على خط 161، ما كان سيسمح بزيادة كمية الكهرباء بـ 70 ميغاواط في المرحلة الأولى. 

وعن عدم قدرة الشركة تقديم مثل هذه الضمانات في ضوء تدني معدلات الجباية، وديونها المتراكمة على المستهلكين، أشار كتانة الى أنه "لابد أن يقدم المشتري ضمان مالي للبائع، وعندما تعجز الشركة، فإن السلطة تتدخل وتغطي هذا العجز، وهذا ما يحدث مع الشركات في الضفة الغربية..لا أحد يعطي ضمانات عنهم". 

وحول أسباب فشل هذا المشروع، قالت مصادر عليمة في سلطة الطاقة بغزة إن "الضمانات المالية والمراسلات الادارية كانتا السبب وراء افشال التوصل لاتفاق مع الشركة الاسرائيلية على رغم موافقة حكومة رام الله على تغطية كلفة امداد الخطوط الجديدة للمشروع المقدرة بنحو 30 مليون دولار". 

وأوضحت المصادر أنه "كان يمكن الحصول على الضمانات المالية بسهولة من القطاع المصرفي، كما أن رئيس سلطة الطاقة بغزة رفض مراسلة كتانة كرئيس لسلطة الطاقة في شأن تنفيذ هذا المشروع". 

وكشفت مزايا هذا المشروع لقطاع الطاقة بقطاع غزة من حيث تعدد مصادر الطاقة، وامكان توقيع اتفاق مع الشركة الاسرائيلية بتوريد كهرباء وفقاً لمستوى حاجتنا للكهرباء (بموجب العداد)، وبذلك تكون فاتورتنا بمعدل استهلاكنا، موضحاً أن الشركة قدمت عرضين الأول بتزويد القطاع ب250 ميجاواط على مرحلتين، والثاني بتزويدنا بكهرباء وفقاً لحاجتنا، والدفع نظير الاستهلاك. 

وخلصت المصادر إلى أن الانقسام السياسي، وحال التراشق بين الحكومتين، أرخت بظلالها في شكل واضح على استمرار أزمة الكهرباء في القطاع، لافتاً إلى أن سلطة الطاقة بغزة رفضت تحمل أي اعباء مالية مترتبة على أي حل للاشكالات المستمرة في هذا القطاع. 

الربط الاقليمي 

وعلى صعيد الحل الاستراتيجي، تكررت الاتهامات، فسلطة الطاقة بغزة تتهم السلطة في رام الله بعرقلة هذا المشروع ومحاصرة غزة، فيما يؤكد كتانة أن "الرئيس محمود عباس طلب من الرئيس المصري السابق حسني مبارك الموافقة على ربط القطاع بمشروع الكهرباء الاقليمي، ثم عاد وطلب من القيادة المصرية الحالية فوافقت، وبالفعل تم الانتهاء من اقرار المواصفات الفنية لشبكة الربط، الا أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة في مصر تحول دون البدء في تنفيذه". 

وهو ما اعتبره كتانة أمراً منطقياً نظراً للكلفة الضخمة للمشروع ومتطلباته من محطات وكوابل وغيره، متوقعاً طرح عطاء المشروع خلال اسبوعين، بعدما أكد البنك الاسلامي للتنمية، الذي رصد للمشروع 32 مليون دولار، استعداده لتمويل الفروق في أسعار التنفيذ بعد مخاطبات من سلطة الطاقة". 

وكانت مصادر خاصة قالت إن حكومة رام الله اشترطت البدء في تزويد القطاع بالكهرباء المصرية بانهاء الانقسام السياسي، وبتقديم ضمانات مالية بدفع ثمن الكهرباء للجانب المصري وهو ما ترفض حكومة غزة وشركة توزيع الكهرباء تحمل تبعاته. 

وحول قدرة شركة التوزيع على تقديم هذه الضمانات، بسبب ديونها على المشتركين البالغة ثلاثة بلايين شيكل وعدم قدرتها على رفع مستوى الجباية أكثر من 50 في المئة، قال كتانة إن الشركة استطاعت أن تحقق نسبة جباية تفوق 91 في المئة في الأعوام 99 و2000 و2001، وأن باستطاعتها أن تجبي أكثر عبر تفعيل آليات الجباية من أصحاب الفواتير العالية من "المتنفذين الكبار". 

ومع أن كتانة أعلن عن التوصل الى الاتفاق مع مصر للبدء في تنفيذ هذا المشروع وتشكيل اللجان الفنية الخاصة به، إلا أن مصادر توقعت أن يعرقل المشروع سؤال "من سيدفع" ثمن قيمة فاتورة الكهرباء المصرية الجديدة. 

ماذا بعد؟ 

تؤشر أراء وتفاعلات مختلف أطراف الأزمة، إلى غياب التخطيط طويل الأمد لقطاع الطاقة، في وقت يبدو فيه هذا القطاع، مثقلاً باتهامات سوء ادارته، وتراكم الأخطاء من أطراف تعاقبت عليه، وبانقسام يترك آثار واضحة على حاضر ومستقبل تطويره وحل اشكالاته. 

فيما "تحترق" كل لحظة أعصاب المواطن المثقل بهمومه يدفع فاتورة الكهرباء مرات عدة، مرة لشركة توزيع التوزيع نظير استهلاكه كهرباء لا تصله سوى ساعات محدودة، ومرة ثانية لشراء وقود لمولدات محدودة القدرة لتوفير متطلبات حياته من انارة وغيرها، ومرات أخرى، من ارهاق النفس والبدن، وزيادة الأمراض، ورفع مستوى الضوضاء، وزيادة معدل الأعطال وإهلاك الأجهزة الكهربائية المختلفة، ناهيك عن مقتل واصابة عشرات المواطنين خنقاً أو احتراقاً بسبب حرائق المولدات الكهربائية وغيرها من مستلزمات الاضاءة والتدفئة. 

كل ذلك، وأكثر، ولازالت أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن قطاع غزة مستمرة، من دون أن تنجح محاولات الانعاش المتأخرة من كل الأطراف في حلها، فيما يمضي الوقت، وعجلة التنفيذ متوقفة!!




http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=465870

--------------------------------------------------

حلقة اذاعية حول مستشفى الولادة بدار الشفاء..
في 4 يوليو، 2011‏
تحقيق: سامية الزبيدي
في أعقاب مقالي الذي حمل عنوان مسلخ الشفاء وتناول الخدمات الطبية والمعاملة غير الإنسانية المقدمة للنساء في مستشفى الولادة، والذي حظي باهتمام كبير من النساء والمؤسسات الصحية على حد سواء، قررت تحويل المقال الى تحقيق صحفي اذاعي، وبالفعل أعددت هذا التحقيق، الذي بثته اذاعة صوت الشعب المحلية بقطاع غزة.

يمكنكم تنزيل الحلقة من خلال الرابط التالي:

http://www.mediafire.com/?5kf9d7tinsd8kia


---------------------------

خدمة الخط الهاتفي المجاني
الفضفضة مسموعة..والهوية محفوظة...والمكالمة مدفوعة
كتبت: سامية الزبيدي
"الفضفضة مسموعة، والهوية محفوظة، والمكالمة مدفوعة"، خطوط هاتفية مجانية خُصصت من قبل مراكز ومؤسسات مجتمعية ونفسية مختلفة لتقديم خدمة جديدة من نوعها، في مجالي الدعم النفسي والمجتمعي.
الخط الدافئ...المفتوح...المجاني..الإرشادي، مسميات مختلفة لهدف واحد، .تتعدد الأسماء والهدف يكاد يكون واحداً، إعلانات مقروءة، أو مسموعة، أو مرئية، تؤكد لك أنك لستِ وحدكِ، هناك من يرغب في مساعدتكِ، فقط ارفعي سماعة الهاتف واتصلي
"اسم المطبوعة" بحثت في هذه الظاهرة الجديدة، وطرحت تساؤلاتها، ما هو الخط المفتوح؟ من هي الجهات التي تقف وراءه والى ماذا تهدف؟ وما هي مجالات المساعدة التي تقدمها؟ وهل يقدمون حلولاً سحرية للمشاكل المستعصية؟ وكيف ينظر المجتمع إلى هذه الخدمات؟.
خط هاتف مجاني
تجيب الإختصاصية النفسية زهية القرا، التي تعمل على الخط الهاتف المجاني الإرشادي لبرنامج غزة للصحة النفسية في مدينة غزة عن السؤال الأول، فتوضح أن الخط المفتوح هو "خدمة هاتفية تقدمها بعض المؤسسات لسماع شكاوى الناس الإنسانية والنفسية والاجتماعية، بآذان صاغية على أقل تقدير، والإرشادات، وخيارات حل المشكلة على أكثره، ومفتوح تعني انه ليس هناك أي قيود على هذا الاستماع، ويكتسب هذا الخط أهمية من العلاقة المجهولة بين المتصل والمعالج، التي تحل مشكلتي الخجل أو الخوف من التعبير عما بداخله في شكل مباشر".
وتضيف: "من مميزات هذا الخدمة أيضا انه ليس بالضرورة أن يكون المتصل يعاني من مرض نفسي، فإننا نقدم هذه الخدمة إلى أي شخص يشعر بمعاناة من أي نوع أو بحاجة إلى أن يسمعه احد أو يرشده".
وتلفت القرا النظر إلى أن إنشاء هذا الخط جاء ضمن برامج أخرى نتيجة الحاجة المجتمعية إلى مساعدة نفسية واجتماعية منذ بدء الانتفاضة، وبعد ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان، وما شكله من صدمة جماعية للمجتمع، نساؤه ورجاله، وأطفاله وشبابه، ما خلق حاجة للدعم النفسي في محاولة لتخفيف أثارها، خصوصا أن تقطيع مناطق الوطن شكل صعوبة في وصول الناس إلى العيادات، فكان الخط الهاتفي، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية لمتخصصين نفسيين واجتماعيين ضمن مشروع التدخل في الأزمات توجهوا إلى الناس في بيوتهم لتقديم الإرشادات لهم حول كيفية التعامل مع الصدمة والعدوان الصهيوني، وما يسببه من مشكلات لدى الأطفال خصوصا، مثل التبول اللاإرادي، والفزع الليلي، وغيره.
الهوية والمعلومات سرية
وفي الإطار نفسه، يشير المختص الاجتماعي محمد صالح في برنامج حل النزاعات بالطرق البديلة بمركز حل النزاعات المجتمعية والأسرية إلى أن "العمل على الخط الهاتفي بدأ منذ العام 1998 مع نشأة المركز على يد مجموعة من المتطوعين، الذي خصص خطاً هاتفياً لاستقبال المشاكل المجتمعية، منطلقاً من اعتبار أن الإنسان في مجتمعنا الشرقي يخجل من البوح بمكنونات نفسه، ويتحرج من طرح مشاكله، ومن هنا تنبع فائدة الخط الهاتفي، حيث يستطيع المتصل أن يتكلم من دون الإفصاح عن هويته، مع ضمان سرية المعلومات التي يدلي بها".
ويضيف صالح: "في البداية كان الخط الإرشادي مجاني، إلا انه اعتباراً من العام الجاري تحول إلى خط عادي بعد انتهاء التمويل المالي له"، مشيرا إلى "محاولات المؤسسة توفير التمويل لإعادة مجانية الخط".
وعلى عكس مؤسستي القرا وصالح اللتين فتحتا الخطين لجميع المواطنين، خصصت جمعية سوا كل النساء معا اليوم وغدا، التي بدأت في تقديم خدماتها الهاتفية منذ العام 1998 أيضا الخدمة للنساء فقط، وذلك ضمن مشروع سوا لدعم ضحايا العنف الجنسي والجسدي.
دعم نفسي ومعنوي
وحول هذا الموضوع تقول مديرة الجمعية أوهيلة شومر "نقدم المساعدة الأولية للنساء اللواتي يتعرض لأي شكل من أشكال العنف من دعم نفسي ومعنوي بهدف منحهن القوة ليندمجن في الحياة بصورة طبيعية"، مشيرة إلى أن "الخدمة تقدم عبر الهاتف فقط وفي الحالات التي نضطر فيها إلى مقابلة المتصلة لا يتم ذلك داخل المؤسسة حفاظا على سرية هوية المتطوعات اللواتي يقدمن الخدمة والمتصلة التي تتلقاها".
وتلفت شومر النظر إلى أن المؤسسة التي تتخذ من مدينة القدس المحتلة مقرا لها "تعلن عن خدماتها أسبوعيا عبر وسائل الإعلام المتنوعة، محددة رقم الهاتف وساعات استقبال المكالمات، إلا أن خط الهاتف غير مجاني، لكن هناك إمكان لإعادة الاتصال بالمتصلات اللواتي لا يستطعن تحمل كلفة الاتصال، ويستقبل الخط متصلات من مناطق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة".
استجابة لحاجة مجتمعية
بدورها، توضح اعتدال الجريري منسقة برنامج الإرشاد والاستشارة في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية أن "الجمعية بدأت العمل على خدمة الخط المفتوح بشكل تجريبي عام 93 مدة عام واحد، لتقديم الاستشارة للنساء اللواتي يصعب عليهن الوصول إلى مراكز الإرشاد لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، شعرنا بعدها بتواصل المتصلات وزيادة عددهن، فقررنا مواصلة تقديم هذه الخدمة، خصوصا في ظل الظروف الحالية".
وتقدم الجمعية خدماتها الهاتفية في "نابلس وبيت لحم ورام الله وطولكرم وجنين، وبعضها مجانية".
أهداف الخدمة وأهميتها
وحول أهمية وجود هذه الخطوط، تؤكد القرا أن "النساء لدينا مثقلات بالهموم، وهذه الخدمة تقدم لهن فرصة للتخفيف عن أنفسهن قليلا"، لافتة إلى أن "عمل المعالج لا يقتصر على الاستماع فقط، وإن كانت بعض الحالات تتطلب ذلك، لكنه أيضا يقدم إجابات إرشادية ويحدد مع المتصل واجبات منزلية لابد أن ينفذها في حياته في محاولة لحل مشكلته".
وتشير إلى أن مدة المتابعة ربما تمتد إلى أكثر من مكالمة، وربما يحتاج الأمر إلى تحويل المتصل إلى العيادات الخاصة بالبرنامج، لتقديم العلاج له بصورة مكثفة ومركزة أكثر"، مؤكدة أنه "لا نقدم إنقاذا شاملا، بل نفحص امكانات الحل وخياراته مع المتصلة ونناقشها في كل خيار ونوضح لها متطلباته وتداعياته الايجابية والسلبية وهي في النهاية التي تتخذ القرار الذي يناسبها".
من ناحيتها، تشير شومر إلى أن "المساعدة المقدمة تتم حسب احتياجات ومتطلبات المتصلة، فالمرأة التي تتعرض لاغتصاب تختلف المساعدة التي تتلقاها عن امرأة لديها مشكلة من نوع آخر، لكننا نعمل دائما على فحص توقعات وامكانات المتصلة ونبني معاً خطة عمل، للتخفيف من حدة المشكلة"، مؤكدة "أننا لا نتخذ القرار ولا نحدد لها ما يجب أن تفعله".
فيما ترى الجريري أن أهمية هذا الخط تكمن في انه "يحل مشكلة الإغلاقات والحواجز الإسرائيلية المنتشرة بين المدن والمخيمات والقرى، وتعيق من هم بحاجة لمساعدة نفسية أو اجتماعية عن الوصول إلى المؤسسات التي تقدمها"، مشيرة إلى أن "الخط الهاتفي يوفر السرية والراحة النفسية للمتصلة للتحدث بحرية عما تعانيه من دون الخوف من كشف شخصيتها".
وتؤكد الجريري انه "ليس لدينا عصا سحرية لحل المشاكل، بل نساعد في توضح أبعاد وتبعات المشكلة وخيارات حلها، والبدائل المطروحة لذلك، فيما القرار عائد للمتصلة"، منوهة إلى أن "كثيراً من النساء يتصلن لحاجتهن لمن يسمعهن من دون توجيه اللوم لهن فقط، وهو ما نفعله، نسمعها، لا نلومها، نناقشها، ونرشدها".
العنف ضد المرأة
وتؤكد القرا أن اغلب المتصلات هن نساء نافية أن يكون لقضايا العنف ضد المرأة النصيب الأكبر من المشكلات التي تعرضها المتصلات.
وترجع القرا ذلك إلى أن "هموم المرأة الفلسطينية أصبحت مضاعفة، حيث تعاني من قلق كبير على مصيرها ومصير أبنائها، كيف ستربيهم في ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة؟!".
وتقر بان "حالات العنف مازالت موجودة، إلا أنها حالات بسيطة، ولم يعد لها أولوية داخل الأسر"، مشيرة إلى أن "حالات العنف الجسدي قلت بدرجة كبيرة لوجود نوع من الوعي لدى الناس ضد هذا السلوك، إلا أن العنف النفسي، مازال موجودا، والأكثر من ذلك أننا لم نعد نتكلم عن عنف أسري، أمام العنف السياسي الكبير الذي يطال المجتمع كله".
ويختلف صالح مع القرا في أن مشاكل العنف ضد المرأة أو الأسرة قلت، معتبرا أن "العنف منتشر في مجتمعنا بشكل كبير، وأي اعتداء جسدي أو لفظي أو آخر نضعه في دائرة العنف، ولدينا في المجتمع الفلسطيني كمية كبيرة من المشاكل العاطفية والزوجية المليئة بالعنف".
وتشير الجريري إلى أن هناك ما لا يقل عن 189 متصلة معنفة خلال عام 2003، أغلبهن ضحايا عنف زوجي، أو اعتداء، أو تحرش جنسي داخل إطار العائلة، مرجعة السبب في ارتفاع المعدلات إلى "الاحتلال الإسرائيلي وممارساته من بطالة وفقر وحصار وجدار واعتقال وإبعاد، زاد من حجم الأعباء والعنف الموجه ضد المرأة".
وتزيد الجريري على ذلك بالإشارة إلى استطلاع للرأي أعدته الجمعية حول العنف السياسي وتأثيره على العنف ضد المرأة 2001، كشف زيادة العنف بنسبة 86% عن العام الأول من الانتفاضة.
بيوت آمنة
وردا على سؤال حول كيفية مساعدة الجمعية للمرأة التي تتعرض لعنف يهدد حياتها تقول شومر: "نساعدها حسب الامكانات وموقع السكن الخاص بها، فالمتصلات من مدينة القدس نتعامل معهن بصورة مختلفة، حيث نستطيع حمايتها بوضعها في الملاجئ الموجودة داخل إسرائيل للنساء العربيات، أما النساء الفلسطينيات اللواتي ليس لديهن بطاقة هوية إسرائيلية، فان هناك نقصاً في عدد البيوت الآمنة في الأراضي الفلسطينية، ما يشكل صعوبة كبيرة أمام مساعدتنا للنساء"، مشيرة إلى أنها "تطمح في أن يكون لدى المؤسسة بيوت آمنة وما يتطلبه من توفير الحماية القانونية".
وتشير القرا إلى أن عدد المكالمات التي يتلقاها الخط أسبوعيا يتراوح بين 20 إلى 30 مكالمة، فيما يستقبل المختصون المتصلين على مدار 12ساعة متواصلة.
فيما تقدم هذه الخدمة بحسب صالح على مدار 24ساعة، في مدن ثلاث وهي: غزة وخانيونس ونابلس، وتصل عدد الحالات الجدية التي يستقبلها خط غزة إلى أكثر من 50 حالة شهريا من جميع أنحاء الوطن، حتى من السجون الإسرائيلية وفلسطينيي 48".
وتستقبل الجريري على خطها المفتوح ما يقارب من 6 الى 7 حالات في الشهر حاليا بسبب إلغاء مجانية معظم الخطوط بالجمعية، وهو ما تؤكده الجريري بالقول: "الاتصالات قلت، ليس لأن الحاجة قلت، بل لأن الظروف الاقتصادية صارت أسوأ، وأثرت على خدمة الهاتف بعد أن أصبحت مدفوعة الأجر في معظم الخطوط، وهو ما يؤكده مقارنة الأعداد المتصلة على الأرقام المجانية بعدد المتصلات على الأرقام الأخرى".
مهنية عالية
ويوضح صالح الخطوات المهنية المتبعة للتعامل مع المتصلين بالقول: "نعّرف المتصل أولا بأنفسنا، ونؤكد له حرصنا على الحفاظ على سرية مشكلته، وأثناء عرض المتصل لمعاناته نستمع إليه بشكل علمي، وفي بعض الحالات نتمكن من حل المشكلة عبر الهاتف بتقديم الإرشادات المطلوبة، فيما يتطلب الأمر في حالات أخرى المجئ إلى المركز، حيث نقدم له المساعدة بشكل مباشر".
ويؤكد صالح أن المعالجين على درجة كبيرة من الخبرة والتعليم في المجال النفسي والاجتماعي، كما أنهم تلقوا تدريبات على أيدي خبراء في مجال حل النزاعات فلسطينيين وعرب.
فيما تشير القرا إلى أن مقدمي الخدمة لديهم اختصاصيين نفسيين، أصحاب خبرة لا تقل عن 5 سنوات، ويحصلون على دورات تدريبية مستمرة في البرنامج.
ولسوا طريقة مغايرة في العمل، حيث تقدم متطوعات من دون أجر بشروط خاصة خدمة الخط الدافئ، كما تسميه الجمعية، وحول ذلك تقول شومر: "شروط قبول المتطوعة صعبة، وفيها مراحل عدة، حيث يتم عقد دورة تدريبية واحدة كل عام، لـ15متطوعة في مجال الخدمة الهاتفية، جزء منها نظري، وأخر عملي على أيدي متخصصة، ويتم اختيارهن بعد تعبئة طلب يتضمن أسئلة محددة، يخضع على إثرها ذوات الإجابات الأفضل لمقابلة شخصية وتدفع المتطوعة التي يتم قبولها مبلغا رمزيا وتوقع على اتفاق يقضي بالعمل في المركز مدة عام لثلاث ساعات يوميا".
وتعتبر شومر "هذه الدورة كافية، إضافة إلى أن هناك إشرافاً فردياً على كل متطوعة وعلى كيفية تعاملها مع المتصلات"، مشددة على "دور هذا العمل في تنمية روح التطوع ودعم الخير لدى النساء من مختلف التخصصات، لدينا متطوعات محاميات ومهندسات وربات بيوت..".
بدورها، تؤكد الجريري أن "العمل في مجال الإرشاد الهاتفي أصعب من الشخصي، ويخضع الطاقم الإرشادي لدورات متخصصة بهذا المجال، كما نقوم بتقويم عملنا بشكل دائم".
ومن الجدير ذكره، أن الصحة النفسية وحل النزاعات هما المؤسستان الوحيدتان اللتان تقدمان خدمة الهاتف الإرشادي في قطاع غزة، فيما لا تكاد المؤسسات المشابهة في الضفة الغربية تزيد عن أصابع اليد الواحدة، ما حدا صالح والجريري إلى المطالبة بالمزيد من هذه الخطوط، والخدمات.
المباشر أفضل
وحول رأي النساء الفلسطينيات بهذه الخدمة، تعتبر ميساء( 20عاما) من مدينة غزة هذه الخدمات شيء جيد، قائلة: "نحن بحاجة فعلا، لمن يستمع إلينا، ويرشدنا، إلا أنني أفضل الحديث المباشر، ولا أرتاح في الحديث عبر الهاتف"، مؤكدة أن "حديثي مع اختصاصي محل ثقة يرشدني بشكل مهني، ويحافظ على سرية هويتي ومشكلتي هو ما نحتاجه في هذا الوقت لأننا لا نجد احد يستمع إلينا ويرشدنا".
وتتفق سلوان (25عاما) من مخيم جباليا معها بهذا الشأن فتقول: "لا أحبذ المحادثة الهاتفية، لأنني لا أضمن المتحدث معي ولن أشعر بالراحة والأمن بالحديث عبر الهاتف".
فيما تختلف سماح( 23عاما) من مدينة غزة معهما بالقول "على الهاتف أحافظ على سريتي وأخذ راحتي في الحديث، حول شتى المواضيع مهما بلغت حساسية الموضوع لأني أعرف انه لن يعرف شخصيتي".
كذلك تفضل أم سامي من مخيم جباليا (50عاما) "الحديث عبر الهاتف، لان ذلك يقلل الإحراج، ونتكلم براحة وشفافية"، إلا أنها تؤكد أنها "لن تقدم على الاتصال بهذه الخطوط لأنها غير مقتنعة بإمكان حل مشاكلها بعد هذا العمر".
فيما ترجع نجوى من مخيم الشاطئ (30عاما) أسباب ترددها في الاتصال بهذه الخطوط إلى عامل الخجل والخوف من الإفصاح عن أسرارها وأسرار بيتها وأسرتها.
وعلى رغم أن الإحصاءات الخاصة بالمؤسسات العاملة في تقديم هذه الخدمة تؤشر إلى تزايد الاتصالات، وانتشار الإعلانات الخاصة بهذه الخدمة في وسائل الإعلام المختلفة، إلا أنها تبقى مجهولة لنسبة كبيرة من المجتمع الفلسطيني، ومرفوضة لنسبة أخرى لا تقل عن الأولى، بسبب معتقدات اجتماعية ونفسية مكبلة بالخوف والخجل وعدم الثقة.

 ----------------

ضجة واتهامات لمشروع قانون العقوبات:
يبيح الزنا والدعارة والقمار...وضد الإرهاب
عناوين أخرى: د. أبو حلبية: القانون مخالف للدستور
الدحدوح: لماذا لم يُثر احد على القانون البريطاني المعمول به منذ سبعين عاما.
الرومي: القانون اقر بموافقة ستة أعضاء وتحفظ عضو واحد
الحجار: تعريف "الإرهاب" في المشروع "فضفاض"



كتبت سامية الزبيدي


زنا..سُكر..عربدة..بيوت للقمار والدعارة..وتغيير في حدود الله هذه هي الشعارات التي تناثرت على صفحات بعض المجلات والصحف، وفي أروقة المؤتمرات، التي عقدت احتجاجا على ذلك.


ولم يقتصر الأمر على إعلان المواقف، والتصريح بالرأي، بل طاول الشتم واللعن والتكفير أطرافاً عدة، فكل من كان مع مشروع قانون العقوبات الذي قرأه المجلس التشريعي، بالقراءة الأولى، ومن كان ضده، لم يسلم من ذلك.


وعلى رغم، أن هذا القانون ليس الأول ولا الوحيد، الذي يقر في غيبة من الرأي العام، ورأي المختصين من المؤسسات الحقوقية والمجتمعية، إلا انه الوحيد، وكذلك الأول، الذي يثير هذه الضجة الكبيرة.


كذلك، لم يكن هذا المشروع-الذي اقر بتصويت 6 أعضاء من اصل 7 أعضاء كانوا حاضرين وقت إقراره من اصل 84 نائباً ( كامل أعضاء المجلس التشريعي مستثنى منهم المعتقلين في سجون الاحتلال والمتوفين)-القانون الأول، الذي يقر بحضور هذا العدد الضئيل من النواب، إلا أن أيا من القوانين السابقة التي أقرت بالطريقة عينها، لم تثر أدنى اهتمام لدى مثيري هذه الضجة لا من قريب ولا من بعيد، على رغم أنها كانت، كما مشروع القانون الحالي، وضعية بعيدة عن مبادئ الإسلام الحنيف في مجمل أحكامه.


إذن، فما هي مسببات هذه الضجة؟ وما مدى صحة ما أشيع حول المشروع ومحتواه؟ و كيف تم إقراره وما مدى قانونية ذلك؟ وما هي صحة ما أشيع عن ممارسة ضغوط على المجلس التشريعي لإقرار القانون في غفلة من معظم أعضاءه؟ وفي النهاية ما هو مصير هذا القانون الذي جمد نقاشه وعرضه للقراءة الثانية اثر هذه الضجة؟


مجلة "الدار" تابعت هذه القضية، وبحثت عن إجاباتها الخاصة، في التحقيق الآتي:


الدكتور احمد أبو حلبية أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية، ونائب رئيس رابطة علماء فلسطين في محافظات غزة، يعتبر مشروع القانون "مخالف للإسلام نصا وروحا"، مشيرا إلى ان "المادة الرابعة من القانون الأساس الذي يعد بمثابة الدستور الخاص بالدولة الفلسطينية تنص على ان الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وان مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، لذا فوجود هذا القانون وأمثاله، مما يخالف نصوص الشريعة الإسلامية يعد مشكلة دستورية".


ويؤكد ان "قانوناً بهذه الخطورة يجب ان لا يقر أو يناقش إلا بحضور أغلبية من أعضاء المجلس التشريعي لا بحضور 6 أعضاء يقرون القانون في جلسة مسائية في رام الله"، مضيفا "لا نريد ان يُضحك علينا كمسلمين وكشعب فلسطيني، ان يقول الدستور شيء، وعند صوغ المواد الفرعية لا يُفعّل الدستور".


ويشير د.أبو حلبية إلى ان "المشروع الجديد مأخوذ من القانون المصري المستمد من القانون الفرنسي، الذي صيغ في العقود الأولى من القرن الماضي إبان احتلال بلاد عربية وإسلامية، وهي حقبة كانوا يغطون فيها في جهل كبير".


ويعترف د.ابو حلبية "نعلم انه لن يكون هناك اهتمام بتطبيق الشريعة كما يريد الله في قوانيننا التي تحكمنا، ولكن نستطيع ان نقوم بدور بارز في إنكار مثل هذا المنكر، الذي يتمثل في إقرار قوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية".


ويضيف: "نستطيع من خلال هذا الدور ان نعمل على إجهاض أي قوانين تتعارض معها"، مشيرا إلى الحملة التي نظمتها قوى إسلامية في المجتمع لإجهاض القانون، حيث نظمت رابطة علماء فلسطين خلال الشهر الماضي مؤتمرا حاشدا في قاعة رشاد الشوا نددت فيه بالقانون، وطالبت بإلغائه، كما افرز المؤتمر موعدا للخروج في مسيرات ضخمة احتجاجا وضغطا على مقري القانون، لإلغائه، إلا ان تجميد القانون من قبل المجلس التشريعي حال دون تسيير هذه المسيرات، كما تبع هذا المؤتمر مؤتمر آخر للحركة النسائية الإسلامية في فلسطين، حذا حذو المؤتمر الأول في محتوياته وتوصياته.


ويعتبر د.أبو حلبية المؤتمر "أدى دوراً بارزاً في التأثير على عدد من أعضاء المجلس التشريعي، وخلق لديهم توجهاً بعدم إقرار القانون بهذه الصيغة في القراءة الثانية".


ويشير إلى إنجازات أخرى للمؤتمر تمثلت في "الاتفاق على ان تعد لجنة شكلت لهذا الغرض من علماء الرابطة مشروع قانون عقوبات إسلامي، يتم عرضه على المجلس التشريعي، كما تم الاتفاق على موعد قريب موسع يلتقي فيه العلماء مع عدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي في محافظات غزة لعرض المشروع المقترح".


وفي استعراضه لأهم مآخذه على مشروع القانون يشير د. ابو حلبية إلى "حذف فقرة مهمة من الفصل الخاص بالإرهاب في المادة 84 من مشروع القانون في القراءة الأولى، كانت موجودة في مشروع القانون والتي تنص على انه لا تعد جريمة حالات النضال والمقاومة والكفاح المسلح وأعمال مقاومة المحتل واسترداد الأرض وتحريرها"، متخوفا "من تجريم من يناضل ويحمل السلاح لمقاومة الاحتلال".


وفي قضايا أخرى طرحها القانون، يعترض د.أبو حلبية " عدم نص القانون على عقوبة لجريمة الردة عن الدين، وحد الردة في الإسلام هو قتل المرتد، بعد الاستتابة ثلاثة أيام، إضافة إلى مادة أخرى تعاقب من تجرأ على الله سبحانه وتعالي، وعلى رئيس الدولة بالسب أو بالعيب يعاقب بالحبس الذي تتراوح مدته من أسبوع إلى ثلاث سنوات، وفي هذا مساواة المخلوق بالخالق علما بان جريمة سب الله سبحانه وتعالى والشرائع السماوية توصل صاحبها إلى الكفر".


وفيما يتعلق بالقضايا الأكثر سخونة والتي تتعلق بالزنا والسكر والمقامرة يقول د.أبو حبية ان "القانون عرف الزنا باتصال شخص متزوج رجلا كان أو امرأة اتصالا جنسيا بغير زوجه، أي ان اتصال غير المتزوج بغير المتزوجة لا يعد جريمة زنا، بل يعد جنحة، كذلك الأمر بالنسبة إلى جريمة السكر التي لا يعدها القانون جريمة إلا في حالة السكران الذي وجد في طريق عامة أو في مكان يرتاده الجمهور وارتكب تصرفا فيه إزعاج للناس أو أحدث شغبا، وهذا أيضا مخالف للشريعة الإسلامية، حيث تنص على إقامة حد السكر على السكران أينما ضبط".


ويضيف: "إما جريمة القمار وفتح دور لها فقد عاقب القانون أولئك بالحبس أو بالغرامة إذا لم يكن هناك إذن من الجهات المختصة، أي انه إضافة إلى انه يفتح المجال للترخيص لهذه الجوانب، فان العقوبات المقرة مخففة جدا".


وعلى صعيد جرائم القتل، فيقول د. أبو حلبية "ان القانون لم يذكر إلا القتل العمد، وعقوبته الإعدام، فيما لم يذكر القتل شبه العمد، كما انه لم يتعرض لا من قريب ولا من بعيد للدية التي تعتبر جزءاً من العقوبة، إضافة إلى الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين".


وللبحث في مدى صدق الاتهامات السابقة، قابلت مجلة "الدار" نائب رئيس ديوان الفتوى والتشريع بوزارة العدل الفلسطينية المستشار سليمان الدحدوح، واحد أعضاء اللجنة المكلفة بصوغ مشروع القانون التي شكلها الديوان، الذي يؤكد ان "المشروع نابع من واقعنا الفلسطيني، ووضع من قبل لجنة من رجال القانون الفلسطينيين من الضفة والقطاع، معظمهم قضاة وأستاذة جامعات، واستعانت بمستشار قضائي مصري"، مشددا على ان "الاستعانة به لا تعني ان القانون نابع من القانون المصري".


ويوضح ان مصادر مشروع القانون "هي قوانين العقوبات المعمول بها حاليا، بالإضافة إلى الشريعة الإسلامية، التي هيمنت على اغلب أحكام القانون، علاوة على قوانين العقوبات في الدول العربية والعالمية، ولم نأخذه من الفرنسي أو الإنجليزي بالتحديد، بل اعددنا قانوناً يعبر عن نمط سلوك أفراد المجتمع الفلسطيني العربي المسلم، ولا يلتزم بنمط من الأنماط العالمية".


وفيما يتعلق بممارسة ضغوط معينة على اللجنة لصوغ قوانين محددة مثل المادة المتعلقة بالإرهاب، يؤكد انه "لا توجد أي جهة أثرت على اللجنة في وضع النصوص ولا وضع السياسات العامة".


و يؤكد ان المادة المتعلقة بالإرهاب "جاءت لتفسره بالمعنى الفلسطيني، وليس كما تفسره الولايات المتحدة، أو إسرائيل أو غيرها، أما ما حذف منها خلال قراءة المجلس التشريعي له، فليس لنا علاقة به".


ويشدد الدحدوح على ان "المفاهيم التي تشاع حول القانون، ليست صحيحة، من انه يتنافى مع الشريعة الإسلامية، وان القانون لم يترك حكم أو جريمة وردت في الشريعة إلا وضع لها نصوص وعقوبات تتناسب مع الهدف الذي قصدته الشريعة الإسلامية"، مضيفا ان "الهدف واحد، لكن سبب الاختلاف إننا نضع قانوناً لمجتمع عربي فلسطيني غير مؤهل لتطبيق العقوبات المقررة في الإسلام، من رجم، أو قطع يد".


ويتهم الدحدوح مثيري الفتنة "بأنهم لم يفهموا القانون ولم يقرأوه بمعناه الحقيقي، وإنهم ليسوا قانونيين"، مؤكدا ان "النص العام لا يطبق أو يفهم إلا بعد متابعة النص الخاص بكل جريمة، على سبيل المثال قانون المسكرات، لقد وضعنا قانوناً عاماً حوله في مشروع العقوبات، وسنضع قانوناً خاصاً به مفصل بصورة اكبر، لا يفهم ولا يطبق النص العام إلا به".


ويشير الدحدوح إلى ان "القانون عرض على قسم خاص باللغة العربية ولم يخرج القانون من ديوان الفتوى والتشريع إلا بعد ان تم تدقيقه من قبل متخصصين في اللغة العربية، ونوقش مع جهابذة القانون والشريعة، ولم يأت أي احد منهم بتفسير لأي نص يخالف معناه الحقيقي، كما حصل في الزوبعة الأخيرة".


وتساءل الدحدوح: "لماذا لم تثر أي ضجة حينما كنا نعمل بالقانون الإنجليزي منذ سبعين عاما، وهو قانون أسوأ آلاف المرات من المشروع المقدم؟".


انتقالا مع مشروع القانون إلى المجلس التشريعي، الذي قرأه بالقراءة الأولى، التقت "الدار" الشيخ سليمان الرومي مقرر اللجنة القانونية في المجلس التشريعي، الذي يؤكد أن "اللجنة درست مشروع القانون فور إحالته إليها من ديوان الفتوى والتشريع، وعرضه للمناقشة العامة في المجلس، كما عقدت نحو 30 جلسة استماع وورشة عمل شارك قضاة، ووكلاء من النيابة العامة، ومحامون و ممثلون عن مراكز حقوق الإنسان، والصحافة، والمؤسسات الوطنية والأهلية، و استمرت النقاشات نحو عام كامل، إضافة إلى دعوة المرجعيات الدينية للمشاركة في الجلسات ومناقشة المشروع.


بعد ذلك قامت اللجنة بعرض المشروع على خبراء مصريين مشهود لهم في القانون خلال زيارة لدولة مصر، ثم قامت اللجنة بتعديله طبقا للمناقشات التي تمت".


ويضيف: "لم يتم عقد جلسة مناقشة المشروع وإقراره إلا بعد إعلام جميع النواب بموعد الجلسة وأعمالها وتزويدهم بنسخة منه"، مؤكدا أن "هناك نظاماً يحكم هذه الأمور وهذه الإجراءات يعرفها النواب، وجرى إتباعها في جميع القوانين من دون استثناء، حيث تبدأ الجلسة بالنصاب القانوني الذي يساوي النصف زائد واحد، لكن القانون لا يلزم المجلس بالتوقف عن نقاش المشروع إذا نقص عدد النواب عن النصاب، وهذا عرف برلماني معمول به في الدول العربية والغربية كافة".


ويشدد الرومي على أن " من يعنيه المشروع يجب عليه أن يستمر في حضور الجلسة والمناقشة"، منكرا الاتهامات التي أطلقها البعض ومفادها أن الجلسة التي قُرأ خلالها المشروع بالقراءة الأولى كانت جلسة مسائية لم يعلم بها إلا عدد محدود من النواب.


ويقول: أن "الجلسة عقدت بواسطة تقنية الدائرة التلفزيونية المغلقة "فيديو كونفرنس في كل من مدينتي رام الله وغزة، لعدم تمكن نواب محافظات غزة من الوصول إلى رام الله، واستمرت من الساعة الثانية عشر صباحا وحتى التاسعة مساءً تخللتها استراحة غذاء فقط، وجميع النواب يعرفون النظام ويعرفون جدول أعمال الجلسة".


وينكر د. كرم زرندح النائب في المجلس التشريعي في حديث الى "الدار" ذلك، قائلا: انه "ليس من عادة المجلس ان يعقد جلسات مسائية، خاصة إذا كان هناك جلسة صباحية"، مؤكدا انه "لم نعلم بالجلسة المسائية إلا قبل انعقادها بدقائق ونحن نبعد عن مقره حوالي 20كيلو متر".


ويشدد على ان "الجلسة المسائية لم تكن موجودة ضمن الجدول، ثم علمنا ان الجلسة لم يحضرها سوى 6 أعضاء من رام الله ونحن ممنوعون من السفر إلى رام الله"، معتبرا ذلك "غير قانوني".


إلا ان الرومي يؤكد ان إقرار القانون بستة أعضاء فقط من النواب "ليس عيبا من الناحية القانونية، وان الذي يتحمل مسؤولية الغياب هم الأعضاء أنفسهم"، مشددا على انه "كان يجب على من يريد معارضة المشروع ان يستمر في حضور الجلسة، حتى يتمكن من الإدلاء برأيه، ويسجل موقفه رسميا تحت قبة البرلمان، لا في أماكن أخرى".


وحول مدى ديمقراطية ان إقرار قانون مهم مثل قانون العقوبات بحضور هذا العدد الضئيل من النواب، يؤكد الرومي ان "الفصل الثاني من النظام الداخلي للمجلس ينص على انه يتم إقرار مشاريع القوانين بالأغلبية المطلقة" وفي مادة(1) منه تفسير الأغلبية المطلقة بالنصف+ واحد من عدد أعضاء المجلس الحاضرين عند اخذ الرأي أي التصويت".


و يدافع الرومي عن مشروع القانون قائلا: "لا شك إننا لا نعيش على كوكب آخر، وان هذه القوانين متراكمة وهي تشكل نظام قانوني لا يمكن تغييره بين عشية وضحاها، والقانون المعمول به حاليا قانون وضعه المندوب السامي البريطاني 1936، ومازال معمولاً به حتى اليوم في غزة، وفي الضفة القانون الأردني المعمول به منذ عام1960، والمأخوذ أيضا عن القانون البريطاني"، مؤكدا ان الضجة التي أثيرت حول القانون وما أشيع حوله تضليل للناس، وقال: "لا يجوز لنا ان نضلل الناس، ونستعمل الكذب ونبرر به الغايات التي نريدها، بل لا بد من كشف الحقيقة للناس".


ويدافع الرومي عن مشروع القانون الحالي بمقارنته بالقانون المعمول به "حيث جاء يحرم الزنا، واللواط وكثير من الأمور المنكرة حتى لو كان ذلك بالتراضي خلافا لما ينشر بغير وجه حق بان القانون يسمح بهذه الجرائم".


ويتفق مع الدحدوح بان "القانون لا يؤخذ من مادة واحدة"، مستنكرا محاولات البعض "الاعتداء على المشروع بان يلصقوا به ما ليس فيه، حتى يقاوموه أو يغيروه".


وحول قرار تجميد القانون يؤكد الرومي ان "قرار التجميد يرجع إلى نواب الشعب"، معتبرا ذلك "قبولاً باستمرار العمل بقانون الانتداب البريطاني الذي هو أسوأ حالا بكثير من هذا المشروع".


من جانبه، يعتبر المحامي عدنان الحجار منسق الوحدة القانونية في مركز الميزان لحقوق الإنسان ما اسماه بـ"الضجة" " مبالغاً فيها ولا مبرر لها، حيث ضخمت تم تضخيم الموضوع هذه الضجة سياسياً أكثر منه أي شيء آخر".


ويدين الحجار الحال التي وصلت إليها الساحة الفلسطينية اثر إقرار هذا القانون، حيث "وصل الأمر إلى حد التهجم وتخويف أعضاء المجلس من سن القانون، وأصبح هناك حال أشبه بالحرب الأهلية (الكلامية) على هذا المشروع"على حد قوله.


ويعتبر الحجار إقرار القانون من قبل عدد محدود من أعضاء التشريعي بـ"المشكلة العامة، فأعضاء المجلس مضطلعين بدورهم، ولا يناقشون المواضيع بجدية"، مشيرا إلى "وجود قوانين سارية حاليا نوقشت وأقرت بعدد ضئيل من الأعضاء".


وتكمن المشكلة حسب وجه نظره في "النواب وليس في وجود مؤامرات أو ضغوط على المجلس لإقرار القانون حسب ما أشيع من قبل البعض، حيث ان كل نائب يملك وسائله القانونية التي تسمح له بمراقبة التصويت ومناقشة القرارات، إضافة إلى حقه في الطعن أمام رئاسة المجلس إذا شك في قانونية الجلسة" في إشارة إلى ادعاء بعض النواب أنهم لم يبلغوا بموعد الجلسة التي اقر خلالها القانون.


ويرى الحجار أن حل المشكلة يكمن في "تغيير النظام الداخلي للمجلس التشريعي، بحيث لا يسمح بالتصويت إلا بالنصاب القانوني للمجلس، إضافة إلى ضرورة تمكين الشعب من مراقبة عمل وأداء المجلس، من خلال عرض كل جلساته عبر شاشة التلفزيون المحلي وعلى الهواء مباشرة".


ويؤكد الحجار ضرورة وجود مثل هذا القانون لتجديد وتعديل القانون السابق بما يتماشى مع تطور المجتمع، إضافة إلى توحيد القوانين المعمول بها في الضفة الغربية وقطاع غزة"، معتبرا "المشروع المقدم أفضل بكثير من القانون القديم، حيث احتوى على قوانين تتعلق بجرائم حديثة ومتطورة مثل الاحتيال بواسطة الحاسوب، ونقل الأعضاء البشرية والاتجار بها، وقضايا امن الدولة والجاسوسية، وغيرها".


ويعيب الحجار على القانون الفصل المتعلق بالإرهاب، معتبرا تعريف الإرهاب "فضفاضاً".


ويضرب مثلا على ذلك قائلا: "لو في مجموعة عمال مضربين عن العمل، واحتجزوا رب عملهم، يصبح هؤلاء العمال وفق القانون إرهابيين".


وينص الفصل الأول من مشروع القانون، المتعلق بالإرهاب في مادته (84) على ان "جميع الاعتداءات الإجرامية التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر عام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وترويع الآمنين ويلجأ إليها الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، وترتكب باستخدام القوة أو العنف، أو التهديد، وبوسائل من شأنها ان تحدث خطرا عاما كالمواد المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة...".


كذلك يعيب عليه "سعة السلطة التقديرية المعطاة للقاضي، حيث للقاضي ان يحدد تبعا لملابسات الجريمة، التي تكون عقوبتها السجن المؤقت، العدد الذي يرتأيه لعدد أعوام السجن، التي تتراوح بين ثلاثة أعوام إلى 15 عاما، وهي مدة طويلة جدا تركت للقاضي".


ويضيف الحجار "كذلك أجاز القانون، في حالات الزنا بين المتزوجين، سحب الشكوى من قبل الزوج ضد زوجه، حتى بعد الحكم، إذا ما قبل معاشرة زوجه، وهو ما سيفتح الباب لابتزاز الزوج لزوجه بإسقاط العقوبة عنه والعودة إليه"، معتبرا أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الخصوص أفضل لعلاج هذه الحالات، حيث وضعت شروطا تعجيزية لإثبات الزنا، إضافة إلى ان القرآن الكريم ذكر انه إذا وصلت العلاقة بين الزوجين إلى حد الملاعنة، فان أي حياة زوجية مستقبلية تستحيل بين الزوجين".


ويحمل الحجار النواب، ومؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية مسؤولية تمرير القوانين التي تحكم مستقبل الشعب الفلسطيني في غفلة منهم، متهما إياهم بالفشل على هذا الصعيد، خصوصا الأحزاب السياسية التي وصفها الحجار بـ"الغائبة مطلقا عن كل التشريعات على رغم أن الواقع الاجتماعي هو جزء من السياسة" التي تنصب عليها جل اهتمامات الأحزاب الفلسطينية.


وعلى رغم، أهمية هذا القانون على وجه الخصوص، إلا انه لا يمكن أن يوضع بمعزل عن باقي القوانين الفلسطينية الجديدة، التي اقر العديد منها سابقا، وكانت بمجملها قوانين ذات طابع علماني، إضافة إلى ان المشروع الجديد يظل في أسوأ أحواله أفضل من البقاء تحت أحكام قانون مضى على وجوده عقود عديدة.


إلا انه وفي كل الأحوال، يبقى هذا المشروع بحاجة إلى تضافر جهود كل المؤسسات المجتمعية والسياسية والقانونية، للوصول إلى قانون سيبقى إلى عشرات العقود القادمة متحكما في مصائر الفلسطينيين.

----------------------



احياء كاملة اختفت… والاف العائلات شردت…ولازالت الارض تهتز
الأنفاق… الشغل الشاغل للإسرائيليين في رفح
متنفس أخير أم مصائد جديدة للفلسطينيين
رفح-سامية الزبيدي
تدوي أصوات انفجارات في أرجاء مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة خمس مرات يوميا على الأقل ، يدب معها الرعب في قلوب الفلسطينيين، وتتصدع جدران منازلهم، وتهتز الأرض تحت أقدامهم.
ومع تكرار الحدث لم يعد أحد يتساءل عن السبب، الجميع في رفح يعرف أنها أصوات قنابل ارتجاجية تزرعها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لهزها هزا عنيفا.
لمعرفة السبب وراء هذه الاعمال الاسرائيلية توجهت "المجلة" الى هناك وبحثت عن السر في ذلك:
يوضح  الصحافي محمد البابا (38عاما) من سكان مدينة رفح سبب هذه الهزات قائلا: "  تقوم قوات الاحتلال بزرع عبوات ناسفة في باطن الارض تحدث انفجارات شديدة فيها بهدف احداث خلخلة في التربة وردم أي انفاق تحتها".
ويلقي البابا مزيدا من الضوء قائلا: " لم يكتفي جيش الاحتلال بهدم أكثر من 280 منزل هدم كلي، واكثر من 2500 منزل هدم جزئي على امتداد الحدود الفلسطينية المصرية بعمق يصل الى 150 متر في الاراضي الفلسطينية وتشريد الاف القاطنين فيها بحجة وجود الانفاق، بل انهم يمضون قدما في اقامة جداء امني حديدي على ارتفاع 16متر على طول الشريط الحدودي البالغ طوله 9 كيلو متر والممتد من البحر غربا حتى الحدود مع مدينة بئر السبع المحتلة شرقا، الامر الذي يعطيهم حرية أكبر في ممارسة نشاطاتهم من خلف هذا الجدار".
واشار البابا الى ما اسماه اخر المستحدثات الاسرائيلية للقضاء على الانفاق وهي اغراقها بمياه البحر المتوسط .
وكانت صحيفة "يديعوت احرونوت" كشفت عن مداولات مكثفة تجري داخل الجيش الاسرائيلي لامكانية اغراق الانفاق بمياه البحر.
وتضيف الصحيفة ان النية تتجه "الى استغلال المياه التي تتسرب من مصنع تحلية المياه الجديد الذي تقيمه شركة "مكوروث" في(مستوطنة) كتسيعوت وتحويل جزء منها الى مناطق واسعة في منطقة رفح بحيث تتغلغل في التربة وتغرق بالتدريج جميع الانفاق التي يحفرها الفلسطينيون" مشيرة الى انه "تم الحصول على التصاريح والاقرارات المناسبة من الاوساط المختصة.
كما ذكرت الصحيفة ان الجيش الاسرائيلية "كشف النقاب عن عدة انفاق، لكن وفقا للتقديرات يوجد عدد غير قليل من الانفاق لم يتم كشفها بعد".
 ------------------



"الحقيقة" تفتح ملف العمال المتعطلين عن العمل منذ اربع أعوام ونصف
قادة اتحاد اللجان العمالية: سنعلن حال العصيان المدني إذا لم يستجب لمطالبنا
البياري: اللجان العمالية إطار غير نقابي يستغل العمال و قضاياهم لحسابات انتخابية، حزبية مغرضة
دهمان: اللجان قوة كبيرة لا يمكن إدارة الظهر لها، وعلى اتحاد النقابات إعادة النظر في موقفه منها
الجلدة: اتحاد النقابات متهم بالفئوية والفساد، ويعاني من التفرد والمركزية في اتخاذ القرارات

كتبت: سامية الزبيدي

في 12 من مارس الماضي، تظاهر آلاف العمال المتعطلين عن العمل أمام المقر المؤقت للمجلس التشريعي الفلسطيني في مدينة غزة.

وحمل العمال الغاضبين أواني الطعام الفارغة، والخبز الجاف، وعددا من اليافطات المطالبة بحل مشكلات الفقر والبطالة التي يعيشون في كنفها منذ أربع سنوات ونصف هي عمر انتفاضة الأقصى الحالية.


واقتحم العمال بوابة المجلس، التي أغلقت في وجوههم لساعات طوال، من دون أن يكلف أيا من أعضاء التشريعي نفسه بالخروج إلى العمال، لبحث قضيتهم أو للتضامن معهم على الأقل.


وقوبل العمال بعدد غفير من رجال وحدات التدخل السريع (مكافحة الشغب)، الذين أحاطوا المجلس، في محاولة لمنع العمال من اقتحامه، ما أدى إلى وقوع عدد من مظاهر الشغب والفوضى والتخريب لممتلكات المجلس.


الاعتصام الذي امتد من الصباح وحتى المساء، وعُلق بعد أن استجاب عدد من أعضاء التشريعي للعمال، وبحثوا مع قياداتهم سبل حل مشكلاتهم، ووعدوا بتقديم ردود حولها حتى 7 من نيسان (ابريل) الحالي، أثار جملة من التساؤلات والتكهنات وراء منظموه، والجهات الواقفة خلفهم، وشرعية مطالبهم، وأسباب عدم حل هذه الأزمة المتراكمة منذ بدء الانتفاضة، "الحقيقة" فتحت هذا الملف الشائك، وحاولت البحث عن ذاتها فيه:


من هو اتحاد اللجان؟


عبد السميع النجار رئيس الهيئة القيادية لاتحاد اللجان العمالية المستقلة، الذي وقف خلف تنظيم الاعتصام، يقول: "نشأت اللجان العمالية في قطاع غزة في منتصف العام 2002 في ظروف شديدة التعقيد أحاطت بالحركة العمالية الفلسطينية، وكانت بدايتها تنظيم حركة عمالية احتجاجية في نفس العام تنديدا بالإهمال الحاصل اتجاه أوضاع العمال والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها من بطالة وفقر وغياب سلطة القانون، وحين بدأ العمال يفتقدون لجهة ترعى حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وتدافع عنها بجدية فيما معاناتهم تزداد يوما بعد يوم والسلطة الفلسطينية لم تبدِ أي اهتمام حقيقي اتجاهها، وبعد ان شعر العمال ان حقوقهم لن تتحقق إلا بفعل ضغط عمالي موحد ونضال جماعي مطلبي، بدأ مجموعة من العمال وبرعاية مركز الديموقراطية وحقوق العاملين في غزة في تشكيل أول نواة عمالية من رحم الفقر والجوع، من خيام الاعتصام التي أقيمت على امتداد محافظات قطاع غزة في مايو 2002، إذ قامت مجموعة من العمال في محافظة الشمال بتشكيل أول لجنة عمالية لقيادة نضال العمال في المحافظة، وامتد ذلك للمحافظات الأخرى إلى ان تم تشكيل لجنة عمالية عامة على مستوى المحافظات وهو ما قاد إلى توحيد العمال في أنشطة عامة ومشتركة شارك فيها آلاف العمال للمطالبة بحقوقهم العمالية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى رأسها الحق في العمل والحماية من البطالة، وهو مطلب لا يزال يشكل الأولوية من أولويات النضال المطلبي للجان العمالية في قطاع غزة".


وحول دوافع انتفاضة العمال، واعتصامهم أمام التشريعي، أكد النجار ان "استمرار الحصار والإغلاق الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، وتفشي البطالة والفقر بشكل غير مسبوق، خصوصا في ظل عدم وجود أي سياسات أو برامج لدى السلطة أو الأحزاب، أو النقابات للتخفيف من الوضع الاقتصادي السيئ الذي نعيشه، دفع العمال إلى الخروج عن صمتهم، والإعلان عن معاناتهم، خصوصا بعد ان وجهنا عدد من الرسائل إلى المسؤولين طالبناهم فيها بحل مشكلاتنا إلا ان أيا منهم لم يجيبنا".


مطالب العمال


وتحدد وثيقة المطالب العمالية التي أرفقت إلى الرسائل، الموجهة إلى كل من رئيس الوزراء محمود عباس "أبو مازن"، ورئيس الحكومة أحمد قريع "أبو علاء"، ورئيس وأعضاء المجلس التشريعي، عددا من المطالب على الصعد السياسية، والديموقراطية، والاقتصادية والاجتماعية.


وجاء في مطالبهم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، مطالبة السلطة الفلسطينية برسم سياسات اقتصادية تنموية تعالج مشكلات البطالة والفقر وتعزز صمود واستقلالية الاقتصاد الوطني الفلسطيني، إضافة التأمينات الاجتماعية الخاصة بالحماية من البطالة بشكل أساسي وتأمين المرض والأمومة والمنح العائلية، بما يكفل كرامة الإنسان الفلسطيني وحقه في توفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، وذلك بتوفير فرص عمل دورية للعمال العاطلين عن العمل أو تقديم مساعدات مالية شهرية عاجلة لهم، ووضع معايير وضوابط محددة ومعلنة للمساعدات العينية والمادية، تشكيل صندوق وطني للتكافل الاجتماعي.


كما طالبوا بـ"إقرار قانون نقابات ديموقراطي يكفل الحريات النقابية، وتفعيل قانون العمل وخصوصا الرقابة والتفتيش ولجنة تحديد الحد الأدنى للأجور، توفير الدعم الحكومي للمواد التموينية الأساسية وخفض أسعارها الجنونية، وإعفاء العمال العاطلين عن العمل من رسوم التأمين الصحي والعلاج بالخارج، وتطبيق مجانية التعليم في المدارس والمعاهد والمؤسسات العامة وفقا للبند 1 من المادة 24 من القانون الأساس، والعمل على مجانية التعليم الجامعي، وإعفاءهم من رسوم الكهرباء والمياه المتراكمة منذ بداية انتفاضة الأقصى".


لسنا بديلا عن الإتحاد


وحول الاتهامات التي ترى في الاتحاد بديلا عن اتحاد نقابات عمال فلسطين، يؤكد النجار "لسنا بديلا عن اتحاد النقابات، نحن نقوم بالضغط على السلطة وعلى اتحاد النقابات للقيام بدورهم وواجباتهم اتجاه العمال، وطالبنا الاتحاد بفتح باب العضوية فيه، وإجراء انتخابات ديموقراطية، تفرز قيادات عمالية وليس موظفين سلطة".


وأشار إلى ان العمال كانوا "يتمنون لو أن قادة النقابات قادوا هذه الإضرابات وناضلوا من أجل حقوق العمال".


بدوره، أكد بشير كحيل نائب رئيس اتحاد اللجان ان "باب التنسيب داخل اتحاد النقابات مفتوح فقط لفئة معينة من العمال، والاتحاد يتحكم بالعضوية لزبائنه"، مطالبا بـ"فتح باب التنسيب للجميع، وبرسوم رمزية".


وردا على سؤال لـ"الحقيقة" حول عدم توجههم إلى اتحاد النقابات لتبني مطالبهم والعمل تحت مظلته، قال أمين سر اتحاد اللجان فايز العمري "توجهنا إلى الاتحاد، وطالبناه بتبني مطالب ومشاكل العمال والضغط من أجل حلها، إلا ان الاتحاد حاول احتواء هذه الحركة العمالية من خلال توظيف عدد منا"، متهما قادة الاتحاد بأنهم تحولوا إلى "موظفين سلطة، ولم يعودوا من القيادات المناضلة من أجل حقوق العمال، وقصروا في أداء واجبهم".


كما يتهم العمري جهات وصفها بأنها معروفة ولم يحددها بالاسم بالوقوف وراء أعمال التخريب التي جرت في باحة المجلس، هدفت إلى إفساد اعتصام العمال، ووصمهم بأنهم "رعاع، لا يراعون حرمة المجلس"، مؤكدا ان "العمال قدموا وضحوا من أجل الوطن ولا يمكن أن يعملوا هم على تخريبه".


بدنا نعيش بكرامة


وأشار إلى ان عدم استجابة أي من المسؤولين أو أعضاء التشريعي للمعتصمين، دفعتهم إلى اقتحام باحة المجلس التشريعي حيث جوبهوا بوحدات التدخل السريع، التي حاولت منعهم من دخول المجلس، مؤكدا: "تحلينا بضبط النفس، ومنعنا المندسين بيننا من تخريب الاعتصام، ومن الاعتداء على ممتلكات التشريعي".


ودان العمري المحاولات الساعية إلى "إلباسنا ثوب حزبي أو مؤسساتي"، قائلا: "بدنا نعيش بكرامة لا نريد أن يحولونا إلى متسولين".


وأشار كحيل إلى العمال اليوم "إذا نجح أبنائنا في الثانوية العامة، نستقبله بالبكاء، وليس بالفرح، لأننا لا ندري ما نفعل بشهادته، لا نستطيع تدريسه في الجامعة، فيما الآخرين أولادهم فاشلون ويدرسون في أحسن جامعات في الخارج، وبين أيديهم شقق وسيارات وحياة مرفهة لا يملك أطفالنا منها ما يسد جوعهم".


وحول نتائج المفاوضات التي أجراها النجار وكحيل والعمري مع أمين سر المجلس احمد نصر، والنائبين عبد الكريم أبو صلاح، ورأفت النجار، وعلقوا على خلفيتها الاعتصام، قال العمري: "تعهد النواب الثلاثة بتبني مطالب العمال كافة، ومتابعة ما يتعلق منها باختصاص التشريعي مثل إقرار قانون نقابات يمهد لإجراء الانتخابات داخل النقابات العمالية، كذلك صندوق الضمان الاجتماعي، ومتابعة ما تبقى منها مع الحكومة والوزراء المعنيين بها، على أن يتم ترتيب لقاء بين ممثلي اللجان وقيادة السلطة والوزراء المعنيين في موعد أقصاه 7 نيسان (ابريل) القادم".


وهدد قادة اتحاد اللجان في حال عدم تلبية مطالبهم وحل مشكلاتهم بـ"إعلان حال العصيان المدني، واقتحام مجلس الوزراء هم وأولادهم ونسائهم والمكوث فيه حتى الاستجابة لمطالبهم".


في حدود الإمكانات


من جانبه، أكد الناطق الإعلامي باسم اتحاد نقابات عمال فلسطين رزق البياري ان "الاتحاد ومنذ تأسيسه دافع عن العمال وقضاياهم، وبذل قصارى جهده على المستوى المحلي والدولي من أجل التخفيف من معاناتهم"، مشددا على أن الاتحاد "لم يألوا جهدا في تبني مطالب العمال والعمل مع الجهات المختصة من اجل تلبيتها في حدود الإمكانات المتاحة، وهذا ما حدث من خلال تطبيق برنامج التأمين الصحي المجاني، الذي يُقدم إلى 250 ألف عامل، ويكلف السلطة 200 مليون شيكل سنويا، إضافة إلى برنامج الإعفاء من الرسوم المدرسية".


واعتبر اتحاد اللجان "إطار غير شرعي، وغير دستوري، ولا يمثل العمال، ولا الطبقة العاملة"، مؤكدا انه وفق "المفهوم النقابي، اللجان العمالية تُشكل في مواقع العمل لتمثيل العمال أمام صاحب العمل، وحلقة وصل بينهم وبين نقاباتهم، أما ما يسمى باللجان العمالية فهو إطار يحاول ان يزج بالعمال ويستغل قضاياهم لحسابات انتخابية، حزبية، مغرضة" في إشارة إلى ما يشاع حول وقوف المبادرة الفلسطينية التي يتزعمها مرشح الرئاسة السابق الدكتور مصطفى البرغوثي تارة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تارة أخرى.


ورأى البياري في اتحاد اللجان محاولة لخلق جسم بديل لاتحاد النقابات، مؤكدا أنهم "لن ينجحوا في مواجهة الاتحاد، هذا الصرح النقابي الفلسطيني، الذي يعملون على هدمه".


وتساءل البياري: "ماذا قدم اتحاد اللجان المستقلة للعمال الفلسطينيين خلال معاناتهم على مدى أربع سنوات ونصف؟، وكم يمثلون من حجم العمالة الفلسطينية؟"، معتبرا ان "ظهور العامل على شاشات التلفزة، يعتدي على برلمانه، ويظهر وهو يحمل أوعية الطعام الفارغة، والخبز الجاف، يسيء إلى صورة العامل الفلسطيني الصبور المناضل".


إعفاء للاحتلال


كما اعتبر هذا الاعتصام "إعفاء للاحتلال من مسؤولياته اتجاه الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الصعب، الذي يعيشه العمال وكل فئات مجتمعنا الفلسطيني، وتحميلها للسلطة الفلسطينية"، مشددا على انه "لا السلطة ولا كل مؤسسات المجتمع، قادرة على إيجاد حل سحري وسريع لمشكلة العمال الذين يشكلون الشريحة الأكبر في مجتمعنا".


وحول عدالة المطالب التي يرفعها اتحاد اللجان، وسبب عدم تبني الاتحاد لها، قال البياري ان "الاتحاد تبنى هذه المطالب منذ اليوم الأول للعدوان في سبتمبر( أيلول) 2000، وتم تشكيل صندوق لمساعدة وتشغيل العمال بعضوية الاتحاد، ووزارة العمل، ووزارة المالية، وبإشراف مجلس الوزراء، بناءً على تعليمات الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعمل هذا الصندوق بقدر الإمكانات على تقديم يد العون والمساعدة، لكن السلطة أو الاتحاد لا يستطيع ان يجد راتب أو عمل لـ350 ألف عامل، قدمنا مساعدات عينية ومالية لنصف مليون عامل حتى الآن، وهذه الأرقام مدونة في هيئة الرقابة العامة، ولدى جامعة الدول العربية، واللجنة السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني، وكل الدول التي قدمت مساعدات للعمال، وهناك أكثر من 21500 كفالة قدمت إلى اسر العمال في الضفة الغربية والقطاع".


وحول الاتهامات الموجهة للاتحاد بالفئوية والفساد، نفى البياري ان يكون لهذا الكلام أي أساس من الصحة، معتبرا انه "مبالغ فيه"، لافتا إلى ان "بعض الجهات تحاول الادعاء على الاتحاد، وعلى جهوده، إلا ان لدينا معاييرنا في توزيع المساعدات، وهي وفق عدد إفراد الأسرة، ومدى حاجتها الاقتصادية، ولا نفرق بين العمال على أساس انتماءاتهم، إلا ان قلة الإمكانات تمنع وصول هذه المساعدات إلى الجميع".


وأشار إلى ان "الاتحاد طالب السلطة بإعفاء العمال من الديون المتراكمة عليهم من الكهرباء والمياه، إلا ان وضع السلطة الحالي لا يسمح لها بذلك، ولم نجد أي دولة عربية أو أجنبية تقبل بتغطية هذه الديون".


وحول إنشاء صندوق الضمان الاجتماعي الذي يطالب به العمال، قال البياري ان "العمل جارٍ على قدم وساق لسن القانون ومن ثم إنشاء الصندوق، وتم قراءة مشروع القانون بالقراءة الأولى في المجلس التشريعي".


اتهامات


وأما على صعيد تعطيل إجراء الانتخابات داخل الاتحاد، فقال البياري: "نحن مع الانتخابات، ونظمنا المؤتمر الدستوري الأول للاتحاد في شهر 5 من العام الماضي، الذي كلف اللجنة التنفيذية للاتحاد بإجراء الانتخابات داخل النقابات، ويجري الآن الإعداد للانتخابات في كافة النقابات، وتم إجراءها في نقابة النجارة والبناء، والبلديات، والرخام والحجر، والبتر وكيماويات، وتعد باقي النقابات نفسها لإجراء انتخابات داخلها".


ووجه البياري إلى محمد دهمان مدير مركز الديموقراطية، والذي يرأس نقابة الخدمات العامة في الوقت ذاته، سؤالا قال فيه: "لماذا لا تدعو لانتخابات داخل نقابتك؟ وأنت رئيسها ما دمت حريصاً على إجراء انتخابات داخل الاتحاد؟".


وفيما يتعلق بمدى استقلالية الاتحاد عن السلطة، بوصفه جهة نقابية مجتمعية تدافع عن حقوق العمال في وجه السلطة والحكومة، في الوقت الذي يعمل غالبية الموظفين داخل الإتحاد على موظفين لدى السلطة الفلسطينية، ويتلقون رواتبهم من ديوان الموظفين، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد راسم البياري الذي يحمل منصب وكيل مساعد، اعتبر البياري انه "لا ضرر في ذلك، طالما ان رئيس الاتحاد وموظفيه يقومون بواجباتهم النقابية، على وجه كامل من دون تقصير".


وفي تعقيب أخير على هذه الاتهامات الموجهة للاتحاد وقيادته، اعتبر البياري أن "المشككين كثر"، وأنه "لا يرجم إلا الشجر المثمر".


ودعا البياري اتحاد اللجان إلى الدخول في إطار اتحاد النقابات، مؤكدا ان أبواب الاتحاد مشرعة أمام أي عامل تنطبق عليه الشروط النقابية".


المبادرة والشعبية متهمتان


وفي أعقاب سلسلة من الاتهامات والتساؤلات توجهت "الحقيقة" إلى دهمان، بحثا عن إجابات، ما هو حقيقة دور مركز الديموقراطية وراء تشكيل اتحاد اللجان، وما هو حقيقة ما يشاع من دور للمبادرة أو للجبهة الشعبية وراءهم، يؤكد دهمان ان دور المركز هو "داعم ومساند ومؤيد لمطالب العمال وقضيتهم العادلة، وهذا حقهم علينا بصفتنا مركزا مهتما ومختصا بالدفاع عن حقوق العمال، أما المبادرة أو الشعبية فليس لهم علاقة مباشرة بالاتحاد، وإن كانت المبادرة داعمة ومؤيدة لنضال العمال، إلا أن العمال لديهم موقف واضح ومحدد اتجاه قبول أي دعم مشروط، يستهدف الهيمنة عليهم أو التأثير في قراراتهم، وفي الوقت ذاته، يرحبون بأي قوى مجتمعية أو سياسية تشاركهم نضالهم".


فيما يتعلق بتوقيت هذا الاعتصام، نفى دهمان ارتباطه بأي أهداف محددة، موضحا ان الاعتصام "كان من المخطط له أن يجري قبل الانتخابات الرئاسية، إلا ان العمال قرروا تأجيله لما بعد الانتهاء منها، ومن ثم حتى تشكيل الحكومة لإعطاء "أبو مازن" فرصة، وجهوا على إثرها رسائل إلى كل الجهات المختصة طالبوهم فيها بحل مشكلاتهم، وانتظروا من دون الحصول على أي رد منهم، ما اضطرهم إلى الخروج والاعتصام لإسماع صوتهم إلى الجميع".


واتهم دهمان اتحاد النقابات بـ"أخذ موقف معادٍ للجان ولمطالبهم، على رغم كل المحاولات التي بذلت من أجل التنسيق معه، وتوحيد الجهود"، مشيرا إلى انه "جرى التوافق نظريا بين اتحاد اللجان، واتحاد النقابات، إلا ان الوصول إلى مرحلة الاتفاق على قيادة موحدة لقيادة العمال، أوصلت العمال إلى نتيجة ان اتحاد النقابات غير جاد في النضال من أجل قضاياهم".


وأعرب عن أمله في ان "يعيد الاتحاد نظره في موقفه من اتحاد اللجان، الذي أصبح يشكل قوة كبيرة لا يمكن التنكر لها أو إدارة الظهر"، مشددا على ان "عملية الطعن فيه والتشويه عليه، لا تخفي حقيقة أنه خارج من صلب المعاناة، ومطالبه عادلة وشرعية وتستحق كل الدعم والتأييد".


الاتحاد يعطل


واعتبر أي محاولة "لصرف النظر عن البحث في المشكلة الحقيقية والبحث عن مبررات سطحية وغير واقعية، أو خلق أوهام بأنها حركة مفتعلة أو لها أغراض سياسية معينة لن يؤدي إلى حل المشكلة بل إلى تعميقها".


وردا على سؤال البياري حول أسباب عدم إجراء انتخابات داخل نقابة الخدمات التي يرأسها دهمان، أكد "موقفي معروف، طالبت أكثر من مرة وضغطت من أجل إجراء الانتخابات داخل النقابة، إلا ان الاتحاد يعطل من إجراءها، بحجة تحت أي قانون ستجري الانتخابات، وقد قدمت استقالتي مرتين حتى الآن احتجاجا على ذلك، وارفض إجراء انتخابات ومؤتمرات شكلية تكرس ما هو موجود لا أكثر، لا أريد ان أعقد مؤتمرات لآخذ شرعية رئاستي للنقابة مرة أخرى" في إشارة إلى المؤتمر الدستوري الذي نظمه الاتحاد.


ودعا دهمان الاتحاد إلى "إجراء انتخابات حقيقية-يُفتح خلالها باب العضوية لكل العمال- انتخابات قاعدية من أسفل إلى أعلى، بعد فرز من هو العامل ومن هو الموظف، حسب تصنيفاتهم المهنية ومكان العمل"، معتبرا التحضيرات التي يجريها الاتحاد لإجراء الانتخابات "من دون فائدة، ان لم يكن هناك اتفاق في الاتحاد، على إجراء انتخابات حقيقية في أجواء ديموقراطية مريحة"، متهما الاتحاد أنه دفع بالأجهزة الأمنية لتعطيل الانتخابات، عبر التدفق للتسجيل في النقابات للسيطرة عليها في أكثر من نقابة.


مطالب عادلة


من جانبه، رأى النقابي إلياس الجلدة في حركة العمال واعتصامهم "ردة فعل طبيعية، اتجاه الإهمال والغبن، والحال الاقتصادي السيئ الذي يعيشونه، في محاولة منهم لإيصال صوتهم إلى المسؤولين كافة سواء في السلطة أو في النقابات العمالية المعنية".


وأكد الجلدة ان مطالب العمال هي مطالب عادلة، مشددا على ان "الخلاف بين اتحاد اللجان، واتحاد النقابات غير مبرر، ولابد ان يكونوا جزءاً من الاتحاد، الذي من واجبه الدفاع عن مطالبهم وحقوقهم لا أن يقف في طرف مضاد لهم".


واعتبر ان اللجان أمامها فرصة لدخول اتحاد النقابات، في ظل وجود تحضيرات لإجراء انتخابات داخله، مؤكدا ان عدم إجراء الانتخابات داخل النقابات منذ 87 وحتى الآن وصمة عار في جبين العمل النقابي الفلسطيني، موضحا انه "ان كان اندلاع الانتفاضة الأولى يعطي مبررا لعدم إجراءها، فإن قيام السلطة الفلسطينية، وحال الهدوء الذي امتد إلى تسع سنوات يفقد أي مبررات شرعيتها ومنطقيتها".


ولفت إلى أن "إجراء الانتخابات يستلزم إعادة تعديل قانون النقابات المعمول به منذ العام 54، القديم والقاصر عن ملاحقة التغيرات الحاصلة في الواقع النقابي الفلسطيني، وسن قانون جديد للنقابات يحدد طبيعتها، ويزيد من عددها وفق التصنيف المهني".


ويعتبر الجلدة ان "الاتحاد في سياق محاولته لخدمة العمال، ارتكب أخطاء كثيرة، أدت إلى اتهامه من قبل العمال بالفئوية والفساد، كما أنه يعاني من التفرد والمركزية في اتخاذ القرارات داخله".


وحول تقييمه للخدمات المقدمة من قبل الاتحاد، قال الجلدة ان "الحكم بالنتائج، والخدمات التي قدمها الاتحاد للعمال لا تلبي الحد الأدنى من احتياجاتهم، وكان على الاتحاد ان يكون لسان حال العمال ويحمل السلطة مسؤولياتها اتجاه هذا الموضوع، لا أن يدافع عن السلطة، ويحمل المشكلة عنها".


وبين هذا وذاك، تبقى المسؤولية كرة تتقاذفها الأيدي، كل يدفعها إلى الآخر، فيما يبقى آلاف العمال العاطلين عن العمل يعيشون أوضاعا اقتصادية وإنسانية مزرية من دون أن يجدوا منقذ.


ويبقى المسؤولون على كراسيهم، لا يحركون ساكنا، إلا من أجل الخروج إلى شاشات التلفاز كل بضعة أشهر للإعلان عن توزيع شحنة جديدة من "الكابونات"، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، أو للتنقل بين العواصم العربية والدولية، لتوقيع اتفاقية هنا، واتفاقية هناك للحصول على مساعدات وهبات وأموال لا يرى منها العامل الفلسطيني إلا الفتات.


-------------

أبو أشرف شهيد معبر "الموت"

العمال الفلسطينيون..معاناة يومية لأجل لقمة العيش قد يدفعون حياتهم ثمنا لها.

في طقس شتوي بارد، وفي ساعات الفجر الأولى خرج أبو أشرف (41عاما) من
منزله، الكائن في حي السدرة بمدينة غزة، متوجها إلى مكان عمله داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر معبر بيت حانون المسمى "إيرز" شمال قطاع غزة، حيث كان على موعد مع قدره.
وصل أبو أشرف لينضم إلى طابور العمال الفلسطينيين الطويل الذي يصطف في الممر الضيق المؤدي إلى حاجز التفتيش الإسرائيلي.
دفع أبو أشرف بجسده وسط العمال المحتشدين ليأخذ دوره في الطابور الذي تدافع العمال فيه، طمعا في اجتيازه في أقل وقت ممكن للحاق بأعمالهم.
إلا أن صعوبة وبطء إجراءات التفتيش والتدقيق الإسرائيلية في هوية العمال وأوراقهم، وحتى فيما يلبسون وفيما يحملون من طعام أو شراب أطالت من زمن الانتظار.. وكلما طال الانتظار ازداد العمال ضيقا وتزاحما ودفعا لبعضهم بعضا بين جدار الممر الحديدي الضيق ذو الأمتار المحدودة، والسقف المنخفض، والتهوئة الرديئة.
وبين شد وجذب..وفيما آلاف العمال الفلسطينيون يتصببون عرقا وألما للوصول إلى مورد رزقهم، وعشرات من الجنود الإسرائيليين يجلسون في هدوء وراحة في غرف التفتيش والفحص المكيفة سقط أبو أشرف.
مصادر طبية وحقوقية أعلنت أن العامل محمد الشيخ "أبو أشرف" قضى نحبه مختنقا في الزحام الذي تخلفه الإجراءات الأمنية واللاإنسانية التي تفرضها قوات الاحتلال على العمال الفلسطينيين الراغبين في اجتياز حاجز "إيرز" إلى داخل إسرائيل، منذ وقوع العملية الاستشهادية التي نفذتها الفدائية "ريم الرياشي" في الحاجز الشهر الماضي.
وفي نفس الوقت أصيب 10عمال آخرين باختناق و رضوض، نقلوا على إثرها إلى المستشفيات القريبة.
"لقد باتت حياة ومستقبل أولادي في مهب الريح بعد أن توفي معيلنا الوحيد"، هكذا وصفت أم أشرف (32عاما) زوجة العامل الشيخ، حالها وحال أسرتها بعد فقدان زوجها.
أم أشرف، أم لستة أبناء، أشرف (15عاما)، وأكرم (11عاما)، أمجد (10أعوام)، هبة (8أعوام)، فريد (7أعوام)، ومحمد (4أعوام).
يعاني أكبرهم من مرض في القلب، والثاني من التهابات دائمة في كليته، فيما يشكو أصغرهم من تشنجات دائمة نتيجة لزيادة "الكهرباء في دماغه"، وعلاوة على هذا الوضع الأسري والصحي المتأزم تعيش وأطفالها في منزل آيل للسقوط مقابل أجار شهري منذ (16عاما).
تصف أم أشرف مشاعرها لحظة وقوع خبر استشهاد زوجها عليها بـ"السيئة جدا".
وتضيف "الله يعلم بحالنا، ما الذي سيحدث لنا بعد استشهاد زوجي، الصيف الماضي سقط سقف إحدى غرف المنزل علينا، وربنا ستر، والآن لا أدري كيف سنعيش فيه أنا وأولادي، ومن أين سندفع أجرته".
وتحكي أم أشرف رحلة العذاب اليومية التي كان يتعرض لها زوجها، ومازال يتعرض لها آلاف العمال الفلسطينيين يوميا قائلة: "لقد كان يصحو الساعة الثانية والنصف فجرا وهو لم يكد ينام إلا اليسير من الوقت، ليتناول فطوره على عجل، فيخرج سريعا إلى معبر "إيرز" ليلتحق بزملائه العمال في طوابير طويلة في ممرات ضيقة، محاطة بالحديد والشباك يطلق عليها العمال "الحلاّبات" (نظرا لأنها تشبه الممرات التي يتم فيها حلب الأبقار في المزارع، ليتعرض بعدها لإجراءات التفتيش والفحص الأمني الإسرائيلية المذلة والمهينة، حيث كان يطلب منه التقدم باتجاه بوابة الفحص (بوابة الكترونية لفحص المعادن والأسلحة) رافعا الجزء الأعلى من ملابسه عن بطنه وصدره، ليتأكد الجنود من عدم وجود أحزمة ناسفة يتزنر بها، وبعد سلسلة من الإجراءات لفحص البطاقة الممغنطة والتصريح الخاص بالعمال عبر أجهزة الحاسوب، يغادر المعبر متوجها إلى عمله داخل إسرائيل، ليعود منه الساعة السابعة أو الثامنة مساءا عبر سلسلة أخرى من المعاناة على المعبر منهكا من التعب لا يقوى إلا على تناول وجبة العشاء ومن ثم النوم ليصحو في اليوم التالي لتبدأ المعاناة من جديد".
ويتكرر هذا المشهد يوميا، ليس بالنسبة لأبي أشرف فقط، بل لنحو أربعة ألاف عامل من القطاع تسمح لهم دولة الاحتلال بالعمل في المنطقة الصناعية "إيرز"، ولنحو 15 ألف عامل سمحت لهم أخيرا بالعمل لدى مشغلين إسرائيليين داخل "إسرائيل".
وحول هؤلاء العمال تقول أم اشرف "كلهم يعانون نفس المعاناة والجرح واحد".
وردا على تبريرات إسرائيلية لاستشهاد أبو اشرف، بتعرضه لنوبة قلبية أو ما شابه قالت أم أشرف أن زوجها كان في صحة جيدة، محملة دولة الاحتلال "مسؤولية وفاة زوجي، هي السبب في موته، المسؤولة الأولى والأخيرة".
وردا على سؤال حول سبب إقدام أبو أشرف على العمل في إسرائيل بدلا من العمل داخل القطاع قالت أم أشرف "قبل الانتفاضة كان يعمل في مصنع بلاط في غزة، إلا أن المصنع توقف عن العمل نتيجة الإغلاقات الإسرائيلية المتكررة للمعابر ومنعها دخول المواد الخام إلى القطاع، فاضطر أن يتحمل عذاب المعابر لأجل لقمة العيش، لكن كما يقول المثل "رضينا بالهم والهم ما رضي فينا" فلم يكن يعمل أسبوعا إلا وتغلق إسرائيل المعبر وتمنع دخول العمال، لتعود بعد عدة اشهر فتسمح لهم وهكذا، ما كان يحصل عليه من مال ينفقه ويستدين فوقه أثناء تعطله عن العمل".
وتضيف أم أشرف "منذ بدء الانتفاضة لم نسدد فواتير الكهرباء حتى بلغت أكثر من (10) ألاف شيكل، نتيجة لوضعنا المادي السيئ، ولا نعلم كيف سنمضي في هذه الحياة من دون معيل أنا وأطفالي المرضى".
يذكر أن ألاف العمال أضربوا عن العمل في اليوم التالي لاستشهادهم رفيق دربهم أبو أشرف، وتظاهروا أمام المعبر احتجاجا على الإجراءات اللاإنسانية والمحطة للكرامة التي يتعرضون لها يوميا.
ووصف احد العمال المعبر، الذي يفصل بين أراضي القطاع وأراضي 48 بأنه "معبر الموت".
فيما يصف عامل آخر الممرات الضيقة المحاطة بالحديد والشباك التي يسير فيها العمال عشرات الأمتار وصولا إلى نقاط التفتيش الإسرائيلية بأنها أشبه بـ"سراديب الموت البطيء".
وقال العمال المتظاهرون أن قوات الاحتلال ترغم العمال الفلسطينيين الذين تسمح لهم بالعمل ممن تجاوزت أعمارهم 35عاما ومتزوجين ولديهم أطفال بان "يصطفوا في طوابير أمام بوابة أولى من ثلاث بوابات عليهم اجتيازها ببطء شديد، وتحت سقف منخفض و في ظل عدم وجود تهوية ملائمة وكافية وصولا إلى جنود الاحتلال".
ويقول العمال أن قوات الاحتلال لا تشغل المعبر الذي يتكون من 24ممرا بطاقته
الكافية، بل تكتفي بتشغيل ممرين فقط، أو أربعة في أحسن الأحوال، في خطة مدبرة سلفا لإبطاء العمل وعدم السماح إلا لنحو خمسة أو ستة آلاف عامل باجتياز المعبر يوميا.
كما تفرض قوات الاحتلال عدم حمل هواتف نقالة، أو أكياس نايلون أو علب طعام، أو أي شيء يحمل باليد
يشار إلى أن عمال مدينتي رفح وخانيونس جنوب القطاع يعانون من وضع أسوأ من الآخرين حيث يضطرون إلى التوجه إلى المعبر عند منتصف الليل كي يتمكنوا من اجتياز حاجزي أبو هولي والمطاحن وسط القطاع، قبل أن يصلوا إلى معبر "إيرز" كي يأخذوا دورهم بين آلاف العمال، ومن ثم يعودون عند مغيب الشمس، لتتواصل المعاناة.
-----------------



أمهات الاسرى والمعتقلين

قيادات نسوية بارزة يثرن الرأي العام إزاء قضية أبنائهن المعتقلين في السجون الإسرائيلية

غزة-سامية الزبيدي

خمس نساء اجتمعن قبل أكثر من تسعة أعوام وقررن أن ينتفضن على واقعهن، وان يوصلن قضيتهن وقضية أبنائهن إلى عالم لم يسمع بهن قبل ذلك اليوم.

أنهن أمهات الاسرى والمعتقلين الفلسطينيات، أم جبر وشاح (75 عاما)، أم إبراهيم بارود (70عاما)، أم العبد شهاب (65عاما)، أم غازي النمس (62عاما)، أم أدهم الزويدي (55عاما)، وغيرهن الكثير، نساء لم يحظين بأي فرصة للتعليم، ولم يرتدن المدارس ولا الجامعات، لكنهن ارتدن مدرسة الحياة من أصعب أبوابها.

عانى معظمهن من مرارة وقسوة التهجير إبان 1948، ثم من جحيم اللجوء والتشرد، فصبرن وداوين جروحهن واحتضّن فلذات أكبادهن، يرضعن، ويربين، ويعلمن، إلى أن جاء من يقطف زهرات عمرهن، ويلقي بها في غياهب السجون والمعتقلات عقود طويلة.

وما تزال تأكل كل يوم المزيد والمزيد من الفلسطينيين حتى وصل عدد الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى أكثر من ستة آلاف أسير.

هندومة وشاح "أم جبر" الملقبة بأم الأسرى، وغالية بارود "أم إبراهيم" "القائدتين" الأبرز على صعيد قضية الأسرى، فكل من يذكر الأسرى لابد أن يذكر هاتين القائدتين اللتين أسهمتا في إحياء قضية الأسرى على أعلى المستويات، فنظمن المسيرات وحشدن الجماهير، واعتصمن واضربن عن الطعام عشرات الأيام، وخاطبن وسائل الإعلام المحلية والدولية، وأرسلن الوفود إلى المسؤولين في السلطة الفلسطينية، والرسائل إلى سفارات العالم المختلفة، والى المؤسسات الحقوقية والأهلية المتنوعة الفلسطينية منها والعربية والأجنبية، وحتى الإسرائيلية منها، وسافرن الى خارج فلسطين لنشر قضية ابنائهن ووطنهن.
كما استطعن أن يحولن اعتصامهن الذي بدأ بخمس نساء إلى احد أهم مظاهر التضامن مع المعتقلين والأسرى الفلسطينيين والعرب، وأصبحت هذه الاعتصامات تنظم كل يوم اثنين من كل أسبوع، حيث تجتمع النساء من جميع أنحاء قطاع غزة في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة، ويجلسن على العشب الأخضر على شكل نصف دائرة وفي أيديهن صور أبنائهن.
ويتوافد الفلسطينيون من كل صوب للمشاركة والتضامن مع الأسرى وذويهم هناك، وغالبا ما يحظى الاعتصام باهتمام عدد من الصحافيين والصحافيات الفلسطينيين والأجانب، يجهدون لنقل ما تراه أعينهم من معاناة.
"أم جبر" التي اعتقل أبنائها الأربعة وزوجها، وحوكموا بمدد مختلفة، لم تنقطع يوما عن المشاركة والتنظيم والإعداد للفعاليات المختلفة، على رغم خروج أبنائها وزوجها من السجن، وحتى في أوقات المرض.
وأخذت على عاتقها إحياء قضية الأسرى الفلسطينيين منهم والعرب، والمطالبة المستمرة بإطلاق سراحهم، متعهدة بأنها لن تغفل عنهم ليلا أو نهاراً، وستظل تدق ناقوس قضيتهم في كل الأذهان، ولن تستكين أو ترتاح حتى يخرجوا جميعا.
وتعتبر "أم جبر" جميع الأسرى "أبنائها"، حيث تبنت الأسرى العرب الذين جاؤوا من البلاد العربية المختلفة خلال العقود السابقة للمشاركة في مقاومة الاحتلال، وسجنوا نتيجة ذلك، وعلى رأسهم المعتقل سمير القنطار اللبناني الأصل، الذي ما يزال معتقلا منذ 26 عاما وحتى الآن، مؤكدة لـ"المجلة" أن "الموت فقط سيمنعها من المشاركة في الاعتصامات ونشاطات الأسرى".
وتقول "أم جبر" عن الدوافع التي دفعتها للتفكير بالاعتصام: "أولادي الأربعة كانوا في السجن، والعائلة كلها منعت من الخروج من القطاع إلى أي مكان، وأنا كذلك منعت من زيارة أبنائي المعتقلين، وقضية الأسرى منسية ولا احد يتكلم بها، فتوجهت إلى "أم إبراهيم" وتشاورت معها فيما نفعل،  واقترحت عليها إن نعتصم في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، نعرض قضية أبنائنا وبناتنا على الصحافة ودول العالم"، مؤكدة انه "لا يوجد في الكون أغلى من الضنا (الابن) إلا الذي خلقنا (الله عز وجل)، ولن نفرط فيه مهما كان الثمن".
وتضيف: "كنا في البداية خمس نساء فقط، وأخذت أعداد النساء تزداد يوما بعد يوم، حتى أصبحت بعد ثلاثة أعوام أمهات الأسرى وزوجاتهم وعائلاتهم يأتون من رفح جنوب القطاع و بيت حانون في شماله إلى مكان الاعتصام".
وشاركت "أم جبر" في الاضرابين الكبيرين عن الطعام اللذين دعا اليهما المعتقلين والأسرى في السجون في العام 93 والعام 2000، واستمر الإضراب الأول تسعة أيام، والثاني عشرين يوما، اضرب أثنائهما ذوو الأسرى وعدد من الفلسطينيين عن الطعام، في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وحديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة.
كما نظمت وحشدت لمسيرات حاشدة قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 94، وتوجهت إلى المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في القطاع.
حول ذلك تقول أم جبر: "بعد قيام السلطة الفلسطينية نظمنا مسيرات كبيرة إلى مستوطنات "نيساريم" و"غوش قطيف" و"ايرز"، نطالب بأولادنا، فلا يوجد احد يطالب بهم سوانا، كما طلبنا مقابلة الاخ الرئيس (ياسر عرفات) أبو عمار، وطلبنا منه العمل على الإفراج عن الأسرى في أسرع وقت، وسألناه عن سبب عدم وجود أي ذكر لقضية الأسرى في اتفاق اوسلو الذي وقعته السلطة مع إسرائيل،  فقال لنا أنهم تركوها لحسن النية من قبل الإسرائيليين"، متسائلة: " منذ متى لدى اليهود حسن نية؟؟"
وتستذكر أم جبر أحداث الإضراب الكبير الذي استمر 20 يوما في حديقة  الجندي المجهول في كانون اول (ديسمبر) عام 2000، حينما زار الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون مدينة غزة، فتقول: اعتصمنا 18 يوما ونحن داخل الخيام تحت البرد والمطر، واضربنا عن الطعام، حتى صدر أمر من غازي الجبالي (مدير الشرطة آنذاك) بانهاء الاضراب، حفاظا على المظهر العام للحديقة التي كان من المقرر أن يمر موكب الرئيس كلينتون عبرها، لكني صممت على عدم فك الإضراب، وقمت بجلب حبل وربطت جسدي في عمود الخيمة، فحضر وزير الأسرى والمحررين هشام عبد الرازق وحاول إقناعي بالعدول عن رأيي وفك نفسي، وإخلاء المكان، وبعد مباحثات مطولة وافقت على فك الخيمة في حديقة الجندي المجهول على أن نتابع الإضراب في مقر "الصليب"، فوافقوا على ذلك، واحضروا لنا سيارة إسعاف لنقلنا فقد كانت صحتنا تسوء في اضطراد مستمر نتيجة الإضراب عن الطعام، فحملوني على حمالة إلى سيارة الإسعاف التي توجهت بنا إلى مستشفى الشفا، بدلا من مقر "الصليب"، فرفضت النزول من سيارة الإسعاف وصممت أنا والنساء اللواتي كن معي على الذهاب إلى الصليب الأحمر، حتى تحقق لنا ما طلبنا".
وتتابع أم جبر فتقول: "لم يكتف الجبالي بذلك فقد كان مصمما على إنهاء إضرابنا، فأرسل لمن بقيت في الخيمة في حديقة الجندي المجهول من النساء، ثلة من الشرطيات، اشتبكن مع أمهات وزوجات وأخوات الأسرى بالعصي، اللواتي رفضن فك الخيمة ووقف الإضراب، فجاءوا ليحاولوا إقناعي بفك الإضراب مرة أخرى وإقناع النساء بذلك، لكني بقيت مصممة طوال ثلاثة أيام، وبقينا في مقر الصليب صامدين ومصممين، حتى علمنا أن أولادنا داخل السجون انهوا إضرابهم بعد أن حققوا مطالبهم، والحمد لله حققوا 25 من27 مطلبا كانوا يطالبون فيها، تخص معيشتهم داخل السجن".
يذكر أن دولة الاحتلال لم تفرج سوى عن ثلاث دفعات من الأسرى منذ توقيع اتفاق السلام بينها وبين السلطة الفلسطينية، حيث أفرجت في العام 1994 عن دفعة من الأسرى وصل عددهم إلى أكثر من ألف أسير، وأفرجت في العام 1996 عن دفعة أخرى منهم، فيما أطلقت عددا منهم في العام 1999، على مرحلتين الأولى شملت 250 أسيرا فلسطينيا، والثانية أطلقت نحو 200 اسير معظمهم من الأسرى العرب (الدوريات)، الذين ما يزال اغلبهم يعيشون في كنف الفلسطينيين لما لاقوه منهم من رعاية وحب وإخلاص، حيث زوجهم الفلسطينيون من بناتهم، وتقاسموا معهم لقمة عيشهم، تقديرا لهم ولتضحيتهم الجسيمة، كما إن عشرات من النساء الفلسطينيات تبنين عددا من الأسرى العرب يداومن على زيارتهم في السجون إلى الآن.
وكان جبر الابن الأكبر لام جبر أطلق سراحه في الدفعة الأخيرة فيما أنهى أولادها الثلاثة الآخرين مدد محكومياتهم وأطلق سراحهم، إلا أن "أم جبر" تابعت نضالها لأجل باقي الأسرى، خصوصا العرب منهم، وعن ذلك تقول: " أنا نسيت ابني وأولادي الثلاثة، و كنت دائمة التفكير في أسرى الدوريات (العرب)، الذين لم يغيبوا عن بالي ليلا أو نهارا، لأني أم فلسطينية ولي الحق  أن أدافع عن أي إنسان يدافع عني وعن بيتي، وهؤلاء الأسرى الذين تركوا بلادهم وحضن أمهاتهم، وجاءوا ليدافعوا عن فلسطين دمي وروحي فداءً لهم، فكنت اترك أولادي الأسرى لزوجاتهم وبناتهم يزورونهم، وأنا اذهب كل يوم من أيام الأسبوع إلى سجن من سجون دولة الاحتلال  لازور "أولادي" العرب، وكان يوم السبت هو إجازتي الوحيدة أرعى خلاله بيتي وألبي متطلباته".
وتضيف "أم جبر" وكلها لوعة وحزن "لكن كل ذلك انتهي، فمنذ مجيء السلطة لم أزر أي منهم، فقد منعتني سلطات الاحتلال لأسباب أمنية كما يزعمون، ورغم أني أوقفت محاميتين ليتظلمن لي على هذا القرار الجائر لكن من دون جدوى".
وتعتبر "أم جبر" أن "الأسرى هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذا الاحتلال، فتقول: "صحيح إن إسرائيل تحتل أرضنا منذ 48، ولكن الأرض مازالت موجودة ولن تضيع، ولكن أبنائنا الأسرى، زهرة عمرهم وشبابهم تضيع وتذبل ولا احد يبالي".
وتقول "أم جبر"، وجسدها ينتفض انتفاضة جسد أنهكته سنينه الكثيرة المليئة بالمآسي والتضحيات: "لا أشعر بأي تعب أو كلل، ويكون اسعد يوم عندي يوم أرى  فيه جميع الأسرى خارج السجون، والحمد لله صحتي ممتازة، ولا يصيبني المرض إلا عندما أتذكر اتفاقات اوسلو ما فعلته بنا".
وتعهدت "أم جبر" بأنها لن تتأخر يوم الاثنين عن النضال لأجل إطلاق كل الأسرى، قائلة: "طالما بقي في نفس، فستجدونني هنا كل يوم اثنين، ولن أتأخر أبدا عن واجبي اتجاه الأسير، ولاني امرأة عجوز لا أقوى على حمل السلاح فسيكون سلاحي هو لساني وكل ما املك من قوة جسدية ومادية".
وعند ذكر خطة خارطة الطريق الجديدة التي وافقت السلطة الفلسطينية عليها، فان لام جبر التي تتابع التطورات السياسية أولا بأول، تسميتها الخاصة لهذه الخطة فقد اعتبرتها " خطة خلطة الملوخية" لا أكثر، في إشارة إلى أنها لن تجدي نفعا.
فيما تقدم تعريفا للإرهاب مغاير تماما لما تقدمه الإدارة الاميركية وإسرائيل فتقول: "الإرهابي ليس من يقاوم المحتل ويدافع عن نفسه ووطنه بل من يأتي ويضرب الأطفال والمدنيين النيام في منازلهم ويقصفهم بالصواريخ والطائرات في رفح والنصيرات والبريج وجنين وغيرها".
ولا تفتأ أم جبر أن تعلن استعدادها لمقابلة أي من زعماء العالم بمن فيهم رئيس الحكومة الإسرائيلية ارئيل شارون والرئيس الاميركي جورج بوش، وغيرهم من الزعماء الأجانب والعرب، لشرح معاناة الأسرى ومطالبتهم العمل على الإفراج عنهم.
وتضيف: "طلبت مرات عدة من المسؤولين الفلسطينيين أن يرسلوا وفدا من أمهات الأسرى إلى الأمهات الإسرائيليات، لنقابلهن ونشرح لهن معاناتنا عساهن يتفهمنها ويضغطن معنا على حكومة الإرهاب الإسرائيلية لوقف عدوانها وإطلاق سراح أبنائنا الأسرى".
وتتساءل أم جبر "أين الديموقراطية والإنسانية التي لدى دول العالم وإسرائيل، إن يمضي الأسير 26 عاما من عمره في السجن، لا يزوره احد لا أهله، ولا حتى المرأة التي تبنته" في إشارة إلى الأسير قنطار الذي تبنته أم جبر.
أما أم إبراهيم التي تعمل في لجنة أهالي الأسرى التي تشكلت بمبادرة من بعض أهالي الأسرى والناشطين والمدافعين عن قضيتهم، فتقول لـ"المجلة": "أنا لا اعرف شيئا عن العمل النسوي، أنا أحب ابني إبراهيم المعتقل وأناضل من اجل إخراجه هو والأسرى جميعا من سجون الاحتلال".
وتضيف: "لم احصل على أي شهادة، بل تلقيت تعليما ابتدائيا فقط، لكن ما تعرضنا له منذ عام 1948 حينما هجرنا اليهود من أرضنا كان اكبر مدرسة لي، تعلمت فيها أن الحق لا يضيع طالما وراءه مطالب، وأرضنا وأولادنا حقنا لن نرتاح إلا بعد استردادهم".
وتقول أم إبراهيم التي تعرض كل أبنائها للاعتقال، وتعرضت هي شخصيا إلى المحاكمة بتهمة ضرب احد الضباط الذين جاؤوا لاعتقال أولادها، أن ذلك دفعها إلى التفكير بتنظيم نشاطات وفعاليات تدعم من خلالها صمود الأسرى، وتطالب العالم اجمع بالضغط على إسرائيل لإطلاق سراحهم.
وتستذكر أم إبراهيم بدايات هذه الاعتصامات والفعاليات قائلة: "كنا قبل قيام السلطة الفلسطينية نعتصم في مقر الصليب الأحمر، منذ عام 1989، وأتذكر أننا كنا نضع أحذيتنا تحت رؤوسنا وننام عليها، وأتذكر مرة من المرات حاول اليهود اقتحام مقر الصليب وإخراجنا منه لمنعنا من مواصلة الاعتصام، حيث ألقوا في اتجاهنا قنابل الغاز المسيل للدموع و ضربونا بالعصي حتى ننهي الاعتصام، ولكن من دون جدوى، وكنا نحقق دائما مطالبنا ومطالب أولادنا".
وتتابع: "أما في عهد السلطة الفلسطينية فقط جلسنا في بيوتنا ننتظر أن نسمع عن خروج المعتقلين كما وعدنا وتوقعنا، لكن ذلك لم يحدث، فاجتمعت أنا وأم جبر وأم العبد شهاب وأخريات، وكنا آنذاك خمس نساء فقط، وتداولنا فيما نفعل وكيف نتصرف في ضوء تهميش ونسيان قضية أولادنا، فقررنا معاودة الاعتصام في الصليب، وحددنا يوم السبت يوما للاعتصام، لكننا اصطدمنا بيوم الاجازة الاسبوعية لموظفي الصليب التي تكون عادة يومي السبت والأحد، فاخترنا يوم الأربعاء، فقامت سلطات الاحتلال بتحديده كي يكون يوم زيارة السجون، فاخترنا يوم الاثنين يوم مولد الرسول عليه الصلاة والسلام عسى أن يكون يوما مباركا علينا وعلى أولادنا، وفعلا بدأنا الاعتصامات الأسبوعية، وتواصلت لشهور عدة، وأخذ عدد المعتصمات والمعتصمين يزداد يوما بعد يوم، إلا إن أيا من وسائل الإعلام لم يصلنا، حتى قابلت صدفة أثناء عودتي إلى بيتي صحافية كنت اعرفها، فطلبت منها تغطية الاعتصامات، وإبلاغ الصحافيين عنها، وبالفعل ففي الاعتصام الذي تلاه فوجئنا بمجيء احد الإعلاميين الكبار العاملين في التلفزيون الفلسطيني، وبث اعتصامنا وحديثنا وشكوانا على شاشة تلفزيون فلسطين مباشرة، ومن بعدها بدأ العالم يسمع بوجود أسرى ومعتقلين فلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي".
وتضيف: "اثر تزايد الاهتمام بقضيتنا قمنا بترتيب أوضاعنا، وحددنا ادوار كل منا، فخصصنا امرأة لتتحدث عن معاناة الأسرى، وامرأة للمطالبة بإطلاق سراحهم، وأخرى للمطالبة بتحسين أوضاعهم داخل السجون، وأخرى للمطالبة بإعطاء ذوي الأسرى حقوقهم المالية لمساعدتهم على تحمل أعباء الحياة، وبدأنا في إرسال الرسائل للسفارات العربية والدولية في غزة، وإرسال الوفود إلى المؤسسات المحلية".
وتستذكر أم إبراهيم محاولة سلطات الاحتلال إفشال هذه الاعتصامات فتقول: "بعد أن بدأ الناس والمسؤولين يشاركوننا اعتصامنا، قامت سلطات الاحتلال بتحويل الزيارة إلى يوم الاثنين، إلا إنني صممت أن لا نغيره، وصممت حتى لو اعتصمت لوحدي أن لا نغيره، على أن تزور أمهات وزوجات الأسرى، أسراهن الاثنين ويعتصمن الاثنين الذي يليه".
وتصرخ أم إبراهيم الممنوعة وزوجها وابنائها من زيارة ابنها منذ ثمانية أعوام، بغضب قائلة: "عمري 70عاما كيف سأؤثر على أمن دولة إسرائيل، منذ ثمانية أعوام لم يزر ابني لا أب ولا أم ولا أخوة ولا أخوات، هل هذا عدل؟؟".
وتعول أم إبراهيم، حالها حال اغلب أمهات وذوي الأسرى، أمالاً كبيرة على ما اعتبرته "هدية من الله للأسرى" ألا وهو الامين العام لحزب الله في لبنان حسن نصر الله، الذي يسعى لابرام صفقة تبادل للجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى الحزب، بأسرى لبنانين وعرب وفلسطينيين.
وتضيف "إنشاء الله يخرج جميع الأسرى على يد حسن نصر الله الذي أرسله الله لنا ولأولادنا "، موجهة له "ألف ألف تحية باسمي وباسم كل أمهات الأسرى".
وتعدد أم إبراهيم الإنجازات التي استطاعت النساء تحصيلها فتقول: "استطعنا تحويل رواتب الأسرى من وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت تضن علينا بحقنا، ولا يصلنا منها إلا النذر اليسير، إلى وزارة الأسرى والمحررين بقرار من الرئيس ياسر عرفات، كذلك استطعنا عبر اعتصاماتنا واضراباتنا عن الطعام سويا مع الأسرى داخل السجون تحقيق العديد من المطالب فيما يتعلق بالزيارات وتحسين معيشة المعتقلين هناك، كما إننا أقنعنا القوى والفصائل الفلسطينية بالمشاركة في فعاليات الأسرى بشكل دوري، واستطعنا إسماع صوت ذوي الأسرى ومعاناة أولادنا إلى كل أنحاء العالم"
وتعجب أم إبراهيم ممن يستغربون من قدرتها على تحقيق ما تريده فتقول: "صاحب الحق عينه قوية".
وتستشهد بـ"حركة الأمهات الأربع الإسرائيليات، اللواتي بقين يناضلن ويطالبن بخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان" في إشارة إلى الحركة النسوية الإسرائيلية التي قادتها أربع أمهات ثكلن أولادهن على يد المقاومة اللبنانية، وقمن بشن حملة قوية ضد الحكومة الإسرائيلية لمطالبتها بإنهاء احتلالها لجنوب لبنان، استطعن خلالها حشد الشارع الإسرائيلي مع مطالبهن، وأسهمن في شكل مباشر في تكثيف الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي أذاقتها المقاومة طعم الهزيمة العسكرية في جنوب لبنان، حتى رضخت أخيرا وانسحبت منه في الرابع والعشرين من أيار(مايو) 2000.
ووجهت أم إبراهيم رسالة إلى الأمهات الإسرائيليات قائلة: "أنا أقول للام الإسرائيلية أن تحافظ على ابنها، وتخرج إلى (رئيس حكومة إسرائيل ارئيل) شارون وتقول له كفى تقتيلا وتهديما وتخريبا في أرضنا وبيوتنا وأطفالنا وأولادنا الفلسطينيين".
أما "أم غازي النمس" (62عاما)، فلا تنقطع، على رغم سنين عمرها الطويلة، وجسدها الضعيف، عن اعتصام يوم الاثنين أبدا، فكل من يذهب إلى الصليب يجدها هناك، جالسة وفي حضنها صورة ولدها، الذي ما يزال يقبع في سجنه منذ 18 عاما، من محكوميته البالغة مدتها(100عام).
وتقول أم غازي في حديث الى "المجلة" "منذ قيام السلطة الفلسطينية وأنا اعتصم في الصليب، بعد أن اتفقنا على ذلك، وقد كنت ازور ولدي في سجنه، طوال السنين الماضية، إلا إنني منعت من ذلك منذ عام مضى من دون أي سبب".
وتصف لنا رحلة العذاب التي تتعرض لها أمهات الأسرى أثناء ذهابهن لزيارة أبنائهن "نذوق الذل لأجل رؤية أولادنا، فمنذ الفجر نتجمع في موقف السيارات لنستقل حافلة توفرها لنا اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعند الوصول إلى معبر "ايرز" شمال القطاع، يطلبون منا الدخول إليه مشيا على الأقدام لمسافات طويلة، ونحن جميعا عجائز وكبار في السن، لنتعرض بعدها إلى تفتيش جسدي مهين، ويرمون أي مأكولات معنا، نأخذها لنأكل ونحن في طريقنا الطويلة إلى أبنائنا، لنصل إليهم بعد الظهيرة، لنجلس تحت الشمس في الصيف، والبرد والمطر في الشتاء في انتظار أن يسمحوا لنا بالدخول إلى مكان الزيارة، لنرى أولادنا من وراء الشباك وتمتلأ أعيننا برؤيتهم، مدة 30 دقيقة، قبل ان تبدأ معاناة رحلة العودة إلى بيوتنا وقلوبنا تدمي على فلذات أكبادنا الذين نتركهم ورائهم، والله اعلم بحالهم".
وتزيد أم غازي على ذلك بالقول: "لقد اخترعوا لنا وسيلة تعذيب جديدة، فقد سمعنا أنهم بدأوا في تركيب ألواح زجاجية بدلا من الشباك الحديدية، لتفصل بيننا وبين أولادنا، حتى لا نراهم ولا نسمعهم".
ويشن الأسرى والمعتقلون داخل السجون الإسرائيلية سلسلة من الاضرابات والاحتجاجات على هذه الألواح، لأنها حسب رأيهم تمنعهم من سماع أصوات ذويهم إلا من خلال هواتف مثبتة، كذلك فإنها تعيق وتشوش رؤيتهم".
أما أم عبد الرحمن شهاب التي ما يزال ولدها يرزح خلف أسوار المعتقلات منذ خمسة 15 عاما من محكوميته (مدى الحياة)، فقد تعرضت أثناء ما تسميه أمهات الأسرى بـ"رحلة العذاب" لزيارة ولدها في سجنه إلى حادث قبل عشرة أعوام، حيث اصطدمت بها سيارة كانت مسرعة أثناء نزولها من الحافلة عند السجن.
وعلى رغم إصابة أم عبد الرحمن بكسر في الحوض، وإصابات بالغة في الوجه، وأنحاء أخرى من جسدها، وعدم قدرتها على المسير الطويل، إلا أنها لا تفتأ تسرع متكئة على عكازيها إلى زيارة ولدها في سجنه كلما سمحت سلطات الاحتلال بذلك، لتعود كما تقول "مريضة ولا أغادر الفراش لأيام عدة".
إلا إن أم عبد الرحمن تتحسر على عدم مقدرتها المشاركة في الاعتصامات والنشاطات التضامنية مع الأسرى، مؤكدة أن "أملنا في الله".
وتشكو أم عبد الرحمن من منع قوات الاحتلال لأي من أبنائها من زيارة أخيهم المعتقل، حيث لا تسمح إلا بزيارة الأب والأم فقط له ف سجنه.
وتزيد أم الأسير أدهم الزويدي، الذي يقضى ولدها حكما مدى الحياة أيضا، على قول أم عبد الرحمن في شكواها من سلطات الاحتلال الإسرائيلي فتقول: "منذ ثلاث سنوات وأنا ممنوعة من زيارة ابني بحجة الأمن، فهل امرأة في مثل عمري كل ما تتمناه هو رؤية ولدها تشكل خطرا على امن إسرائيل"، مضيفة "منذ ثلاث سنوات اشتريت بعض الملابس لابني وحتى اليوم لا أستطيع أن أرسلها إليه حتى ولو مع أمهات الأسرى الأخريات لكن سلطات الاحتلال تمنع دخول أي شي إلى الأسرى".
وترجع أم ادهم إقبال الأمهات على الاعتصام الأسبوعي والمشاركة في الفعاليات كافة، التي تقام للتضامن مع الأسرى والمعتقلين إلى رغبتهن في "رفع معنويات أولادنا في السجون عندما يروننا على شاشات التلفاز، ويشعرون أننا معهم، ونشعر بمعاناتهم، ونتحرك لأجل قضيتهم، ولم ولن ننساهم".
ولام ادهم قصة مع المعاناة منذ طفولتها، فتقول "تربيت يتيمة بعد أن حرمني الاحتلال من أمي وأبي، فقد اعتقلت قوات الاحتلال والدي ولا نعلم عنه شيئا حتى اليوم، أما أمي (مصرية الجنسية) فقد منعتنا الحدود المصرية الفلسطينية عنها، وأصبحت زياراتها لفلسطين محدودة وصعبة جدا، فتربيت بعيدة عن كليهما، وعشت حياتي كلها في معاناة مستمرة سببها اليهود الذين لم يكتفوا بأخذ أرضنا وحرماننا من ذوينا، ولكن أيضا حرمونا من أولادنا".
وتعتبر أم ادهم إن المعاناة التي مرت بها خلال حياتها هي التي خلقت منها "امرأة قوية، أستطيع أن أدافع من خلالها عن قضية ولدي وأمثاله"، واصفة الحياة بأنها "اكبر مدرسة، فاللي شفناه ما حد شافه في العالم كله".
وتعتبر هؤلاء الأمهات أن الاعتصامات الأسبوعية التي ينظمنها هي التي ساهمت في خلق قيادات وزعيمات نسويات، لا يعلمن شيئا عن حقوق المرأة أو مفاهيم الجندر والنوع الاجتماعي وغيره من المفاهيم المستحدثة على قضايا النساء وتطويرهن.
يذكر إن سلطات الاحتلال تمنع ذوي الأسرى ما عدا الأم والأب والزوجة من زيارة أبنائهم المعتقلين، كما تذيق العجائز وكبار السن الذين يذهبون لزيارة أبنائهم مر العذاب طوال رحلتهم إلى السجون داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، علاوة على أن سلطات الاحتلال كثيرا ما تحرم هؤلاء الزائرين من حقهم في زيارة أبنائهم من دون إبداء أي أسباب لمدد مختلفة تصل إلى عشرات السنين.
فيما يبقى الأسير الفلسطيني يعيش في سجنه، محروما من أبسط الحقوق التي كلفتها له كل المواثيق والقوانين الدولية، فيحرم من مقومات العيش الكريم داخل سجنه، من مأكل ومشرب ومنام مناسب، ويحرم من مشاهدة ذويه بين الفينة والأخرى، ناهيك عن استمرار احتجاز حريته وسلب سنين عمره لا لشيء إلا لأنه دافع عن أرضه ومعتقداته.
 ------------------


اطفال دون العاشرة من العمر يعيلون عائلاتهم:
عمل الاطفال
ظاهرة عادت بعنف الى الساحة الفلسطينية
غزة-سامية الزبيدي
لوح يحيى بيده طاردا خيوط الشمس المنعكسة عليه من خلال زجاج السيارة التي يقبع بداخلها…ملتفا على نفسه، بحثا عن قليل من دفء لم ينل منه شيئا طوال ليلة طال سوادها.
أفاق يحيي من نومه...تململ في مكانه…وفرك عينيه بشدة…محاولا التذكر اين هو؟ وما الذي ساقه الى المبيت في سيارة لا يعرفها…أصوات مختلطة، صوت مرتفع من بينها حمل الجواب: فتح الحاجز.
يحيي البالغ عشرة أعوام من عمره، لم يكن الوحيد الذي قضى ليلته، داخل سيارة أو على قارعة الطريق الواصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، كما لم تكن المرة الأولى التي يفعلون بها ذلك.
فمنذ اندلاع انتفاضة الاقصى الحالية، عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى تقطيع أوصال القطاع إلى قسمين أساسيين عبر حاجز أبو هولي العسكري الاسرائيلي الواقع جنوب مستوطنة "كفار داروم" اليهودية الجاثمة فوق اراضي الفلسطينيين شرق مدينة دير البلح.
فيما تقوم في أوقات أخرى بتقسيم القطاع إلى ثلاثة أقسام، بإغلاق الطريق الواصلة بين مخيم النصيرات للاجئين ومدينة غزة عبر حاجز عسكري اسرائيلي يقع الى الغرب من "مستوطنة نتساريم" اليهودية الجاثمة فوق أراضي الفلسطينيين جنوب مدينة غزة، ليصبح القطاع البالغة مساحته 360 كيلو متر مربع تحتل المستوطنات حوالي 120كيلو متر مربع منه مقسما إلى ثلاث أقسام تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى منازلهم أو أقاربهم أو أعمالهم أو دراستهم.
حول سبب مبيته في سيارة متوقفة على حاجز ابو هولي العسكري الاسرائيل، شرح يحيي لـ"لها أون لاين" ذلك قائلا: "اعمل على الحاجز منذ مدة طويلة "قليّط" أنا و أربعة من أشقائي".
"القليّطة" الذين تحدث عنهم يحيي يشكلون الظاهرة المستحدثة لعمل الأطفال في قطاع غزة حيث يقوم هؤلاء الأطفال باجتياز(تقليط باللهجة المحلية) الجاحز مع سائقين يقودون سياراتهم بمفردهم، وهو الامر الذي تحظره قوات الاحتلال التي تمنع أي سيارة لا تقل راكبين (اضافة الى السائق) على الأقل من المرور.
وتأتي هذه الإجراءات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خوفا وتحسبا من وقوع عمليات استشهادية عبر سيارات مفخخة يفجرها سائقها في القوات الإسرائيلية المرابطة على الحاجز او في المنطقة.
ويقوم أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام و 16عاما بمرافقة السائقين عبر الحاجز في الاتجاهين، في مقابل حصوله على "شيكل واحد" أي ما يعادل  أقل من ربع دولار في النهار، بينما تصل إلى "5 شيكل" اثناء ساعات الليل أي ما يعادل دولارا اميركيا واحد.
يشرح يحيي سبب تركه هو وأشقائه دراستهم والتوجه إلى العمل على الحاجز فيقول: "أبى لا يعمل، فلم يجد عملا له في قطاع غزة، كان يعمل قبل الانتفاضة في إسرائيل، وهو الآن متعطل عن العمل، وأنا و أشقائي نعمل على الحاجز وننفق على أسرتنا".
ويحيي و أشقاؤه الأربعة ينفقون على أسرة مكونة من تسعة أفراد، إضافة إلى الأم والأب وزوجته الثانية وأخوين هما ابناؤها.
وحول طبيعة العمل الذي يقومون به ، ومدى  خطورته يقول يحيي: "في بعض الأحيان يكون العمل في غاية السهولة، فكل ما نفعله أن نستقل السيارات من طرف الحاجز إلى الطرف آخر، لكن الأمور تصبح أكثر صعوبة حينما يغلق الحاجز، الذي كثيرا  ما يحدث، حيث نضطر إلى البقاء على قارعة الطريق تحت الشمس الحارة، أو تحت المطر والبرد الشديد في أوقات أخرى".
ويذكر يحيي انهم يتعرضون إلى مخاطر حقيقية في كثير من الأحيان حينما تقوم قوات الاحتلال بإغلاق الحاجز وهم في منتصفه، لاجراء عمليات تفتيش بحثا عن ما تسميهم بـ"المطلوبين" لديها، حيث لا يسمح لأحد بالخروج من السيارة لساعات طويلة قد تمتد احيانا الى 10 ساعات.
ويصف الرعب الذي عايشه في إحدى المرات التي احتجز فيها داخل سيارة في منتصف الحاجز، عندما قام جنود الاحتلال بجره هو وسائق السيارة خارجها، وضربهما ضربا مبرحا، وطلبوا منهما البوح بمكان شخص "مطلوب"، كانت لديهم معلومة عن وجوده داخل السيارة التي يستقلها.
وإضافة إلى ما تعرض له يحيي، يتعرض كثير من الأطفال لأعمال الإرهاب الإسرائيلية بدءا من الاحتجاز ساعات طويلة داخل السيارات مرورا باعتقال بعضهم انتهاءا بتعرضهم لإطلاق النار دون سابق إنذار.
وعلى الجانب الآخر من الحاجز، يعمل محمود (14عاما) في ورشة لاصلاح السيارات في مخيم خانيونس للاجئين.
محمود ترك دراسته في المرحلة الابتدائية قبل سنوات عدة، باحثا عن عمل يعيل به نفسه وأسرته المكونة من عشرة أفراد بعد أن فقد أبيه عمله داخل إسرائيل.
ويذكر محمود المخاطر التي يتعرض لها داخل الورشة قائلا: "حياتنا تكون معرضة للخطر طوال ساعات العمل، و كثيرا ما أفكر وأنا أعمل تحت السيارة التي أقوم بإصلاحها ما الذي سيحدث لي لو وقع خطأ ما وسقطت عليّ؟؟".
ويرد محمود على تساؤل "لها أون لاين" حول إمكان الحصول على عمل آخر اقل خطورة بالقول: "هذه هي فرص العمل الموجودة، وغيري مستعد للمخاطرة بكل شيء ليأخذ مكاني"، متسائلا: "أليس هذا العمل افضل من السرقة أو غيرها من الأعمال غير المشروعة".
وعلى إشارات المرور المنتشرة في بعض شوارع مدينة غزة حيث تتقافز أجساد صغيرة بين السيارات مخاطرة بحياتها، التقت "لها اون لاين" بحافظ (12عاما)، وعمران (13عاما).
يعمل حافظ في بيع قطع من البسكويت على ركاب السيارات، التي تتوقف على الاشارات الضوئية، متنقلا بينها، ليعرض بضاعته، حول عمله يقول حافظ الذي يدرس في المرحلة الابتدائية: "اعمل في ساعات ما بعد الظهر، بعد انتهائي من المدرسة، في بيع البسكويت على ركاب السيارات وعلى المشاة".
ويضيف: "كان أبي يعمل في إسرائيل، لكنه الآن لديه بسطة لبيع البسكويت والسجائر وغيرها وما يحصل عليه لا يكفي قوت يومنا".
ويضيف حافظ: "تعيش أسرتي المكونة من تسعة أفراد في منزل مستأجر، و نعمل أنا وابي وأخي الذي يعمل في البناء لتوفير بدل إيجاره والانفاق على الاسرة".
أما عمران الذي لم يتلق أي تعليم فيعمل في مسح زجاج السيارات،التي تتوقف عند الاشارات الضوئية في مدينة غزة.
وحول الأسباب التي دفعته للعمل يقول: "أبي لا يستطيع العمل نتيجة مرضه،ولا أحد يساعدنا، ووضعنا الاقتصادي في غاية السوء".
ويتساءل عمران في ألم: "ما الذي ينتظرني من مستقبل من دون أي مهنة أو تعليم؟".
ويشعر حافظ وعمران بألم نفسي شديد في عملهما نتيجة ما يتعرضان له من إهانات تصل إلى حد الضرب في بعض الأحيان من قبل بعض الناس.
ويقولان انه لو كان حالا أسرتيهما افضل، لما اضطرا الى العمل.
ويضيفان: " لو كان الوضع احسن، كنا الآن في مقاعد الدراسة مثل كل أطفال العالم، ندرس ونمرح ونلهو!!".
وللاطلاع على أبعاد هذه القضية، توجهت "لها أون لاين" إلى العديد من المؤسسات الفلسطينية والدولية المعنية بقضايا الأطفال في قطاع غزة، وكانت المفاجأة في انتظارنا، فعلى رغم كثرة المؤسسات التي تعنى بالطفل كليا أو ضمن أحد برامجها، بدءا صندوق الأمم المتحدة للامومة والطفولة "يونيسيف" ومرورا بالمؤسسات الرسمية والأهلية الفلسطينية، إلا أنها لم تول هذه القضية، على أهميتها، أي اهتمام.
وحول سبب تجاهل هذه القضية يقول فضل أبو هين الأستاذ المشارك في الصحة النفسية في جامعة الأقصى في قطاع غزة، مدير مركز التدريب المجتمعي و إدارة الأزمات، الذي اعد دراسة حول عمل الأطفال في العام 1996: ان " حداثة هذه القضية كانت سببا في أن لا تلتفت الأنظار إليها لمواجهتها، إضافة إلى أنها ناتجة من واقع اقتصادي صعب، ومعالجتها يتطلب معالجة الوضع الاقتصادي للأسرة الفلسطينية بكاملها".
واعتبر د.أبو هين ان" حجم انتشار عمالة الاطفال، بالنسبة إلى عدد السكان وحداثة ظهورها يجعلها ظاهرة اجتماعية"، مضيفا: " ان هذه الظاهرة مرتبطة بظهورها وانتشارها بالوضع الاقتصادي الفلسطيني، حيث تنمو في أوقات إغلاق الاراضي الفلسطينية(ما يسمى بالطوق الأمني)".
وتعتمد سوق العمل الفلسطينية بنسبة كبيرة على العمال الذين كانوا يتجهون للعمل في إسرائيل قبل اندلاع الانتفاضة الحالية، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني بعد ان أغلقت إسرائيل الاراضي الفلسطينية، وحاصرت الفلسطينيين اقتصاديا طوال ثلاث سنوات مضت، هي عمر الانتفاضة الحالية.
ويشير د.ابو هين الى "ان أعدادا كبيرة من الأطفال تسربت من مدارسها مع ازدياد سوء الوضع الاقتصادي، وتوجهت للعمل في أعمال كاملة أو جزئية، وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال بين 8أعوام إلى 18 عاما، ويعمل معظمهم في أعمال خطرة ومهينة، إضافة إلى ان الطفل يعمل لساعات طويلة تصل إلى 13ساعة يومياً مقابل أجور زهيدة".
و أضاف: "ان هؤلاء الأطفال يتم سلخهم من عالمهم الطفولي البريء إلى عالم يستنزف طاقاتهم بابشع صور، ففي الوقت الذي لم يعد لدى العائلة أي مصدر للدخل، لا يتبقى لإنقاذ العديد من هذه الأسر إلا عمل الاطفال، حيث يوجد فرص عمل للآباء، كما ان نوعية الأعمال التي يقوم بها الأطفال عادة ما تكون من الأعمال التي يترفع الكبار عن القيام بها مثل غسل السيارات، والعمل على بسطات صغيرة، فيلجأ الآباء الى دفع أبنائهم للقيام بهذا العمل لسد العبء الاقتصادي الواقع على كاهلهم".
ولخص د. أبو هين انعكاسات و أضرار عمل الأطفال عليهم وعلى المجتمع قائلا: "هناك خطر على صحة الطفل، حيث يمارس مجهودا فوق الحد الطبيعي، كما ان بعض الأعمال مثل العمل في ورش "سمكرة" (تعديل اجسام السيارات) السيارات تؤثر على بنية أجسادهم وصحتهم، إضافة الى تأثيرها على عقلية الطفل، فما هو مصدر التعلم الذي يتلقاه الطفل؟ وما هي القيم التي يتلقاها هناك؟".
ويجيب د.ابو هين  على تساؤله بغضب ظاهر في صوته "انهم يتعلمون قيم الاحتكار والجشع والتذلل والتسول، حتى لا يعود للبراءة الطبيعية داخل الطفل وجود في حياتهم"، مشيرا إلى جانب آخر من الانعكاسات وهو "الجانب التعليمي فبدلا من ان يكون الطفل في مدرسته، يتلقى العلوم، نجده متسولا في الشوارع".
ويحّمل د.ابو هين جميع من يرفع شعار ان الطفل هو رصيد المجتمع الفلسطيني، مسؤولية ضياعه،متسائلا: "إذا كان الأطفال هم المستقبل؟ وهم بناة الوطن المأمول؟ فماذا فعلنا من أجلهم سوى التفوه بالشعارات؟".
وأشار د. ابو هين الى ما اعتبره مثيرا للغضب والغرابة قائلا: "ان 99في المئة من المساعدات والمساندات التي تقدم للطفل الفلسطيني هي مساعدات أوروبية وأميركية، بينما لا تتعدى المساعدات العربية 1في المئة منها"، مضيفا "إذا كان العرب غير قادرين على تغيير الواقع الفلسطيني السياسي والعسكري؟ فعليهم ان لا يتركوا المستقبل الفلسطيني ينهار من خلال الطفل".
وطالب كل مسلم وعربي بمساندة الطفل الفلسطيني ولو بشكل معنوي مستهجنا " ان تتم مساندة الطفل الفلسطيني ضمن مناهج من طفل الى طفل من قبل الدول الأجنبية، حيث يرسل الطفل الإيطالي مثلا بطاقة معايدة أو رسالة مساندة إلى الطفل الفلسطيني، في حين لا توجد بين أطفال فلسطين من جهة وأطفال العرب من جهة أخرى أي علاقة وهم الأحق وفقا للدين والعقيدة بأطفال فلسطين".
ودعا د. أبو هين العرب كبارا وصغارا إلى احتضان أطفال فلسطين، قائلا ان "الطفل الفلسطيني بحاجة إلى من يحس به، ويسمعه ولو كلمة حلوة".
وفي النهاية نذكر أن المساعدات العربية ظاهرة للعيان، لكنها تركزت في مجملها على الجانب الاغاثي، ما يشير إلى ضرورة الاهتمام باستثمار هذه المساعدات والأموال في مشاريع خلق فرص عمل للفلسطينيين لإعالة أطفالهم بدلا من إمدادهم بالمواد الغذائية التي مهما كثرت أو طال امد توزيعها لن تدوم لهم، عملا بالمثل الصيني الشهير: "بدلا من أن تطعمني كل يوم سمكة،علمني صيد السمك".
------------------


العنف الأسرى حلقة مفرغة ضحيتها أطفالنا



سامية الزبيدي


"أنا خايف..خايف" ردد "علي" هذه الكلمات عشرات المرات في إصرار على عدم تلبية أوامر والدته جيهان، بالذهاب إلى دكان البقالة لشراء إحدى حاجيات المنزل.


تساءلت جيهان: "من ايش خايف؟".


لم يقارب علي كبد الحقيقة حينما قال "بخاف من الظلمة".


فليست الظلمة من يخيف علي البالغ من العمر (13عاما)، بل ما شهده في ظلام لياليه من ضرب وسب واهانات، كانت تأخذ من الليل مسرحا لها، لبطلين هما والده "إبراهيم" صاحب اليد واللسان السليطين، ووالدته "جيهان" الخاضعة لهما منذ خمسة عشر عاما.


لم تتفهم "جيهان" خوف ولدها، فهددته "إذا ما رحتش فورا، راح أقوم وأعطيك علقة سخنة".


انتحب علي خائفا، حائرا، أيهما يختار ظلام الليل المخيف، أم علقة أمه الساخنة التي كان يعرف كنهها جيدا.


وظل "علي"، في حيرته، حتى وافته أمه بما وعدته، وأرغمته أيضا على الذهاب إلى الدكان.


"علي" ليس الطفل الوحيد الذي يعيش في جو أسري مشحون بالعنف الجسدي والنفسي، فيكاد الدكتور فضل أبو هين مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات يجزم أن "مجتمعنا الفلسطيني موبوء بالكامل بالعنف الأسرى، وأن الإنسان منا منذ اللحظة التي يفتح فيها عينيه حتى يغلقها في المساء يتعرض للعنف، سواءً من الأهل داخل الأسرة، أو من بعض المظاهر في المجتمع".


ويضيف د. أبو هين: "ظروفنا ليست سهلة، وما نتعرض له من أزمات وصدمات وقهر سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني، وما يسببه من إحباط ويأس وفقدان للأمن في حياة الإنسان منا، زرع فينا القسوة، فأصبحنا قساة إن لم يكن على غيرنا فعلى أنفسنا".


يقول "إبراهيم"، الذي تعطل عن العمل بعد إغلاق دولة الاحتلال الإسرائيلي للمعابر، ومنعه من العمل داخل الأراضي المحتلة: "صحيح أنني أضرب زوجتي، إلا أنني لست سعيد بهذا الأمر، وكثيرا ما أندم عليه بعد فعله، إلا أنني أضطر لذلك، من شدة العصبية، أفلا يكفيني أني أعيش الذل في كل لحظة من أيامي، لآتي لأولادي بلقمة العيش، كي أعود إلى منزلي فلا أجد كل وسائل الراحة، وعلاوة على ذلك أجد امرأة تناقشني وتستفزني بعدم تنفيذ ما أقول".


أما جيهان، فتقول: "منذ تزوجنا، وهو يضربني، ويسبني، على أتفه الأسباب، وأنا أثور حينا، وأستكين حينا آخر، وما بيدي حيلة"، متهمة إياه بأنه "يتذرع بالوضع السيئ".


وتساءلت: "هل الوضع السيئ عليه وحده، جميعنا نعاني من الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الصعب، فبدلا من أن نكون عونا لبعضنا بعضا في هذه الظروف، نزيد هموم ومشاكل بعضنا".


وتعترف جيهان أنها تمارس ذات العنف، الذي يمارسه عليها زوجها على ولدها علي، فتقول: "أنا أيضا بدلا من أن أعوض ابني الحنان والأمان الذي يفتقدهما من والده، أجد نفسي في كثير من الأحيان أخرج عن طوعي واضربه على أقل الأشياء وأتفهها".


وردا على سؤال "ينابيع" لها، لماذا تقوم بذلك ما دامت تعي خطأ ما ترتكبه في حق ابنها، تقول جيهان: "في كثير من الأحيان لا أستطع ضبط مشاعري وتصرفاتي".


وتصف المشاعر التي تملأها قائلة: "قلبي ملئ بالحزن، والخوف والقلق، والإحساس أني لا شيء"، مرجعة ما تشعر به إلى: "الضرب والاهانات المتكررة من زوجي لي، واستهزاءه وعدم تقديره لكل ما أقوم به من أجله ومن أجل أبنائنا".


بدوره، يُعرف برنامج المشاركة المجتمعية لمناهضة العنف الأسرى في مركز البحوث الإنسانية والتنمية الاجتماعية بغزة، العنف الأسري أو العائلي على أنه "جميع الأعمال، التي ترتبط بالإساءة أو الإيذاء من طرف ضد طرف أو أطراف داخل العائلة الواحدة، وقد تظهر أنواع الإساءة أو الإيذاء في شكل مادي أو معنوي..ويتخذ مظاهر عدة منها العنف اللفظي والعنف البدني، والتمييز في المعاملة بين الأبناء، وإهمال الآباء دورهم في الرعاية النفسية والاقتصادية والاجتماعية لأفراد أسرهم وعقاب أحد أفراد الأسرة بالطرد أو الإبعاد من المنزل وأخيرا القتل".


فيما تعرفه الأمم المتحدة بـ"الفعل القائم على سلوك عنيف ينجم عنه الإيذاء أو المعاناة (الجنسية، النفسية)، أو الحرمان النفسي من الحرية في الحياة العامة أو الخاصة".


وقد كشفت دراسة فلسطينية للباحثة ابتسام الزريعي في إطار رسالتها للماجستير، التي حصلت بموجبها على الدرجة العلمية من جامعة الأزهر بقطاع غزة، حول قضية العنف ضد المرأة، كشفت أن العنف النفسي احتل المرتبة الأولى من بين أشكال العنف الممارسة ضد المرأة الفلسطينية في قطاع غزة، تلاه العنف الجنسي، ثم العنف الجسدي.


وأظهرت الدراسة أن "النساء فوق سن 40 يعانين أكثر من العنف النفسي والجنسي فيما تعاني النساء الفلسطينيات في جميع مراحل العمر من العنف الجسدي بالدرجة نفسها".


كما أشارت الدراسة إلى أن "العنف ضد المرأة يجعلها تشعر بانخفاض تقدير الذات ونقص الشعور بالكفاءة والاكتئاب والشعور بالعجز والتشاؤم بشأن المستقبل، ما يجعل المرأة أكثر حزناً، وفاقدة للأمل في كل شيء بالإضافة إلى فقدانها الثقة بنفسها، وعدم قدرتها على اتخاذ القرار ما يجعلها غير قادرة على مواجهة مشكلات حياتها، فتصبح أقل شعوراً بالأمان وأقل ثقة بالآخرين".


وهو ما تؤكده ليلى ذات العشرون عاما، والتي عاشت حياتها وسط أسرة ممتدة، مكونة من 35 فردا، هم الجد والجدة والأب والأم، والأعمام ونسائهم وأولادهم جميعا، إضافة إلى إخوتها الذين تصغرهم جميعا، فتقول ليلى: "لم تمتد يد أيا من أفراد عائلتي يوما عليّ بالضرب، أو حتى بالسب والشتم، إلا نادرا، إلا أنني لم أشعر في أي يوم من الأيام بتقدير واهتمام أسرتي بي، فوجودي أو عدمه سيان لديهم، ورأيي لا يهم أحدا، وإن جاهرت به، تجاهلوه، وأمروني بعدم التدخل فيما لا يعنيني، حتى في أدق الأمور التي تتعلق بحياتي، أو بدراستي، أو صداقاتي على سبيل المثال".


وتضيف ليلى التي تدرس علم النفس بجامعة الأزهر: "أحببت دراسة علم النفس، علّي أجد فيه ما يريح نفسي القلقة، والمتعبة، وأستطع من خلاله شفاء نفسي، وتعزيز تقديري لنفسي، وتقدير الآخرين لي".


ويعدد برنامج المشاركة المجتمعية أشكال العنف الشائعة في مجتمعنا الفلسطيني، في: "السلبية في التعامل، وهي أكثر أنماط العدوانية شيوعا، حيث يقوم أحد الطرفين بإهمال الطرف الآخر، فيكون شكل التواصل سطحيا وشكليا، إضافة على تحول أعضاء الأسرة لأطراف متصارعة، يبدأ كل طرف فيها باصطياد هفوات وصغائر الآخر، ومهاجمته من خلالها، علاوة على الأحاديث الانفجارية وهو شكل من أشكال التواصل الكلامي عندما يتحول إلى صراخ وزعيق ومنع للطرف الآخر من أن يتكلم بل وربما تصدر خلاله الشتائم والسب والتوبيخ".


ويضيف أشكال أخرى إليها: وهي "الاستهزاء، والتكتلات والتحالفات داخل الأسرة الواحدة، والاعتداء الجسدي، وغيرها".


ويشرح الدكتور فضل عاشور، اختصاصي الطب النفسي في مركز البحوث، أشكال العنف السابقة بصورة أخرى، فيقول: "يمكن تقسيم العنف الأسري إلى حالات صارخة وواضحة يتم فيها ممارسة العنف الجسدي أو العنف الكلامي الواضح المعالم على شكل شتائم وتوبيخ شديد، والعنف الآخر الأقل وضوحا والأكثر انتشارا هو البرود العاطفي بين أفراد الجماعة (الأسرة) وانقسامها إلى مجموعات متحالفة ضد بعضها البعض، وانعدام التبادل الكلامي بينها لصالح تعميم الغيبة والنميمة".


ويؤكد د. عاشور أن "الأطراف الأكثر عرضة للعنف، هي الحلقات الأضعف داخل الأسرة وهي المرأة والأطفال، الضحايا الأشهر للعنف الأسري"، مشيرا إلى أن "الأطفال جزء من الأسرة، ولكي تكون الأسرة مؤسسة ناجحة، ولديها القدرة على الحضانة الاجتماعية والنفسية للأطفال يجب أن تتوفر فيها مجموعة من العوامل، أولا وجود حدود واضحة للأسرة، أي حدود سيادية مثل الحدود السيادية للدولة، يوجد للأسرة حدود اجتماعية يجب أن تكون واضحة للطفل تماما، ضمن أي مجموعة ينتمي، وأين هي ممتلكاته، أين تبدأ وأين تنتهي، ثانيا أن يكون هناك توزيع أدوار واضح بين أفراد الأسرة، دور الأب قائم، والأم كذلك، لا صراع بينهما على لعب الأدوار، ثالثا أن تكون العلاقات القائمة بين أفراد الأسرة تعايشية سلمية، ليتمكن الطفل من تحقيق تبادل عاطفي طبيعي".


ويعتبر د.عاشور أن "العنف الأسري يدمر عملية توزيع الأدوار، ويسمم تبادل العاطفة الطبيعي، ويزيل الحدود السيادية للأسرة، وبالتالي يدمر كل العملية الاجتماعية النفسية اللازمة لنمو الطفل الصحيح نفسيا، إضافة إلى انه يشكل حال من عدم الأمان المعمم عند الطفل، والذي هو بحاجة ماسة له، لأنه كائن ضعيف وهش، ما يهدد كينونته، ونظرته للكون، والعلاقات المجتمعية مع الآخرين بشكل عام، بحيث تتسم علاقاته بالتشكك وعدم الثقة بالآخرين، والعدوانية اتجاههم".


ويشدد على أن "الطفل الذي ينشأ في غياب القدرة على فهم دوره في الحياة والمجتمع، وفي أجواء من الشعور بالتهديد وعدم الأمان، نحكم عليه أن يعيش بقية حياته في توتر دائم وقلق وبحث عن المنغصات في الحياة، وان تكون علاقاته الاجتماعية مهزوزة، وسيعاني مشكلات مع أطفاله أيضا".


وهو ما يؤكده د. أبو هين "الأسرة أول حاضنة، وأهم كيان في حياة الطفل، والطفل يتوقع أن يكون الآباء مصدر الحنان والاستقرار، فإذا فقد الطفل هذا الدور، فانه لا يستطيع النمو نموا صحيا وسليما"، مشددا على أن "الأب والأم ليسوا لتوفير الطعام والشراب للطفل، فهم نموذج يمهد له المستقبل، يتعلم الطفل ما يعيشه، فإذا عاش أجواءً من النقد والسلبية والسخرية والعنف، يتعلم أن يكون سلبيا، وان يدين الآخرين ولا يحترمهم، بمعنى أننا نقدم لأطفالنا النموذج الذي نريدهم أن يكونوا عليه في المستقبل، وهكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد، ونمارس خرابا ودمارا في مستقبل أطفالنا جيلا بعد جيل".


وأرجع د. أبو هين كثير من المشكلات التي يعانيها أطفالنا إلى غياب دور ونموذج الآباء الصحيح مثل "المشاكل المدرسية، الهروب من المدرسة، اللجوء إلى سوق العمل، الخوف، التبول اللاإرادي، الانعزال، والكسل، وقد يصل الأمر بهم حد الانحراف".


ويضيف: "لو ذهبنا إلى مؤسسة الربيع (المؤسسة الوحيدة التي تعنى بالأحداث في قطاع غزة) سنجد أن 95% من الأطفال المسجونين فيها، كان سبب إقدامهم على ارتكاب جريمة، هو تفكك أسري، ووضع اجتماعي سيء".


على رغم ذلك، يؤكد د. أبو هين أن العنف ليس سمة في مجتمعنا الفلسطيني، مشيرا إلى أن "مجتمعنا مجتمع عشائري، من العشرة، والحنان والمودة المميزة للعشيرة، إلا أن الاحتلال وسع وضاعف من مساحة التوتر الذي يعانيه الإنسان الفلسطيني، الذي لا يجد سبيلا لتفريغ انفعالاته إلا في الأطراف الضعيفة في الأسرة وهي المرأة والطفل".


ويخلص د. أبو هين إلى نتيجة مهمة، من حديثه إلى "ينابيع"، ذاهبا إلى حد التأكيد أن "ممارساتنا السلوكية العنيفة التي نمارسها بحق أطفالنا، تدمر الأطفال أكثر بعشرات المرات مما يفعل الاحتلال"، لافتا إلى أن "الاحتلال خلق تربة توتر عامة ومناخ نفسي صعب، إلا انه لم يملي علينا كيف نربي أبنائنا، وكيف نفرغ انفعالاتنا فيهم".


ويزد على ذلك بتوقعه مزيدا من أجواء العنف الأسري في مجتمعنا، على رغم ازدياد نسبة الوعي والثقافة على هذا الصعيد، قائلا: أن "سلوك القسوة والحدة يكاد يصبح عاما وشاملا، ولا يخلو منه إلا المنعزلين على أنفسهم، وأصبح مجتمعنا أكثر ميلا للعنف على رغم كثرة وسائل التوعية والتعليم، ولن نخرج من هذه الدائرة إلا بعد معالجة حال الإفلاس التربوي والنفسي لدى الوالدين، والتي تجعلهما يمارسان العنف على بعضهما وعلى أطفالهما".


أما الباحثة الزريعي فترى في دراستها أن "مواجهة العنف ضد المرأة يتطلب معالجة مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والقانونية للمرأة والرجل معاً، مطالبة بـ"القيام بأنشطة في المدارس الفلسطينية بهدف توعية الطالبات والطلبة بمشكلة العنف الأسري بأشكاله والعنف ضد المرأة بشكل خاص وتمكين الطلبة بمهارات فاعلة لحل النزاعات داخل الأسرة بعيداً عن أجواء العنف والاعتداء وإلحاق الأذى".


وأشارت إلى "الحاجة الماسة لرفع مستوى الوعي لدى العاملين المهنيين في مجال الدعم والمساندة النفسية لضحايا العنف، فضلاً عن إجراء الدراسات والبحوث التربوية التي تتعلق بالعنف ضد المرأة لتحقيق مزيد من التوعية ومعرفة كيفية مواجهة هذه الظاهرة".


من جانبه، يجد د. عاشور أن "التدخل الثقافي الواسع النطاق عبر الإعلام والصحافة، والنماذج التي يطرحها الإعلام، إضافة إلى التدخل القانوني، بصك القوانين الواضحة التي تعاقب ممارسي العنف الأسري، مع الإشراف على تنفيذها، علاوة على التدخل المتخصص جدا على المستويات الأصغر، الأسرة ذاتها، عبر مشاريع متعددة تقوم بها الدولة أو منظمات غير حكومية، ووسائل التدخل أما علاجية بإعادة التوجيه الثقافي والنفسي والإرشادي للأسرة، أو تدخل قضائي قانوني".


وتزداد أهمية هذا الموضوع، و ضرورة معالجته، ووقف دوران هذه الحلقة التي تعيد إنتاج ذات المأساة يوميا في آلاف المنازل، حينما نعرف أن زيادة العنف الأسري يعني بالضرورة زيادة التفكك الأسري، ما يعني تهديد المجتمع في أهم أركانه وبنيانه وهي الأسرة.


ولا شك أن ذلك لا يتأتى من دون قوانين صارمة تحمي المرأة، وأطفالها من العنف الواقع عليهما، وإجراءات تضمن تنفيذ هذه القوانين، إضافة إلى إعادة النظر في سلسلة المناهج الدراسية والثقافية التي نتعرض لها منذ الصغر، وتكثيف الحملات الإعلامية بكافة أشكالها لتصحيح هذا الخلل.


----------------





أمهات الاسرى والمعتقلين


قيادات نسوية بارزة يثرن الرأي العام إزاء قضية أبنائهن المعتقلين في السجون الإسرائيلية


غزة-سامية الزبيدي


خمس نساء اجتمعن قبل أكثر من تسعة أعوام وقررن أن ينتفضن على واقعهن، وان يوصلن قضيتهن وقضية أبنائهن إلى عالم لم يسمع بهن قبل ذلك اليوم.


أنهن أمهات الاسرى والمعتقلين الفلسطينيات، أم جبر وشاح (75 عاما)، أم إبراهيم بارود (70عاما)، أم العبد شهاب (65عاما)، أم غازي النمس (62عاما)، أم أدهم الزويدي (55عاما)، وغيرهن الكثير، نساء لم يحظين بأي فرصة للتعليم، ولم يرتدن المدارس ولا الجامعات، لكنهن ارتدن مدرسة الحياة من أصعب أبوابها.


عانى معظمهن من مرارة وقسوة التهجير إبان 1948، ثم من جحيم اللجوء والتشرد، فصبرن وداوين جروحهن واحتضّن فلذات أكبادهن، يرضعن، ويربين، ويعلمن، إلى أن جاء من يقطف زهرات عمرهن، ويلقي بها في غياهب السجون والمعتقلات عقود طويلة.


وما تزال تأكل كل يوم المزيد والمزيد من الفلسطينيين حتى وصل عدد الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى أكثر من ستة آلاف أسير.


هندومة وشاح "أم جبر" الملقبة بأم الأسرى، وغالية بارود "أم إبراهيم" "القائدتين" الأبرز على صعيد قضية الأسرى، فكل من يذكر الأسرى لابد أن يذكر هاتين القائدتين اللتين أسهمتا في إحياء قضية الأسرى على أعلى المستويات، فنظمن المسيرات وحشدن الجماهير، واعتصمن واضربن عن الطعام عشرات الأيام، وخاطبن وسائل الإعلام المحلية والدولية، وأرسلن الوفود إلى المسؤولين في السلطة الفلسطينية، والرسائل إلى سفارات العالم المختلفة، والى المؤسسات الحقوقية والأهلية المتنوعة الفلسطينية منها والعربية والأجنبية، وحتى الإسرائيلية منها، وسافرن الى خارج فلسطين لنشر قضية ابنائهن ووطنهن.


كما استطعن أن يحولن اعتصامهن الذي بدأ بخمس نساء إلى احد أهم مظاهر التضامن مع المعتقلين والأسرى الفلسطينيين والعرب، وأصبحت هذه الاعتصامات تنظم كل يوم اثنين من كل أسبوع، حيث تجتمع النساء من جميع أنحاء قطاع غزة في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة، ويجلسن على العشب الأخضر على شكل نصف دائرة وفي أيديهن صور أبنائهن.


ويتوافد الفلسطينيون من كل صوب للمشاركة والتضامن مع الأسرى وذويهم هناك، وغالبا ما يحظى الاعتصام باهتمام عدد من الصحافيين والصحافيات الفلسطينيين والأجانب، يجهدون لنقل ما تراه أعينهم من معاناة.


"أم جبر" التي اعتقل أبنائها الأربعة وزوجها، وحوكموا بمدد مختلفة، لم تنقطع يوما عن المشاركة والتنظيم والإعداد للفعاليات المختلفة، على رغم خروج أبنائها وزوجها من السجن، وحتى في أوقات المرض.


وأخذت على عاتقها إحياء قضية الأسرى الفلسطينيين منهم والعرب، والمطالبة المستمرة بإطلاق سراحهم، متعهدة بأنها لن تغفل عنهم ليلا أو نهاراً، وستظل تدق ناقوس قضيتهم في كل الأذهان، ولن تستكين أو ترتاح حتى يخرجوا جميعا.


وتعتبر "أم جبر" جميع الأسرى "أبنائها"، حيث تبنت الأسرى العرب الذين جاؤوا من البلاد العربية المختلفة خلال العقود السابقة للمشاركة في مقاومة الاحتلال، وسجنوا نتيجة ذلك، وعلى رأسهم المعتقل سمير القنطار اللبناني الأصل، الذي ما يزال معتقلا منذ 26 عاما وحتى الآن، مؤكدة لـ"المجلة" أن "الموت فقط سيمنعها من المشاركة في الاعتصامات ونشاطات الأسرى".


وتقول "أم جبر" عن الدوافع التي دفعتها للتفكير بالاعتصام: "أولادي الأربعة كانوا في السجن، والعائلة كلها منعت من الخروج من القطاع إلى أي مكان، وأنا كذلك منعت من زيارة أبنائي المعتقلين، وقضية الأسرى منسية ولا احد يتكلم بها، فتوجهت إلى "أم إبراهيم" وتشاورت معها فيما نفعل، واقترحت عليها إن نعتصم في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، نعرض قضية أبنائنا وبناتنا على الصحافة ودول العالم"، مؤكدة انه "لا يوجد في الكون أغلى من الضنا (الابن) إلا الذي خلقنا (الله عز وجل)، ولن نفرط فيه مهما كان الثمن".


وتضيف: "كنا في البداية خمس نساء فقط، وأخذت أعداد النساء تزداد يوما بعد يوم، حتى أصبحت بعد ثلاثة أعوام أمهات الأسرى وزوجاتهم وعائلاتهم يأتون من رفح جنوب القطاع و بيت حانون في شماله إلى مكان الاعتصام".


وشاركت "أم جبر" في الاضرابين الكبيرين عن الطعام اللذين دعا اليهما المعتقلين والأسرى في السجون في العام 93 والعام 2000، واستمر الإضراب الأول تسعة أيام، والثاني عشرين يوما، اضرب أثنائهما ذوو الأسرى وعدد من الفلسطينيين عن الطعام، في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وحديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة.


كما نظمت وحشدت لمسيرات حاشدة قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 94، وتوجهت إلى المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في القطاع.


حول ذلك تقول أم جبر: "بعد قيام السلطة الفلسطينية نظمنا مسيرات كبيرة إلى مستوطنات "نيساريم" و"غوش قطيف" و"ايرز"، نطالب بأولادنا، فلا يوجد احد يطالب بهم سوانا، كما طلبنا مقابلة الاخ الرئيس (ياسر عرفات) أبو عمار، وطلبنا منه العمل على الإفراج عن الأسرى في أسرع وقت، وسألناه عن سبب عدم وجود أي ذكر لقضية الأسرى في اتفاق اوسلو الذي وقعته السلطة مع إسرائيل، فقال لنا أنهم تركوها لحسن النية من قبل الإسرائيليين"، متسائلة: " منذ متى لدى اليهود حسن نية؟؟"


وتستذكر أم جبر أحداث الإضراب الكبير الذي استمر 20 يوما في حديقة الجندي المجهول في كانون اول (ديسمبر) عام 2000، حينما زار الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون مدينة غزة، فتقول: اعتصمنا 18 يوما ونحن داخل الخيام تحت البرد والمطر، واضربنا عن الطعام، حتى صدر أمر من غازي الجبالي (مدير الشرطة آنذاك) بانهاء الاضراب، حفاظا على المظهر العام للحديقة التي كان من المقرر أن يمر موكب الرئيس كلينتون عبرها، لكني صممت على عدم فك الإضراب، وقمت بجلب حبل وربطت جسدي في عمود الخيمة، فحضر وزير الأسرى والمحررين هشام عبد الرازق وحاول إقناعي بالعدول عن رأيي وفك نفسي، وإخلاء المكان، وبعد مباحثات مطولة وافقت على فك الخيمة في حديقة الجندي المجهول على أن نتابع الإضراب في مقر "الصليب"، فوافقوا على ذلك، واحضروا لنا سيارة إسعاف لنقلنا فقد كانت صحتنا تسوء في اضطراد مستمر نتيجة الإضراب عن الطعام، فحملوني على حمالة إلى سيارة الإسعاف التي توجهت بنا إلى مستشفى الشفا، بدلا من مقر "الصليب"، فرفضت النزول من سيارة الإسعاف وصممت أنا والنساء اللواتي كن معي على الذهاب إلى الصليب الأحمر، حتى تحقق لنا ما طلبنا".


وتتابع أم جبر فتقول: "لم يكتف الجبالي بذلك فقد كان مصمما على إنهاء إضرابنا، فأرسل لمن بقيت في الخيمة في حديقة الجندي المجهول من النساء، ثلة من الشرطيات، اشتبكن مع أمهات وزوجات وأخوات الأسرى بالعصي، اللواتي رفضن فك الخيمة ووقف الإضراب، فجاءوا ليحاولوا إقناعي بفك الإضراب مرة أخرى وإقناع النساء بذلك، لكني بقيت مصممة طوال ثلاثة أيام، وبقينا في مقر الصليب صامدين ومصممين، حتى علمنا أن أولادنا داخل السجون انهوا إضرابهم بعد أن حققوا مطالبهم، والحمد لله حققوا 25 من27 مطلبا كانوا يطالبون فيها، تخص معيشتهم داخل السجن".


يذكر أن دولة الاحتلال لم تفرج سوى عن ثلاث دفعات من الأسرى منذ توقيع اتفاق السلام بينها وبين السلطة الفلسطينية، حيث أفرجت في العام 1994 عن دفعة من الأسرى وصل عددهم إلى أكثر من ألف أسير، وأفرجت في العام 1996 عن دفعة أخرى منهم، فيما أطلقت عددا منهم في العام 1999، على مرحلتين الأولى شملت 250 أسيرا فلسطينيا، والثانية أطلقت نحو 200 اسير معظمهم من الأسرى العرب (الدوريات)، الذين ما يزال اغلبهم يعيشون في كنف الفلسطينيين لما لاقوه منهم من رعاية وحب وإخلاص، حيث زوجهم الفلسطينيون من بناتهم، وتقاسموا معهم لقمة عيشهم، تقديرا لهم ولتضحيتهم الجسيمة، كما إن عشرات من النساء الفلسطينيات تبنين عددا من الأسرى العرب يداومن على زيارتهم في السجون إلى الآن.


وكان جبر الابن الأكبر لام جبر أطلق سراحه في الدفعة الأخيرة فيما أنهى أولادها الثلاثة الآخرين مدد محكومياتهم وأطلق سراحهم، إلا أن "أم جبر" تابعت نضالها لأجل باقي الأسرى، خصوصا العرب منهم، وعن ذلك تقول: " أنا نسيت ابني وأولادي الثلاثة، و كنت دائمة التفكير في أسرى الدوريات (العرب)، الذين لم يغيبوا عن بالي ليلا أو نهارا، لأني أم فلسطينية ولي الحق أن أدافع عن أي إنسان يدافع عني وعن بيتي، وهؤلاء الأسرى الذين تركوا بلادهم وحضن أمهاتهم، وجاءوا ليدافعوا عن فلسطين دمي وروحي فداءً لهم، فكنت اترك أولادي الأسرى لزوجاتهم وبناتهم يزورونهم، وأنا اذهب كل يوم من أيام الأسبوع إلى سجن من سجون دولة الاحتلال لازور "أولادي" العرب، وكان يوم السبت هو إجازتي الوحيدة أرعى خلاله بيتي وألبي متطلباته".


وتضيف "أم جبر" وكلها لوعة وحزن "لكن كل ذلك انتهي، فمنذ مجيء السلطة لم أزر أي منهم، فقد منعتني سلطات الاحتلال لأسباب أمنية كما يزعمون، ورغم أني أوقفت محاميتين ليتظلمن لي على هذا القرار الجائر لكن من دون جدوى".


وتعتبر "أم جبر" أن "الأسرى هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذا الاحتلال، فتقول: "صحيح إن إسرائيل تحتل أرضنا منذ 48، ولكن الأرض مازالت موجودة ولن تضيع، ولكن أبنائنا الأسرى، زهرة عمرهم وشبابهم تضيع وتذبل ولا احد يبالي".


وتقول "أم جبر"، وجسدها ينتفض انتفاضة جسد أنهكته سنينه الكثيرة المليئة بالمآسي والتضحيات: "لا أشعر بأي تعب أو كلل، ويكون اسعد يوم عندي يوم أرى فيه جميع الأسرى خارج السجون، والحمد لله صحتي ممتازة، ولا يصيبني المرض إلا عندما أتذكر اتفاقات اوسلو ما فعلته بنا".


وتعهدت "أم جبر" بأنها لن تتأخر يوم الاثنين عن النضال لأجل إطلاق كل الأسرى، قائلة: "طالما بقي في نفس، فستجدونني هنا كل يوم اثنين، ولن أتأخر أبدا عن واجبي اتجاه الأسير، ولاني امرأة عجوز لا أقوى على حمل السلاح فسيكون سلاحي هو لساني وكل ما املك من قوة جسدية ومادية".


وعند ذكر خطة خارطة الطريق الجديدة التي وافقت السلطة الفلسطينية عليها، فان لام جبر التي تتابع التطورات السياسية أولا بأول، تسميتها الخاصة لهذه الخطة فقد اعتبرتها " خطة خلطة الملوخية" لا أكثر، في إشارة إلى أنها لن تجدي نفعا.


فيما تقدم تعريفا للإرهاب مغاير تماما لما تقدمه الإدارة الاميركية وإسرائيل فتقول: "الإرهابي ليس من يقاوم المحتل ويدافع عن نفسه ووطنه بل من يأتي ويضرب الأطفال والمدنيين النيام في منازلهم ويقصفهم بالصواريخ والطائرات في رفح والنصيرات والبريج وجنين وغيرها".


ولا تفتأ أم جبر أن تعلن استعدادها لمقابلة أي من زعماء العالم بمن فيهم رئيس الحكومة الإسرائيلية ارئيل شارون والرئيس الاميركي جورج بوش، وغيرهم من الزعماء الأجانب والعرب، لشرح معاناة الأسرى ومطالبتهم العمل على الإفراج عنهم.


وتضيف: "طلبت مرات عدة من المسؤولين الفلسطينيين أن يرسلوا وفدا من أمهات الأسرى إلى الأمهات الإسرائيليات، لنقابلهن ونشرح لهن معاناتنا عساهن يتفهمنها ويضغطن معنا على حكومة الإرهاب الإسرائيلية لوقف عدوانها وإطلاق سراح أبنائنا الأسرى".


وتتساءل أم جبر "أين الديموقراطية والإنسانية التي لدى دول العالم وإسرائيل، إن يمضي الأسير 26 عاما من عمره في السجن، لا يزوره احد لا أهله، ولا حتى المرأة التي تبنته" في إشارة إلى الأسير قنطار الذي تبنته أم جبر.


أما أم إبراهيم التي تعمل في لجنة أهالي الأسرى التي تشكلت بمبادرة من بعض أهالي الأسرى والناشطين والمدافعين عن قضيتهم، فتقول لـ"المجلة": "أنا لا اعرف شيئا عن العمل النسوي، أنا أحب ابني إبراهيم المعتقل وأناضل من اجل إخراجه هو والأسرى جميعا من سجون الاحتلال".


وتضيف: "لم احصل على أي شهادة، بل تلقيت تعليما ابتدائيا فقط، لكن ما تعرضنا له منذ عام 1948 حينما هجرنا اليهود من أرضنا كان اكبر مدرسة لي، تعلمت فيها أن الحق لا يضيع طالما وراءه مطالب، وأرضنا وأولادنا حقنا لن نرتاح إلا بعد استردادهم".


وتقول أم إبراهيم التي تعرض كل أبنائها للاعتقال، وتعرضت هي شخصيا إلى المحاكمة بتهمة ضرب احد الضباط الذين جاؤوا لاعتقال أولادها، أن ذلك دفعها إلى التفكير بتنظيم نشاطات وفعاليات تدعم من خلالها صمود الأسرى، وتطالب العالم اجمع بالضغط على إسرائيل لإطلاق سراحهم.


وتستذكر أم إبراهيم بدايات هذه الاعتصامات والفعاليات قائلة: "كنا قبل قيام السلطة الفلسطينية نعتصم في مقر الصليب الأحمر، منذ عام 1989، وأتذكر أننا كنا نضع أحذيتنا تحت رؤوسنا وننام عليها، وأتذكر مرة من المرات حاول اليهود اقتحام مقر الصليب وإخراجنا منه لمنعنا من مواصلة الاعتصام، حيث ألقوا في اتجاهنا قنابل الغاز المسيل للدموع و ضربونا بالعصي حتى ننهي الاعتصام، ولكن من دون جدوى، وكنا نحقق دائما مطالبنا ومطالب أولادنا".


وتتابع: "أما في عهد السلطة الفلسطينية فقط جلسنا في بيوتنا ننتظر أن نسمع عن خروج المعتقلين كما وعدنا وتوقعنا، لكن ذلك لم يحدث، فاجتمعت أنا وأم جبر وأم العبد شهاب وأخريات، وكنا آنذاك خمس نساء فقط، وتداولنا فيما نفعل وكيف نتصرف في ضوء تهميش ونسيان قضية أولادنا، فقررنا معاودة الاعتصام في الصليب، وحددنا يوم السبت يوما للاعتصام، لكننا اصطدمنا بيوم الاجازة الاسبوعية لموظفي الصليب التي تكون عادة يومي السبت والأحد، فاخترنا يوم الأربعاء، فقامت سلطات الاحتلال بتحديده كي يكون يوم زيارة السجون، فاخترنا يوم الاثنين يوم مولد الرسول عليه الصلاة والسلام عسى أن يكون يوما مباركا علينا وعلى أولادنا، وفعلا بدأنا الاعتصامات الأسبوعية، وتواصلت لشهور عدة، وأخذ عدد المعتصمات والمعتصمين يزداد يوما بعد يوم، إلا إن أيا من وسائل الإعلام لم يصلنا، حتى قابلت صدفة أثناء عودتي إلى بيتي صحافية كنت اعرفها، فطلبت منها تغطية الاعتصامات، وإبلاغ الصحافيين عنها، وبالفعل ففي الاعتصام الذي تلاه فوجئنا بمجيء احد الإعلاميين الكبار العاملين في التلفزيون الفلسطيني، وبث اعتصامنا وحديثنا وشكوانا على شاشة تلفزيون فلسطين مباشرة، ومن بعدها بدأ العالم يسمع بوجود أسرى ومعتقلين فلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي".


وتضيف: "اثر تزايد الاهتمام بقضيتنا قمنا بترتيب أوضاعنا، وحددنا ادوار كل منا، فخصصنا امرأة لتتحدث عن معاناة الأسرى، وامرأة للمطالبة بإطلاق سراحهم، وأخرى للمطالبة بتحسين أوضاعهم داخل السجون، وأخرى للمطالبة بإعطاء ذوي الأسرى حقوقهم المالية لمساعدتهم على تحمل أعباء الحياة، وبدأنا في إرسال الرسائل للسفارات العربية والدولية في غزة، وإرسال الوفود إلى المؤسسات المحلية".


وتستذكر أم إبراهيم محاولة سلطات الاحتلال إفشال هذه الاعتصامات فتقول: "بعد أن بدأ الناس والمسؤولين يشاركوننا اعتصامنا، قامت سلطات الاحتلال بتحويل الزيارة إلى يوم الاثنين، إلا إنني صممت أن لا نغيره، وصممت حتى لو اعتصمت لوحدي أن لا نغيره، على أن تزور أمهات وزوجات الأسرى، أسراهن الاثنين ويعتصمن الاثنين الذي يليه".


وتصرخ أم إبراهيم الممنوعة وزوجها وابنائها من زيارة ابنها منذ ثمانية أعوام، بغضب قائلة: "عمري 70عاما كيف سأؤثر على أمن دولة إسرائيل، منذ ثمانية أعوام لم يزر ابني لا أب ولا أم ولا أخوة ولا أخوات، هل هذا عدل؟؟".


وتعول أم إبراهيم، حالها حال اغلب أمهات وذوي الأسرى، أمالاً كبيرة على ما اعتبرته "هدية من الله للأسرى" ألا وهو الامين العام لحزب الله في لبنان حسن نصر الله، الذي يسعى لابرام صفقة تبادل للجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى الحزب، بأسرى لبنانين وعرب وفلسطينيين.


وتضيف "إنشاء الله يخرج جميع الأسرى على يد حسن نصر الله الذي أرسله الله لنا ولأولادنا "، موجهة له "ألف ألف تحية باسمي وباسم كل أمهات الأسرى".


وتعدد أم إبراهيم الإنجازات التي استطاعت النساء تحصيلها فتقول: "استطعنا تحويل رواتب الأسرى من وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت تضن علينا بحقنا، ولا يصلنا منها إلا النذر اليسير، إلى وزارة الأسرى والمحررين بقرار من الرئيس ياسر عرفات، كذلك استطعنا عبر اعتصاماتنا واضراباتنا عن الطعام سويا مع الأسرى داخل السجون تحقيق العديد من المطالب فيما يتعلق بالزيارات وتحسين معيشة المعتقلين هناك، كما إننا أقنعنا القوى والفصائل الفلسطينية بالمشاركة في فعاليات الأسرى بشكل دوري، واستطعنا إسماع صوت ذوي الأسرى ومعاناة أولادنا إلى كل أنحاء العالم"


وتعجب أم إبراهيم ممن يستغربون من قدرتها على تحقيق ما تريده فتقول: "صاحب الحق عينه قوية".


وتستشهد بـ"حركة الأمهات الأربع الإسرائيليات، اللواتي بقين يناضلن ويطالبن بخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان" في إشارة إلى الحركة النسوية الإسرائيلية التي قادتها أربع أمهات ثكلن أولادهن على يد المقاومة اللبنانية، وقمن بشن حملة قوية ضد الحكومة الإسرائيلية لمطالبتها بإنهاء احتلالها لجنوب لبنان، استطعن خلالها حشد الشارع الإسرائيلي مع مطالبهن، وأسهمن في شكل مباشر في تكثيف الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي أذاقتها المقاومة طعم الهزيمة العسكرية في جنوب لبنان، حتى رضخت أخيرا وانسحبت منه في الرابع والعشرين من أيار(مايو) 2000.


ووجهت أم إبراهيم رسالة إلى الأمهات الإسرائيليات قائلة: "أنا أقول للام الإسرائيلية أن تحافظ على ابنها، وتخرج إلى (رئيس حكومة إسرائيل ارئيل) شارون وتقول له كفى تقتيلا وتهديما وتخريبا في أرضنا وبيوتنا وأطفالنا وأولادنا الفلسطينيين".


أما "أم غازي النمس" (62عاما)، فلا تنقطع، على رغم سنين عمرها الطويلة، وجسدها الضعيف، عن اعتصام يوم الاثنين أبدا، فكل من يذهب إلى الصليب يجدها هناك، جالسة وفي حضنها صورة ولدها، الذي ما يزال يقبع في سجنه منذ 18 عاما، من محكوميته البالغة مدتها(100عام).


وتقول أم غازي في حديث الى "المجلة" "منذ قيام السلطة الفلسطينية وأنا اعتصم في الصليب، بعد أن اتفقنا على ذلك، وقد كنت ازور ولدي في سجنه، طوال السنين الماضية، إلا إنني منعت من ذلك منذ عام مضى من دون أي سبب".


وتصف لنا رحلة العذاب التي تتعرض لها أمهات الأسرى أثناء ذهابهن لزيارة أبنائهن "نذوق الذل لأجل رؤية أولادنا، فمنذ الفجر نتجمع في موقف السيارات لنستقل حافلة توفرها لنا اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعند الوصول إلى معبر "ايرز" شمال القطاع، يطلبون منا الدخول إليه مشيا على الأقدام لمسافات طويلة، ونحن جميعا عجائز وكبار في السن، لنتعرض بعدها إلى تفتيش جسدي مهين، ويرمون أي مأكولات معنا، نأخذها لنأكل ونحن في طريقنا الطويلة إلى أبنائنا، لنصل إليهم بعد الظهيرة، لنجلس تحت الشمس في الصيف، والبرد والمطر في الشتاء في انتظار أن يسمحوا لنا بالدخول إلى مكان الزيارة، لنرى أولادنا من وراء الشباك وتمتلأ أعيننا برؤيتهم، مدة 30 دقيقة، قبل ان تبدأ معاناة رحلة العودة إلى بيوتنا وقلوبنا تدمي على فلذات أكبادنا الذين نتركهم ورائهم، والله اعلم بحالهم".


وتزيد أم غازي على ذلك بالقول: "لقد اخترعوا لنا وسيلة تعذيب جديدة، فقد سمعنا أنهم بدأوا في تركيب ألواح زجاجية بدلا من الشباك الحديدية، لتفصل بيننا وبين أولادنا، حتى لا نراهم ولا نسمعهم".


ويشن الأسرى والمعتقلون داخل السجون الإسرائيلية سلسلة من الاضرابات والاحتجاجات على هذه الألواح، لأنها حسب رأيهم تمنعهم من سماع أصوات ذويهم إلا من خلال هواتف مثبتة، كذلك فإنها تعيق وتشوش رؤيتهم".


أما أم عبد الرحمن شهاب التي ما يزال ولدها يرزح خلف أسوار المعتقلات منذ خمسة 15 عاما من محكوميته (مدى الحياة)، فقد تعرضت أثناء ما تسميه أمهات الأسرى بـ"رحلة العذاب" لزيارة ولدها في سجنه إلى حادث قبل عشرة أعوام، حيث اصطدمت بها سيارة كانت مسرعة أثناء نزولها من الحافلة عند السجن.


وعلى رغم إصابة أم عبد الرحمن بكسر في الحوض، وإصابات بالغة في الوجه، وأنحاء أخرى من جسدها، وعدم قدرتها على المسير الطويل، إلا أنها لا تفتأ تسرع متكئة على عكازيها إلى زيارة ولدها في سجنه كلما سمحت سلطات الاحتلال بذلك، لتعود كما تقول "مريضة ولا أغادر الفراش لأيام عدة".


إلا إن أم عبد الرحمن تتحسر على عدم مقدرتها المشاركة في الاعتصامات والنشاطات التضامنية مع الأسرى، مؤكدة أن "أملنا في الله".


وتشكو أم عبد الرحمن من منع قوات الاحتلال لأي من أبنائها من زيارة أخيهم المعتقل، حيث لا تسمح إلا بزيارة الأب والأم فقط له ف سجنه.


وتزيد أم الأسير أدهم الزويدي، الذي يقضى ولدها حكما مدى الحياة أيضا، على قول أم عبد الرحمن في شكواها من سلطات الاحتلال الإسرائيلي فتقول: "منذ ثلاث سنوات وأنا ممنوعة من زيارة ابني بحجة الأمن، فهل امرأة في مثل عمري كل ما تتمناه هو رؤية ولدها تشكل خطرا على امن إسرائيل"، مضيفة "منذ ثلاث سنوات اشتريت بعض الملابس لابني وحتى اليوم لا أستطيع أن أرسلها إليه حتى ولو مع أمهات الأسرى الأخريات لكن سلطات الاحتلال تمنع دخول أي شي إلى الأسرى".


وترجع أم ادهم إقبال الأمهات على الاعتصام الأسبوعي والمشاركة في الفعاليات كافة، التي تقام للتضامن مع الأسرى والمعتقلين إلى رغبتهن في "رفع معنويات أولادنا في السجون عندما يروننا على شاشات التلفاز، ويشعرون أننا معهم، ونشعر بمعاناتهم، ونتحرك لأجل قضيتهم، ولم ولن ننساهم".


ولام ادهم قصة مع المعاناة منذ طفولتها، فتقول "تربيت يتيمة بعد أن حرمني الاحتلال من أمي وأبي، فقد اعتقلت قوات الاحتلال والدي ولا نعلم عنه شيئا حتى اليوم، أما أمي (مصرية الجنسية) فقد منعتنا الحدود المصرية الفلسطينية عنها، وأصبحت زياراتها لفلسطين محدودة وصعبة جدا، فتربيت بعيدة عن كليهما، وعشت حياتي كلها في معاناة مستمرة سببها اليهود الذين لم يكتفوا بأخذ أرضنا وحرماننا من ذوينا، ولكن أيضا حرمونا من أولادنا".


وتعتبر أم ادهم إن المعاناة التي مرت بها خلال حياتها هي التي خلقت منها "امرأة قوية، أستطيع أن أدافع من خلالها عن قضية ولدي وأمثاله"، واصفة الحياة بأنها "اكبر مدرسة، فاللي شفناه ما حد شافه في العالم كله".


وتعتبر هؤلاء الأمهات أن الاعتصامات الأسبوعية التي ينظمنها هي التي ساهمت في خلق قيادات وزعيمات نسويات، لا يعلمن شيئا عن حقوق المرأة أو مفاهيم الجندر والنوع الاجتماعي وغيره من المفاهيم المستحدثة على قضايا النساء وتطويرهن.


يذكر إن سلطات الاحتلال تمنع ذوي الأسرى ما عدا الأم والأب والزوجة من زيارة أبنائهم المعتقلين، كما تذيق العجائز وكبار السن الذين يذهبون لزيارة أبنائهم مر العذاب طوال رحلتهم إلى السجون داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، علاوة على أن سلطات الاحتلال كثيرا ما تحرم هؤلاء الزائرين من حقهم في زيارة أبنائهم من دون إبداء أي أسباب لمدد مختلفة تصل إلى عشرات السنين.


فيما يبقى الأسير الفلسطيني يعيش في سجنه، محروما من أبسط الحقوق التي كلفتها له كل المواثيق والقوانين الدولية، فيحرم من مقومات العيش الكريم داخل سجنه، من مأكل ومشرب ومنام مناسب، ويحرم من مشاهدة ذويه بين الفينة والأخرى، ناهيك عن استمرار احتجاز حريته وسلب سنين عمره لا لشيء إلا لأنه دافع عن أرضه ومعتقداته.


----------------
بعد رحيل قائدهم ورمزهم ورئيسهم ياسر عرفات


هل يحتكم الفلسطينيون للقانون؟؟؟


"أبو مازن"، و"أبو علاء" المرشحان الأبرز لخلافة أبو عمار في قيادة الشعب الفلسطيني






غزة-سامية الزبيدي


أداء الفلسطينيون بعد رحيل القائد الفلسطيني ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، المتمثل في نقلهم مفاتيح الحكم، التي كانت جميعها في يد الرئيس عرفات إلى عدد من القيادات الفلسطينية بسلاسة، وسلام، سحب البساط من تحت أقدام كل المتربصين أو المتوقعين لحال من الفوضى والانفلات والصراع على خلافة عرفات، وصلت إلى حد توقع الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية.


فهل حقا، تعلم الفلسطينيون درسهم جيدا، ونأؤوا بأنفسهم عن دخول حرب لن يكون غيرهم الخاسر فيها؟ وهل هم جادون حقا، في الاحتكام إلى دولة القانون، كما يدعون؟ أم أن ما حدث لم يتجاوز توزيع "التورته" بشكل حاولوا من خلاله إرضاء الجميع؟، محمود عباس "أبو مازن" رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفاروق القدومي "أبو اللطف" رئيسا لحركة "فتح"، وأحمد قريع "أبو علاء" على حاله رئيسا للحكومة، فيما يصبح روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي رئيسا مؤقتا للسلطة الفلسطينية بموجب أحكام الدستور.


رحل الرئيس عرفات، الذي قاد شعبه أكثر من 40عاما، ومثل عنوانا لفلسطين، كما مثلت فلسطين له عنوانا، رحل مخلفا وراءه صدمة وحزنا عميقا في قلب شعبه، وكل من أحبه، وحتى لدى من اختلف معه.


وعلى رغم ذلك، فإن للحديث عن خليفة لعرفات مشروعيته، فالمسيرة لم تنتهي بعد.. وعلى أحد ما أن يحمل الراية؟؟.


وعلى رغم ان الجميع متفق على ان أي رئيس فلسطيني قادم لن يكون له المكانة التي كانت لعرفات، نظرا لعدم امتلاك أي شخصية مرشحة الرمزية والشرعية التي امتلكها عرفات بجانب قدرته على جمع كل الخيوط بين يديه.


إلا انه وبموجب القانون الفلسطيني، رئيس المجلس التشريعي فتوح، حمل الراية مؤقتا، مدة 60 يوما حسب النظام الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت)، يتم خلالها الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية، ستعطي الشرعية لخليفة عرفات المنتظر.


فهل سيستمر الفلسطينيون في تطبيق القانون وبنوده، وهل ستجري الانتخابات في موعدها؟.


انتقالا سهلا..هل يستمر؟؟


المحلل السياسي الدكتور مخيمر أبو سعدة، يعتبر الترتيبات الفلسطينية، التي تمخضت عن توزيع المناصب التي كان يشغلها الرئيس على كل من "أبو مازن" و"أبو اللطف"، و"فتوح" مثلت "انتقالا سهلا وسلسا للسلطة في المؤسسات الفلسطينية كافة، منظمة التحرير، حركة "فتح"، السلطة"، إلا انه شكك في صمود هذه الترتيبات، متسائلا: "كم نستطيع ان نستمر في هذا الترتيب، سؤال أضع تحته علامات استفهام كثيرة؟ ستجيب عنها الأيام القادمة".


وحول أسباب ما حدث، يعتقد د. أبو سعدة أنها "رسالة موجهة إلى الإسرائيليين والأميركيين والعالم، أن الشعب الفلسطيني الذي كانوا يراهنوا على اقتتاله الداخلي، فوت الفرصة عليهم، بالاحتكام إلى القانون، وإعطائهم صورة إننا شعب ديمقراطي ونتمسك بالقوانين"، معتبرا الترتيبات الحاصلة "توليفة داخلية سياسية تضمن عدم حدوث صراع على السلطة داخل المناطق الفلسطينية".


ويعرب د. أبو سعدة عن "أمله ان تجري انتخابات رئاسية خلال 60يوما"، مستبعدا حدوث ذلك لأن "الوضع غير مناسب لإجرائها، فالضفة الغربية محتلة بالكامل، وقطاع غزة تسوده الفوضى والفلتان الأمني، ومن دون مساعدة المجتمع الدولي والضغط على إسرائيل، ومن ثم استجابة إسرائيل لهذه الضغوط، لن يكون بإمكان الفلسطينيين إجراء الانتخابات".


وتوقع ان "تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالضغط على إسرائيل بهذا الشأن، فهي كانت في السابق تعارض إجرائها، لأنها كانت تعلم انها ستؤدي إلى انتخاب عرفات مرة أخرى، وهو ما كانت تتحاشاه".


وعي واضح وتفهم للمسؤوليات


فيما، يرى الدكتور كمال الشرافي، عضو المجلس التشريعي، ووزير الصحة سابقا، ان "جميع المؤشرات التي بدأت في الظهور منذ ذهاب الرئيس للعلاج في باريس، ومن خلال لقاءات القوى والمؤسسات، تنبأ عن وعي واضح وتفهم للمسؤوليات الوطنية الجسيمة الملقاة على عاتقنا، ولضرورة الحفاظ على مكتسبات هذا الشعب، وإفشال توقعات أعداء شعبنا بالاقتتال الداخلي".


ويؤكد د. الشرافي ان "مستقبل الفلسطينيين مطمأن طالما سيحكمون عبر المؤسسة والقانون، وهذا لا يعني ان يمضي الأمر بالمسطرة والقلم، فسيكون هناك مشكلات، وعثرات، ولكن لن نصل إلى حد توقعات البعض بفوضى أو حرب أهلية".


بدوره، يرى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ناصر الكفارنة ان خلافة الرئيس عرفات في حركة فتح هو شأن داخلي فتحاوي، أما موضوع منظمة التحرير فهو شأن يتعلق بالقوى والأحزاب السياسي الفلسطينية كافة، سواء المشاركة في المنظمة أو  التي خارجها حتى اللحظة، وهذا يستدعي إعادة تشكيل المنظمة بمختلف هيئاتها بدءاً من المجلس الوطني مرورا بالمركزي وانتهاءً باللجنة التنفيذية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بأكمله، وليس لجزء من هذا الشعب أو لتنظيم يتفرد بها وكأنها مؤسسة حزبية خاصة به، أما فيما يتعلق بالسلطة، فيجب على السلطة ان تحترم القوانين التي شرعتها وأقرتها، والقانون ينص صراحة على ان يتولى رئيس المجلس التشريعي مسؤولية السلطة مدة 60 يوما، ومن ثم ينتخب الرئيس انتخابا حرا من الشعب".


انتخابات رئاسية ام قيادة وحدوية


وأشار إلى ان "الحديث الذي يدور حول إمكانية تغيير البند المتعلق بذلك يجب أن لا يقبله شعبنا، ولا قواه السياسية، ويجب ان نعمل على ان لا تعقد الانتخابات فقط لانتخاب رئيس جديد، وإنما انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية ومحلية، على أساس قانون انتخابي ديموقراطي يضمن تمثيل حقيقي للقوى والأحزاب السياسية ويخرج شعبنا من المأزق الذي وضعته فيه القيادة المتنفذة في م.ت.ف منذ عشرات السنين.


وحول مدى صدقية رئيس الوزراء "أبو علاء" في محاولاته والاجتماعات، والاتصالات التي أجراها مع القوى الفلسطينية المختلفة، لرص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية، وعودة الحديث عن قيادة وطنية موحدة في غياب عرفات، يرى الكفارنة ان "المسألة لا تتعلق بالنوايا الصادقة أو غيرها، فالمصالح الطبيعية والاقتصادية الضيقة للشرائح الطبقية التي تشكلت في م.ت.ف والسلطة وممثليها السياسيين سواءً في السلطة أو المنظمة، يجب ان لا تغيب عن بالنا عند الحديث عن مثل هذه النوايا أو الجهود، وإن دراسة خطوة أبو علاء أو خطوات غيره من القيادات المتنفذة في السلطة والمنظمة لترتيب البيت الفلسطيني لا يمكن النظر إليها خارج هذا السياق، إذ ان مصالحهم ارتبطت بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وهي ما ستدفعهم وبكل استطاعتهم إلى الانخراط في عملية التسوية والاستجابة لخطة شارون التصفوية" في إشارة إلى ان هذه المصالح تتعارض بشكل كامل مع تطلعات الشعب الفلسطيني وقواه السياسية.


من سيخلف عرفات؟؟


يؤكد رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى هيئة تشريعية في منظمة التحرير) سليم الزعنون في تصريحات صحافية له، ان "من سيحل مكان عرفات، عدة أشخاص، وليس شخص واحد".


فيما يرى وزير الأمن القومي محمد دحلان، انه "لا يمكن تعويض القائد عرفات إلا بمؤسسة فلسطينية، وعمل جماعي، فإذا ما كان الرئيس عرفات يستطيع أن يغطي بكوفيته بعض التجاوزات، فإن أحدا غيره لا يستطيع ذلك".


إلا ان تحليلات المراقبين الفلسطينيين تجمع على أن "أبو مازن" (69عاما)، و"أبو علاء" (67عاما) هما المرشحان الأكثر حظّا لخلافة عرفات، فكلاهما تعتبره الأوساط السياسية الفلسطينية من أبرز وجوه "الحرس القديم" في القيادة الفلسطينية، حيث شغل الأول منصب أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، والثاني رئيس الوزراء وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح.


ويرجح د. أبو سعدة ان يكون "أبو مازن" المرشح الأوفر حظا، "على اعتبار انه رفيق درب الرئيس أبو عمار منذ 40عاما، ورئيس منظمة التحرير، ويحظى بقبول شعبي وإقليمي ودولي كبير".


ويضيف المحلل السياسي والكاتب الصحافي، المقرب من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الدكتور غازي حمد إلى د. أبو سعدة أسباب أخرى، تجعله هو الآخر يؤكد ان أبو مازن سيخلف عرفات وهي: "يمتلك رؤية سياسية مبلورة وواضحة لا يمتلكها سواه، مقبول لدى شريحة كبيرة من "فتح"، التي سيكون لها دورا حاسما في ترشيحه، علاقته مع الفصائل الفلسطينية، وخاصة "حماس" علاقة جيدة، وتتسم بالانفتاح".


إلا انه يرى ان الطريق لن تكون ممهدة أمامه تماما "فهناك أيضا تيار قوي في "فتح" يعارض أبو مازن خصوصا داخل اللجنة المركزية للحركة، ووقف ضده في رئاسة الوزراء سابقا، وأجهض حكومته، كما ان علاقاته مع الأجهزة الأمنية ليس جيدة، خصوصا الاستخبارات العسكرية، علاوة على موقف قيادة كتائب شهداء الأقصى المعادي له".


ويزيد د. حمد على ذلك، بالتأكيد ان "أي شخص سيأتي بعد أبو عمار، سيجد أمامه تركة ثقيلة، و كم كبير من التناقضات، لم يكون من السهل حلها".


كما ان "أبو مازن" لا يحوز على كثير من القبول في الشارع الفلسطيني، لمواقفه من ما أسماه "عسكرة الانتفاضة"، وعلاقاته الحميمة مع إسرائيل وأمريكا، إضافة إلى انه المهندس الحقيقي لاتفاقات "أوسلو"، التي يعتبرها كثير من الفلسطينيين أضرت بهم، كما يعتقدون ان أبو مازن من الشخصيات "المفرطة" بالحقوق الفلسطينية.


وهو ما ينفيه، د. أبو سعدة، مؤكدا ان "أبو مازن واقعي، ولكنه ليس معتدلا، ولا أعتقد أن أبو مازن أو سواه يجرؤ على التنازل عن أكثر مما تنازل عنه عرفات نفسه، وهو قيام دولة فلسطينية في حدود عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين".


يذكر أن عباس استقال من رئاسة الوزارة الفلسطينية في سبتمبر 2003 بعد 4 أشهر من توليه هذا المنصب إثر خلاف مع عرفات حول السلطات والصلاحيات التي من المفترض أن يتولاها.


أما "أبو علاء" فيستبعد بعض المحللين خلافته لعرفات، من خلال انتخابات حرة نزيهة، على رغم ان لديه ما يؤهله لذلك، لتورطه في فضائح فساد(بيع الاسمنت لصالح بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي)، كان أبو عمار العامل الرئيس وراء عدم تفاقم تداعياتها.


كما أن هناك حديث يدور حول وجوه شابة لخلافة عرفات، مثل مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي، وأحد أبرز قيادات فتح، الذي يقبع حاليا في سجون الاحتلال- والذي تشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى أنه الثاني تأييدا في صفوف الشعب الفلسطيني بعد الرئيس عرفات- ووزير الأمن القومي محمد دحلان، وجبريل الرجوب مستشار عرفات لشئون الأمن القومي، إلا ان الجميع يجمع على أن الطريق أمامهم طويل وصعب لذلك.


من جانبه، يرى الكفارنة ان "الحديث عن خليفة للرئيس عرفات مسألة شائكة ومعقدة، لأننا نتحدث عن رئيس فوق العادة، رئيس تعددت مسؤولياته، ومناصبه، في فتح، والمنظمة، والسلطة، والأجهزة الأمنية، والعسكرية، والمالية"، مؤكدا ان "على القوى السياسية الفلسطينية التي عارضت باستمرار نهج التفرد والهيمنة العرفاتية ان تعمل وبكل جهدها ان لا تتكرر هذه التجربة، وأن يتم العمل على تشكيل قيادة وطنية موحدة مؤقتة يشارك فيها الجميع من دون استثناء، تكون مسؤولة عن الشأن السياسي الفلسطيني العام، لحين إجراء انتخابات شاملة، للرئاسة، وللمجلس التشريعي، والوطني، بحيث يتم عقد انتخابات ما أمكن للفلسطينيين في الشتات، وهو الحل الديمقراطي لمنصب رئيس السلطة، والمنظمة".


أما د. الشرافي فقال: "لست متأكدا من أحد..ولكني سأحترم خيار الشعب الفلسطيني"، مشيرا إلى ان باب الترشيح مفتوح أمام الجميع "كل فلسطيني إذا انطبقت عليه الشروط القانونية، يستطيع الترشح للرئاسة".


وحول إمكان إقدام "حماس" أو غيرها من القوى المعارضة على المشاركة في الانتخابات الرئاسية بمرشحين لها، أعرب د. الشرافي عن أمله في ان "تعطي السلطة وفتح مؤشرات ايجابية، ليس لحماس فقط، بل لباقي القوى في ائتلاف الحركة الوطنية على نيتها الصادقة في تحكيم القانون، وإجراء انتخابات حرة نزيهة، والفرصة أمامها الآن لذلك، من خلال الانتخابات المحلية، إذا نجحنا في أن نعطي الثقة لكل من يرشح نفسه، بالمنافسة الحرة، يمكن ان نشجع الآخرين على المشاركة في الانتخابية التشريعية والرئاسية".


واعتبر ان الطريق إلى ذلك "يتطلب الإسراع في تحديد موعد للانتخابات"، مؤكدا "إننا جاهزون فلسطينيا لإجراء انتخابات، وما ينقصنا هو ضمان عدم تدخل قوات الاحتلال في سيرها، وعدم منع بعض المناطق من المشاركة فيها كما حدث إبان عملية التسجيل للانتخابات، خصوصا في القدس المحتلة".


من جانبه، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بتقديم تسهيلات ومساعدات لمن يخلف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، مبديا استعداده لبدء مفاوضات مع قيادة فلسطينية جديدة تثبت أنها "تكافح الإرهاب" على حد قوله.


إلا ان هذه التعهدات، لا تعني الكثير للفلسطينيين، الذين لم يعهدوا التزام إسرائيل، بأي من وعودها أو تعهداتها.


هل تجاوز الفلسطينيين مرحلة الخطر؟؟


وردا على بعض من يقول، أن فجيعة الفلسطينيين برحيل الرئيس، منعتهم من إثارة أي صراعات حاليا على المناصب، والنفوذ، والصلاحيات، توقعها معظم المراقبين والمحللين، للشأن الداخلي الفلسطيني، خصوصا وان الأشهر السابقة شهدت توترا ومواجهات فلسطينية فلسطينية حامية الوطيس بين ما سمي "معسكر الإصلاح"، ومعسكر "الحرس القديم"، كانت الأجهزة الأمنية المتعددة هي اللاعب الرئيس فيها.


وهو ما حدا بالكفارنة إلى توقع "حدوث بعض المشاكل بين أطراف داخل السلطة، وأجهزتها الأمنية"، مستبعدا ان تصل إلى "درجة الاقتتال الداخلي أو الحرب الأهلية".


ويتفق د. حمد مع الكفارنة في أن "كثير من المشكلات ستنشأ، قد تؤدي إلى حال من الصراع المحدود"، مرجعا نجاح الفلسطينيين في ترتيب أمورهم حتى الآن إلى "أجواء الحزن التي يعيشها شعبنا حاليا".


ويؤكد: "بعد انتهاء أيام العزاء، ربما تبدأ الأمور الحقيقية في الظهور".


ويرفض د. حمد إجراء انتخابات رئاسية فقط، داعيا إلى " إجراء انتخابات شاملة، رئاسية، تشريعية، محلية"، مؤكدا ان الفلسطينيين "بحاجة إلى إصلاح وتغيير حقيقي، وليس انتخاب رئيس مكان آخر".


إلا انه يشكك في إمكانية عقد مثل هذه الانتخابات، في ظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مؤكدا ان "شارون ليس معنيا بتهدئة الأجواء، وإجراء انتخابات، لأنه سيضطر للجلوس إلى طاولة المفاوضات، التي لطالما زعم انه لا شريك فلسطيني يشاركه إياها، ويقدم تنازلات غير جاهز لها، كما ان ذلك يتعارض مع خطته للفصل الأحادي الجانب، المصمم على تمريرها".


"حماس" والانتخابات


وحول موقف حماس من المشاركة في انتخابات رئاسية أو تشريعية قادمة، يقول د. حمد: "حماس تنادي بقيادة موحدة تجمع مختلف أطياف العمل الوطني الفلسطيني، تقود الشعب الفلسطيني بشكل مؤقت، وتعمل على إجراء انتخابات شاملة، وهو ما لا يلقى قبولا من السلطة وحركة "فتح"، التي تعتبرها بديلا عن السلطة، إلا انه من الممكن ان تشارك حماس في انتخابات تشريعية، أو تنخرط في أي إطار سياسي فلسطيني، في حال تم الاتفاق مع السلطة على الرؤية السياسية لكليهما".


ويرى د. أبو سعدة ان حماس "لن يكون أمامها في المرحلة القادمة إلا ان تصبح جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني، وإلا سيكون هناك مواجهات ومشاحنات فلسطينية فلسطينية، خصوصا وأن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة إحياء للمفاوضات مع إسرائيل، وبدء تطبيق خطة خارطة الطريق".


ويرجح ان تختار حركة "حماس" الانخراط في انتخابات تشريعية، ومحلية، خصوصا بعد ان رفعت شعار "شركاء في الدم شركاء في القرار"، وأعلنت نيتها المشاركة في الانتخابات المحلية"، مستبعدا ان تشارك في انتخابات الرئاسة، لان منصب الرئيس يترتب عليه استحقاقات دولية لا تتوافق مع توجه الحركة".


ويعلل اعتقاده بالقول ان "حماس أصبحت أكثر واقعية مما سبق، بعد اغتيال مؤسسها، وزعيمها الروحي الشيخ احمد ياسين، وقائدها عبد العزيز الرنتيسي، والكثير من قادتها العسكريين والسياسيين".


إذاً، يبقى المرشحان الأبرز، والأكثر قبولا، من داخل حزب السلطة "فتح"، هما عباس، وقريع، حسب توقعات الكثيرين، وربما تفاجئنا الأيام..أو لنقل الإسرائيليون والأمريكان، بما لم يكن في الحسبان.


إلى ذلك الوقت، تبقى الـ 60 يوما، التي يحددها الدستور الفلسطيني، فترة لرئاسة مؤقتة، تجري في ختامها انتخابات رئاسية، يختار فيها الشعب رئيسه، الحكم الفيصل على صدق توجه الفلسطينيين نحو دولة القانون والمؤسسة..أو نحو استمرار النهج العرفاتي المتفرد، والمهيمن على كل الأمور، الذي تخرج من مدرسته الكثيرين، والكثيرين.


----------------
وسط أجواء الحزن على رحيل الرئيس والقائد ياسر عرفات


عيد الفطر يأبى أن يمر سعيدا على الفلسطينيين للعام الرابع على التوالي






"إنها حسرة تملأ قلوبنا، ولا تدع فيه مكانا للفرح أو العيد"، بهذه الكلمات وصفت أم الشهيد وسام محارب من مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة مشاعرها في أول أيام عيد الفطر، الذي كف عن أن يكون سعيدا على الفلسطينيين منذ أعوام عدة.


الفلسطينيون الذين لا يخلو بيت من بيوتهم من شهيد أو أسير أو معاق، أو خلت بيوتهم منهم بعد أن سويت بالأرض، هدما وتجريفا، ناهيك عمن يعيشون فقرا مدقعا، يمر بهم عيد الفطر للعام الرابع على التوالي من دون أن ينجح في إبعاد شبح الموت والحزن والأسى عن ملامحهم.


"وللعيد هذا العام طعما أكثر مرارة في حلق الفلسطينيين" كما يقول علي (28عاما) من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، موضحا ان "استشهاد رئيسنا وقائدنا أبو عمار (ياسر عرفات)، فاجعة كبيرة لم تترك لفرح العيد أي مكان في قلوبنا، ففلسطين في حزن وحداد تام".


فرحيل الرئيس عرفات، قائد ورمز الشعب الفلسطيني فجر يوم الخميس الموافق 11 نوفمبر(تشرين ثان)، قبل يومين فقط من عيد الفطر، فجع الفلسطينيين، وضاعف آلامهم.


وعلى رغم الحداد العام، الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية على رئيسها وقائد مسيرتها، وكل ظروف الفقر والشقاء والاحتلال وآثارهن إلا ان سرقة فرحة الأطفال بالعيد ظلت عصية على كل هذه الظروف.


تقول الطفلة أميرة (8 سنوات) التي خرجت منذ الصباح الباكر، للعب مع صديقاتها في "الحارة" وللاحتفال بالعيد على طريقتهن "أنا أحب العيد، لأننا نلبس ملابس جديدة، على رغم ان والدي لم يشتري لي ملابس جديدة هذا العام، ولأننا نحصل على العيدية، ونلعب بحرية أكبر خارج المنزل".


وإذا كانت هذه أسباب أميرة لمحبة العيد، وتمنى حلوله، فان لوالدها أسبابا أيضا تدفعه إلى عدم الاكتراث به، بل وكره اقترابه، فيقول: "أي عيد هذا؟، العيد وُجد لصلة الرحم، كيف أدخل على أخواتي أعيدهن، ولا أحمل لهن في يدي عيدية أو هدية على الأقل، أي عيد هذا؟ وأولادي يطالبونني بالملابس الجديدة حينا، وبالعيدية حينا آخر وأنا لا حول لي ولا قوة".


أبا أميرة، مثله كمثل آلاف العمال الفلسطينيين، الذين تعطلوا عن أعمالهم داخل الأراضي المحتلة مع بدء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين قبل ما يزيد على أربعة أعوام، نتيجة الإغلاق والحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.


أما أم الشهيد وسام (55عاما)، فتعيش أجواءً خاصة بها وبمعظم أهالي الشهداء في ليلة العيد، فتقول: "طوال ليلة العيد، لا يغمض لي جفن، أتذكر ولدي، وكيف كان يقبل عليّ فور استيقاظه ليقبل رأسي ويدي ويهنئني بالعيد، وكيف كان ينشر الفرح في جنبات المنزل، والحارة والمخيم كله، أتذكر كل ذلك، وأتذكر انه ليس هنا لأراه في الصباح، فيشتغل قلبي بنار الحزن والألم، وأنا أنتظر بزوغ الفجر، وتكبيرة العيد بفارغ الصبر".


وتضيف: "فور سماعي تكبيرة العيد، أحضر نفسي للذهاب إلى قبره، قبل أن أعيد على أي إنسان في العالم، أسرع إليه ببعض الحلوى لتوزيعها على أطفال وذوي الشهداء هناك على روحه الطاهرة، فأجلس إلى قبره، أهنئه بالعيد، وأدعي له بالرحمة والسعادة".


ويضيف استشهاد الرئيس عرفات، تغييرات هامة في طرق استقبال الفلسطينيين للعيد، قد تصل إلى حد تجاهل حلوله لدى بعضهم، خصوصا في مدينة رام الله، وضواحيها في الضفة الغربية، الذي تدافعوا لحضور تشييع جثمانه ومواراته الثرى في مقره في المقاطعة هناك، التي حوصر فيها ثلاث سنوات متتالية.


فيما قرر حسين (22عاما) من مدينة غزة، عدم الخروج من المنزل، ومتابعة التشييع على شاشة التلفاز، مؤكدا ان لا عيد للفلسطينيين في غياب الرئيس عرفات.


ويستغرب حسين: "من لديه النفسية الملائمة ليعايد على الناس، ويتقبل معايداتهم؟، إننا في هم ومصيبة كبيرة".


ويبدو صالح (36عاما) أكثر توازنا أيضا من حسين في رأيه، فيقول: "الحزن في القلب، ومصيبتنا كبيرة في الرئيس أبو عمار، ولكن ديننا يحضنا على الاحتفال بالعيد، والتظاهر بالفرحة فيه، ان لم يكن لأجلنا فعلى الأقل لأجل أبنائنا وأطفالنا الذين ينتظرون مثل هذه المناسبة بفارغ الصبر".


أما أبو نائل ( 55عاما) فينفي أي إمكانية للفرح، فيقول: "كل حياتنا تشريد في تشريد، لا أرض ولا وطن، ولا حياة آمنة، يعيش الإنسان في خوف دائم على نفسه وعلى أولاده، وعلى ممتلكاته البسيطة التي كلما بدأ في مراكمتها، جاء الاحتلال ونزعها منه مرة أخرى، فتارة يهدمون منازل المواطنين، وتارة يجرفون أراضيهم، ويسرقون ممتلكاتهم، وكأنهم لا يكفيهم تهجيرنا وسرقة أراضينا في فلسطين عام 1948، فيصرون على ملاحقتنا في كل مكان نلجأ إليه، لتدمير ما تبقي منا".


ويضيف: "وحتى لو قررنا ان نتناسى همومنا ومعاناتنا اليومية والمستمرة، ونسعد بالعيد كما يسعد كل البشر، فان الاحتلال لا يسمح لنا بذلك، إما بارتكابه مجزرة تنغص علينا فرحنا، أو بإغلاق الطرق والحواجز في وجهنا، حتى لا يبقى أمامنا أي فرصة للتواصل مع إخواننا في باقي المناطق الفلسطينية، ولا حتى داخل القطاع نفسه، أو حتى للتنفيس عن أنفسنا على الأقل".


وبحديث أبو نائل، يضع إصبعه على الجرح الأساسي الذي يمنع الفلسطينيين من أن يتناسوا أو ينسوا آلامهم وجراحهم، وهو إصرار دولة الاحتلال على تنغيص عيشهم باستمرار، ومنعهم من الوقوف إلى جانب بعضهم، في السراء و الضراء، فتقوم قوات الاحتلال بسجن أكثر من مليون ونصف فلسطيني داخل قطاع غزة في مساحة لا تتجاوز 360 كيلو متر، تلتهم ربعها مستوطناتهم، وتقطع ما تبقى منها حواجزهم، فيما تغلق المعابر الحدودية التي تصل القطاع بالعالم الخارجي عبر معبر رفح، وإخوانهم في الضفة الغربية عبر معبر "إيرز"، وكذلك الأمر في الضفة، حيث تنتشر آلاف الحواجز الإسرائيلية التي تفصل القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية عن بعضها، وتمنع قاطنيها من المرور عبرها، إلا بموافقة قوات الاحتلال، علاوة على الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل لتحجب عن الفلسطينيين نور الشمس، وتصادر أراضيهم ومنازلهم، كما صادرت أحلامهم منذ أمد طويل ... حتى بعيد سعيد.


------------





احياء كاملة اختفت… والاف العائلات شردت…ولازالت الارض تهتز.


الأنفاق… الشغل الشاغل للإسرائيليين في رفح


متنفس أخير أم مصائد جديدة للفلسطينيين


رفح-سامية الزبيدي


تدوي أصوات انفجارات في أرجاء مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة خمس مرات يوميا على الأقل ، يدب معها الرعب في قلوب الفلسطينيين، وتتصدع جدران منازلهم، وتهتز الأرض تحت أقدامهم.


ومع تكرار الحدث لم يعد أحد يتساءل عن السبب، الجميع في رفح يعرف أنها أصوات قنابل ارتجاجية تزرعها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لهزها هزا عنيفا.


لمعرفة السبب وراء هذه الاعمال الاسرائيلية توجهت "المجلة" الى هناك وبحثت عن السر في ذلك:


يوضح الصحافي محمد البابا (38عاما) من سكان مدينة رفح سبب هذه الهزات قائلا: " تقوم قوات الاحتلال بزرع عبوات ناسفة في باطن الارض تحدث انفجارات شديدة فيها بهدف احداث خلخلة في التربة وردم أي انفاق تحتها".


ويلقي البابا مزيدا من الضوء قائلا: " لم يكتفي جيش الاحتلال بهدم أكثر من 280 منزل هدم كلي، واكثر من 2500 منزل هدم جزئي على امتداد الحدود الفلسطينية المصرية بعمق يصل الى 150 متر في الاراضي الفلسطينية وتشريد الاف القاطنين فيها بحجة وجود الانفاق، بل انهم يمضون قدما في اقامة جداء امني حديدي على ارتفاع 16متر على طول الشريط الحدودي البالغ طوله 9 كيلو متر والممتد من البحر غربا حتى الحدود مع مدينة بئر السبع المحتلة شرقا، الامر الذي يعطيهم حرية أكبر في ممارسة نشاطاتهم من خلف هذا الجدار".


واشار البابا الى ما اسماه اخر المستحدثات الاسرائيلية للقضاء على الانفاق وهي اغراقها بمياه البحر المتوسط .


وكانت صحيفة "يديعوت احرونوت" كشفت عن مداولات مكثفة تجري داخل الجيش الاسرائيلي لامكانية اغراق الانفاق بمياه البحر.


وتضيف الصحيفة ان النية تتجه "الى استغلال المياه التي تتسرب من مصنع تحلية المياه الجديد الذي تقيمه شركة "مكوروث" في(مستوطنة) كتسيعوت وتحويل جزء منها الى مناطق واسعة في منطقة رفح بحيث تتغلغل في التربة وتغرق بالتدريج جميع الانفاق التي يحفرها الفلسطينيون" مشيرة الى انه "تم الحصول على التصاريح والاقرارات المناسبة من الاوساط المختصة.


كما ذكرت الصحيفة ان الجيش الاسرائيلية "كشف النقاب عن عدة انفاق، لكن وفقا للتقديرات يوجد عدد غير قليل من الانفاق لم يتم كشفها بعد".






-----------------


الفلسطينيون يقومون انتفاضتهم في عامها الخامس








غزة- سامية الزبيدي، رائد أبو ستة


ودع الفلسطينيون مؤخرا العام الرابع على انتفاضتهم، التي انطلقت في 28 أيلول 2000، إثر اقتحام ارئيل شارون المسجد الأقصى برفقة الآلاف من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسقوط عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين، أثناء تصديهم لذلك الاقتحام.


وسقط منذ اندلاع الانتفاضة قبل أربعة أعوام أكثر من 3549 شهيد برصاص وقذائف قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفقا لإحصاءات معهد الإعلام والسياسات الصحية في الضفة الغربية، إضافة إلى 53 ألف جريح في حين يعم الدمار والخراب جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة تواصل العدوان الإسرائيلي، الذي أقام 703 حاجز بين مختلف المدن والبلدات الفلسطينية، وذلك بهدف تقطيع الأوصال الفلسطينية.


وفي الجانب الآخر، كبدت الانتفاضة خصمها الإسرائيلي خلال الأربع سنوات الماضية 1034 قتيل، وأكثر من 5598 جريح، هذا بحسب تقرير رسمي صادر عن جهاز المخابرات الإسرائيلي "شاباك".


أربع سنوات من المواجهة اليومية المحتدمة ما بين قوات الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالسلاح، وبين الفلسطينيين، الذين يمتلكون في أحسن الحالات بضع أسلحة خفيفة محلية الصنع في الغالب، وعلى رغم هذه المواجهة غير المتكافئة، لم تستطع إسرائيل حسم المعركة وتحقيق النصر، الذي وعد به رئيس وزراء "إسرائيل" شارون، فلا خطة المئة يوم ولا عملية السور الواقي في الضفة الغربية، ولا سياسة الاغتيالات، التي طالت زعامات فلسطينية بارزة، ولا حملات الاجتياح، والتوغل في مدن ومخيمات الضفة الغربية، وقطاع غزة، ولا سياسة هدم المنازل وتجريف المزروعات، حققت لإسرائيل الأمن والرفاء المنشود، بل ثبت وباعتراف قادة المؤسسة الإسرائيلية فشل خيار الحسم العسكري وعدم جدواه في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية.


شارون لجأ إلى خطة فك الارتباط أحادية الجانب كورقة أخيرة في مواجهة الانتفاضة، والفلسطينيون بالمقابل تعالت بينهم الأصوات المطالبة بالإصلاح والتغيير، وهم بصدد تنظيم انتخابات شاملة (محلية، تشريعية، رئاسية) جاري التسجيل لها، كمدخل للإصلاح المطلوب.


رئيس الوزراء الفلسطيني في الذكرى الرابعة لاندلاع الانتفاضة طالب الفلسطينيين بإجراء تقييم للانتفاضة، ومسيرتها، ووزير الخارجية الأميركي كولن باول قال إن الانتفاضة لم تحقق شيء للفلسطينيين، وباعدت بينهم وبين قيام الدولة الفلسطينية.


من هنا تقدم "المجلة" من خلال هذا الاستطلاع في الذكرى الرابعة للانتفاضة، تقويم ومواقف عدد من أبرز القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية.


يقول أبو علي شاهين عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وعضو المجلس التشريعي، في معرض تقييمه للانتفاضة في حوار خاص بـ"المجلة"، معلقا على دعوة رئيس الوزراء الفلسطيني أبو علاء لإجراء تقويم فلسطيني لمسيرة الانتفاضة: "لقد تأخر تصريح الأخ أبو علاء 44 شهرا، إن العقل الوطني المناضل دوما يستقرئ القادم ولا يقرأ فقط الحاضر، إن استقراء القادم كان يجب أن يكون في نهاية شهر يناير (كانون أول) 2001، وليس في نهاية سبتمبر (أيلول) 2004، إن عقلا يناضل لا يقيم مسيرته النضالية، ولا يعمل على ترشيد أدواته، إنما هو عقل لا يعرف كيف ينتصر حتى لو تجمعت له مقادير النصر بين يديه".


ويزيد أبو علي على ذلك بالقول: "ما تم في الانتفاضة الأخيرة هو أن برنامج لأحد الفصائل الفلسطينية أراد أن يجعل القضية والشعب والحاضر والمستقبل والمسيرة في خدمته، وقد دفع بالانتفاضة إلى حال الاشتباك، التي يجب أن لا تكون، وقد تماهى الجميع للأسف مع هذه الصيغة التي كان يجب إيقافها" في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس".


وأوضح شاهين قائلا: "إن الصراع بين البرنامجين الوطني والتيار الديني السياسي هو الذي دفع بأن نضع القضية بكاملها في خدمة هذا التيار، وحكمت الـ"أنا الدنيا" المتمثلة بذلك الفصيل الـ"نحن العليا" المتمثلة بالقضية، وساقتها إلى أقدارها، التي لا يعلمها إلا الله، هذه هي الأنانية المفرطة، التي أصابها عمى البصر والبصيرة في آن معا".


وأضاف إن "أي حركة تحرر وطني لها هدفا مقدسا، ولا يمكن أن يكون لها وسيلة مقدسة فالوسائل كالشعارات قابلة للتغيير".


واستدرك شاهين قائلا: "إن المرحلة الأولى من الانتفاضة حملت في رحمها، وولدت كل عوامل النجاح، وكان يجب استثمار ذلك وتخصيبه بالصيغة التي تليق بعظمة أداء شعبنا، الذي آن له أن يقف ويفكر ويتدبر كيف يمكن أن يسير في طريقه إلى النصر".


وعلى ضوء استقراءه للحال الفلسطيني، ومعايشته له، أكد أن المخرج مما وصفه بحال الأزمة التي يعيشها الفلسطينيين، وهم يعبرون العام الخامس من الانتفاضة الثانية: "يكمن في الاتفاق على برنامج سياسي مرحلي يخدم الأهداف الإستراتيجية والمشروع الوطني الفلسطيني، يلتزم ويحتكم إليه الجميع".


وأشار إلى أن "هذا البرنامج السياسي يجب أن يأخذ في عين الاعتبار إنهاء الاحتلال، وإخلاء المستوطنات، وإقامة الدولة المستقلة، واستعادة السيطرة الفلسطينية الكاملة على القدس العربية، وصون وحماية حق العودة وفقا لقرار 194 لعام 1948م، ويتحتم أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع الموحد لحركة شعبنا الوطنية، في الوطن والشتات".


أما الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمعتقل في سجن السلطة الفلسطينية في مدينة أريحا، تحت رقابة أميركية بريطانية منذ ما يزيد عن عامين، فقال لـ"المجلة" في اتصال هاتفي من سجنه، حول رؤيته للأعوام الأربعة الماضية من عمر الانتفاضة، ومستقبلها أن: "الانتفاضة وإن لم تستطع هزيمة العدو، فالعدو لم يستطع أيضا هزيمتها، وهذا كان له انعكاسه المباشر على مفاقمة التناقضات داخل المؤسسة الصهيونية الحاكمة، إضافة إلى التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على المجتمع الصهيوني، في نفس الوقت فان صدور القرار 1397 عن مجلس الأمن الدولي في نيسان 2002( الذي نص على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة في حدود 67)، كان ثمرة للانتفاضة، ورفع موضوعيا ترجمة المجتمع الدولي لحق تقرير المصير من سقف الحكم الذاتي إلى الدولة المستقلة".


وأشار سعدات إلى ما أسماه بالصمود النوعي للشعب الفلسطيني في مواجهة ترسانة الاحتلال الإسرائيلي، على "رغم المعاناة العالية، والمتنوعة سواء بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية وتأثير إجراءات الحصار، والاغتيالات، والاجتياحات، وسياسة العزل، والتقسيم العنصري لجماهير شعبنا في معازل"، لافتا إلى أن المظهر الرئيس للأزمة الفلسطينية هي "حالات الصراع داخل السلطة بين مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء، وبين الرئيس والمجلس التشريعي، وداخل حزب السلطة "فتح"، وتناقض كامن بين المعارضة بشقيها الوطني الديمقراطي والإسلامي والسلطة حول البرنامج الوطني السياسي والموقف من مشاريع التسوية المطروحة سواء مشروع شارون أو خارطة الطريق" وغيرها من القضايا.


وأضاف: "لم يتناسب أداء كل من السلطة والمنظمات السياسية مع متطلبات الانتفاضة، فلكل فصيل برنامجه الذي عمل على تنفيذه، لكن ما ظل غائبا هو الوحدة السياسية، وتوحيد البرنامج والمرجعية السياسية"، مؤكدا ان هذا هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، ولاستثمار منجزات الانتفاضة.


من جهته، قال الدكتور غازي حمد رئيس تحرير صحيفة "الرسالة" الأسبوعية، والمقربة من حركة "حماس" ان "تقويم الانتفاضة، يعتبر من أهم الأولويات، فهناك الكثير من الأمور المتداخلة، إلا أنني أرى أن التقويم يجب ان يخضع للمجموع الوطني وليس لفصيل بعينه، حتى يكون تقويمنا موضوعيا وصادقا"، معتبرا ان أكبر انجاز للشعب الفلسطيني بعد أربع سنوات على انتفاضته، هو "صمود الشعب الفلسطيني بقوة أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، التي لم تستطع كسر عظم الفلسطينيين، كما ادعت، وعلى العكس من ذلك، استطاعت الانتفاضة إسقاط جميع نظريات الاحتلال، حول ما يسمى بتفريغ جيوب المقاومة، حتى وصلوا إلى قناعة ان المقاومة برميل لا قعر له" حسب تصريحات لأحد المسؤولين الإسرائيليين.


إلا ان الخلل يبقى حسب د. حمد في "غياب التنسيق الداخلي على المستوى الميداني، والسياسي، وهي سلبيات نعاني منها قبل وأثناء الانتفاضة، التي كنا أحوج ما نكون خلالها لهذا التنسيق والتوحد".


وأضاف: "وكان من سلبيات الانتفاضة أيضا بروز كثير من الظواهر السلبية مثل الفوضى والانفلات الأمني، وتشرذم الأجهزة، وغياب القانون".


وقال د.حمد تعقيبا على دعوة قريع لتقويم الانتفاضة "أتصور ان السلطة تتكلم في وقت متأخر جدا بكل المقاييس"، معتبرا ان "السلطة لا تصلح لإعادة تقويم الانتفاضة، فهي تتحمل جزء كبير من مسؤولية الحال الذي وصلنا إليه، لأنها تركت الأمور تتشكل كما تشاء، وساهمت بقوة في زرع الفوضى الحالية، حتى فقدت ثقة الشعب الفلسطيني فيها".


وحول تصريحات باول، رأى د.حمد ان "هذا التفكير الأميركي خاطئ، وعلى باول ان يؤمن ان الانتفاضة أصبحت الخيار الوحيد لدى الفلسطينيين، بعد ان انتهت المسيرة السياسية على يد إسرائيل، التي لم تقدم للفلسطينيين أي سنتيمتر من أرضهم، لا في كامب ديفيد، ولا في خارطة الطريق ولا خطة تينت وغيرها من الخطط والمبادرات، وعليه ان يفهم أيضا انه إذا غاب الأفق السياسي، ستحل البندقية وستكون هي سيدة الموقف".


ووجه د. حمد حديثه إلى باول، قائلا: "قضينا 10 سنوات في الانتفاضة الأولى، كنا نشعر حينها بقربنا من الدولة الفلسطينية، أكثر مما فعلت أوسلو، اتفاق أوسلو أبعدنا عن الدولة الفلسطينية أكثر بكثير مما فعلت الانتفاضة الحالية"، مؤكدا ان الانتفاضة "استطاعت ان ترسخ في ذهن العالم اجمع، ان لا حل من دون إقامة دولة فلسطينية، وما اعتراف الإدارة الأميركية انه لا يمكن حسم الصراع الدائر عسكريا، وان الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة، وحديث شارون مؤخرا عن دولتين، الا دليلا على ذلك، فأصبح الجميع ينظر لهذه المنطقة الساخنة ويرى ان الحل هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا ان قيادتنا ضعيفة ولم تستطع استثمار انجازات الانتفاضة كما يجب".


من جانبه، أكد صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لقاء خاص مع "المجلة" ان "استمرار الانتفاضة هو مواصلة للمسيرة نحو الاستقلال، ودرجة التقدم على هذا الطريق لا تقاس بمساحة الأرض التي تحررها، بل بدرجة الاستنزاف والإنهاك الذي تلحقه بالعدو، وبدرجة الدعم الذي تستنهضه لحقوقنا، ما يجعلنا نقترب تدريجيا نحو أهدافنا".


وحول تقييمه للوضع الإسرائيلي، قال زيدان: "اعترف قادة إسرائيل أن حرب إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية، خلال السنوات الأربع السابقة، كانت أصعب الحروب التي خاضتها منذ العام 1948، فخسائرها البشرية فاقت الألف قتيل، فضلا عن الخسائر الاقتصادية، وغياب الأمن الفردي والجماعي، والأهم هو فشل خيار الحسم العسكري، الذي شكل محور إستراتيجية شارون في مواجهة الانتفاضة".


واعتبر زيدان أن أخطر التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وهو يخطو نحو العام الخامس لانتفاضته هي "خطة الفصل الأحادي الجانب، التي تستهدف إكمال بناء جدار الفصل العنصري، وتسمين المستوطنات، والتنصل من استحقاقات خارطة الطريق، وتقويض مرتكزات عملية السلام فيما يخص الحدود والقدس واللاجئين وتبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية".


وأشار إلى قرار محكمة لاهاي الدولية الاستشاري، والخاص برفض جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، والمطالبة بإزالته، معتبرا إياه "انجاز تاريخي، يمكن إذا ما أحسن التعامل معه ان يمثل منعطفا هاما في مسيرة نضال شعبنا".


وطالب زيدان القيادة الفلسطينية بـ"رفض خطة فك الارتباط، والاستعداد لمجابهة التحديات الناجمة عن أية إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب بما فيها إخلاء قطاع غزة، وإعادة تنظيم الصف الفلسطيني وبناء وحدته لمواصلة المعركة ضد العدوان والاحتلال، وتوفير مقومات الصمود عبر عملية إصلاح شاملة تقوم على أساس المشاركة الجماعية في صنع القرار الوطني".


ويتفق الدكتور إبراهيم إبراش المحلل السياسي والمحاضر في جامعة الأزهر بمدينة غزة، مع زيدان على ضرورة الوصول إلى وحدة فلسطينية، معتبرا ان "غياب قيادة وحدة وطنية، وتعدد البرامج، وأساليب النضال، والفساد المالي والإداري الذي يضرب السلطة ومؤسسات المجتمع المدني، وبعض قوى المعارضة، سهل على الأعداء محاصرة المشروع الوطني الفلسطيني وعدم تثمير عطاءات الانتفاضة".


وحول رؤيته لمستقبل الفلسطينيين، وانتفاضتهم قال د. ابراش "سيكون الوضع صعبا، على المدى القريب، خصوصا في ظل خطة شارون للفصل الأحادي عن غزة في المرحلة الأولى، التي لن تسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم في غزة، وبالتالي سينشغل الفلسطينيون بغزة لسنوات خلالها سيكون شارون أكمل بناء الجدار ووسع المستوطنات، ولكن على المدى المتوسط والبعيد ستتفجر الصدامات مجددا".


أما د. حمد فاعتبر ان "إمكانات تحسن الأمور، صعبة جدا"، مؤكدا أننا سنعيش مرحلة "ترحيل أزمات لا أكثر، فستتزايد وتيرة الانتفاضة والمقاومة، وسيعقبها مفاوضات، ومن ثم انتفاضة ومقاومة وهكذا إلى أن يشاء الله".


يتفق الجميع على أهمية تقويم مراحل النضال الفلسطيني في شكل عام، والانتفاضة الحالية في شكل خاص، إلا أن أيا من هؤلاء المتفقون لم يتفقوا بعد على الجلوس سويا والبدء في هذه العملية، والمستفيد الأكبر من هذا القصور، هو بلا شك، الاحتلال الإسرائيلي، أفما آن للفلسطينيين بعد أن يغلبوا مصالحهم الوطنية العليا، على مصالحهم الفئوية والشخصية الضيقة؟؟.

 ----------
عمال مهملون، يعتصمون لنيل حقوقهم


سامية الزبيدي


"إلى متى هذا الحال"... سؤال إن لم تجده على لسان كل عامل فلسطيني تلتقيه ، فستجده مرسوما على محياه، أوقد تنطق به عيناه المتعبتان من طول الترقب والانتظار لأي جديد يحمل في طياته بعض الحل لأزمة يعيشها العامل الفلسطيني منذ ما يقارب العامين ولا أحد يشعر بمعاناته.


فمنذ بدأ انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 ،ومع تشديد الإغلاق الإسرائيلي للمعابر وحصاره وتقطيعه للمدن الفلسطينية حتى على صعيد القرية أو المدينة الواحدة، تعيش شريحة ضخمة من المجتمع الفلسطيني أغلبها من العمال تحت الفقر المدقع .


وبعد أكثر من عشرون شهرا على الانتفاضة ، ترك عمال قطاع غزة بيوتهم بعد أن طفح الكيل ولم يعودوا يجدون ما يسدون به جوع أطفالهم، واعتصموا داخل خيمة نصبت اتقاء حر الصيف في محاولة لإيصال صوتهم إلى المسؤولين في السلطة الفلسطينية والى أشقائهم العرب والمسلمين والى دول العالم كافة.


يقول محمد الراعي (39عاما) من مخيم جباليا للاجئين :" كنت من أوائل الذين شعروا بضرورة قيامنا نحن العمال بشيء ما يجعل العالم يتنبه لوجودنا ، بعد أن ضاق بنا الحال ، ولم نعد نجد ما نطعم به أنفسنا وأسرنا ولا أحد يكترث لحالنا، قررنا أنا وبعض العمال من المخيم الاعتصام و إسماع معاناتنا للجميع " .


ويصف الراعي الظروف التي دفعته إلى ذلك قائلا "أعيش منذ أكثر من عامين، على مدخراتي الشخصية ومستحقاتي من عملي داخل إسرائيل حتى لم أعد أملك الآن ما أنفقه على نفسي أو على أسرتي التي تتكون من (13) شخص".


ويضيف الراعي وقد تسللت بعضا من العصبية إلى نبرات صوته "رفضت لدواعي أمنية من دخول إسرائيل حتى قبل الانتفاضة ومنذ أكثر من عامين لم أتلقى أي مساعدة سوى (1100شيكل) من نقابة العمال أي ما يعادل (250$) وبعض الكوبونات الغذائية".


وتساءل الراعي "إلى متى سنبقى صامتين على هذه الأوضاع، وكيف سنصمد أكثر"، شارحا بعض معاناته :"لقد استدنت نصف رسوم الفصل الدراسي الجامعي السابق لابني واقترضت النصف الآخر من الجامعة ،والآن ونحن على أبواب فصل جديد لا أعرف ماذا سأفعل هل سأبيع بيتي لأكمل تعليم أبنائي أم سأجعلهم يتركون المدارس …لا أعرف …أريد أحدا يقول لي ماذا أفعل ..".


أما موسى أبو غزال (41عاما) والذي يعيل أسرة مكونة من (16) شخص فيصف أحواله الاقتصادية بـ"المأساوية".


ويقول "لقد أنفقت كل ما جمعته من مدخرات شخصية من عملي داخل إسرائيل على صب الطبقة الأولى لبيتي لأستطيع أن أبنيه وأجهزه، ولكني لم أعد أملك حتى وضع مجرد حجر واحد به بعد إغلاق إسرائيل وفقداني لعملي، وأعيش الآن في بيت من الزينقو (ألواح معدنية)".


ويضيف أبو غزال إلى الطين بلة فيقول ودموع القهر تملأ عينيه "منذ 23شهرا لم أتلقى سوى معونات بسيطة لا تكفي لسد احتياجات أسرتي لأسبوع واحد ، حتى أنني بت لا أطيق المكوث في منزلي خوفا من أن تطلب زوجتي وأحد أطفالي شيئا وأقول لهم لا" مؤكدا ان هذا الوضع انعكس على علاقته بعائلته مسببا له العديد من المشاكل .


ويحرص أبو غزال على المشاركة في خيم الاعتصام، والفعاليات العمالية على رغم ضيق الصدر واليد قائلا:" كنت من أوائل المشاركين في الخيام، واحرص على التواجد في جميع الفعاليات، وفي بعض الأحيان أقطع (الشيكل) عن نفسي وعن أطفالي لاستقل به سيارة توصلني للخيمة".


ويؤكد "لم أعد أملك ما أخسره، فحتى الوقت الذي أعيشه بلا ثمن ".


وحول الأسباب التي دفعت العمال إلى الاعتصام والتظاهر يقول فايز العمري (34عاما) المتحدث باسم خيام الاعتصام في قطاع غزة: "شعرنا بان واقعنا سيئ ومستقبلنا مجهول ولا أحد يهتم أو يبالي بمعاناتنا ، وبعد أن لم نعد نملك ما نقيم به أود أسرنا ،خرجنا لإيصال معاناتنا للعالم ".


ويوضح العمري بداية تشكيل هذه الخيام :"كنا في البداية ما يقارب 30 عامل من سكان مخيم جباليا ، تباحثنا في أوضاعنا وقررنا القيام بخطوات احتجاجية لإيصال صوتنا إلى ذوي الشأن، فحملنا في البداية "يافطات" طالبنا فيها إيجاد حل لواقع العمال المزري وبعد ازدياد العدد بشكل كبير أقمنا خيام للاعتصام " وهو الأمر الذي انتشر سريعا في باقي محافظات قطاع غزة.


وتحدث العمري عن إنجازات هذه الحركة العمالية حتى الآن قائلا :"شكلنا لجان عمالية ممثلة عن هذه الحركة لتنظيمها والتنسيق مع باقي المحافظات ، ونظمنا سلسلة من الخطوات الاحتجاجية العملية، فتوجهنا إلى العديد من المسؤولين ونواب المجلس التشريعي الفلسطيني كذلك رفعنا رسائل إلى الرئيس ياسر عرفات والى وكالة الغوث والى جهات عديدة أخرى نطالبهم فيها بإيجاد حل جذري وعادل لمشكلة العمال ".


وأفرزت هذه الحركة العمالية تظاهرتين حاشدتين توجهتا إلى مقر الرئيس عرفات في غزة والى المجلس التشريعي الفلسطيني كانت الأولى في20/6/2002 توجهت إلى المجلس التشريعي ،والثانية في 1/7/2002 توجهت إلى قصر الرئيس ياسر عرفات "المنتدى" .


واتهم العمري وكذلك كلا من العاملين الراعي وأبو غزال السلطة الفلسطينية ممثلة بوزارة العمل واتحاد نقابات العمال الفلسطينية بالتسبب في هذه الأزمة قائلين أنه:"كان على السلطة أن تضع الخطط البرامج الاحتياطية للعامل "، متسائلين "هل سنبقى رهن الإرادة الإسرائيلية إلى ما شاء الله ؟ لماذا لم تضع السلطة طوال 7 سنوات من وجودها الخطط الكفيلة بفك ارتباط اقتصادنا الفلسطيني بإسرائيل ؟ لماذا لم تشكل صندوق الضمان الاجتماعي الذي تحتج به إسرائيل لعدم دفع مستحقات العمال الفلسطينيين لديها؟ ".


والتقى مدير مركز جمعية الديمقراطية وحقوق العاملين محمد دهمان مع العمال في تساؤلاتهم ، حيث حمل السلطة الفلسطينية مسؤولية مباشرة عن تفاقم هذه الأزمة قائلا: " صحيح أن الاحتلال هو سبب البلاء الأول للشعب الفلسطيني ولكننا لا نريد أن نضع كل الذرائع على الاحتلال هناك سياسات فلسطينية كانت السبب في تفاقم هذه الأزمة".


وانتقد دهمان السياسات التي انتهجتها السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني وفك تبعيته للاقتصاد الإسرائيلية "إنها سياسات غير محددة وعفوية ".


وأرجع دهمان الأسباب في الأزمة الراهنة إلى " نجاح الاحتلال منذ 1967 في ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وتحويله إلى اقتصاد خدمي وتبعي ، بحيث أصبحت يجد في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة سوقا للعمالة الرخيصة رغم المهارات والمهنية العالية وفي نفس الوقت العمل الشاق والأجر المتدني فاستوعبت أعدادا ضخمة من العمالة الفلسطينية .


وأكد دهمان على أن "اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقعته السلطة الفلسطينية مع إسرائيل عزز هذه السياسة الاقتصادية التدميرية للاقتصاد الفلسطيني " بالإضافة إلى عدم وضع السلطة منذ قدومها أي سياسات اقتصادية تهدف فك هذه التبعية وإحداث عملية تنمية داخل الاقتصاد الفلسطيني لاستيعاب العمالة المحلية ".


وبدلا من ذلك ، قامت السلطة الفلسطينية حسب دهمان "باستيعاب العمالة المحلية بشكل من أشكال البطالة المقنعة عبر توظيفهم في الجهاز الحكومي الخدمي الغير منتج والذي يشكل عبء على موازنات الدولة ".


واعتبر دهمان أن مشكلة العمال هي "مشكلة قديمة خلقها الاحتلال بدرجة أولى ، تتجدد كلما شددت دولة الاحتلال من مصادرها وإغلاقها المناطق الفلسطينية "،مضيفا أن "التقطيع الإسرائيلي لأوصال المدن والقرى ضاعف المشكلة العمالية "فلم يعد العامل الذي يقطن في مدينة رفح يستطيع أن يصل إلى مكان عمله في غزة مثلا وكذلك الأمر في باقي المدن الأخرى ".


وتحدث دهمان حول الاستهداف الإسرائيلي لباقي قطاعات الاقتصاد الفلسطيني قائلا: "أن قيام قوات الاحتلال بتدمير عدد كبير من الورش والمصانع والمناطق الصناعية وتجريف آلاف الدونمات الزراعية ،قضى على هذين القطاعين وفاقم نسبة البطالة فهي إضافة إلى أن الحصار المفروض على المدن الفلسطينية شل حركة التجارة الفلسطينية أيضا وأدى إلى توقفها فمن المعروف أن 80% من حركة التجارة الفلسطينية هي أما مع إسرائيل أو عن طريقها ".


وأضاف: "أن نسبة البطالة قبل اجتياح إبريل للضفة الغربية ،وصلت إلى 50.8% في غزة وفي المقابل ارتفعت معدلات الفقر إلى 72% في أوساط العاملين الفلسطينيين أي أن لدينا 2 مليون وما يزيد عن 200 ألف إنسان يعيشوا تحت خط الفقر حسب إحصائيات ما قبل الاجتياح ومن المؤكد أن الأمور بعده ازدادت تعقيدا".


ووصف دهمان في كلمات بسيطة الوضع العمالي الفلسطيني "بان أقل ما يقال عنه انه كارثي ".


ومن ناحية أخرى ، يحمل العمال جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذه المشكلة لاتحاد نقابات العمال في فلسطين ويتهمونه بعدم توليه مهامه في الدفاع عن حقوق العمال وعدم العدالة في التوزيع للمساعدات العمالية ، وانتشار الواسطات والمحسوبية في عمله ،و استفادة قطاعات غير عمالية من هذه المساعدات .


وهو الأمر الذي أنكره رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين في قطاع غزة راسم البياري جملة وتفصيلا قائلا :"هذا كلام غير صحيح ، نحن نمثل العمال ، ونحن جزء من المعركة التي يخوضها العامل من أجل العدالة والحياة الكريمة ، نؤمن بعدالة مطالبة ، ونتبناها كاملة ".


وأضاف البياري قائلا :"لسنا نحن من أغلق المعابر وقمنا بالعدوان ، وحاصرنا الشعب الفلسطيني " مرجعا سبب هذه الأزمة إلى الاحتلال الإسرائيلي والتخاذل الدولي والعربي .


ولمح البياري إلى جهات خارجية تستغل قضية العمال "كورقة ضغط سياسية " على حد تعبيره ، رادا على الاتهامات العمالية للاتحاد والنقابات بعدم العدالة والفساد بالقول أن " السفارة الأميركية قالت لي ذلك ، وأنا أقول العدالة لله وحده ، ونحن نعمل وفق مجهودات وإمكانيات السلطة ، وعندما تتوفر إمكانيات أكبر بالتأكيد سيكون حجم المستفيدين أكثر".


وتساءل البياري :"ما الذي قدمته أمريكا أو غيرها من الذين يتحدثون عن العمال ومعاناتهم لهم "، موضحا " أن ما يدفع للعمال هو من استقطاعات الموظفين لدى السلطة الفلسطينية والتي تصل إلى 5.500 مليون شيكل توزع على 11 ألف عامل شهريا ".


وأضاف نحن ندرك أن هذه المساعدات التي لم تصل إلى كل عامل مرة أو مرتين خلال 23 شهرا من الانتفاضة لا تكفي العامل لمدة أسبوع ولكن هذه الإمكانيات الموجودة "،مؤكدا أن دور الاتحاد هو المراقبة والإشراف وتقديم الكشوف بأسماء العمال وفق قاعدة معلومات-تعتبر الأولى في فلسطين تخص العمال – للسلطة الفلسطينية …الاتحاد لا يسلم ولا يستلم الأموال و إنما السلطة هي من يدفع للعمال ".


ودعا البياري العمال إلى التوجه إلى الدول العربية وشعوبها وسؤالهم عن الدعم والمساعدات الضخمة التي جمعت ورأيناها على شاشات الفضائيات العربية ،أين ذهبت ؟ولماذا لم يصل أي قرش منها إلى العمال وأسرهم وأطفالهم "،مؤكدا ان مجمل ما وصل من مساعدات خارجية عربية و إسلامية للاتحاد طوال الانتفاضة يعادل ما تحصله السلطة الفلسطينية من استقطاعات الموظفين الفلسطينيين في شهر واحد فقط ".


وأشار البياري إلى توجه الاتحاد إلى جميع المؤسسات العربية والإسلامية والدولية ومناشدتهم إغاثة العمال الفلسطينيين دون جدوى .


من جانبه، أكد الدكتور غسان الخطيب وزير العمل الذي استلم مهام منصبه الجديد في الشهر الماضي فقط ، أنه " لا يمكن إيجاد حل أو طريقة لانتشال العمال من حالة الفقر إلا بعودتهم إلى أماكن عملهم وهذا مرتبط حاليا بالإجراءات الإسرائيلية على الأرض " .


وأوضح الخطيب في حديث لصحيفة " الأيام" الفلسطينية في 30 تموز (يوليو) 2002 ، أن " تعامل الوزارة مع أزمة البطالة يتم في ناحيتين الأولى : إنشاء صندوق التشغيل وهو قيد الإنشاء الآن بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ، التي تساعد الوزارة من النواحي الإدارية والمالية والإجرائية والقانونية … الذي إذا أنشئ سيكون فيه رأس مال كبير يستطيع إن يعالج الصدمات حينما تنشأ في مجال البطالة " .


أما الثانية : فتتمثل في تنفيذ الخطط الموجودة في الوزارة والمتعلقة بإقامة مشاريع تدريب تدعم بدورها العمال غير المهرة بالإضافة إلى توفير موازنات العمال وأصحاب العمل لمنع انهيار بعض المشاريع المهددة بالانهيار التي يترتب في حال انهيارها حدوث بطالة جديدة


وأشار الخطيب أن الرئيس ياسر عرفات أقر من حيث المبدأ تشكيل هيئة وطنية لتشغيل العمال والعناية بالعاطلين عن العمل وأسرهم ، مؤكدا " أنه في الأيام القليلة المقبلة ، سيتم دعوة كافة الأطراف المختلفة المعنية لدراسة الموضوع ، وهي وزارة العمل ووزارة المالية ، والمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار" واتحاد البلديات ، والنقابات العمالية والهيئات والاتحادات التي تضم أصحاب العمل .


وحدد الخطيب عمل الهيئة الوطنية للتشغيل بـ" تنسيق الجهود لاستقبال المساعدات ، والتوجه إلى العالم الخارجي بشكل جماعي لسببين أولهما : فضح الممارسات الإسرائيلية ، وثانيهما : طلب مساعدات عاجلة للعمال لإنقاذهم من حالة الفقر المدقع الذي وصلو إليه .


وفيما يتعلق بتشكيل صندوق الضمان الاجتماعي الذي تأخر طويلا ، والذي تتذرع به إسرائيل لعدم إعادة استقطاعات أجور العمال لدى المشغلين الإسرائيليين .


أكد الخطيب أنه " حال الانتهاء من إقرار مشروع قانون إنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي بالقراءة الثالثة في المجلس التشريعي والمصادقة عليه من قبل الرئيس ، سيكون أمام الوزارة والجهات المختصة الفرصة لإنشاء صندوق الضمان الاجتماعي والمباشرة في العمل على توفير الأموال اللازمة فيه لحل أزمة البطالة وتشغيل العاطلين عن العمل .


أعرب الخطيب عن استغرابه من تأخر السلطة في إنشاء الصندوق لاسيما وانه الشرط المسبق لتحصيل أموال العمال من إسرائيل .


ويبقى لحل هذه المعضلة إن ينتظر العمال حتى ينعقد المجلس التشريعي في جلسة موحدة ( الذي لم ينعقد في جلسات كاملة منذ اندلاع الانتفاضة حيث تمنع قوات الاحتلال نواب الضفة وغزة من التنقل بين المنطقتين الأمر الذي شل حركته وعطل أعماله ) ليقر القانون ومن ثم يتم تشكيل الصندوق .


والى ذلك الحين يبقى السؤال والمأساة مستمرة ؟ إلى متى سيصمد العمال أمام الفقر والجوع والحاجة ؟ والى متى سيبقى العالم العربي والإسلامي والدولي صامتا متفرجا على من تبقى من أطفال فلسطين، يذبح نصفهم الأول بآلة الحرب الإسرائيلية يوميا، فيما يترك العالم نصفهم الآخر يموتون جوعا وقهرا .


-------------









تهيئة المرأة للانتخابات المرتقبة


مراكز وجمعيات و اتحادات المرأة الفلسطينية


بين التقصير..وخطأ الاتجاه


غزة-سامية الزبيدي


تطرح منذ وقت ليس بالقصير قضية ملحة على الأجندة الفلسطينية في شكل عام و النسوية في شكل خاص، ترتبط ارتباطا مباشرا بإعلان الرئيس ياسر عرفات عن موعد انتخابات عامة تشمل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية.


وعلى رغم الجدل الساخن والمستمر الذي أعقب الإعلان في الأوساط الفلسطينية، بخاصة النسوية، أخضعت خلاله مصطلحات عديدة للبحث والنقاش مثل "التمثيل النسبي".."المختلط".."كوتا".."قوائم حزبية".."دوائر"..الخ.


وبعيدا عن الاختلاف على النظام الانتخابي الأفضل للانتخابات الموعودة، يبقى الاختلاف على إعطاء المرأة حصة محددة "كوتا"، هو الأكثر بروزا وحدة وهل ستعطي هذه الحصة من مقاعد المجلس التشريعي من خلال قانون انتخابي جديد أم من خلال القوائم الانتخابية الخاصة بالأحزاب الفلسطينية؟!.


وبالنظر إلى استطلاع سريع أجرته "الغيداء" لأراء عدد من أعضاء المجلس التشريعي، نجد أن الاتجاه لا يسير بتاتا لمصلحة تبني "كوتا" للنساء داخل التشريعي، بل الطلب إليهن بخوض المعركة اعتمادا على قدراتهن الذاتية، الأمر الذي يضع جميع الاتحادات و المؤسسات والمراكز النسوية أمام تساؤل خطير: ماذا أعدت للمعركة الانتخابية القادمة بعيدا عن الاتكال على "كوتا" نسوية؟.


تعترف رضا عوض الله مسؤولة اللجنة الإعلامية في الاتحاد العام لمرأة الفلسطينية في محافظات غزة، بعدم وجود أي برنامج لدى الاتحاد لدعم مرشحات بعينهن قائلة: "حتى هذه اللحظة لم يقوم الاتحاد بالتحضير للانتخابات التشريعية المقبلة من حيث اختيار المرشحات أو دعمهن".


وأضافت: "كما انه لم يتم العمل حتى مع القاعدة النسوية في القرى والمخيمات والمدن، وذلك على رغم وجود حوالي 2000عضوة، منتشرات في أنحاء الوطن".


وتستذكر عوض الله "عدم قيام الاتحاد بأي دور في الانتخابات التشريعية السابقة في ترشيح مرشحات بعينهن ودعمهن"، مبررة ذلك "كونه (الاتحاد) في ذلك الوقت كان في طور التشيكل وتنظيم العمل، بعد العودة إلى ارض الوطن".


وأكدت ان "سبب نجاح 5 مرشحات في الانتخابات السابقة يعود إلى دعم "مناطقهن وفصائلهن وعائلاتهن وليس لدعم الاتحاد العام".


واستدركت عوض الله حديثها مؤكدة أن "إخفاق الاتحاد في هذا المجال يعود إلى إعطائه الأولوية في عمله لأحداث الانتفاضة حاليا"، موضحة انه "تم تنظيم عدة ورش عمل لمناقشة قانون الانتخابات ووضع الملاحظات عليه، كما ناقش الاتحاد قضية اختيار مرشحات من قبله لتعينهن في مجلس بلدية غزة، وسنعمل في الانتخابات التشريعية القادمة على دعم مرشحات في مناطق الوطن كافة ".


واستطردت: "لكن الاتحاد يضع جل اهتمامه حاليا في تنظيم لجان الطوارئ والعمل على دعم اسر وعائلات الشهداء والمصابين لتخطي المرحلة الصعبة"، لافتة إلى انه "لا يعتقد بان الانتخابات ستحدث قبل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة".


وتساءلت: "أي انتخابات؟ والإسرائيليون يقصفوننا يوميا؟".


وعولت أمالها على أن أي موعد جديد للانتخابات لن يكون بين ليلة وضحاها، معتقدة "انه سيكون هناك ستة اشهر على الأقل فترة تحضيرية للانتخابات يستطيع الاتحاد ان يعمل خلالها على هذا البرنامج".


وانتقالا من الاتحاد العام الائتلاف الأكبر للاطر الممثلة للنساء الفلسطينيات إلى الائتلاف الأكبر للمنظمات غير الحكومية، الا وهي شبكة المنظمات الأهلية التي عملت على احد المشاريع الكبرى على الساحة الفلسطينية فيما يتعلق بالانتخابات.


ويلقي امجد الشوا منسق الشبكة الضوء على هذا المشروع بالقول: "بدأ المشروع منذ اوائل شهر تشرين اول (اكتوبر) الماضي وانتهى في الاول من شهر أيلول (سبتمبر)، أي امتد طوال ستة أشهر، قسم خلاله العمل على عدة مراحل تضمنت موضوعات متعددة منها، التوعية بقضية الانتخابات وأهمية إجرائها، وقانون الانتخابات وضرورة تعديله بما يتوافق وتطلعات الشعب الفلسطيني، و مشاركة الشباب و المرأة فيها، وتفعيل دور القوى السياسية".


واضاف: "ركز المشروع في عمله على قطاعين أساسيين هما: المعوقين والنساء، مستهدفا بشكل خاص المراكز النسوية، حيث شكل لجنة من شخصيات وممثلات عن اتحادات ومراكز وجمعيات تعنى بقضايا المرأة للخروج برؤية مشتركة لدورها في الانتخابات"، لافتا الى أن "الشبكة نفذت عدة ورش ودورات في مناطق مهمشة لإثارة الوعي فيها اتجاه قضية الانتخابات، علاوة على إعداد 25مراقبا مدنيا على الانتخابات من ضمنهم عدد من المراقبات".


وأشار الشوا إلى ان الشبكة رفعت مذكرة حول قانون الانتخابات موقعة من اغلب القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة إلى الرئيس ياسر عرفات والمجلس التشريعي، تضمنت المطالبة باعتماد نظام "التمثيل النسبي" او "المختلط" للانتخابات، إضافة إلى اعتماد نظام "كوتا" للنساء من ضمن مطالب أخرى".


ويدافع الشوا عن المشروع الذي تجاهل العمل على تشجيع النساء ودعمهن واقناعهن بترشيح أنفسهن، إضافة إلى إعداد الراغبات منهن للانتخابات القادمة، قائلا: "نظمنا أكثر من 40 نشاطا عاما بمشاركة أعضاء من المجلس التشريعي وشخصيات عامة وتم نشرها في الصحف لاستقطاب اكبر عدد من المؤيدين للأفكار المطروحة، خاصة فيما يتعلق بدعم النساء في الانتخابات".


ويستطرد "لسنا مؤسسة نسوية، ليس دورنا تحفيز وتجهيز المرأة المرشحة، المفروض أن يكون هناك دور مشترك للقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في إبراز نساء بصورة اكبر".
ومن ناحية أخرى، تعترف نائلة عايش مديرة مركز شؤون المرأة في غزة ان المركز "عمل على قضايا التوعية بالانتخابات وبالـ"كوتا" لكن لم يعمل على صعيد دعم وتشجيع مرشحات"، مؤكدة ان "دعم مرشحات يحتاج إلى ائتلاف نسوي يعمل على ذلك ولا يعتمد على عمل المركز وحده".


وأشارت إلى " ان المركز يؤمن بضرورة تعاون واهمية المؤسسات المجتمعية والنسوية كافة، لدعم هذه الفكرة"، لافتة إلى أن "الوضع في شكل عام وعدم وضوح الرؤية السياسية في شكل خاص كان له اثر سلبي على عمل المؤسسات النسوية في تأهيل وتوعية النساء بالانتخابات وأهمية مشاركتهن فيها".
ونوهت إلى قيام المركز بدور مهم على صعيد التوعية الجماهيرية بقضايا النساء، وقضية الانتخابات ومشاركة المرأة فيها، من خلال المجلة الصادرة عنه "الغيداء" التي ألقت الضوء على هذه القضية في العددين عدديها الأخيرين منها، على جوانب عديدة ومهمة، معتبرة ذلك "جزءاً من عمل المركز على دعم النساء وتشجيعهن على خوض التجربة الانتخابية المرتقبة".


على صعيد آخر، تؤكد ليلى البيومي منسقة جمعية المرأة الفلسطينية العاملة للتنمية في مدينة غزة، أن "عدم عمل الجمعية على موضوع الانتخابات التشريعية واختيار مرشحات يأتي بسبب تكثيف عمل الجمعية على صعيد "تمكين" النساء في المجالس المحلية"، مشيرة إلى أن "الجمعية عملت على هذا المشروع مدة عام كامل، شمل عشرة مواقع في محافظات الضفة الغربية و غزة، عقدت خلاله محاضرات للنساء في هذه المواقع كافة، لتوعيتهن بأهمية مشاركة المرأة السياسية".
وقالت: "تناولنا موضوع الانتخابات في شكل عام، وموضوع الانتخابات البلدية في شكل خاص، وقمنا على هذا الصعيد بمساعدة 50 قيادية من المواقع العشرة عبر إخضاعهن لتدريب مكثف في موضوعات شتى، تم على أثرها تشكيل 10 مجالس محلية صورية، كما تم الاتفاق مع رؤساء المجالس البلدية على السماح لهن بحضور اجتماعات المجالس "بصفة مراقب" لخوض التجربة العملية، وإكسابهن المزيد من الخبرة في هذا المجال".


وأضافت: "كما قامت الجمعية باستضافة النائبة جميلة صيدم ضمن لقاء مفتوح مع نساء من مناطق مختلفة في محافظات غزة، لإعطائهن نموذج حي للمرأة القيادية، واقتناعهن بقدرة المرأة على تمثيل مصالح شعبنا الفلسطيني وتطلعاته".


وبررت البيومي قصور الجمعية في العمل على هذا الموضوع في شكل كاف وملحوظ قائلة ان "هناك مؤسسات تعمل على اختيار مرشحات ونخب قيادية وهناك مؤسسات تعمل على توعية القاعدة الجماهيرية، ونحن عملنا على القاعدة وعلى المجالس المحلية!!".


وبالنظر الى حال طاقم شؤون المرأة الائتلاف النسوي الفاعل على الساحة الفلسطينية والأكثر مطالبةً بان يشمل القانون "كوتا" للنساء، فان مديرته في محافظات غزة نادية أبو نحلة أكدت لـ"الغيداء" أن الطاقم يعيش تجربة مغايرة وأكثر إشراقا بالنسبة الى باقي المؤسسات النسوية العاملة في غزة على صعيد دعم مرشحات وتشجيعهن.


وترجع أبو نحلة ذلك إلى أن " الطاقم عبارة عن ائتلاف يمثل مجموعة من المؤسسات والمراكز وليس مؤسسة واحدة قائمة بذاتها، وامكانات تأثيره علي الساحة الفلسطينية أوسع واكبر من خلال الجهد المشترك لهذه المؤسسات التي يقوم الطاقم بالتنسيق والتشبيك فيما بينها".


وألقت أبو نحلة الضوء على إنجازات الطاقم على هذه الصعيد قائلة: "منذ الحديث عن الانتخابات رشح الطاقم مجموعة من النساء لخوض تدريب تقدمه مؤسسة النساء الديمقراطيات في الولايات المتحدة الاميركية حول إعداد مرشحات نسويات لخوض الانتخابات التشريعية، إضافة إلى قيام الطاقم بالضغط على المجلس التشريعي لتعديل القانون الانتخابي الذي اضعف تمثيل النساء في الانتخابات السابقة، كما قام الطاقم بطرح قضية الـ"كوتا" على مؤسسات ومركز المرأة وتعديل مواقف الكثير منهم اتجاهها".


وأضافت: "أيضا هناك مشروع خلق الوعي لدى النساء في الشارع الفلسطيني حول موضوع الانتخابات وضرورة مشاركة نساء فيها يخضنها ضمن برنامج اجتماعي نسوي وليس سياسيا يتبنى قضايا خاصة بالنساء والمجتمع وربطها بالقضايا الوطنية"، مشيرة إلى عزم الطاقم على "تجنيد متطوعات من اجل خلق حال من الدعم للمرشحات في مختلف مناطق الوطن، إضافة إلى أن الطاقم يقوم من خلال برامجه الإعلامية عبر صحيفته الأسبوعية "صوت النساء"، وبرامجه الإذاعية عبر الإذاعات المحلية بتناول وطرح قضايا خاصة بالمرأة والانتخابات".


وعلى رغم، ما يقوم به الطاقم من عمل دؤوب على هذا الصعيد، إلا انه يبقى غير كافٍ، ومحصور في اتجاهات محددة، وتبقى الحاجة إلى عمل اكبر وأكثر تنظيما وكثافة من قبله، ومن قبل المؤسسات النسوية خاصة، والأهلية والمجتمعية عامة، لدعم مرشحات عبر العمل على تأهيلهن وتدريبهن وتثقيفهن ليكن قادرات على انتزاع ثقة الناخب وجعله لا يتردد في منح المرأة الكفؤة صوته الانتخابي تماما كما الرجل الكفء.


كما يبقى تساؤل أخر في البال: إلى متى ستبقى المؤسسات والمراكز والاتحادات وغيرها رهن في عملها بالتمويل الأجنبي الذي يتأرجح صعودا وهبوطا متأثرا بالوضع السياسي العام وبالمصالح الأجنبية في الأراضي الفلسطينية في شكل خاص؟!، فإذا ما جاء تمويل لمشروع انتخابات عملنا على الانتخابات، وإذا ما جاء تمويل لمشروع حول الزواج المبكر عملنا عليه، أو العنف ضد المرأة، أو غيرها من القضايا المجتمعية الخطيرة والمستمرة، التي تحتاج إلى تكثيف الجهد للوصول إلى تغيير ملموس على صعيدها... لا العمل المتقطع، والهادف الى كتابة التقارير.

  
------------


 وسط جدل ساخن في أوساط المجتمع المدني الفلسطيني:
النساء الفلسطينيات يطالبن بحصة مضمونة (كوتا) في قانون الانتخابات

غزة- سامية الزبيدي
في خضم الجدل الدائر في الأوساط الفلسطينية النسوية منها والمجتمعية ، حول الانتخابات، التشريعية، والرئاسية القادمة، المتوقع تنظيمها في العشرين من كانون ثاني (يناير)القادم ، أجرت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بالتعاون مع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي ، استطلاعا للرأي العام للنساء الفلسطينيات حول موضوع السياسة والإصلاحات ، أظهر تأييد غالبية النساء لمبدأ تخصيص عدد من المقاعد للنساء (كوتا) في قانون جديد للانتخابات يقره المجلس التشريعي يكون بديلا عن قانون الانتخابات العامة الذي صدر عام 1995 ، وتم استنادا إليه تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة عام 1996.
لإلقاء الضوء على ماهية هذا الجدل الدائر منذ إعلان الرئيس ياسر عرفات موعد الانتخابات التشريعية ؟ ولمعرفة موقع النساء الفلسطينيات من هذه الانتخابات، أجرت "المجلة" التحقيق الآتي:

تغيير القانون

في إطار المحاولات الحثيثة، من قبل مؤسسات المجتمع المدني لتغيير قانون الانتخابات الفلسطيني المعمول به سابقا، الذي أقر الرئيس عرفات مجددا  أن الانتخابات المقبلة ستتم وفقا له، قدمت هذه المؤسسات مذكرة إلى رئيس المجلس التشريعي وأعضائه، حثتهم فيها على الإسراع في إقرار قانون انتخابي جديد، يتبنى "النظام الانتخابي المختلط" الذي يجمع بين التصويت الفردي والتمثيل النسبي بدلاً من نظام الأغلبية السابق (الدوائر)، كما تبنت المذكرة ما أطلقت عليه "التمييز الإيجابي" لصالح النساء، أي ضمان حصة للنساء (كوتا) في القانون الانتخابي الجديد.
 في الوقت نفسه ظهرت أصوات متناقضة حول  تخصيص (كوتا) للنساء ، فمن جهة هناك من يختلف حول نسبة هذه الـ(كوتا) ، هل ستكون 20% أم 30% كحد أدني، وهناك من  يرفض  مبدأ الـ(كوتا) أصلا.

نظرة عامة

ومساهمة منه في إلقاء الضوء حول هذا التناقض، يقول محسن أبو رمضان، أحد أبرز الناشطين في العمل الأهلي في قطاع غزة، أن هناك اتجاهين على الأقل في الساحة الفلسطينية ، الأول: يرى اعتماد نظام الـ(كوتا) ضمن القانون الانتخابي، الذي يضمن نسبة معينة للنساء في السلطة التشريعية من 20% إلى 30% ، والثاني يرفض الـ(كوتا)، ويرى في إقناع الأحزاب السياسية الفلسطينية باعتماد (كوتا جندرية ) ضمن قوائمها الانتخابية سبيلا ديمقراطياً أسلم.
ودافع أبو رمضان عن الاتجاه الأول الذي يتبناه قائلاً: أنه "لا يمكن الحديث عن تنمية أو تقدم في المجتمع الفلسطيني من دون مشاركة المرأة"، وهو ما يراه أبو رمضان صعب التحقيق في ظل موروث ثقافي مارس تمييزا سلبيا ضد المرأة ، وهضم حقوقها على مدى قرون، ما يتطلب تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة الفلسطينية لفترة من الزمن تعمل على منحها فرصة لإثبات جدارتها، عن طريق إقرار مبدأ الـ"كوتا" الجندرية في القانون، وفي القوائم الحزبية .
"كوتات داخل كوتا"
وهو ما رفضته عندليب عدوان مديرة برنامج الاتصال والإعلام في مركز شؤون المرأة في قطاع غزة، إلا في حال تم اعتماده لدورة انتخابية واحدة، موضحة أن ذلك كفيلاً بإعطاء الفرصة للمرأة الفلسطينية للعمل على تحسين وضعيتها، واثبات كفاءتها  وقدرتها على خدمة قضايا شعبها مثلها مثل الرجل تماما، ما يمكنها من النجاح في الدورة الانتخابية التي تليها من دون الـ"كوتا" .
وأرجعت عدوان أسباب رفضها لهذه الحصة الى أنها ستحدث تراخياً في الحركة النسوية حسب وجهة نظرها، قائلة "أن نشاط أقطاب الحركات النسوية سيخبو، لإثبات قدرة المرأة على المنافسة الحرة في ظل وجود (كوتا) مضمونة".
وأضافت قائلة : أن نظام الـ(كوتا) سيكون انعكاساً واضحاً للتركيبة الاقتصادية والعشائرية والسياسية للمجتمع ، أي أن من سيتم انتخابهن هن نساء مدعومات مالياً أو عشائرياً أو حزبياً وهو ما يتم من دون (كوتا)، في حين أن الـ"كوتا" ستعطي فرصة أكبر لذلك"، معتبرة أن الأمر سيكون في النهاية "كوتات داخل كوتا" يحصل الفصيل الأكبر على معظمها.

مسؤولية حزبية

واعتبرت عدوان أن مسؤولية تشجيع النساء على خوض معترك الحياة السياسية تقع  بالدرجة الأولى على كاهل الأحزاب السياسية ومن ثم القانون.
 ورأت في الـ(كوتا الجندرية) بنسبة لا تقل عن 30% تتضمنها القوائم الانتخابية للأحزاب حلاً مثالياً، يضمن مشاركة النساء والرجال، مشيرة إلى أن قانون الانتخابات الفلسطيني الحالي لا يمنع مشاركة النساء السياسية، بل يعطيها الحق بالتساوي مع الرجل في الترشيح والترشح.
واستدركت قائلة أن القانون يتيح للعشائرية أن تلعب دوراً أكبر، لكن هذا العيب في القانون يأتي ضد المرشحين سواء كانوا رجالا أو نساءً ، فمن المعروف أن أبناء العائلات الكبيرة يجدون طريقا إلى مواقع صنع القرار ليس على أساس كفاءتهم أو نشاطاتهم و إنما على أساس انتماءاتهم العائلية والقبلية.

المرأة ونظم الانتخاب

وهو الأمر الذي استند إليه الحقوقي والناشط في مجال حقوق الإنسان وقضايا المرأة كارم نشوان ، في ضرورة تمييز المرأة في القانون الانتخابي، مفندا الأنظمة الانتخابية الثلاثة المعمول بها في العالم ،وما تقدمه للمرأة  المرشحة.
وتحدث في البداية عن نظام الأغلبية المعمول به في الأراضي الفلسطينية حتى الآن والمتوقع إجراء الانتخابات وفقا له إذا لم يتم استبداله ، الذي يؤسس لسلطة الحزب الواحد، ويعزز النعرات العشائرية والمناطقية والجهوية ، وفي هذا النظام يكون من الصعوبة بمكان حسب نشوان توفير فرص النجاح أمام المرأة ، أو أن تدفع بعض العائلات أو المناطق بنساء لتمثيلها، خاصة وأن المجتمع الفلسطيني ما يزال يثق ويفضل قيادة الذكور للمناصب العليا وليس النساء.
أما نظام التمثيل النسبي فيوضح نشوان أن هذا النظام يعتمد على إجراء الانتخابات بين الأحزاب فقط ولا يسمح للمستقلين بالمشاركة، يحصل فيها كل حزب على مقاعد في المجلس بما يتناسب مع حجم الأصوات التي حصل عليها من الناخبين.
وحول مكانة المرأة في هذا النظام يقول: أن المرأة تكون في هذا النظام مرهونة بسياسات الحزب وبمدى جديته بوضع نساء ضمن قوائمه الانتخابية ، وهو الأمر المستبعد حدوثه في منطقتنا، لأن فرص الحصول على المقعد من خلال الرجل المرشح أكبر من فرص المرأة المرشحة.
ويشير نشوان إلى ذلك ، بمراجعة قوائم التنظيمات الفلسطينية التي شاركت في الانتخابات التشريعية السابقة ، حيث كانت نسبة تمثيل المرأة في القوائم المشاركة في حدها الأدنى لدى حركة "فتح" 5% وفي حدها الأقصى لدى حركة "فدا" 18%.
الأمر الذي يؤكد أن دفع الأحزاب للنساء لصنع القرار لا يجسد مفهوما مختلفا جذريا عن المفهوم المجتمعي.
أما في النظام الانتخابي الثالث (النظام المختلط) ، فيوضح نشوان أن هذا النظام يعتمد على جانبين، الأول : يتم فيه انتخاب نصف المقاعد من خلال نظام الأغلبية والدوائر، والثاني: يتم فيه انتخاب النصف الثاني لمقاعد المجلس التشريعي من خلال نظام التمثيل النسبي.
ويخضع هذا النظام بالنسبة إلى وضعية المرأة للاعتبارات المذكورة في كلٍ من نظام الأغلبية الذي لا يعطيها فرصة المنافسة ، والتمثيل النسبي الذي يرهنها بجدية الأحزاب على إعطاءها  فرصة الترشح.

نعم للتمييز الإيجابي

ويخلص نشوان من خلال هذا العرض ، إلى رأيٍ يناقض عدوان فيه ، في تأييده الكامل لمبدأ الـ(كوتا)، التي يعتبرها تمييزاً إيجابياً ضروريا لإنصاف المرأة و إعادة حقوقها السياسية المسلوبة منها.
وتتفق مع نشوان نادية أبو نحلة مديرة طاقم شؤون المرأة في غزة ، وأبرز المطالبات والمدافعات عن الـ(كوتا)، في ضرورة إقرارها ضمن قانون انتخابات يأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع الذكوري السلطوي، الذي يهمش النساء، ما يستدعي دعماً قانونياً للنساء ، بإعطائهن (كوتا) وتقليل سن المرشحة لعضوية المجلس التشريعي والرئاسة.

لا تعارض مع الديمقراطية

ونفت خديجة الحباشنة أبو علي أن تكون الـ(كوتا)تتعارض مع الديمقراطية، وأن تكون نظام تعيين، كما يستند بعض المناهضين لها على ذلك، مؤكدة أن ميزة الـ(كوتا) أن النساء لا تتنافس مع الرجال في ظروف غير عادلة وغير متوازنة، حيث يملك الرجال كل عوامل النفوذ المالي والعشائري والسياسي غير المتوفرة لدى المرأة ، ونحن لا نستطيع أن ننتظر آلاف السنين لتعديل وتصحيح مسار المجتمع في عصر التطورات المتسارعة .
ولفتت إلى أن العدد القليل من النساء اللواتي يمكن أن يصلن إلى مواقع صنع القرار تبعا لقاعدة التطور الطبيعي، لن يساعد في دمج الرؤية النسائية، لان هؤلاء النساء غالبا ما يتنازلن عن نظرتهن لصالح النظرة السائدة لكي يتمكن من النجاح والوصول إلى مواقع صنع القرار.
 وتستطرد أبوعلي أنهن كثيرا ما يسقطن في النظرة الأبوية.
وأضافت أن نظام المقاعد المخصصة للمرأة تفتح المجال أمام مشاركة واسعة للترشيح من قبل ممثلات الحركة النسوية وتتيح أمام المجتمع أن ينتخب من بينهن الأفضل، موضحة أن مشاركة المرأة في البرلمان ستصبح حقيقة واقعة وليست مجرد نموذج فردي أو عينة تبدو كأنها ظاهرة نادرة أي أنها محصورة في النخبة.
وترد أبو علي على مخاوف بعض المعارضين لنظام الـ(كوتا) من أن تستغل جهات متنفذة مبدأ الـ(كوتا) لإنجاح نساء غير قديرات أو مؤهلات للقيادة والعمل السياسي قائلة : "أن الجهات المتنفذة قادرة على ذلك من دون مبدأ الـ(كوتا) أيضاً".
وفي هذا السياق تستنكر أبو نحلة الحديث عن كفاءة وقدرة المرأة عندما تنتخب أو ترشح، فيما لا يتم الحديث عن كفاءة وقدرة الرجل .

الـ(كوتا) غير دستورية

من جانبه، أكد عبد الكريم أبو صلاح رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي أن مبدأ الـ(كوتا) سيحد من نصيب المرأة وحقها المطلق في المشاركة السياسية جنباً إلى جنب مع الرجل، مضيفا أنه في محال تضمن قانون الانتخابات (كوتا) نسوية ، فإنها ستصبح مادة غير دستورية ، حيث تقول المادة (9) من القانون الأساسي (الدستور الفلسطيني المؤقت): "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".
وشدد أبو صلاح على رفضه لهذا المبدأ ، معللا ذلك بأن باقي فئات المجتمع الفلسطيني ستطالب بتخصيص مقاعد لها في البرلمان شأنها في ذلك النساء مثل : المعاقين، والعمال، وغيرهم.
وفي ذات السياق، يخالف الحقوقي نشوان رأي أبو صلاح، قائلا: أن "الدستور يمنع التمييز السلبي ، الذي تحظره الاتفاقات الدولية ، الذي يستهدف التفرقة أو الاستبعاد لمشاركة المرأة، كما جاء في اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي طالبت الدول باتخاذ إجراءات مؤقتة تعجل من تحقيق المساواة ومن ضمنها التمييز الإيجابي المؤقت.
وأضاف نشوان أن مساواة مشروع القانون الأساسي وقانون الانتخابات بين الرجل والمرأة في حق الترشح ، هي مساواة شكلية في ظل الثقافة الرافضة لمشاركة المرأة في صنع القرار وتفضيل الرجال على النساء عند صناديق الاقتراع.
واتفقت أبو نحلة مع نشوان قائلة : أن القانون يجب أن ينسجم مع الواقع وأن يراعي التمييز السلبي الذي تعاني منه المرأة، مشيرة إلى أن الحركة النسوية تعمل على أن تصبح الـ(كوتا) مادة قانونية بالضغط على صناع القرار في المجلس التشريعي.

جهود مكثفة

وفي الإطار نفسه تقول إيمان شنن منسقة مشروع الانتخابات الخاص بشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (تجمع طوعي تنسيقي يتألف من نحو 90 منظمة أهلية) أن مشروع التوعية بالانتخابات والرقابة عليها الذي تعمل عليه يهدف إلى إثارة وعي الجمهور الفلسطيني بالانتخابات سواء على صعيد المجالس المحلية والبلدية، أو الرئاسية والتشريعية.
وأضافت أن المشروع يتضمن دراسة قانون الانتخابات الفلسطيني، والضغط اتجاه تعديله ليتوافق مع تطلعات وآمال المجتمع المدني الفلسطيني، مؤكدة أن ضمان مشاركة المرأة في الانتخابات يقع ضمن أولويات المشروع.
وقالت شنن أن الشبكة تعمل على الوصول إلى الفئات المهمشة في المجتمع مثل النساء وإثارة الوعي لديهن بضرورة تفعيل مشاركتهن في الانتخابات .
وتؤكد شنن من خلال لقاءاتها المباشرة مع النساء في المناطق المختلفة بأن هناك وعي عالي لديهن، وأنهن يؤيدون مشاركة النساء في صنع القرار ، يرغبن في رؤية امرأة تمثل مصالحهن بشكل حقيقي.
يذكر أن الشبكة ليست الجهة الوحيدة التي تعمل على إعداد الجماهير للانتخابات ، بل تكاد لا تجد مؤسسة أهلية أو حكومية واحدة تخلو من مشروع أو مشاريع تتعلق بالانتخابات.

تمويل أجنبي

وحول هذا الكم من المشاريع الخاصة بالانتخابات الممولة من الخارج، تقول د.هديل القزاز الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة والتنمية ، في مقالة لها بعنوان "الدعم الأجنبي لمشاريع المشاركة السياسية للمرأة " نشر في العدد الأخير من مجلة "الغيداء" الصادرة عن مركز شؤون المرأة ،أن " التمويل الأجنبي بشكل عام زاد من هشاشة بنى المجتمع وعدم قدرتها على الاعتماد على الذات...وزاد من خصوصية المؤسسات النسوية أنها تتعامل مع قضايا مجتمعية ذات حساسية عالية وعادة ما يستسهل الناقدون الادعاء بأن الطروحات التي تتعلق بالمساواة وتفعيل دور النساء في المجتمع هي أفكار أجنبية ودخيلة على عادات المجتمع وتقاليده" .
كما أن اعتماد هذه المؤسسات على التمويل الأجنبي ساهم في ابتعادها بشكل تدريجي عن قواعدها الجماهيرية، وهو ما توضحه د.القزاز قائلة : أنه عندما يكون المشروع له علاقة بالمشاركة السياسية يبدو التناقض واضحا بين الواقع والاحتياج، فالمؤسسات النسوية لم تطور آليات تعامل مع قواعدها الجماهيرية، وإنما تعاملت مع الدعم الموجه لمشاريع الانتخابات ودعم المشاركة السياسية على أنها “مجرد مشروع” يستفيد منه موظفوه والقائمون عليه في المؤسسة وعدد قليل من الفئة المستهدفة، ما خلق فجوة بين هذه البرامج والمشاريع وبين الفئة المستهدفة" .
وتساءلت د. القزاز "لماذا بقيت مفاهيم المشاركة السياسية والديمقراطية والتعددية السياسية وحتى النوع الاجتماعي بعيدة عن وعي المرأة العادية والأمية" ، موضحة أن "المشاركة السياسية الحقيقية تتمثل بأشكال مختلفة ولا تقتصر على صناديق الاقتراع ولا على النمط الإجرائي من ممارسة الديمقراطية، فهي أيضا مشاركة في التخطيط والتنفيذ ، واتخاذ القرار بدءً من البيت مرورا بجميع مناحي الحياة".
تجربة رائدة
من ناحية ثانية، قيمت جميلة صيدم النائبة في المجلس التشريعي، تجربتها في العمل البرلماني ، قائلة أنها " كانت تجربة جيدة وفاعلة ، تميزت بانسجام كبير بين النواب والنائبات ، في مناقشة جميع القوانين والقرارات الصادرة عن المجلس"، مشيرة إلى قلة قليلة كانت حادة في فرض رأيها عليهن كنائبات، ممن تسيطر عليهم العقلية الذكورية التقليدية.
وأكدت صيدم أنها وزميلاتها سعين دائماً إلى إثبات حضورهن وقدرتهن على العطاء، هادفات أن يكّن نموذجاً يشجع المرأة الفلسطينية على ترشيح نفسها في الانتخابات القادمة.
وعللت صيدم العدد الضئيل الذي وصل إلى المجلس التشريعي من النساء (خمسة نساء) بأنها كانت التجربة الانتخابية الأولى على الأرض الفلسطينية، إضافة إلى تردد وخوف كثير من النساء من الفشل في ظل الأصولية المنتشرة في المجتمع ، والتي ترفض اضطلاع النساء بمواقع صنع القرار.
يذكر أن عدد النساء المرشحات للانتخابات السابقة بلغ (25) امرأة من أصل (672) مرشح، تمكنت (5) نساء فقط من الفوز من أصل (88) عضو، (3) منهن كانت من قوائم حركة "فتح" وهو ما يعكس تدني مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية.
وفيما يتعلق بمبدأ الـ(كوتا) ، رفضت صيدم هذا التسليم بالقرار للرجل، الذي ما يزال يسيطر على مواقع صنع القرار، بمطالبته بمنح النساء حصة محددة (كوتا)، مؤكدة أنه من المستبعد في حال وافقوا على كوتا للنساء أن تزيد نسبتها عن 10%".
واستذكرت أن المرأة الفلسطينية في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني لم تقفز نسبة مشاركتها عن 8% طوال عقود الشتات الفلسطيني، قفزت إلى 10% في دورته الأخيرة ، متساءلة : إذا لم نستطع أن نحقق النسبة المطلوبة 20-30% طوال ثلاثون عاما، فهل سيعطوننا إياها الآن بهذه السهولة؟؟".
وطالبت المنظمات النسوية بالاتجاه إلى الأحزاب، التي همشت المرأة وأبقتها زينة للصفوف وليس للمشاركة ، والضغط عليها ، لتضمين قوائمها الحزبية مرشحات من النساء.
فيما رفضت صيدم تأكيد نيتها في إعادة ترشيح نفسها، قائلة: أنها تشعر أن لديها طاقة للاستمرار في العطاء ، إلا أنها لم تحسم رأيها بعد ، وأن قرارها مرتبط بالظروف التي ستتم فيها الانتخابات.
النساء والأحزاب
قال نشوان أن نجاح 3 نساء من أصل 25 مرشحة ، يؤكد أن هناك  فرص للنجاح في الوصول إلى البرلمان أمام النساء إذا كن مرشحات من خلال حزب، داعيا الأحزاب والنساء معا للعمل على دعم وتمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار.
فيما حملت عدوان الحركة النسوية الفلسطينية مسؤولية فشلها في إقناع الأحزاب السياسية لتضمين نساء في مواقع قيادية داخل الحزب يرشحن ضمن قوائمها، معتبرة أن هذه التجربة نموذجا يشجع النساء الفلسطينيات على إعادة انتخاب نساء بعدد أكبر في الانتخابات القادمة .
وتوقعت أبو نحلة أنه إذا لم يتم تغيير قانون الانتخابات سيكون مستقبل الانتخابات القادمة سيئ للغاية، وستكون فرص النساء داخل المجلس التشريعي أقل من 5 مقاعد، في ظل ازدياد القوى اليمنية قوة داخل المجتمع الفلسطيني خلال الانتفاضة،  مشددة على أن تغيير القانون يأتي في المرتبة الأولى لدعم المشاركة السياسية للمرأة ، فيما تأتي الأحزاب في المرتبة الثانية".
من جانبها، بدت أبو علي متفائلة أكثر في زيادة تمثيل المرأة في الانتخابات القادمة، مشترطة ذلك بالعمل على تنظيم حملة واسعة لدعم النساء المرشحات.
واستندت أبو علي في تفاؤلها على نتائج استطلاع قام به المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي في بداية عام 2001، أظهرت أن 63% من النساء يؤيدن مشاركة أكبر للنساء في المجالس البلدية، و66% يؤيدن مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية، و71% يؤيدن حق المرأة بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ولتحقيق مشاركة فعلية أوسع للنساء، دعا أبو رمضان الأطر النسوية للتشبيك والتحالف مع قوى مؤمنة بمشاركة المرأة في الحياة العامة ، وتشكيل حملات للضغط على نواب المجلس التشريعي، وقياديي الأحزاب ، لإقرار مبدأ الـ(كوتا) للنساء.
إلى هنا، يبقى الجدل مستمرا، هل ستجمع النساء حول (كوتا) قانونية ، أم كوتا حزبية، أم حملات انتخابية نسوية قوية، وهل سيستجيب أصحاب القرار لهذه المطالب، في ظل انتخابات لم يتبقى لها سوى عشرات الأيام، وهل ستجري هذه الانتخابات في موعدها المضروب فيما لا نستطيع أن نلمس أي تحضيرات حقيقية لها على الأرض، سوى تشكيل الرئيس عرفات للجنة مركزية للانتخابات برئاسة د.حنا ناصر رئيس جامعة بيزريت، في الضفة الغربية.
وفي الوقت نفسه، نستمع لـ"تسريبات" لبعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية تفيد أن جدلا يدور في أروقة مبنى المقاطعة القابع به الرئيس عرفات في رام الله ، حول إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المتوقعة في 28 من كانون ثاني (يناير) القادم، انتظارا لنتائجها.
وهل سيشكل هذا التأجيل فرصة لتهيئة مناخ مشجع أكثر لمشاركة المرأة ؟ سؤال ستجيب عنه الانتخابات القادمة.

·      نشر في مجلة الغيداء- غزة

                                                            
-------------------------------------
الاغتيالات..الموت المفاجئ 

في منتصف النهار أو الليل، في سيارة أو في منزل، في شارع أو في حي مكتظ بالسكان، بالقنص أو التفجير، عن بعد أو عن قرب، من مدفع أو طائرة بقنبلة أو صاروخ أو رصاصة قاتلة. 

وفي أي مكان و زمان، قد تسمع انفجارا أو صرخة أخيرة لروح تلفظ أنفاسها تتبعها صرخات أخت أو بنت أو زوجة أو أم ثكلى، فقدت اعز ما تملك. 

هكذا وفي كل مرة يضاف اسما جديدا إلى قائمة الاغتيالات الإسرائيلية التي تضعها قوات الاحتلال الإسرائيلية لاغتيال من تعتبرهم "مخربين فلسطينيين" أو "يخططون لارتكاب أعمال تخريبية ضدها"، من دون أن تبالي بمن تقتل مع ضحيتها من أطفال أو نساء أو رجال أبرياء. 

فوحدها الحكومة الإسرائيلية من يقرر أن مقاومة الاحتلال والدفاع عن النفس إرهابا يستوجب تصفيته، فتحدد من ومتى وأين وكيف ستقتل قوات الاحتلال كل يوم فلسطينيين جددا ، منتهكة بذلك كل الاتفاقات والقوانين الدولية والإنسانية. 

وكان ابرز عمليات الاغتيال الأخيرة، العملية التي استهدفت اغتيال صلاح شحادة(49عاما) القائد العام لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس. 

وألقت طائرة إسرائيلية من طراز "اف 16" أميركية الصنع صاروخا يزن طنا واحدا على منزل شحادة بحي الدرج في مدينة غزة، قتل خلالها شحادة وزوجته وابنتهما، إضافة إلى أحد مساعديه، إلى جانب 11فلسطينيا آخر، وإصابة أكثر من 145، معظمهم من الأطفال، إلى جانب تدمير عدد كبير من المباني وتشريد ساكنيها. 

وعلى رغم ، ما لقيته هذه العملية من تنديد واسع في الأوساط العربية والدولية، إلا أن دولا قليلة دانت سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للناشطين، التي يعتبرها الفلسطينيون سياسة رسمية معلنة، وأدت إلى سقوط العشرات ممن تسميهم إسرائيل " الضالعين في أعمال إرهابية “. 

وتباينت الإحصاءات الفلسطينية في شأن عدد الضحايا من المستهدفين وممن تواجدوا بالصدفة في مكان العملية. 

ويقول المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن إسرائيل نفذت 69 عملية اغتيال راح ضحيتها 77 ناشطا ( مستهدفا) ونحو 34 ممن تواجدوا في المكان صدفة من المواطنين، عدد كبير منهم أطفال. 

وأشار المركز إلى أن "هامش الخطأ" شكل نسبة 30 في المئة من مجمل العمليات. 

فيما يقول مركز الميزان لحقوق الإنسان أن 95 ناشطا ( مستهدفا ) سقطوا في علميات الاغتيال، ونحو 38 مدنيا راحوا ضحية " هامش الخطأ". 

وتقول دراسة حول الاغتيالات أعدها الباحث د.عماد لبد أن أكثر من 143 شهيدا سقطوا في إطار سياسة الاغتيالات منذ اندلاع الانتفاضة وحتى 22 آذار (مارس) 2002. 

و تشير الدراسة إلى أن عدد العمليات بلغ 83 عملية وأن 135 من الضحايا من الذكور و8 إناث، وأن أكبر عدد من الشهداء سقط في مدينة نابلس (38) تليها رفح (20) وجنين (14)، ثم بيت لحم (12)، لافتة إلى أن سقوط 120 مستهدفا(ناشطا)، و23 ممن تواجدوا صدفة في المكان. 

وبالإشارة إلى موقف الحكومة الإسرائيلية الرسمي نجد أن دولة الاحتلال لم تقر سياسة الاغتيالات بشكل علني وواضح إلا أنها لا تفتأ تدعي في أعقاب كل عملية اغتيال تنفذها أن هذه العملية تأتي في سياق الدفاع عن النفس، وأنها جاءت لتمنع وقوع علمية عسكرية كبيرة داخل إسرائيل، وأن الأشخاص الذين تغتالهم ضالعون في التخطيط لمثل هذه العمليات. 

وتمارس الدولة العبرية هذه العمليات على نطاق واسع، متحدية بذلك جميع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان في ظل صمت دولي مطبق ، لدرجة أن رئيس حكومة إسرائيل ارئيل شارون تباهى في صباح اليوم التالي لمجزرة غزة بهذه العملية ، واصفا إياها بأنها من أنجح العمليات التي تنفذها قواته، مهنئاً منفذيها بنجاحها. 

من ناحية ثانية، تشكل هذه العمليات حسب مصادر قانونية فلسطينية انتهاكا صارخا لمعايير ومبادئ القانون الدولي الإنساني التي تؤكد الحق في الحياة كأحد الحقوق الأساسية للإنسان، حيث نصت المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه “. 

كما نصت المادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب على أنه "تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين (المحميين) وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن: 1-الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب". 

كما تحظر مبادئ الأمم المتحدة ، في مبدأها الأول الخاص بالوقاية الفعالة عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ظروف. 

وتقول: "يجب على الحكومات أن تحظر قانونيا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (...)، وأن تضمن اعتبار أي عمليات إعدام كهذه جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية ، وأن يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة (...) ولا يجوز التذرع بالظروف الاستثنائية بما فيها حالة الحرب أو التهديد بها أو الاضطرابات السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه ". 

ووفقا لاتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 وبعد أن أقر المجتمع الدولي منذ العام 1967 أن إسرائيل هي قوة احتلال وأن الأراضي الفلسطينية هي أراضي محتلة تنطبق عليها أحكام الاتفاقية الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب فان دولة الاحتلال "إسرائيل" بصفتها طرفا متعاقدا على الاتفاقية يتحتم عليها تطبيق أحكامها، كما يقع على عاتق الأطراف الأخرى (المجتمع الدولي) المتعاقدة (الموقعة على الاتفاقية) مسؤولية قانونية وأخلاقية تلزمها بالعمل على ضمان تطبيق أحكامها في الأراضي الفلسطينية ومحاسبة المسؤولين عن اقتراف أي مخالفات جسيمة لها وتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين. 

وتوضح المادة (147) من الاتفاقية ماهية المخالفات الجسيمة التي يحق لكل الأطراف المتعاقدة بملاحقة المتهمين باقترافها وتقديمهم إلى المحاكمة بأنها تتضمن "أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب، أو المعاملة اللاانسانية...". 

وهو الأمر الذي عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدأ انتفاضة الأقصى في 28 أيلول(سبتمبر)2000، انتهاكه بشكل منهجي بإتباع سياسة القتل العمد والقتل خارج إطار القانون بحق المدنيين الفلسطينيين (سياسة الاغتيالات ) ضاربة بعرض الحائط كل هذه الاتفاقات. 

وفي هذا الإطار اعتبر عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان القتل العمد، والقتل خارج نطاق القضاء (الاغتيال) "جريمة حرب"، مؤكدا على أن " جرائم الحرب المتمثلة في الاغتيال تكتسب صبغة دولية نظرا لخطورتها ". 

وأضاف أن القانون الدولي يجرم ارتكاب هذه الجرائم حتى وان كان بدواعي الأمن والسلامة العامة "، مشيرا إلى أن الدولة العبرية "تضع من نفسها دولة فوق القانون". 

وأوضح انه "لم تبق جريمة حرب إلا ومارستها " الدولة العبرية اتجاه الشعب الفلسطيني. 

وانتقد يونس بشدة الصمت الدولي اتجاه ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب في حق الفلسطينيين ، معتبرا إياه" غير مفهوم وغير مبرر ويمثل نوعا من توفير الغطاء السياسي والأخلاقي لسياسات قوات الاحتلال ومكافأة للمجرم للاستمرار في ارتكاب جرائمه ". 

وتساءل يونس إن كانت "إسرائيل بحاجة إلى معلومات استخبارية لمعرفة إذا ما كان هناك مدنيون من نساء وأطفال وشيوخ في المنازل التي تعرضت للقصف في حي الدرج بمدينة غزة عند منتصف الليل ؟! ، معتبرا أن الهدف من العملية إيقاع أكبر عدد من الضحايا لأنها تملك طائرات استطلاع تستطيع تحديد ذلك بسهولة ". 

وعلى صعيد آخر لا يفتأ الفلسطينيين يطالبون بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين كمجرمي حرب في أعقاب كل جريمة بحق المدنيين الفلسطينيين كان آخرها الحديث عن سعي الفلسطينيين لتقديم المسؤولين عن مجزرة غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية التي شكلت منذ 31 ديسمبر 2000 بتوقيع (139) دولة على النظام الأساسي الخاص بها، ومصادقة(76) دولة عليه لتدخل المحكمة فعليا حيز النفاذ في 1/7/2002. 

حول هذا المضوع أكد مازن شقورة مدير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن في قطاع غزةلـ"يبوس برس" أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا يسمح بتقديم مسؤولين إسرائيليين عن ارتكاب مجزرة حي الدرج بغزة إلى المحاكمة موضحا أن: "النظام الأساسي الذي يحدد اختصاصات المحكمة، لا تسري فعاليته إلا على الدولة المصادقة عليه فقط وتعتبر طرف فيه وأن إسرائيل وقعت على النظام الأساسي لتشكيل هذه المحكمة إلا أنها لم تصادق عليه حتى الآن "وهو الأمر الذي يتطلب مصادقة أعلى هيئة تشريعية في الدولة وهو الكنيست لدى دولة الاحتلال لتصبح طرفا في هذه المحكمة . 

وأضاف شقورة: "على رغم أن إسرائيل ليست طرف في هذه المحكمة، واختصاص المحكمة لا يسري عليها أو على الأقاليم التي تديرها وهي قطاع غزة والضفة الغربية إلا أنه يمكن الالتفاف على هذه القوانين على مستويين لتقديم المسؤولين عن مجزرة حي الدرج “، محددا المستوى الأول بـ"البحث إذا ما كان أحد المتورطين في عملية القصف سواء كان مسؤول سياسي أو عسكري يحمل جنسية بلد صادقت على النظام الأساسي للمحكمة ". 

المستوى الثاني: " أن يصدر مجلس الأمن قرارا بإحالة ملف أي منطقة معينة يرتكب فيها جرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة بناءا على الفصل السابع من ميثاقها، ومن ثم يقرر مكتب الادعاء العام للمحكمة إذا ما كان سيباشر في التحقيق في القضية أم يرفض النظر في قرار مجلس الأمن ". 

مؤكدا على أن " الظرف الدولي لا يسمح بذلك وأن مجلس الأمن يحتاج إلى قرار سياسي من غير القريب أن يتخذه المجلس ويحيل مجزرة حي الدرج بغزة إلى المحكمة ". 

وطالب شقورة الدول العربية ممثلة بالجامعة العربية ودول عدم الانحياز ومنظمة العالم الإسلامي " بذل الجهود الحثيثة للضغط على مجلس الأمن لإصدار هذا القرار". 

وفتح شقورة أبوابا أخرى يستطيع الفلسطينيون النفاذ منها لتقديم مسؤولين إسرائيليين عن جرائم حرب للمحاكمة وذلك "أمام القضاء الوطني لبعض الدول الأوروبية التي تسمح قوانينها المحلية بذلك على غرار ما حدث في بلجيكا “، مضيفا أن "إسرائيل ارتكبت جريمة حرب من الطراز الأول وأن الالتزامات الدولية لبعض الدول التي هي طرف في اتفاقيات جنيف الدولية وخاصة الرابعة منها التي تسري على الأراضي المحتلة والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب تخولها الحق في النظر في مثل هذه القضايا ". 

وتحدث شقورة عن كيفية تقديمهم الى هذه المحاكم: " عند معرفة أن أحد المسؤولين الاسرائيليين في زيارة الى دولة قانونها يسمح بذلك مثل فرنسا أو اسبانيا مثلا ، نقدم على الفور طلبا الى المحكمة نطلب من خلاله التحقيق مع هذا المسؤول بعد ان نقدم الملف الذي يثبت تورطه في جرائم حرب ، على ان يكون قد أعد بشكل قانوني مئة بالمئة ". 

وعاد شقورة ليؤكد ان هذا البصيص من الامل في ان تتم محاكمة مسؤولين اسرائيليين " يحتاج الى تضافر الجهود بين مراكز ومنظمات حقوقية فلسطينية وعربية واوروبية واميركية لرصد حركة كل من تعتبرهم متورطين في جرائم حرب من مسؤولين أو جنود اسرائيليين لتقديم ملفاتهم الى المحاكم الاوروبية في حال سفرهم الى هناك ". 

ووفق النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية فان الاغتيالات تعد جريمة حرب تدخل في اختصاصها الا ان احتمالات استطاعة الفلسطينيين ان يقدموا مسؤولين اسرائيليين للمحاكمة عبرها في الوقت الحالي تكاد معدومة ، وذلك لان قانون النظام الاساسي في المادة (‍11) والذي يتحدث عن الاختصاص الزمني يقول : " ليس للمحكمة اختصاص الا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الاساسي "أي في 1/7/2002. 

وهو ما يعني انه حتى لو كانت اسرائيل طرف في النظام فانه لن يتم محاكمة مسؤوليها عبر هذه المحكمة عن جرائم ارتكبت قبل تاريخ 1/7/2002. 

كذلك الامر لو قامت اسرائيل بالمصادقة عليه واصبحت طرفا فيه فان النظام ينص ايضا على انه " اذا اصبحت دولة من الدول طرفا في هذا النظام الاساسي بعد بدء نفاذه ، لا يجوز للمحكمة ان تمارس اختصاصها الا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة". 

وعلى رغم معرفة اسرائيل الاكيدة انها تفتح على نفسها بابا لن تستطيع سده ،في أعقاب كل عملية عسكرية ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني أوقياداته وكوادره حيث يتبع كل عملية اسرائيلية ردات فعل فلسطينية انتقامية ،تتبعها ردات فعل من الطرف الآخر وهو الامر الذي لم يتأخر كثيرا هذه المرة حيث شنت حركات المقاومة الفلسطينية بعيد مجزرة الدرج سلسلة من العمليات الاستشهادية والتفجيرية المتميزة ….. 

وتأتي ترجيحات المحليين السياسيين حول هذه العمليات لتؤكد انها لن تكون سوى البداية لدوامة أخرى من العنف والعنف المضاد ، خاصة أن العديد من التنظيمات والقوى الفلسطينية كانت قد وعدت ان يكون ردها نوعيا ، وعلى مستوى اغتيال قيادات ومسؤولين اسرائيليين، على غرار رد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على اغتيال أمينها العام ابو علي مصطفى في 27 /8/2001 ، الذي يعتبر أرفع مسؤول فلسطيني تغتاله اسرائيل منذ قيامها وحتى الآن ، باغتيال الجبهة وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي بعد أقل من شهرين على اغتيال أبو علي في 17/10/2001 ، ناهيك عن ترقب شارون وحكومته لأي من هذه العمليات للتذرع بها لايقاع مزيد من التدمير والخراب في قوى الشعب الفلسطيني البشرية والمادية . 

هذا ولا تعتبر عمليات الاغتيال الإسرائيلية وليدة الانتفاضة الحالية ، حيث بدأت الحكومة الاسرائيلية في تنفيذ هذا النوع من الإرهاب منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1/1/1965 ، عندما اغتالت وائل الكبيسي ومن ثم معين بسيسو ، لتتوالى بعد ذلك الأسماء حتى يومنا هذا نذكر منها عصام السرطاوي ، كمال ناصر، كمال عدوان ، ابو يوسف النجار ( قتل ثلاثتهم في عملية الفردان الشهيرة عام 1973 على يد فرقة خاصة من الموساد الإسرائيلي ترأسها رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق ايهود باراك ) كذلك غسان كنفاني ابنه شقيقته التي لم تتجاوز العقد من عمرها –عبر تفجير سيارة كانت تقلهما بمادة TNT شديدة الانفجار – أبو على حسن سلامة ، خليل الوزير (أبو جهاد ) ، ناجي العلي ، فتحي الشقاقي ، يحي عياش ، عماد عقل ، حسين عبيات ، مهند أبو حلاوة ، محمود أبو هنود ، رائد الكرمي ، وأخيرا صلاح شحادة وغيرهم الكثير . 



· نشر في مجلة المجلة اللندنية 2002
----------------------------

تحت الحصار

الشعب الفلسطيني بكافة فصائله وتنظيماته في خندق واحد

سامية الزبيدي .غزة

شباب يروحون ويجيئون ، ملتحفين أسلحتهم وبنادقهم على أكتافهم اتقاءا بعضا من برودة شهر أبريل المترددة بين بقائها ورحيلها ،  يتحركون ثللا ثللا ، إذا ما نظرت إليهم وجدت أعين لم تذق طعم النوم منذ فترة طويلة تعاند شوقها للراحة وتجوب أزقة وشوارع المخيم الفلسطيني في رحلات مستمرة ، بين شماله، وجنوبه، غربه ، وشرقه، و شفاها تعلوها ابتسامة من يعرف طريقه فاطمئن الى نهايته ، وأصابع حذرة ثابتة طوال الوقت على أزندة البنادق ، وقلوب قد يملؤها الترقب والتوتر ، ولكن لا يعرف الخوف إليها سبيلا .
هذه هي حال بعضا من المقاتلين الفلسطينيين في ليلهم ونهارهم ، فيما يصحو من تبقى منهم كما ينام على أصوت البنادق الفلسطينية الهزيل أمام أصوات المدافع والرشاشات والصواريخ الإسرائيلية في مقارعة بطولية أزلية بين الكف والمخرز ، فمنذ بدأ الحصار الأخير على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي وصل إلى حد أن لم يعد يفصل بين جنود الاحتلال وبين الوصول إلى الرئيس الفلسطيني إلا جدران مكتبه، بعد اقتحام وتدمير القوات الإسرائيلية للمقرات الرئاسية في رام الله في التاسع والعشرون من الشهر الماضي ، تباسل الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وتنظيماته في صد هذه الهجمة الشرسة والمستمرة عليه وعلى رمزه المحاصر ، ولم يعد أحد يسمع في معركة الصمود والتحدي التي يخوضها الكف الفلسطيني الواحد ضد المخرز الإسرائيلي ، من يتحدث عن أمجاد شخصية أو حزبية لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك ، وأصبح المنبر فقط لصوت المقاومة فلا تكاد تميز  في المعركة ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم بين الشباب الفلسطيني المقاوم ، إلا بعدد الرصاص في بندقية كل منهم ، وفي قدرة أحدهم  دون الآخر على أداء المهمة المناطة به ، لتقديمه إلى الصف الأول في مقاومة المحتل.
للاطلاع على أهداف هذه الوحدة المتميزة بين الفصائل والتنظيمات الفلسطينية ، وأشكالها ، والعوائق التي تقف أمامه، وسبل تطويره والارتقاء به ، ولاستيضاح مدى صلابة هذه الوحدة ، وقدرتها على مواجهة التحديات القادمة ، المتمثلة في مجيء وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية " كولن باول " إلى المنطقة العربية ، وما سيتبعه من ضغوطات أمريكية على الجانب الفلسطيني ، لاعادة التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي ، وتنفيذ قرارات ما يسمى بوقف إطلاق النار ، وموقف التنظيمات الفلسطينية من هذه الضغوطات أجرينا التحقيق التالي :

خندق واحد

شنت الحكومة الإسرائيلية منذ بدأ انتفاضة الأقصى الحالية حربا شرسة تجاه الشعب الفلسطيني ، تشهد الفترة الحالية أعنف فصولها ، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني وقيادته ، لأشد أنواع الحصار والإرهاب المنظم ، من قتل، وهدم ،وتدمير ، وردا على هذه الهجمة الإسرائيلية كان لابد للفلسطينيين أن يجندو كل ما لديهم من قوة بشرية ومادية لمواجهة هذا العدوان ، وفي ظل الرجوح الواضح للكفة الإسرائيلية العسكرية لم يتبقى للفلسطينيين إلا أن يعتمدوا على سواعدهم العارية ، في هذا الإطار شدد عددا من المسؤولين في تنظيمات فلسطينية فاعلة داخل الوطن الفلسطيني المحتل على دور الوحدة الميدانية بين كافة التنظيمات والفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي  ، فيقول الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي عبد الله الشامي " أن إمكانيات الشعب الفلسطيني في مواجهته الاحتلال الإسرائيلي متواضعة بالمقارنة بما تملكه آلة إسرائيل العسكرية ، مما يحتم علينا العمل على توحيد كل الطاقات الفلسطينية في خندق واحد "
ويضيف الشامي قائلا "يقع على عاتق التنظيمات والفصائل الفلسطينية دورا رئيسيا في تمتين الجبهة الشعبية الداخلية ، فعندما يشعر الشعب الفلسطيني بوحدة واجتماع جميع فصائله على هدف واحد ، يشعر بالطمأنينة والأمن ، مما يحفزه على المضي في المقاومة ".
فيما يؤكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح زيدان أن أي محاولة لابراز التناقضات والصراعات الداخلية الفلسطينية لا تخدم سوى المخطط الإسرائيلي والأميركي لاضعاف الجبهة الفلسطينية الداخلية  مشددا على أن  " الوقت حان لوضع كل هذه التناقضات الثانوية جانبا ، وتركيز كل الجهود لإفشال الحرب الإسرائيلية وأهدافها السياسية المعلنة والتي تتمثل بمشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون التصفوي للشعب الفلسطيني وقيادته ، وبإيجاد قيادات فلسطينية بديلة تقبل بالمطالب والمخططات الإسرائيلية ، والعمل على افشالها عبر استمرار الإجماع الوطني حول المقاومة وضرورة تصعيدها ".
ويتفق عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ،وعضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية د. زكريا الأغا مع حديث كل من الشامي وزيدان ، مؤكدا في الوقت نفسه انه لم يعد أمام الشعب الفلسطيني في معركة التصدي والدفاع عن نفسه وقراه ومخيماته ومدنه الا التوحد ، وتركيز كل إمكانياته المتواضعة في مواجهة هذا العدوان الشرس قائلا " لا يستطيع أي فصيل فلسطيني وحده مواجهه هذه القوات الغازية ، وهناك ضرورات تحتم على الجميع الانخراط في بوتقة واحدة .

معوقات

وحول المعوقات التي وقفت سابقا ، ومن الممكن أن تعود لتقف مجددا دون استمرار هذا الوضع المتماسك للشارع الفلسطيني وتنظيماته ، يرى عضو قيادة حركة حماس في غزة  د. محمود الزهار أن الخلاف السابق عهده بين الحركة وغيرها من التنظيمات الفلسطينية مع السلطة الوطنية ينبع من رفض الحركة لاتفاقيات أوسلو وما تبعها من استحقاقات ، لم تعطى مقابلها الأرض الفلسطينية لأصحابها ، بالإضافة إلى الخلاف حول الوضع الداخلي للسلطة ، والذي لم يتسم بالشفافية والوضوح ، مشددا في الوقت نفسه على أن الشعب الفلسطيني بكافة فئاته عاد خلال الانتفاضة الحالية  ليتحدث عن برنامج المقاومة كوسيلة أخيرة لنيل استقلاله .
فيما يؤكد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة ، أن علاقة التنظيمات الوطنية والإسلامية  بالسلطة الفلسطينية لم ترتقي إلى مستوى الوحدة السياسية ، التي يراها المجدلاوي متمثلة في " قيادة السلطة لائتلاف وطني يضم كافة فصائل الشعب الفلسطيني في معركة الاستقلال ، ومواجهة العدوان الشامل الذي تشنه حكومة الإرهاب المنظم " إسرائيل " على الشعب الفلسطيني " .
واستدرك المجدلاوي قائلا أن " الصمود والمقاومة التي مثلها الرئيس عرفات في حصاره في رام الله ، دفع بكل التناقضات الفلسطينية الداخلية إلى الخلف ليصبح الشعب بكل تنظيماته جسما واحد في مقاومة الاحتلال ".

وحدة ميدانية متقدمة

في الوقت الذي تتعرض فيه العديد من المدن الفلسطينية لحملات من التوغل والقتل والإرهاب الغير مسبوق ، في رام الله ، ونابلس وجنين ، ورفح وخانيونس وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية ، و تقبع مدن ومخيمات أخرى تحت سيف الترقب والانتظار للهجمات الإسرائيلية عليها في قطاع غزة ، سعت لجنة المتابعة العليا في القطاع ، ولجنة القوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية ، لتطوير أدائها واستعداداتها لاطالة زمن الصمود والمقاومة الفلسطينية في حال اجتاحت قوات الاحتلال هذه المناطق ، وفي هذا الإطار يشير د.الزهار إلى " وجود تركيبة من اللجان تتواجد على الأرض الفلسطينية ، تعمل على ترميم أثار الاجتياح ، وتقديم المساعدات لأبناء الشعب الفلسطيني في مجالات عدة " .
وقال زيدان أن الشكل الرئيسي لهذه الوحدة الميدانية تمثل في تشكيل لجان الدفاع و لجان الطوارئ الفلسطينية في كل حي ومخيم ومدينة من المناطق الفلسطينية ، وعلى وجه خاص في قطاع غزة المتوقع اجتياحه في كل وقت .
ويؤكد الأغا على أن هذه اللجان شكلت بالتنسيق الكامل بين جميع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية ومؤسسات السلطة الرسمية ، لتشرف على تنظيم كل إمكانيات الشعب الفلسطيني في مقاومته للاجتياح ، فمنها ما يتعلق بالجانب العسكري ، ومنها ما يتعلق بالجانب الصحي ، والتمويني ، والخدماتي .
ويجري الآن في مخيمات ومدن قطاع غزة والضفة الغربية ، ترتيب أماكن بسيطة تحتوى على ما قد يتوفر من الإسعافات الأولية ، والمواد التموينية ، كما يجري وضع المتاريس والعقبات بأبسط الوسائل في الشوارع الفلسطينية لاعاقة تقدم قوات الاحتلال حال تنفيذها لعمليات مداهمة للمخيمات الفلسطينية .

مخاوف

ومن ناحية ثانية يقلل مسئولي عدد من التنظيمات الفلسطينية من دقة المخاوف التي أثيرت  بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن إيفادها وزير خارجيتها " كولن باول " إلى المنطقة العربية ، والتي تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ، أو الضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بعودة التنسيق الأمني بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، والذي سيترتب عليه قيام السلطة باعتقال فلسطينيين ، وتقييد لحركة عدد من التنظيمات الفلسطينية ، ترى فيها الولايات المتحدة وإسرائيل منبعا لما تسميه إرهابا ، وعلى رأسها كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح التي يقبع على رأسها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات شخصيا .
أكد الآغا أن السلطة الفلسطينية ليست لديها أي شئ تقدمه لباول أو لغيره قائلا " أن ظهورنا للحائط في مواجهة الهجمة الإسرائيلية الشرسة علينا ، ونحن لن نقبل بأي اتفاق لا يتضمن وقفا فوريا لعدوان إسرائيل على شعبنا الفلسطيني ، وانسحابا إسرائيليا من الأراضي الفلسطيني  إلى حدود خط الرابع من حزيران ، بالإضافة إلى إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، وهو الأمر الذي تنهج حكومة إسرائيل الحالية خطا معاكسا له ، لذا نرى أن احتمالات التوصل إلى أي اتفاق مع هذه الحكومة معدومة تماما ".
وشدد الآغا على أن فتح وباقي الفصائل الفلسطينية لن تقبل بوقف إطلاق للنار دون تقديم ضمانات أكيدة على أن لا يحاسب أحد عن مقاومته المشروعة للاحتلال ، بالإضافة إلى انسحاب إسرائيل من المناطق الفلسطينية ، وحل جميع القضايا المتعلقة الأخرى ، مشيرا إلى عدم قبول الشعب الفلسطيني للحلول الانتقالية التي تعطي العدو الإسرائيلي فرصة التقاط أنفاسه لمعاودة عدوانه على الفلسطينيين ، والى تزايد التوجه نحو المطالبة بحل نهائي للقضية "
وشارك المجدلاوي الآغا الرأي مستبعدا أن تلقى الضغوط  الأمريكية على السلطة الفلسطينية نجاحا  يذكر ، في حل القضية الفلسطينية، قائلا "أنه طالما ترفض الولايات المتحدة التسليم بأن الاحتلال هو جوهر الصراع في هذه المنطقة فان جميع اقتراحاتها ومحاولاتها لوقف التدهور في الوضع الفلسطيني ستظل عاجزة عن تحقيق السلام العادل أو التسوية المؤقتة على الأقل ".
واعتبر د. الزهار أن قبول السلطة الفلسطينية للعودة الى مربع أوسلو السابق ، و إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل أحد العوامل التي ستؤدي إلى تمزيق الشارع الفلسطيني ، متسائلا  "هل من المعقول أن يقبل  الشعب الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات الجسام ، والشارع العربي الذي خرج مناديا بإغلاق السفارات الإسرائيلية والأمريكية وطرد سفرائهم ، بعودة التعاون والتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي ".
ووصف الزهار أي محاولات للإدارة الأمريكية  لفرض هذا الجانب على السلطة الفلسطينية جريمة كبرى ترتكبها مجددا إزاء الشعب الفلسطيني .

المقاومة قرار ثابت

وأكدت التنظيمات الفلسطينية المختلفة الاتجاهات "للمجلة" أثناء حديثنا مع مسؤولين منها ، ما سبق وأكدته على أرض الواقع منذ بدأ الانتفاضة الحالية ، أن مقاومة المحتل هو خيار ثابت ومشروع ، بكافة أشكاله طالما بقى الاحتلال قائما .
واعتبر الشامي أن العمليات الاستشهادية كشكل من أشكال النضال ضد دولة الاحتلال  ليست هدفا لذاته ، وانما هي وسيلة للمقاومة في ظل الاختلال الشاسع لموازين القوى بين الجانبين .
وأكد أن حركة الجهاد الإسلامي لن تلجأ الى القيام بعمليات استشهادية في حال وجدت وسيلة أخرى للضغط على دولة الاحتلال " إسرائيل " .
فيما ترى حماس على لسان د. الزهار الذي قال " أن برنامج المقاومة مستمر بإرادة الشارع الفلسطيني كله ، وأن الحركة ماضية في القيام بدورها النضالي في المقاومة ما بقي الاحتلال قائما ".
فيما تعتبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن الكفاح المسلح ، كباقي أشكال النضال الفلسطيني المشروع كان عاملا أساسيا في تسليم إسرائيل نفسها وحليفتها الدائمة " أميركا " ، بأن هذه الحرب الشاملة والإجرامية التي يشنها شارون وحكومته ضد الشعب الفلسطيني لن تكسر إرادته  .
 ويؤكد المجدلاوي "أن هذه المقاومة الباسلة هي التي دفعت أمريكا لإرسال مبعوثها الجنرال أنتوني زيني ، ومن ثم وزير خارجيتها باول الى المنطقة ، كما أنها دفعت الجماهير العربية للخروج إلى شوارع العواصم العربية ، للتنديد بما يرتكب ضد الشعب الفلسطيني ، واشعار الولايات الأمريكية المتحدة أن مصالحها تتعرض للتهديد بشكل حقيقي في المنطقة العربية ".
ووافقت كل من الجبهة الديمقراطية ، وفتح آراء باقي التنظيمات الفلسطينية معتبرين أن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني هو المراهنة على طاقاته ، في مقاومة الاحتلال ، ويقول زيدان في هذا الصدد " أن مشكلتنا ليست في وقف إطلاق النار من عدمه بل في استمرار الاحتلال ، ومحاولاته فرض حلول سياسية لا تنسجم مع أدني حقوق الشعب الفلسطيني ، مما لا يترك للفلسطينيين سوى استمرار الانتفاضة وتعميق الوحدة الوطنية بين مختلف فئاته في معركته المستمرة لنيل حقوقه المغتصبة ".
هذا هو الحال الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد يوما بعد يوم ، عشرات الشهداء يسقطون كل يوم ، في رام الله ، و نابلس ،و جنين ، و رفح ، وخانيونس … وقائمة المدن والمخيمات الفلسطينية الباقية رصت علي صفحات الأجندة الإسرائيلية تباعا ،وفي انتظار ذلك يقف أبناء  فتح وحماس والجبهة والجهاد ومن سواهم جنبا الى جنب في معركة التحدي والصمود كما يسميها الفلسطينيون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي ، ولكل المتشككين في قدرة الكف على مواجهة المخرز ،لهم في مدينة جنين الفلسطينية ردا  حاسما ، ففي الوقت الذي لا تزال فيه آليات قوات الاحتلال تتدفق إليها ، بدباباتها ، ومروحياتها ، وجندها المدججين بأفتك أنواع الأسلحة ، لليوم الرابع على التوالي ، لا يستطيع جند الاحتلال التقدم  شبرا واحدا داخلها ، في ظل المقاومة الباسلة التي يقوم بها أبناء جنين الأبطال ، وحال الفلسطينيين ، كل الفلسطينيين يقول " أما حياة تسر الصديق وأما ممات يغيظ العدا " .

* نشر في مجلة المجلة في شهر 4/2002
--------------------

المرأة الفلسطينية وركب الشهادة

ظاهرة الاستشهاديات الفلسطينيات إلى أين؟

غزة-سامية الزبيدي

في صباح السابع والعشرين من شهر كانون ثاني (يناير) 2002، خرجت الطالبة الجامعية الفلسطينية وفاء ادريس التي كانت تساعد في تقديم الإسعافات الأولية للشبان الذين يسقطون في المواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، من منزلها بعد أخبرت ذويها بأنها ستتأخر في العمل في ذاك اليوم .
انطلقت وفاء الى مدينة القدس.. إلى شارع يافا، لتفجر أول قنبلة بشرية نسائية في عمق الكيان الاسرائيلي المحتل مخترقة كل الاجراءت الاسرائيلية الامنية المكثفة، وتوقع قتيلا وأكثر من 140 مصابا.
وفاء كانت من سحب الصمام أولا، لتتتابع من بعدها سلسلة من الاستشهاديات، آيات الأخرس ،دارين أبو عيشة، عندليب، نورا شلهوب، والقائمة لا زالت مفتوحة للعديد من الفتيات اللواتي ما زلن ينتظرن الدور.
حول هذه البطولات الفلسطينية والإقبال المتزايد للمرأة الفلسطينية على التضحية بنفسها في سبيل وطنها تقول خنساء فلسطين أم نضال فرحات التي دفعت ابنها محمد للاستشهاد بكل فخر وعزة أنها قدمت فلذة كبدها محمد في سبيل الوطن،عندما "شجعته على تنفيذ هجوم على مستوطنة "عتصمونا" الصهيونية (الواقعة شمال مدينة رفح وإحدى مستوطنات تجمع غوش قطيف الاستيطاني جنوب القطاع) ليستشهد في عملية بطولية، قتل فيها خمسة مستوطنين يهود وأصيب عشرون مستوطناً قبل نحو عام".
وتضيف أن "الجهاد فرض وضرورة من ضرورات ديننا الإسلامي وواجب وطني وشرف على جبين كل فلسطيني وفلسطينية"، واصفة ما قامت به الاستشهاديات الفلسطينيات بـ"البطولة التي لا تصدر إلا عن فلسطينية قدمت ومازلت تقدم كل يوم تضحيات لوطنها اما بنفسها او ولدها أو زوجها أو بيتها".
وتؤكد أم نضال الأم لستة أبناء واربع بنات أنها لن تبخل بالتضحية بأولادها وبناتها وبنفسها أيضا اذا اقتضت الضرورة قائلة: " اني مستعدة للتضحية بكل ما املك، فالعطاء لا يقتصر على واحد او اثنين، فالذي يريد التضحية يضحي بكل شيء".
واستشهدت أم نضال بالصحابية الجليلة أم عمارة التي دافعت عن النبي صلي الله عليه وسلم دفاعا مستميتا في غزوة أحُد.
وإذا كانت هذه حال امرأة جربت معنى الفقد والحرمان بأقصى صوره وهو فقد الابن الغالي واعتقال أربعة من أبنائها المتكرر في سجون الاحتلال لا يزال آخرهم يقبع فيه منذ سبعة أعوام، فما هي احوال وأراء نساء ورجال فلسطينيين لم يخوضوا هذه التجارب ولكنهم يخضعون للإذلال اليومي ويرزحون داخل معتقلات بيوتهم و أحيائهم ومدنهم التي منعت الحواجز الإسرائيلية الكثيرة تخطيها أو الخروج منها منذ بدأ انتفاضة الأقصى، حتى بات المواطن الرفحي (سكان مدينة رفح في جنوب قطاع غزة) يذوق كل الوان الشقاء المادي والمعنوي للوصول إلى مدينة غزة علما بان مساحة القطاع بمجملها لا تتجاوز 360كيلو متر مربع تقتطع منها المستوطنات اليهودية المنتشرة في أرجاء القطاع أكثر من 120كيلو متر مربع ، ناهيك عن أعمال القتل والهدم والتجريف والتدمير اليومية لكل مناحي الحياة المواطن الفلسطيني.
للتعرف على الشعور العام لدى الفتيات الفلسطينيات والأمهات والآباء وهم يرون الاستشهاديات الرائدات يتقدمن ويقدمن أرواحهن فداءً للوطن؟ والى أين وصل الحماس بين صفوف الفتيات للحاق بركب الاستشهاديات والاستشهاديين الأبطال؟، للبحث عن أجوبة لهذه الأسئلة أجرت "لها اون لاين" اللقاءات التالية:
سميرة (23عاما) تقول: " منذ بدء الانتفاضة والشهيد يسقط تلو الاخر بآلة حصد الارواح الاسرائيلية، اضافة لاعمال القمع والقتل والتشريد الوحشية، فلذلك انا أتمنى ان افعل شيئا غير البكاء والنواح امام شاشات التلفزيون وعندما رأيت وفاء ادريس تقدم على هذه العملية الجريئة أحسست ان بإمكان المرأة ان تعبر بطرق أخرى عن غضبها وحنقها".
وتضيف سميرة " منذ ذلك اليوم وأنا احلم بان أقوم بعملية استشهادية توقع المئات من القتلى في صفوف الصهاينة المغتصبين، تملأ قلوبهم رعبا وتذيقهم طعم الالم والمعاناة التي نتجرعها يوميا".
وتعتقد سميرة ان العمليات الاستشهادية هي الوحيدة التي ستجعل العالم كله يلتفت إلى الواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون، وان القوة لا تقابل إلا بقوة مثلها "ونحن كفلسطينيين لا نملك أي سلاح سوى حياتنا للتضحية بها في سبيل تحرير الإنسان الفلسطيني ووطنه من الاستعباد والاغتصاب اليومي ".
وتتساءل : ألا يكفي إسرائيل اغتصابها أرضنا في 1948 وتهجيرنا منها؟ و الآن يريدون ان يجردوا الفلسطيني حتى من ح قه في العيش ناهيك عن حقه في بيته و أرضه".
ومن ناحيتها، تؤكد وفاء (19عاما) انه لا فرق بين المرأة والرجل قائلة : " أن ما يتعرض له الاستشهادي هو نفسه ما تتعرض له الاستشهادية، فهل الرجل أكثر وطنية من المرأة؟! ".
وتضيف: " ان النساء المسلمات جاهدن منذ أيام الرسول (ص) وكان لهن دور دائم مثل خولة بنت الازور التي انطلقت إلى ساحات المعركة لتنتقم لمقتل أخيها، أفلا يحق لنا نحن بان ننتقم لانفسنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا الذين يقتلون كل يوم؟؟!".
وتقول وفاء أنها سعدت كثيرا عندما سمعت عن العملية الاستشهادية التي جرت في يافا كعادتها عند سماعها عن أي عملية داخل الكيان الإسرائيلي، ولكنها تصف سعادتها لدى سماعها ان منفذة العملية هي امرأة بـ"غير المشهودة، ولم تعادلها حتى فرحتي بنجاحي في الثانوية العامة".
إلا أن وفاء تعترف أنها لا تملك هذه القوة والعزيمة التي امتلكتها وفاء إدريس ودارين وغيرهن فتقول: " يا ليتني كنت املك هذه الجرأة، لما ترددت لحظة واحدة في فعل ذلك".
في الإطار نفسه تخالف "سماح" (26عاما) سميرة ووفاء الرأي فتقول: " العمليات البطولية التي نفذتها دارين ووفاء وعندليب وغيرهن شي جميل ونفتخر بهن، ولكن الآن في ظل هذه الظروف لا اعتقد انه من الصواب ان تقدم أي فتاة على ذلك، خصوصا إذا لم يكن نجاح العملية مضمونا بنسبة لا تقل عن 99%"، وتستطرد قائلة أن "الفتاة قد تتعرض إلى مخاطر مسيئة لها اكثر من الشباب في حالة عدم استشهادها مثل الاعتقال".
وتضيف سماح أن ما يحدث الآن، خصوصا بعد فوز شارون للمرة الثانية برئاسة الوزراء في إسرائيل يجعلني أرى العمليات الاستشهادية سواء قامت بها نساء أو رجال تضحية بلا ثمن فلا شيء يتغير، بل تزداد الأمور سوءا بعد كل عملية استشهادية.
فيما تقول جيهان (27عاما) أنها تشجع قيام الفتيات الفلسطينيات بالعمليات الاستشهادية، مُدينة الأصوات التي تنكر على المرأة الفلسطينية حقها في الرد على ما تتعرض له من ظلم وعدوان.
إلا أن اياد (25عاما) كان له رأيا مخالفا لرأي الجميع، حيث رفض قيام المرأة بعمليات استشهادية، لكنه شجعها للخوض في غمار العمل العسكري المسلح، إضافة إلى العديد من الميادين التي تستطيع المرأة النضال من خلالها، موضحا انه يجد من الصعب ان تفجر المرأة جسدها بين أناس لا يحترمون لا الأحياء ولا الأموات.
ويضيف أن:  "لجسد المرأة حرمته وخصوصيته التي لا اعتقد أنها تساعدها على خوض هذا الميدان، اما العمل العسكري فانها حتى لو استشهدت فانها ستحافظ على جسدها من ان يكون عرضة للتناثر أمام أعين الآخرين".
الأمر الذي تنفيه جملة وتفصيلا دلال (33عاما) فتقول: " أن المرأة بإمكانها أن تنجح في القيام بعمليات اكثر من الرجل لسهولة حملها للمواد المتفجرة، إضافة إلى سهولة اجتيازها الحواجز الأمنية الإسرائيلية قياسا بالرجل".
وفيما ترد على الناحية التي تتعلق بانكشاف جسد المرأة فتتساءل دلال مستغربة: " وهل في جسد متفجر ومتفحم أي فتنة؟" مشيرة ان "لجسد الإنسان عموما حرمة وعندما تنتهك حرمته فلا فرق في ذلك الوقت بين رجل وامرأة ".
وبالنظر إلى أراء الأمهات والآباء نجد ليلى (30عاما) الأم لأربعة أطفال أكبرهم في العاشرة من عمره، تقول:" من الصعب جدا التضحية بالأبناء، ولكن إذا اختاروا هم ذلك فلا اعتقد ان بمقدوري منعهم، ورغم صعوبة تخيلي أنني سأفقد أي من ابنائي، فإنني بالتأكيد ساكون فخورة بهم بمن سيقرر منهم التضحية بنفسه لاجل الوطن سواء كان ابني أو ابنتي.
وتساءلت : ما الذي يمنع المرأة من ان تدافع عن بلدها مثل الرجل تماما، هل الوطن حكرا على الرجال؟، معتبرة ما قامت به الاستشهاديات الفلسطينيات "يرفع الراس"على حد تعبيرها.
وتتفق معها أم باسل (36عاما) الأم لأربعة أولاد وأربعة بنات قائلة: " ان البنت ليست أغلى من الولد، والذي يضحي بابنه يضحي بابنته" مؤكدة ان لا فرق بينهما من وجه نظرها.
وتشير إلى ان "الفتاة قد يكون بإمكانها الدخول إلى دولة الاحتلال بطريقة اسهل من الرجل ولا تكون محل شك".
وتُرجع أم باسل سبب تشجيعها العمليات الاستشهادية إلى الممارسات الإسرائيلية فتقول" هم الذي يحبطوننا، وما نراه يوميا من مشاهد يجعل الدم يغلي في عروقنا"، وتتساءل في غضب وألما "هل يعتقدون اننا عايشين؟، نحن مدفونين أحياء ، يكفي خوف اولادي كل ليلة من صوت الطائرات والصواريخ و إطلاق النار ليجعلني أتمنى قتل اليهود جميعا".
وتذكر أم باسل غاضبة مجزرة حي الزيتون التي وقعت الشهر الفائت وراح ضحيتها 13 شهيدا  و65 مصابا فتقول: " انها لو استطاعت ان تفعل شيئا لتنتقم لدماء هؤلاء الابرياء لما ترددت لحظة واحدة ".
لكن منطق أم وفاء (45عاما) يختلف مع منطق أم باسل وابنتها وفاء قائلة " لدي ست بنات وولد واحد واحبهم كثيرا مثل أي أم أخرى و اخاف عليهن من الطير الطاير فكيف سأشجعهم على إنهاء حياتهم"، وتزيد " اعرف ان حياتنا صعبة، لكني ضد ان نزيدها صعوبة بان ندفع أنفسنا  إلى مزيد من المعاناة بفقد أولادنا وهم أغلى ما نملك".
وتوافقها الرأي أم جمال (57عاما) التي ترفض العمليات الاستشهادية جملة وتفصيلا، وتتساءل " أين العرب، وامتنا الكبيرة، لماذا لا تساعدنا لنقف سويا ونحارب، ام انه كتب علينا ان نظل نعاني لوحدنا؟ ولاجل ماذا نقتل انفسنا وبناتنا واولادنا".
فيما يرد عليها زوجها أبو جمال (65عاما) موجها حديثه إليها: " وهل لدينا حل آخر، منذ 55عاما ونحن نعيش في عذاب مستمر فهل نبقي تحت هذا الظلم إلى ان يتحرك الآخرون؟!" مؤكدا على أن "كل فلسطيني رجل كان أو امرأة يجب ان يشجعوا العمليات الاستشهادية ويقوموا بها ان استطاعوا".
ويخاطب أبو جمال الاستشهاديين قائلا :" الله يكافأ واحد ضحى بنفسه لاجل فلسطين ، ويجعل مسكنه الجنة بإذن الله "، واصفا اياهم بـ"الباحثين عن الشرف والاستشهاد".
ويؤكد أبو جمال انه "لا يعارض إطلاقا ان تقوم إحدى بناته بتفجير نفسها إذا استطاعت ذلك، متمنيا لو ان في استطاعته ان يقوم بنفسه بعملية من هذا النوع ".
ويّذكر أبو جمال زوجته بالانتفاضة الأولى التي اندلعت أواخر العام 1987، وخوضها بنفسها العديد من المخاطر لاجل الشباب الفدائيين وتعريض حياتها للخطر اكثر من مرة لتخليصهم من أيدي جنود الاحتلال، مستنكرا ان يتغير موقفها الى هذا الحد.
الأمر الذي حدا بأم جمال إلى أن تؤكد أنها لا تتورع عن المخاطرة بحياتها وبحياة كل أبنائها لو كان ذلك سيجلب أي فائدة في ظل ميزان القوى المختل، فتقول "إذا مات واحد منهم (الإسرائيليين) فانهم يقتلون المئات منا".
وتشير أم جمال بيدها وكأنها ترى ما تتحدث عنه" المنازل هدموها والأراضي جرفوها،ومئات الفلسطينيين استشهدوا وآلاف منهم اصبحوا معاقين، فما الذي بقي لنا لنضحي به، هل نحن بحاجة لمزيد من المعاناة".
وبين مؤيد ومعارض لهذه الظاهرة، يجدر التذكير بان المرأة الفلسطينية شأنها شأن كل نساء العالم، هي ابنه وطنها، التي لن تبخل بتقديم الغالي والنفيس لاجله، كما لم تبخل في أي مرحلة من تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وان كانت ظاهرة الاستشهاديات هي وليدة الانتفاضة الحالية فان الفلسطينيات شاركن في العديد من الميادين من اشهرها الكفاح المسلح وتمثل ليلى خالد عضوة اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شاركت في عمليات خطف طائرات في سنوات السبعينات نموذجا لقدرة المرأة على العطاء في كل المجالات مثلها مثل الرجل.
فهل المرأة الفلسطينية اليوم ستكون اقل تضحية وحبا لوطنها من سابقاتها؟ لا شك ان وفاء وغيرها من الاستشهاديات الفلسطينيات قد حفرن بدمائهن الاجابة.
-----------------------

العذراء والشهيد
أرابيا دوت كوم- سامية الزبيدي
أأصبح الشهيد حلم الفتيات ؟ سؤال يدور والشهداء يتتابعون كل يوم في فلسطين مخلفين وراءهم الزوجة والخطيبة والحبيبة والابنة والأخت والأم وكل من أحبوهم ويحبون ، زوجات أقبلن على الدنيا فأدبرت عنهن ، أيام معدودة قضينها مع من أحببن ولم يكدن ينلن ما طال انتظاره حتى اختطفته أيدي الموت الإسرائيلية  من بين أيديهن ، وخطيبات لم يفصلهن عن تحديد موعد اللقاء الأبدي مع من يحببن حتى تحدد لهن موعدا لوداع لا رجعة بعده لأزواج المستقبل ، وفتيات أحببن رجالا ملأوا الأرض فخرا بشجاعتهم وقلوبهم النابضة بحب الوطن وتواعدوا بالسر أو العلن على اكتمال الحلم الدائم لأي رجل وامرأة يعرفان الله حق معرفته ، فتحولت أحلامهن الى كوابيس لم يتسن لهن اليقظة منها ليحافظن على صور الحلم في أذهانهن بريئة وبيضاء مليئة بالزهور الوردية لحياة سعيدة بسيطة لم تكتمل .وفتيات أخريات لم يستطع وهن يرين بطولات شهداء فلسطين إلا أن يحببن فيهم شجاعتهم ونخوتهم فاتخذت كل فتاة لها شهيدا أو أكثر نبراسا تستنير بسيرته في رؤيتها للرجال فأصبح الشهيد بما يحمله من قيم تسترخص الحياة في سبيل توفير الكرامة والعزة للآخرين حلما يراود بعض فتيات فلسطين .
تلك حالات يترك كل شهيد وراءه واحدة منها ، والمأساة لازالت تتكرر ، فأعمال القتل والاغتيال  الإسرائيلية مازالت مستمرة ، والمأساة تتنوع ولكنها تحمل من الألم  طابعا موحدا لكل البشر ، وللاقتراب أكثر من معاناة هذه النساء اللواتي فقدن أعز ما ملكن أجرينا التحقيق التالي :
***زوجة
تقول ابتسام (21عاما) زوجة الشهيد عمر عابد (21عاما) من مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة ، عن ظروف استشهاد زوجها " استشهد عمر وأنا في الشهر الثاني من حملي الأول والأخير و لم يكن قد مضي على زواجنا إلا عدة  شهور " ، وتضيف مبتلعة مرارة تملأ حلقها " كان عمر يحب الأطفال كثيرا وطوال فترة حملي القصير كان ما يسألني متى ستأتي هذه البنت حيث كان رغب في أن يرزقه الله بنت ".
لكن إرادة الله شاءت أن تضع ابتسام ذكرا لتطلق عليه اسم أبيه ليظل حيا في ذاكرة الجميع بصورة عمر الصغير حسب تعبير أمه .
وتصف ابتسام يوم استشهاد زوجها قائلة " أنه كان دائم الحديث عن الاستشهاد رغم أنه لم يكن له نشاطات مقاومة ، حتى كان اليوم الذي ذهب فيه لأول وآخر مرة إلي مفترق الشهداء المسمى "نتساريم" في 3/10/2000 ، حيث احتدمت في هذا المكان مواجهات عنيفة في ذلك الوقت بين كل من الفلسطينيين العزل إلا من حجارتهم وجنود الاحتلال الإسرائيلي المدججين بالأسلحة الخفيفة منها والثقيلة ، فكان لعمر ما تمنى …استشهد بعد إصابته برصاصة من النوع الثقيل (عيار800)في رأسه أطلقتها إحدى مروحيات الاحتلال "الأباتشي" مفجرة رأسه تناثر معها محتوياته .
وتتذكر ابتسام والدموع تختنق في مقلتيها وقع خبر استشهاد زوجها عليها فتقول " لم أصدق ما سمعت وبقيت في حالة ذهول طوال اليوم الأول أفيق منها لأدخل في حالة من الغيبوبة ، حتى بانت تباشير فجر اليوم الثاني على استشهاده فاستيقظت في موعد مجيئه من العمل حيث كان يعمل سائقا على شاحنة طوال الليل ويعود إلى المنزل في الفجر ، فخرجت من غرفتي لاستقباله وصرت أنادي عليه " ، وتستطرد ابتسام " لقد عانيت كثيرا خاصة أنني كنت في الطور الأول من حملي ولم أكن واثقة أنني سأستطيع المحافظة على طفلي بهذه الحالة النفسية الصعبة ، ولكن رحمة الله التي تسع كل شيء أرادت أن تعوضني بعضا مما فقدت فرزقني طفلي وبصحة جيدة وأصبح هو كل حياتي ".
ولا تفتأ ابتسام تردد أنها فخورة بزوجها أيما افتخار ، وأنها لا يغيب عن بالها لحظة واحدة قائلة " أنها دائما في سيرته وأن الذي في القلب في القلب لا يعلمه إلا الله ".
***خطيبة
دعد خضر (27عاما) من مخيم بلاطة قضاء مدينة نابلس في الضفة الغربية ، والتي فقدت خطيبها الشهيد "ياسر البدوي " (29عاما ) غدرا واغتيالا ، بأيدي الحقد الإسرائيلي قبل سبعة أشهر ، تتحدث عن سبب اختيارها لياسر زوجا بالرغم من أنه ينتمي الى الجناح العسكري في تنظيم فتح الفلسطيني "كتائب الأقصى " ، وورد اسمه في قائمة المطلوبين لأجهزة الاحتلال الإسرائيلي وسبق أن أبعد الى الأردن أبان أحداث جامعة النجاح في نابلس في العام 1992 فتقول "كنت أعرف ياسر منذ الانتفاضة الأولى حيث كان مطاردا خلالها من جيش الاحتلال الإسرائيلي وكان دائم المبيت عندنا في البيت مع اخوتي ، وعرفته أكثر من خلال الجامعة حيث كنا نعمل سويا في لجان الطلبة و حركة الشبيبة الفلسطينية ،إلا أن معرفتي المتعمقة به كانت بعد عودته من منفاه في الأردن في عام 1995،واتفقنا على أن يتقدم لخطبتي قبل اندلاع انتفاضة الأقصى إلا أن اندلاعها حال دون ذلك ،وبعد انتظار عودة الهدوء امتد لعدة أشهر قررنا الخطبة بدون أي مراسم احتفالية " وتضيف دعد " لقد نصحني اخوتي وصديقاتي بعدم القبول بهذا الزواج تحت شعار أنني قد أترمل مبكرا في حال ارتباطي به لكني لم أتأثر بهذه الآراء ،وكنت أقول لهم دائما أن الموت علينا حق وأنني لو تزوجت الملك فقد يذهب ليشري لي شوكولاته فيحدث له حادث ما فيموت " .
وتستطرد دعد لتؤكد عدم ندمها على قرارها بالارتباط بياسر فتقول " أنني أندم فقط اني لم أتعرف عليه في أول حياتي ، وأني لم أتزوجه ولو يوم أو شهر وأنجبت منه ابننا عمر الذي كنا نتمناه ".
ولا تزال دعد تتذكر ليلة استشهاد ياسر بكل ما أحداثها فتقول "كنت أود الذهاب الى صديقتي لتعزيتها في وفاة والدها فطلبت من ياسر توصيلي إلى بيتها الواقع في بيتونيا فاعتذر لي لانشغاله بعزاء صديق له كان قد استشهد قبل عدة أيام ، فذهب أخي معي إلى هناك وبعد فترة وجيزة من وصولي اتصل بي ياسر على المحمول ليطمئن على وصولي وكان في حالة مزاجية جيدة ، فأخذ يمازحني محذرا إياي أن أبكي مع صديقتي بدلا من التخفيف عنها ، واصفا إياي بمحبة النكد كما كان يحلو له أن يلقبني ، ولم تمضي لحظات على إنهائي الاتصال معه حتى عاد محمولي يرن فإذا به يقول لي أن سيأتي الليلة إلى بيتنا للاتفاق مع اخوتي على موعد لعرسنا " .
وتضيف دعد " في تلك الليلة كانت هناك حشود ضخمة لآليات عسكرية إسرائيلية على حدود قرية بيت ايبا قضاء نابلس استعدادا لدخولها ، فخرج ياسر لانتظار أصدقاءه في المقاومة للتوجه معا لاستطلاع الأمر والتصدي لأي عدوان إذا تطلب الأمر ، ولم يكد ياسر يستند بجسده إلى سور  مدرسة هناك حتى انقضت عليه قذيفة إسرائيلية فأصابته في أنحاء مختلفة من جسده كان أخطرها شظية تمركزت في مخه ، ولا يزال حتى الآن الجدل دائرا حول إذا ما كانت هذه القذيفة قد أطلقت من طائرات الاحتلال في الجو أو من دباباته المعسكرة على أبواب المدينة " وأيا ما كان مصدر القذيفة فالنتيجة واحدة  استشهاد فلسطيني آخر ، ومأساة يخلفها وراءه لكل من أحبوه .
وتصف دعد كيفيه وقوع الخبر عليها فتقول " أنها لم تعي بنفسها بعد سماعها الخبر من أختها على المحمول الا وهي تهرع لمغادرة منزل صديقتها وفي نيتها التوجه إلى المستشفى للتأكد من كذب الخبر إلا أن قدماها لم تسعفاها النزول على درج المنزل فلم تكد تخطو خطوتين حتى تجمدت أوصالها وفقت القدرة على الحراك " وتضيف دعد " أنها توجهت إلى المنزل بمساعدة صديقتها وزوجها ومن ثم اصطحبها أخيها الى المستشفى لتجد ياسر في حالة موت سريري بعد أن استقرت شظية في رأسه "
وتستطرد دعد وفي صوتها حشرجة دموع تملأ حلقها لتخبرنا عن عجائب القدر حيث صادف ثاني يوم على إصابته يوم ميلادها فتقول دعد "لقد احتفلت معه بيوم ميلادي في غرفة الإنعاش " وتتذكر حديثا جرى بينها وبين ياسر قبل عدة أيام سألته فيه أن يتخيل أن تموت يوم ميلادها فأجابها بروحه المرحة الدائمة أنه سيعمل لها أحلى بوستر ليوزعه في أنحاء البلدة كلها وسيقف في عزاءها ثلاثة أيام كاملة ".
وبقي ياسر تحت الأجهزة الطبية من الخميس الموافق 16/8/2002 منذ لحظه إصابته حتى فارق الحياة الاثنين الذي يليه في العشرين من الشهر عينه .
ومأساة أخرى
تقول نانسي شلطف (18عاما) من بلدة المصيون قضاء رام الله بالضفة الغربية متحدثة عن رحلتها مع من أحبت " ارتبطت أنا وخطيبي مهند أبو حلاوة  (23عاما ) منذ سنة وكنا على وشك الزواج قبل اغتياله ، بعد معرفة دامت خمس سنوات جمعت بين قلوبنا بحب طاهر ، تككل بتقدمه  لخطبتي إلا أن عائلتي لم توافق في البداية لخوفهم على حياتي ومستقبلي ،فقد كان مهند يعمل ضمن "كتائب الأقصى "في المقاومة المسلحة وهو من المطلوبين لدولة الاحتلال الإسرائيلية  ، وبعد نجاته  من محاولة اغتياله الأولى في 5/8/2001 بالقفز من سيارته التي تعرضت لاطلاق  صاروخين من إحدى المروحيات الإسرائيلية في مدينة البيرة والتي أصابته بحروق من الدرجة الثالثة في وجهه ويديه  ، أرسل جاهة مكونة من عدد  من الشخصيات الاعتبارية لخطبتي من أهلي مما جعل أهلي ينزلون عن رأيهم ويوافقون على ارتباطنا "
وتتذكر نانسي أنها فور سماعها خبر محاولة اغتياله هرعت الى المستشفى للاطمئنان عليه مما سبب لها الكثير من المشاكل مع عائلتها ، وتضيف لتصف لنا كيف جرت محاولة اغتياله الثانية والأخيرة فتقول " كنت في ذاك اليوم على غير عادة طوال اليوم معه حيث لم أكن أستطيع أن أقابله كثيرا بعد أن أصبحت حياته مهددة بخطر الاغتيال بأي لحظة مما دفعه إلى الحذر في تحركاته ، وقبل استشهاده بلحظات أنزلني مرغمة عند منزل صديقتي "سمر" المخطوبة لصديقه حيث كنا ننوي التنزه معا ، ولم يكد يذهب حتى رأيت أنا وصديقتي الصواريخ تنطلق من مروحيات العدو ، وأحسست أنها موجهه إليه ، فاتصلت على محموله فوجدته مقفلا ، فاتصلت على محمول خطيب صديقتي فوجدناه مقفل أيضا ، فمشيت أنا وصديقتي في تجاه الانفجار أسأل المارة عما حدث فلم يجبني أحد لعدم اتضاح الموقف بعد ، فرجعت إلى المنزل لمتابعة الأخبار وعرفت أن الضربة أدت الى وقوع شهيدين ولكن لم تكن أسمائهم معروفة بعد ، وبدأت تنهال الاتصالات علي يسألون عن مهند وصديقه عمر قعدان وفوزي مرار الذين استشهدوا معه ، وأخبرني أحدهم أن مهند استشهد "
وعن هذه اللحظة تتذكر نانسي" أنها صدمت ولكنها لم تكن تصدق ما تسمع وأن صديقتها سمر أصيبت بالإغماء لمعرفتها أن مهند استشهد ولم تكن تعرف أن خطيبها أيضا كان معه في السيارة واستشهد أيضا " .
وتضيف نانسي " لقد توجهت الى المستشفى فورا وصرت أبحث عنه كالمجنونة في جميع غرف المستشفى أسأل عنه لكني لم أجد أحد يجيبني وعرفت فيما بعد أنه وضع في الثلاجة ولم يسمحوا لي برؤيته بسبب ما أحدثه الانفجار  في جثمانه من تقطيع "
وحول تساؤل إذا ما كانت نانسي قد ندمت لارتباطها بالشهيد الحي مهند منذ البدء قالت نانسي ودموعها قد غلبتها " أن مهند كان كل شئ في حياتها ، وأنها لا تفتأ تلومه لماذا لم يأخذها معه " وتتذكر " أنها قد رجته أن تبقى معه يوم اغتياله ولكنه أصر عليها أن تنزل كأنه كان يعرف بما سيحدث "
ولداليا قصة مختلفة
داليا أبو سليم (24عاما ) من مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة ،، والتي ارتبطت بالشهيد سعيد شلايل (29عاما) العامل في الخدمات الطبية العسكرية ضابط إسعاف بشكل تطوعي ، تحدثنا عن سعيد فتقول "أبيه فلسطيني هجر من بلده فلسطين في العام 1948 إلى دولة مصر ليحارب فيها في حرب السودان ويستشهد هناك غدرا كما استشهد ولده بينما كان يحاول تقديم المساعدة للغير ، سعيد وبعد أن تلقى تعليمه في بولندا في مجال العلاج الطبيعي عاد إلى بلده الأم التي كان يعشقها منذ صغره ويحن إلى العودة إليها ، فعاد في عام 1997 ليعمل في الخدمات الطبية العسكرية في مدينة غزة ، في مجال تخصصه ولكنه فور اندلاع الانتفاضة حزم أمره على أن يقدم كل ما يستطيع لإنقاذ الناس ، وكان يشعر في مهمته جميلا يرده إلى فلسطين التي عشق كل شيء فيها "
وتضيف داليا واصفة سعيد فتقول "كل شئ لدى سعيد جميل ، لقد كان إنسانا بمعنى الكلمة لا يتورع عن تقديم يد المساعدة لمن احتاجها بدون أي تردد ومهما كلفه الأمر ، لقد تطوع كمسعف منذ بداية الانتفاضة حتى لحظه إصابته التي حدثت وهو يحاول إسعاف الآخرين بعد تعرض موقع أمني فلسطيني في منطقة السودانية الواقعة على بحر شمال غزة وتوجه الفوري دون تردد الى هناك في الوقت الذي تقاعس فيه آخرون خوفا من القصف المستمر ، ليصاب غدرا وهو يحاول انتشال أحد المصابين بست رصاصات من العيار الثقيل في أنحاء متفرقة من جسده ويستشهد على أثرها " .
وتتحدث نانسي عن أحلام سعيد البسيطة فتقول " لقد كان دائما يخبرني أنه يحلم أن تكون لديه سيارة إسعاف ملكا له وأن يوفقا الله في إيجاد سائق شجاع ليستمر في إنقاذ الناس " وتستطرد في ذكرياتها وابتسامة مليئة بالدموع تلوح على محياها الرقيق فتقول " كان يقول لي أن لا أحد يستطيع تصور ما يحسه  وهو يحمل المصابين بين يديه ويحاول أن ينقذ  الروح التي يسعفها ، لقد كان كثيرا ما يأتي إلى سعيدا أنه استطاع إنقاذ أحد المصابين والعكس إذا ما استشهد شخص ما على يديه "
وعن نظرتها لسعيد كيف كانت وكيف ستكون قالت نانسي " سعيد كان كل شي في حياتي وسيظل البطل الذي سأفتخر به دائما " .
الشهيد حلما يراود دارين
كتبت الشهيدة دارين أبو عيشة منفذه ثاني عملية استشهادية تقوم بها امرأة فلسطينية لمن اتخذته قدوة لها وأسطورة تترنم بها كما أسمته كلمات متناثرة شيعت فيها على طريقتها الخاصة مناضلها وبطلها محمود أبو هنود أحد قادة الجهاز العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام ، الذي اغتالته أجهزة الاحتلال الإسرائيلي قبل عدة أشهر ، قالت فيها " للشهيد البطل …الرائع …القائد المجاهد أبو هنود …جفت الدموع والقلب حائر يفتش عنك في ثنايا الروح والأرض …لعلك تكون قد هزمت جندهم …لعلك تكون قد هزمت جبروت أسلحتهم …لعلك تكون في صدر الأرض نائم لعلني كنت أحلم عندما قالوا بأنك راحل "
وتستمر دارين في مناجاتها حلمها فتقول " سيدي محمود هل صدق بأنك مغادر …دعني أحتضن نعشك وامتشق ريح المسك من جسدك المتناثر …سيدي لا تنسى بأننا وراءك …ننتحب لفراق الأب الحاني …لا تغادر سيدي كل ما حولك يأبى أن تغادر " بهذه الكلمات كشفت دارين عن أحد أسبابها المهمة التي دفعتها الى مغادرة منزلها عاقدة العزم على العودة إليه بثوب الشهادة ، ونالت دارين ما أرادت ، استشهدت بعد أن فجرت جسدها الطاهر في جنود الاحتلال الإسرائيلي على حاجز عسكري بالقلاب من مدينة قلنديا موقعة أكثر من ثلاثة جرحى في صفوفهم .
دارين والتي دفعها إعجابها وتقديرها للشهيد أبو هنود قدمت حياتها وهي بعد في عمر الزهور للثأر له ولكل من اغتالتهم أيدي الغدر الإسرائيلية .
فكيف سينظرن فتيات فلسطين غدا لشهيد هن وما الذي من الممكن أن يفعلنه للثأر لهم أو للسير على دربهم ؟؟؟تساؤل يبقى محلا  لإجابات عديدة .
-----------------------


خنساوات فلسطين يقدمن فلذات اكبادهن فداءً للوطن
كتبت : سامية الزبيدي
تردد صدى دقات الساعة لتعلن انتصاف الليل، بين جنبات البيت الساكن الا من أصوات هامسة  بين الفينة والأخرى ، وجلبة خفيفة جمع خلالها " محمد"  بعض حاجياته ، والتحف معطفه ، وتأبط سلاحه ، وتقدم الى أمه ، وعانقها عناق من يذهب وهو على يقين أنه لن يعود أبدا .
قبلته وفي عينيها دموع تجاهد الا تفضحها، وفي حلقها غصة مرة اعتصرتها بداخلها كي لا تصل الى نبرات صوتها ، وسألته أن يذكر الله حتى يلاقيه، وأن يطمئنها على نفسه حتى يصل الى هناك بالسلامة .
أومأ محمد برأسه موافقا على طلبها ، هامسا لها وفرحة واضحة ترتسم على محياه ، "ادعيلي " ، ومضى في خطوات سريعة ينشد الخروج من المنزل كمن تأخر على ميعاد له وهو يردد "ادعيلي يمه ".
وبعد أربعة وعشرون ساعة دوت أصوات القنابل في أرجاء مدينة  خانيونس ليتبعها صوت إطلاق نار عنيف ، دب الرعب في قلوب الجنود المعسكرين داخل مستوطنة " عتسمونة " احدى كنتونات مستوطنات "غوش قطيف " ، وبعد أن حصد محمد أكثر من خمسة وعشرين جندي منهم ، استشهد محمد بعد أن قاتل بضراوة لأكثر من نصف ساعة متواصلة حتى نفاذ آخر رصاصة في حوزته .
وفي رحلة عودته الى منزله ، زف محمد على نعشه المكلل بالزهور الى صدر أمه ، فاحتضنته بفخر الى صدرها ، وانطلقت من فمها زغاريد الفرح بشهادة ولدها ، وزفافه الى دار الخلود كما تمنى .
وهنا نتساءل عندما تقف أمام أم قدمت حياة ولدها فداءا لله وللوطن  … وضحت بأغلى ما لديها لأجل ما تؤمنَ به … فما عساك تفعل أو تقول ؟ .
هل تعزيها بفقيدها ، أم تهنئها بزفاف شهيدها ؟ وقف الكلام حائرا على شفتاي بين تلك وذاك ، فما كان مني وأنا أمامها الا أن أهنئها من كل قلبي على ما صنعت .
للاقتراب أكثر من هذه المرأة الفلسطينية العظيمة ، التي يزخر بمثيلاتها الوطن المحتل ، نلتقي من خلال هذا التحقيق نساء فلسطينيات لا يمكن التجني عليهن كما البعض بنقص أمومتهن، أو بادعاء كرههن لأبناءهم بل لا يسعنا ونحن أماهن الا أن نؤمن أن التضحية هي معنى جميل لا زال له وجود في هذا العالم …هنا في فلسطين .
حنان دافق
ففي الوقت الذي تتهم به بعض الجهات الأمهات الفلسطينيات بانعدام  مشاعر الأمومة لديهن ، ودفعهن أبنائهن للموت بقلب متحجر ، تتعجب "أم نضال" والدة الشهيد محمد فتحي فرحات (19 عاما ) من حي الشجاعية  بمحافظة غزة، ومنفذ عملية اقتحام مستوطنة " عتسمونة " من هذه الأحاديث قائلة " أنا أم أشعر نحو أولادي كما تشعر أي أم أخرى، ومن الطبيعي أنني أشعر بمشاعر الألم لفراق ولدي محمد ،ولكن ما يعزيني أنه نال ما تمنى ،وأدى أمانته أمام الله ، وأن العملية التي قام بتنفيذها نجحت الى حد كبير " .
وكان محمد قد نفذ عمليته المقدامة في السابع من مارس من العام ألفين واثنين ، فقتل خمسة من جنود الاحتلال ومستوطنيه ، وجرح عشرين آخرين .
وتستطرد أم نضال مؤكدة " أبنائنا أغلى ما نملك ، ولكننا نضحي بالغالي لأجل ما هو أغلى وأسمى منه ، وهو الشهادة في سبيل الله ونول مرضاته ، والأم المسلمة التي تحب ابنها حقيقة ، اذا خيرت أن تختار لابنها بين السعادة الزائلة والسعادة الأبدية في جنات الله سبحانه وتعالى بالتأكيد ستختار له ما فيه الخير الأكبر له ،ولو كانت كل أم فلسطينية ستتصرف وفقا لعواطفها لما قدم شيئ لهذا الوطن ، ولكن على الأم أن تفكر بنظرة أوسع وتسأل نفسها من الذي سيحرر الأرض الفلسطينية اذا لم تقدم هي التضحيات فداء هذا الوطن ".
وتدافع أم الشهيد محمد حلس البالغ من العمر(20عاما ) من حي الشجاعية أيضا عن فكرتها فتقول " أنه لا توجد أم تحب أن تفقد ابنها ولكن كيف يمكن أن أمنعه من نيل الشهادة في سبيل الله وهو لا يفتأ يطلبها ليل نهار ، ولأني أحب لابني الخير ودعته ودعوت له الله أن  يسهل عليه ".
وكان حلس صديقا ورفيقا حميما لفرحات وأقسم فور وصول خبر استشهاد رفيقه اليه أن لا يمر اسبوع حتى يلتحق به في جنان الخلد ، فكان له ما تمنى بعد أن نفذ اقتحاما لمستوطنة "نتساريم" بالقرب من مفترق الشهداء الواقع على شارع صلاح الدين ، أدت الى استشهاده وزميل له في 11/3/2002 بعد مواجهة مشرفة مع جنود الاحتلال وقد وقفت وراء كل من العمليتين عمليه حلس وفرحات ، كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس .
ليلة الاستشهاد
وعن ليلة استشهاد ولدها تقول أم محمد " أنا لم أعرف بنيته في تنفيذ عملية استشهادية بالفعل الا قبل استشهاده بليلة واحدة ،فلم يسعني الا الدعاء له أن ينال ما تمنى "
في الوقت الذي لا تخفي أم نضال تشجيعها ، وعلمها ، بكل ما يعتمل في صدر ولدها من نوايا فتقول " كنت أعلم منذ البداية بما ينوي ابني القيام به ، فلقد ربيت أبنائي جميعهم على حب التضحية في سبيل الله بكل ما يملكون ، وكنت أشجعهم على تأديه جهادهم المفروض على كل مسلم أرضه مازالت تحت الاحتلال ، وبالرغم من رغبة محمد الشديدة في ايكال مهمة عسكرية له، وانتظاره لذلك طويلا ، الا أنه لم يكن سعيدا بوقوع الاختيار عليه للقيام بعملية اقتحام المستوطنة ، لعلمه برغبة صديقه الشديدة محمد حلس فيها ، الذي حزن بشكل كبير عندما علم أن الاختيار وقع على فرحات لتنفيذ العملية ، فصلى ابني مستخيرا ربه أن يهديه الى الطرق الصحيح ، وصليت معه ، وحلمنا نحن الاثنين بالخير ، وحلم محمد أنه سيأتي الجنة خلال ساعتين ، وكان أخيه الكبير قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم  في منامه قبل ذلك بعدة أيام بشره فيها باستشهاد أخيه ، وزاد استيقاننا للأمر أن وقع عليه الاختيار من قبل مسئوليه بشكل نهائي في نفس الليلة ".
وتستطرد قائلة " خرج محمد للاستعداد للعملية قبل تنفيذها بيوم ،بعد أن ودعته بكل صلابتي لأني لم أرد أن أفت من عزيمته ، ووصيته على دوام ذكر الله ، وكنت قد أخذت معه عدة لقطات مصورة في شريط فيديو ليبقى ذكرى لنا ، اذيعت بعد استشهاده على شاشات التلفزة في جميع أنحاء العالم ،وظل محمد على اتصال بي على الهاتف الجوال من لحظة خروجه الى أن بدأ في تنفيذ عمليته " .
وتصف أم نضال حالة ولدها قبيل خروجه لأداء رسالته ، فتقول "  محمد كان ذو طبيعة عصبية  ، ولكنه يوم تنفيذ العملية لم يكن يشعر بأي خوف أو قلق ، كان مطمئنا ومرتاحا كما لم أره في حياتي ، كأنه سيذهب في نزهة ، خرج بعد أن ودعته قبل تنفيذ العملية بيوم للاستعداد لها ، والحمد لله أقبل على تنفيذ مهمته وهو صائم ، وعاد الى منزله شهيدا كما تمنى،   ليفاجئ الجميع بعمليته  فلم يكن أحد يتوقع ذلك أبدا سواي، فمحمد كان كتوما وحذرا في تصرفاته ،فأصيب أصدقائه بحزن شديد عليه حتى بتنا نحن أهله من نواسيهم ونخفف عنهم ".
وواصلت أم نضال حديثها لتخبرنا عن تربيتها لأولادها التربية الاسلامية الصحيحة فتقول "لقد زرعت في داخلهم بذرة الخير والايمان ، فكانت البذرة الأولى التي أكبرت فيهم حب الجهاد والتضحية  في سبيل الله والوطن ، ولا يمكن أن أزرع الا ما أؤمن به ، ومن يبدأ في التضحية عليه أن يكمل مشواره حتى النهاية لا أن يبخل  ويكتفي بما قدم فالوطن يحتاج الى تضحيات كبيرة لاسترجاعه ، وأنا مستعدة للتضحية بكل أولادي فداءا للوطن ، واذا لم يكفوا لتحرير فلسطين فأقدم نفسي أيضا فداءا له وطلبا للشهادة في سبيل الله ".
أما أم محمد حلس فتتحدث عن ليلة خروج شهيدها البطل من منزله ليلبي نداء ربه فتقول" خرج محمد من البيت سعيدا كأنه يخرج الى زفافه ، وقد فرحت لفرحه وبقيت طوال ليلة استشهاده أصلي وأدعي له أن ينول الشهادة ، حتى أتاني الخبر الساعة الخامسة صباحا فزغردت فرحة به وقد كنت متيقنة من أن الشهادة مكتوبة لولدي منذ بدء الانتفاضة بعد أن أصيب مرتين خلال مشاركته في المواجهات مع جنود جيش الاحتلال ، المتعسكرين خلف متاريسهم ،ولقد ربي محمد تربية وطنية غرستها فيه الظروف والحوادث ، بتعرض والده وجميع اخوته للسجن لدى قوات الاحتلال ، فخرج متشبعا بمعاني المقاومة من صغره ،وجعلته  وطنيته المتأصلة فيه غير قادر على رؤية ما يحدث لأبناء شعبه من قتل وتدمير وقصف يومي والوقوف متفرج صامت ".

استقبال الأبطال
وحول الكيفية التي استقبلت أمهات الشهداء شهدائهن بعد تنفيذ عملياتهم تقول أم نضال :" استقبلته بالزغاريد والسرور ،وقد وزع الحلو والشراب على جميع من حضروا عرسه ، ووودعت جثمانه بكل فخر واعتزاز ، داعية له الله أن يقبله شهيدا عنده ".
أما أم اسماعيل حمدان من النصيرات (21عاما ) الذي استشهد أثناء محاولته زرع عبوات ناسفة بالقرب من مستوطنة "نتساريم" في 16/3/2002 فتقول عن لحظة سماعها خبر استشهاد ولدها " أول ما سمعت عن استشهاده قلت الله يساهل عليه ، وقمت فملئت المكان زغاريد ، ووزعت الحلو والشراب على المهنئين باستشهاده كما أوصى وعندما رأيته ثاني يوم وقد زف الي ملفوفا بعلم فلسطين التي أحبها ،كان وجهه يشع نورا ،وهو الشي الوحيد الذي رأيته منه، لأن جسده كان قد قطع الى أشلاء متناثرة بفعل القذيفة التي تلقاها هو وزميله في تنفيذ العملية ناهض عيسى لحظة اكتشافهم وقد ودعته وقبلته ومسحت بيدي على شعره ووجهه ، وقلبي ممتلأ فخرا وسعادة به ".
وتستطرد ام اسماعيل لتحكي لنا عن شهيدها أكثر فتقول" كان اسماعيل دائم الدعوة الى الله أن يهبه الشهادة في سبيله ، و كثيرا ما سمعته يناجي ربه داعيا اياه أن يقطعه أربا أربا في سبيله ، والحمد لله استشهد ولدي كما تمنى ".
وتصف أم اسماعيل حادثا غريبا وقع أثناء مواراة جثمان شهيدها البطل في التراب فتقول " دفن ولدي على ثلاث مراحل حيث عانينا لجمع جثتهالتي قطعت الى أجزاء متناثرة ، وعندما فتح قبره بعد أربع ساعات من  دفنه في المرة الأولى خرجت رائحة جميلة جدا من قبره ، كما أن أشلاءه التي تم جمعها بعد أكثر من عشرين ساعة وهي ملقاة في الشمس كان لايزال الدم فيها أخضرا ".
الأم الفلسطينية 
وفي مدينة أخرى من مدن فلسطين ، مدينة لم تبخل خلال هذه الانتفاضة أو سابقاتها ، بأولادها وبيوتها وأراضيها وأشجارها على فلسطين ، فقدمته ومازلت تقدمه ، في مدينة خانيونس الشامخة رغم كل ما لحق بها من دمار وبسائر المدن الفلسطينية على يد الاحتلال الاسرائيلي المتجبر ، تنتابك الحيرة في التقرير من أكثر عطاءا تلك المدينة أو أمهاتها ،عن تلك الأمهات تخبرنا أم الشهيد وسام محارب (25عاما ) من خلال حكايتها مع شهيدها "كان النضال يسري في شرايين ولدي وسام مجرى الدم ، فمنذ صغره كان ناشطا عسكريا وكنت  على علم بذلك ولكني لم أحاول يوما منعه من تأدية واجبه ، بل كنت دائمة الدعوى له بأن يحميه الله ومن معه ، فعانى وسام كثيرا لأجل ما آمن به ، فطاردته قوات جيش الاحتلال في الانتفاضة الأولى ، وهو في الخامسة عشر من عمره بعد حتى اعتقلته وحكم عليه بالسجن لمدة عامين في سجن النقب ، قضى منهم عام وخرج في تبادل بين الأسرى الفلسطينيين والاسرائيليين عام 1994 ، ولم يتردد وسام في المشاركة في المسيرات الحاشدة التي نظمت بمناسبة ذكرى الخمسين للنكبة في عام  1998 وتوجهت الى مستوطنة "كفاردروم " لتشتبك هناك في مواجهات حادة مع جنود الاحتلال ، فأصيب في ساقيه اليمنى واليسرى اصابات بالغة ،أدت الى تمزق شرايينه ، وأصبح عنه عجز بنسبة 50 في المئة ، وبالرغم من كل ما عايشه وسام من مطاردة وسجن واصابة ، الا أنه عاد ليواصل نضاله مع تجدد المعركة في انتفاضة الأقصى ، فشارك في أعمال المقاومة ضد جيش الاحتلال ومستوطناته حتى استشهد في سبيل الوطن الذي أحبه.
وعن لحظة معرفتها باستشهاد ولدها حدثتنا أم وسام والدموع تترقرق  من عينيها لتغطي صفحات وجهها المليئة فخرا بشهيدها قائلة :" وقع وسام أسيرا للأجهزة الطبية في المستشفى في حالة موت سريري ما يقارب الاسبوعين بعد أن أصابته  صواريخ مروحية اسرائيلية هو وأربعة آخرين كانوا سويا في رحلة كفاحهم اليومي ضد مستوطنات الاحتلال حيث كانوا يطلقون النار وقذائف الهاون عليها ،وكان ذلك ليلة الثلاثاء في 11/12/2001، ، فاستهدفتهم الصواريخ لتؤدي الى  استشهادهم جميعا على الفور، فيما التحق وسام بهم  في 22/12، وأنا لم أكن أعرف بحجم اصابة ولدي بعد أن أخفى عني أبنائي وأصدقاء وسام اصابته الخطيرة ،حيث أصيب وسام بشظايا الصواريخ في انحاء مختلفة من جسده الطاهر ، كانت أخطرها شظية تمركزت في مخه ،وقالوا لي أن اصابته طفيفة ، ولكني كنت أشعر منذ اللحظة الأولى لسماعي الصواريخ التي أطلقت في خانيونس أنها أصابت وسام ، حاسة الأم لا تخطئ ، وبعد علمي باستشهاده حمدت الله أنه نال ما تمنى ،ولقد احتسبته شهيدا عند الله وطلبت له الرحمة ، وبالرغم من  افتقادنا الكبير لوسام ، وتأثرنا جميعا لاختفاءه من حياتنا ، لكونه أكبر أبنائي والمسئول عن البيت كله بمن فيه بعد وفاة والده  ، ولغلاوته التي لا تقدر لدينا ، الا أن الوطن أغلى وأنا مستعده للتضحية بجميع أولادي فداءا له " .
وتستذكر أم وسام وصيته  ، التي أوصاها بها في احدى المرات التي كانوا يتابعون خلالها نشرة الأخبار قبل استشهاده بفترة قصيرة وبكت أمه خلالها على شهداء فلسطين الذين كانون يتقاطرون كل لحظة ، فطلب وسام منها  أن لا تبكيه عندما يستشهد ووجهت أم وسام رسالة الى ابنها قائلة "لا أقول لوسام سوى ما قال رسولنا الحبيب لحظة موت ولده الوحيد "ان القلب ليحزن وأن العين لتدمع … " وانا لفراقك يا وسام لمحزونون " .

مشاريع شهادة
وعن الشهيد حمدان الذي كان يشعر منذ بدأ يعي معنى الاحتلال ،والحرمان ، والتضحية أنه خلق ليؤدي رسالة في هذه الدنيا لا أكثر ، فبات يغذي نفسه بكل ما يشحذ همته ، لتأدية ما أمر به ، وليكون على قدر المسئولية التي ألقيت على عاتقه ، فكان الشهيد الذي يفخر كل من يعرف سيرته في حياته ومماته ، بجسامة تضحيته وروعة ما قدم في سبيل ربه ووطنه ، فتعود أم هذا البطل التي أرضعته من صلابتها ، وايمانها ما خلق منه رجلا يعرف حق الله عليه وحق الوطن  لتؤكد " أن ولدها كان مشروعا للشهادة منذ صغره حيث أصيب وهو في الرابعة عشرة من عمره ، برصاصة في فخذه في الانتفاضة الأولى سببت له قطع في الشريان ، مماأثر عليه فيما بعد في المشي ، ورغم هذا الحادث ظل اسماعيل راغبا في تأدية دوره بمقاومة المحتل ،والجهاد في سبيل الله ، وأنا أحتسبه عند الله شهيدا ،فالله هو من أعطانا أولادنا وخلق معهم قدرهم ، واذا كان قدرهم وقدرنا أن نكون في أرض الرباط ،وأن يكتب علينا الجهاد الى يوم الدين ، فمن نحن لنمنع قضاء الله ، فهو من يعطينا اياهم ومن يأخذهم وقتما وكيفما يشاء" .
رسالة قصيرة
وفي نهاية حديثهن وجهت أمهات الشهداء رسالة الى جميع أمهات فلسطين والعالم العربي والاسلامي دعوتهن فيها أم نضال " الى الصبر والصمود و أن ينشأن أبناءهن تربية اسلامية صحيحة ،ويزرعن فيهن وبأنفسهن حب الجهاد ، ولا يبخلن بفلذات أكبادهن على هذا الوطن ومقدساته " قائلة لهن " أن الوطن يحتاج الى تضحيات جسام ، ولا سبيل أمامنا سوى البندقية والمقاومة لتحرير  هذا الوطن ،وأن لم نضحي نحن الفلسطينيات لأجله فمن سيفعل ؟".
بهذا الايمان والثقة العالية التي تتحدث بها أمهات فقدن أغلى ما لديهن ،أبنائهن ، الذين حملنهم وهنا على وهن ، وربينهم لعقود من الزمن ،حتى باتوا الحياة التي يحيينها ، فقدمنهم دون تردد في سبيل الله وفي سبيل تحرير الوطن .هل لنا الحق في وجود مثل هذه الأمهات الرائعات أن نشك بأن النصر قادم لا محالة ؟؟؟؟؟؟

·       موضوع نشر في موقع اريبيا دوت كوم بعنوان طيب خاطر الفلسطينيات
 -------------------------

الزواج في فلسطين...فرحة لا تكتمل



غزة-سامية الزبيدي

في منتصف يوم حار، حثت سعاد الخطى، وذراعها معلقة بذراع زوجها أنور، فيما يدها الأخرى تمسك بأطراف ثوب زفافها، محاولة اختراق رمال البحر الكثيفة الناعمة.

مضت سعاد وشريك عمرها، يقطعان المسافات الطويلة من الرمال ومن ورائها جمع غفير من أسرتيهما، تابعوا المسير في صحبتهما، مدة تزيد عن نصف ساعة.

سعاد وانور اللذان حددا موعد زفافهما مسبقا، لم يكونا يعلمان بان مزاج قوات الاحتلال الاسرائيلي سيكون لسعادتهما بالمرصاد، فمن دون أي سبب قررت قوات الاحتلال اغلاق الطريق الساحلية التي تصل محافظتي غزة والوسطى التي يقطنها العروسان، واقامت حاجزا عسكريا عليها، بعد ان كانت اغلقت طريق صلاح الدين الذي يحاذي مستوطنة "نتساريم" اليهودية الواقعة جنوب مدينة غزة منذ بداية انتفاضة الاقصى، ما اضطرهما الى الالتفاف حول الحاجز الاسرائيلي، بالسير بمحاذاة البحر.
وفي مكان اخر، وزمن يمتد الى ما قبل الانتفاضة، قرر "بدر" الذي يقطن مدينة طولكرم بالضفة الغربية ان يتقدم لخطبة ابنة عمه، التي تقطن قرية الزوايدة وسط قطاع غزة.
وبعد ان حصل على موافقة العروس وذويها، حزم بدر وعائلته امتعتهم، متجهين صوب منزل عروسه، لاتمام اجراءات زواجه وعقد القران.
وعلى اجنحة من الحبور والهناء، عاد بدر الى مدينته، وهو يمني نفسه بقرب زفافه من خطيبته وحبيبة قلبه هبة، فما هي الا اشهر قليلة وتنهي هبة دراستها للثانوية العامة.
وانتظر العروسان على احر من الجمر، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، تشاء الاقدار ان تندلع الانتفاضة اواخر ايلول (سبتمبر)2000 ، وتزداد اشتعالا بازدياد اعمال القتل والتدمير الاسرائيلي للبشر والشجر والحجر.
وتمر الشهور وتنهي هبة دراستها، ثم يمر عام، يتبعه اخر، وبدر وهبة لا ينقطعان عن السؤال "متى ستبدأ قوات الاحتلال باعطاء تصاريح دخول الى القطاع" (لا يسمح للفلسطينيين ان يتنقلوا بين الاراضي الفلسطينية الا بتصاريح من قبل الدولة العبرية محددة بساعات او ايام محدودة في احسن الاحوال).
وبعد جهد كبير، حصلت هبة ووالديها فقط على تصاريح بدخول الضفة، تمتد الى ثلاثة ايام لا غير، يوم اول لتودع هبة اخوتها واقاربها وصديقاتها ووو.. وتحزم امتعتها وتغادر فيه قريتها الى مكان لم تألفه من قبل...ويوم ثان لتزف فيه الى بدر بحضور عائلته ووالدها ووالدتها فقط، من دون اخوتها وباقي عائلتها،  ويوم ثالث لتودع فيه ما تبقى لها من حياتها الماضية مع وداعها لوالديها.
عاد والد هبة ووالدتها الى قريتهما، يجران فرحتهما في نعش من الفراق والالم والقلق على ابنتهما، فيما هبة لا تجد لفرح اللقاء بزوجها وحبيبها بدر أي طعم.
اما جمال من مدينة خانيونس جنوب القطاع، فله قصة مماثلة مع خطيبته اسمهان التي كانت تسكن مخيم جنين شمال الضفة، الا ان حاله لم يكن في حسن حال بدر، فلم يستطع جمال الحصول على تصريح لخطيبته، فاستعاض عن ذلك، بخطة طويلة اخذ يرسمها تحت وطأة الانتظار الطويل الذي يكابده وخطيبته للسنة الثالثة على التوالي من عمر الخطوبة.
خاضت اسمهان ووالديها رحلة طويلة وصعبة ومكلفة، للوصول الى خانيونس، سافرت فيها من الضفة الى الاردن ومن هناك الى القاهرة في مصر، ثم رحلة طويلة اخرى عبرت خلالها صحراء سيناء وصولا الى معبر رفح الحدودي، قبل ان تصل الى القطاع، حيث ينتظرها جمال فرحا بنجاح خطته.
الا ان فرحة جمال لم تكتمل، فحفل الزفاف الكبير الذي كان يحلم باقامته دائما، لم يكن مناسبا في ظل الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه القمعية، التي لم تترك عائلة فلسطينية الا وسقط احد ابنائها شهيدا او جريحا او اسيرا.
هذه القصص غيض من فيض، ما تمتلئ به جعبة الفلسطينيين المحاصرين داخل اقفاص مختلفة الاحجام، بعد ان قسّمت قوات الاحتلال قطاع غزة والضفة الغربية الى كانتونات صغيرة، تمنع الفلسطينيين من التنقل بينها بحرية، وتمضي فيهم قتلا وتدميرا وتجريفا.
وعلى رغم هذه الاجراءات، فان قوة الحياة ترغمهم على المضى قدما، تحت شعار "الحي أبقى من الميت"، الا ان طائرات ودبابات واليات الاحتلال لا تفتأ الا ان تعبث بما تبقى لهم فتحول حياة الاحياء منهم الى معاناة مستمرة، لا محل فيها لفرح او سرور.
فمنذ الانتفاضة...خلت الاعراس الفلسطينية، من طقوسها المتميزة، فلم نعد نرى التجمع العائلي من كل صوب في منزل العروسين،  ولم نعد نرى زفة العريس، و لا زفة العروس، ولا صوت الأهازيج والاغاني التراثية، ولا الدبكة الفلسطينية المتميزة.
واقتصرت مراسم الزواج، على تجمع بسيط لذوي العروسين، يصطحب بعده العريس عروسه الى منزل الزوجية في صمت.
لمعرفة كيف يتكيف الفلسطينيون مع ظروفهم الصعبة؟ وكيف يزرعون في حقل الشوك زهرة، وفي عتمة الموت شمعة؟!! "لها اون لاين" اجرت الحوارات الآتية:
تقول سعاد "لقد حددنا موعد الزفاف ونحن نعلم الظروف الصعبة التي نعيشها، واتفقنا على ان يكون حفل الزواج في اضيق الحدود واقل التكاليف، ومن دون أي مراسم احتفالية، الا اننا رغم كل هذا التضييق، لم نتوقع ان نضطر الى قطع الحاجز سيرا على الاقدام خاصة على رمال البحر".
وأضافت "كانت لحظات صعبة جدا في حياتي، ان اسير بثوب زفافي وفوقي عباءة سوداء ضخمة على شاطئ البحر، والجميع ينظرون الينا في استغراب".
وتضيف سعاد في رهبة من يستذكر حدث مخيف: "على رغم كل هذا التنغيص من قبل قوات الاحتلال، الذين يتفنون في اتخاذ كل الاجراءات التي تجعل حياتنا اكثر صعوبة، الا انهم لم يكتفوا بذلك بل قاموا باطلاق النار علينا ونحن نسير على الشاطئ".
وتصف تلك اللحظة: "كان الرصاص يتطاير فوق رؤسنا، في شكل مخيف، الا انه كان من الواضح ان جيش الاحتلال لم يكن ينوي قتلنا، بل اخافتنا، او التسلية على حسابنا، وكاننا مجموعة مهرجين على مسرح، يراقبوننا ونحن نجري مذعورين من هنا الى هناك".
اما هبة فقد كان لمعاناتها شكل آخر فتقول: "كانت أقسى لحظات عمري، عندما ودعت امي وابي في وقت كنت في امسّ الحاجة لوجودهما الى جانبي، على الاقل في الفترة الاولى من زواجي، وعلى رغم وجود بدر الا انني شعرت بالوحدة الشديدة".
وتضيف: "الا يكفي الاحتلال انه حرمني من ان ازف وسط اهلي وعائلتي واحبائي، ليحرمني ايضا وجود والديّ معي ولو لعدة ايام".
فيما تؤكد اسمهان لـ" لها اون لاين": انها لم تسمع في حياتها بظلم اكبر من الظلم الذي يرزح تحته الشعب الفلسطيني، قائلة: "هل من المعقول ان اسافر عبر دولتين، بينما لا تزيد المسافة بينني وبين زوجي عن 150كيلو متر".
وتضيف: "لقد تحملنا طول الرحلة وعناءها، بالاضافة الى تكاليف هذه الرحلة الباهضة بالنسبة الى اوضاعنا المادية"، وتشير الى ما تعرضت له هي و ذووها على معبر رفح الحدودي الذي يربط القطاع بالعالم الخارجي، من معاناة قائلة: "مكثنا في معبر رفح يومين كاملين ونحن ننتظر ان يأتي دورنا في الاجراءات الطويلة والمعقدة التي تتبعها سلطات الاحتلال هناك" قبل الدخول الى غزة.
وتجمع اسمهان وهبة وسعاد على ان حرمانهن من حفل الزفاف الذي تنتظره كل فتاة كان اكثر الامور قسوة عليهن وعلى ذويهن.
وعلى رغم ما تشعر به اسمهان ومثيلاتها من معاناة، لا تطاول معاناة من فقدن ابنا او اخا او زوجا، وهن كثر في هذه الهجمة الشرسة لقوات الاحتلال الاسرائيلي، الا ان الهم يبقى مشتركا والمعاناة تبقى مستمرة.
 --------------------------------

وسط أجواء الحزن على رحيل الرئيس والقائد ياسر عرفات

عيد الفطر يأبى أن يمر سعيدا على الفلسطينيين للعام الرابع على التوالي



غزة- سامية الزبيدي
"إنها حسرة تملأ قلوبنا، ولا تدع فيه مكانا للفرح أو العيد"، بهذه الكلمات وصفت أم الشهيد وسام محارب من مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة مشاعرها في أول أيام عيد الفطر، الذي كف عن أن يكون سعيدا على الفلسطينيين منذ أعوام عدة.
الفلسطينيون الذين لا يخلو بيت من بيوتهم من شهيد أو أسير أو معاق، أو خلت بيوتهم منهم بعد أن سويت بالأرض، هدما وتجريفا، ناهيك عمن يعيشون فقرا مدقعا، يمر بهم عيد الفطر للعام الرابع على التوالي من دون أن ينجح في إبعاد شبح الموت والحزن والأسى عن ملامحهم.
"وللعيد هذا العام طعما أكثر مرارا في حلق الفلسطينيين" كما يقول علي (28عاما) من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، موضحا ان "استشهاد رئيسنا وقائدنا أبو عمار (ياسر عرفات)، فاجعة كبيرة لم تترك لفرح العيد أي مكان في قلوبنا، ففلسطين في حزن وحداد تام".
فرحيل الرئيس عرفات، قائد ورمز الشعب الفلسطيني فجر يوم الخميس الموافق 11 نوفمبر(تشرين ثان)، قبل يومين فقط من عيد الفطر، فجع الفلسطينيين، وضاعف آلامهم.
وتشييعه إلى مثواه الأخير في اليوم الأول من العيد بمدينة رام الله بالضفة الغربية، وسط دموع مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين تابعوا جثمانه وهو يوارى الثرى، إما أمام ناظريهم، وإما أمام شاشات التلفزة التي واكبت حدث رحيل الرئيس بكل تفاصيله.
ويتفق أبو إبراهيم (53عاما) مع علي في رأيه، قائلا بصوت تملأه الحسرة، باللهجة العامية: "أصلا..من زمان ما شفنا العيد، ولا عرفنا طعم الفرحة، لكن الواحد منا يصبر نفسه، ويضحك عليها، فكيف بعيد يأتي، والرئيس أبو عمار ليس بيننا، والله خسارتنا كبيرة..كبيرة".
أما لبنى (30عاما) التي ما فتأت منذ سماعها خبر استشهاد الرئيس عرفات تبكي بحرارة من فقدت أبا، أو أخا، أو زوجا عزيزا، فتقول: "لقد فقدنا رئيسا، وقائدا، وإنسانا، ووالدا حنونا لا يمكن تعويضه..إنها مأساة حقيقية، لا يمكن لأي عيد أن ينسينا إياها".
وعلى رغم الحداد العام، الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية على رئيسها وقائد مسيرتها، وكل ظروف الفقر والشقاء والاحتلال وآثارهن إلا ان سرقة فرحة الأطفال بالعيد ظلت عصية على كل هذه الظروف.
تقول الطفلة أميرة (8 سنوات) التي خرجت منذ الصباح الباكر، للعب مع صديقاتها في "الحارة" وللاحتفال بالعيد على طريقتهن "أنا أحب العيد، لأننا نلبس ملابس جديدة، على رغم ان والدي لم يشتري لي ملابس جديدة هذا العام، ولأننا نحصل على العيدية، ونلعب بحرية أكبر خارج المنزل".
وإذا كانت هذه أسباب أميرة لمحبة العيد، وتمنى حلوله، فان لوالدها أسبابا أيضا تدفعه إلى عدم الاكتراث به، بل وكراه اقترابه، فيقول: "أي عيد هذا؟، العيد وُجد لصلة الرحم، كيف أدخل على أخواتي أعيدهن، ولا أحمل لهن في يدي عيدية أو هدية على الأقل، أي عيد هذا؟ وأولادي يطالبونني بالملابس الجديدة حينا، وبالعيدية حينا آخر وأنا لا حول لي ولا قوة".
أبا أميرة، مثله كمثل آلاف العمال الفلسطينيين، الذين تعطلوا عن أعمالهم داخل الأراضي المحتلة مع بدء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين قبل ما يزيد على أربعة أعوام، نتيجة الإغلاق والحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
وعلى رغم كل الظروف، فان للفلسطينيين عاداتهم التي يشتركون فيها مع أشقائهم العرب، كما ان لهم ما يميزهم به واقعهم، حيث يبدأ الفلسطينيون عيدهم بأداء صلاة العيد، مهنأين بعضهم بعضا، ومتمنين الخير كلٍ للآخر، يتوجهون على إثرها إلى منازلهم، لتناول وجبة الإفطار المفضلة لديهم بعد شهر رمضان المبارك، وصومه الطويل، "الفسيخ" (السمك المملح والمقلي).
وحول هذه الطقوس، تقول أم نائل (54عاما): "في صباح العيد، يخرج الرجال للمعايدة على جيرانهم، ومن ثم أقاربهم، فيما أقوم أنا بتقديم التهنئة بالعيد إلى جاراتي في سرعة، لأتمكن من استقبال الأقارب والجارات اللواتي يقمن بدورهن بالمجيء لتهنئتي وتهنئة عائلتي، كما أقوم بإعداد وليمة خاصة للغداء، أما في صباح اليوم التالي فأقوم برفقة بعض الجارات والصديقات بزيارة أمهات الشهداء في المنطقة لتهنئتهن بالعيد، فيما ننشغل باقي اليوم الذي يليه بزيارة وتلقي زيارات الأقارب".
ولا يختلف يوم والد الشهيد أبو إياد زيدان (49عاما) عن يوم باقي الفلسطينيين، سوى أنه وغيره من أهالي الشهداء، والمقربين منهم يخصصون اليوم الأول من العيد لزيارة قبور أبنائهم يهنئونهم بالعيد حينا، ويبكون ويترحمون على شهدائهم وعلى أنفسهم حينا آخر.
يقول أبو إياد: "أحمل كتاب الله، وأتوجه إلى مقبرة الشهداء، أهنأ ولدي "إياد" بالعيد، وأقرأ ما تيسر له من القرآن، وأقابل كل أهالي الشهداء هناك، فأهنئهم ويهنئونني وأصبرهم ويصبرونني".
كذلك الأمر، بالنسبة لأم الشهيد وسام (55عاما)، التي تعيش أجواءً خاصة في ليلة العيد، فتقول: "طوال ليلة العيد، لا يغمض لي جفن، أتذكر ولدي، وكيف كان يقبل عليّ فور استيقاظه ليقبل رأسي ويدي ويهنئني بالعيد، وكيف كان ينشر الفرح في جنبات المنزل، والحارة والمخيم كله، أتذكر كل ذلك، وأتذكر انه ليس هنا لأراه في الصباح، فيشتغل قلبي بنار الحزن والألم، وأنا أنتظر بزوغ الفجر، وتكبيرة العيد بفارغ الصبر".
وتضيف: "فور سماعي تكبيرة العيد، أحضر نفسي للذهاب إلى قبره، قبل أن أعيد على أي إنسان في العالم، أسرع إليه ببعض الحلوى لتوزيعها على أطفال وذوي الشهداء هناك على روحه الطاهرة، فأجلس إلى قبره، أهنئه بالعيد، وأدعي له بالرحمة والسعادة".
ويضيف استشهاد الرئيس عرفات، تغييرات هامة في طرق استقبال الفلسطينيين للعيد، قد تصل إلى حد إلغاءها لدى بعضهم، خصوصا في مدينة رام الله، وضواحيها في الضفة الغربية، الذي تدافعوا لحضور تشييع جثمانه ومواراته الثرى في مقره في المقاطعة هناك، التي حوصر فيها ثلاث سنوات متتالية.
فيما قرر حسين (22عاما) من مدينة غزة، عدم الخروج من المنزل، ومتابعة التشييع على شاشة التلفاز، مؤكدا ان لا عيد للفلسطينيين في غياب الرئيس عرفات.
ويستغرب حسين: "من لديه النفسية الملائمة ليعايد على الناس، ويتقبل معايداتهم؟، إننا في هم ومصيبة كبيرة".
أما أخته ليلى (19عاما) فتختلف معه فيما ذهب إليه، مؤكدة "أننا بحاجة إلى الاثنان معا، صحيح أننا حزينون على رئيسنا الغالي عرفات، الذي خسرنا برحيله الكثير، إلا أننا أيضا بحاجة إلى بعض الفرح وسط كل هذه الأجواء السوداوية التي نعيشها منذ أربع سنوات، بحاجة إلى مزيد من التكاتف وتلمس جراح بعضنا البعض، التي توفرها لنا أجواء العيد".
وتعتقد ليلى ان "زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء لبعضهم البعض في هذا الظرف العصيب خير من الاعتكاف كل على حدة، محتضنا حزنه وفجيعته داخله".
ويبدو صالح (36عاما) أكثر توازنا أيضا من حسين في رأيه، فيقول: "الحزن في القلب، ومصيبتنا كبيرة في الرئيس أبو عمار، ولكن ديننا يحضنا على الاحتفال بالعيد، والتظاهر بالفرحة فيه، ان لم يكن لأجلنا فعلى الأقل لأجل أبنائنا وأطفالنا الذين ينتظرون مثل هذه المناسبة بفارغ الصبر".
ويضيف: "علاوة على ذلك، فإني انتهز هذه الفرصة للتقرب إلى الله بصلة الرحم، فأزور أخواتي، وإخوتي وأقاربي، وأعزز أواصر علاقتي بجيراني وأصدقائي".
أما أبو نائل ( 55عاما) فينفي أي إمكانية للفرح، في ظل هذه الظروف، ليس الطارئة منها فقط، والمتمثلة في استشهاد الرئيس عرفات، بل وفي حياتهم في ظل احتلال يجثم على صدر الفلسطينيين منذ أكثر من نصف قرن على حد قول أبو نائل.
ويوضح أبو نائل أكثر وجهه نظره فيقول: "كل حياتنا تشريد في تشريد، لا أرض ولا وطن، ولا حياة آمنة، يعيش الإنسان في خوف دائم على نفسه وعلى أولاده، وعلى ممتلكاته البسيطة التي كلما بدأ في مراكمتها، جاء الاحتلال ونزعها منه مرة أخرى، فتارة يهدمون منازل المواطنين، وتارة يجرفون أراضيهم، ويسرقون ممتلكاتهم، وكأنهم لا يكفيهم تهجيرنا وسرقة أراضينا في فلسطين عام 1948، فيصرون على ملاحقتنا في كل مكان نلجأ إليه، لتدمير ما تبقي منا".
ويضيف: "وحتى لو قررنا ان نتناسى همومنا ومعاناتنا اليومية والمستمرة، ونسعد بالعيد كما يسعد كل البشر، فان الاحتلال لا يسمح لنا بذلك، إما بارتكابه مجزرة تنغص علينا فرحنا، أو بإغلاق الطرق والحواجز في وجهنا، حتى لا يبقى أمامنا أي فرصة للتواصل مع إخواننا في باقي المناطق الفلسطينية، ولا حتى داخل القطاع نفسه، أو حتى للتنفيس عن أنفسنا على الأقل".
ويشير أبو نائل إلى موضوع أخر، فيقول: "وبالإضافة إلى ذلك، الحمد لله، ليس لدينا أي أماكن للترفيه عن النفس، فلا نرى من مظاهر العيد في فلسطين سوى التكاتف والتواصل الاجتماعي مع بعضنا بعضا، الذي يظهر من خلال تزاور الناس".
وبحديث أبو نائل، يضع إصبعه على الجرح الأساسي الذي يمنع الفلسطينيين من أن يتناسوا أو ينسوا آلامهم وجراحهم، وهو إصرار دولة الاحتلال على تنغيص عيشهم باستمرار، ومنعهم من الوقوف إلى جانب بعضهم، في السراء و الضراء، فتقوم قوات الاحتلال بسجن أكثر من مليون ونصف فلسطيني داخل قطاع غزة في مساحة لا تتجاوز 360 كيلو متر، تلتهم ربعها مستوطناتهم، وتقطع ما تبقى منها حواجزهم، فيما تغلق المعابر الحدودية التي تصل القطاع بالعالم الخارجي عبر معبر رفح، وإخوانهم في الضفة الغربية عبر معبر "إيرز"، وكذلك الأمر في الضفة، حيث تنتشر آلاف الحواجز الإسرائيلية التي تفصل القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية عن بعضها، وتمنع قاطنيها من المرور عبرها، إلا بموافقة قوات الاحتلال، علاوة عن الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل لتحجب عن الفلسطينيين نور الشمس، وتصادر أراضيهم ومنازلهم، كما صادرت أحلامهم منذ أمد طويل ...حتى بعيد سعيد.

----------------

عيد أمهات شهداء فلسطين

ألم…دموع…وذكريات تنسيهن فرحة العيد

غزة-سامية الزبيدي

"صباح الخير يا أمي الحبيبة، لا تدمعي يا أم طارق دمعتك غالية عليّ...اني سأمضي شهيدا…" بهذه الكلمات ودع الشهيد الطفل طارق أمه في رسالة تركها لها قبل ان يتجه وصديقاه إلى مستوطنة يهودية ليلقيا الشهادة هناك في أفواه المدافع الإسرائيلية.
طارق دواس (15عاما) الذي ذيل رسالته الى امه بالتوقيع "الشهيد الحي طارق بن زياد" تيمنا باسم فاتح الاندلس القائد طارق بن زياد، ترك لامه، دموعا وذكريات لا تنتهي، لا يزحزحها عيد حزين لم تمض يوم من ايامه المباركة من دون سقوط شهيد اخر في فلسطين.
ام الشهيد طارق (32عاما) التي قضت يومها الاول من العيد مثل باقي امهات الشهداء وذويهم في مقبرة الشهداء الى جوار شهيدها أكدت لـ"لها اون لاين" "ان لا عيد لنا، ولا لاي من امهات الشهداء الاخريات او حتى للشعب الفلسطيني كله".
وأضافت: "كيف  نحتفل بالعيد وهم (الإسرائيليون) لم يتركوا لنا بيتا الا وادخلوا الدمع اليه اما بشهيد او جريح او معتقل او فقد مال او ممتلكات؟".
وتستذكر ام طارق ابنها في العيد فتقول" كل عيد كان يأتي ليعيد عليه أولا من دون اخوته الخمسة الاخرين، كنت انهره واقول له ان يذهب الى ابيه اولا فكان يرد عليّ ويقول: "انك أغلى عندي من الكل وان الجنة تحت اقدام الامهات".
ولا شك ان رسالة طارق التي كتبها لامه وتركها لها في احدى الزهريات في المنزل في يوم استشهاده تؤكد مدى تعلقهما ببعضهما بعضا، فمثل استشهاده صدمة كبيرة للام التي تقول: "كنت اتوقع في يوم من الايام ان يستشهد ابني من فرط تعلقه بهذه الامور وحديثه الدائم عن الاستشهاد والشهداء، ولكني لم اتوقع ان يفعلها وهو بهذا السن الصغير".
وتوضح ام طارق اسباب اقدام ابنها على التضحية بحياته هو وابن عمه محمد دواس وصديقهما جهاد عابد(14عاما) فتقول: "ان الاحتلال الاسرائيلي فتح اعين اطفالنا على الرصاص والتدمير والشهداء والجرحى، فكيف يمكن لكل هذه المشاهد، التي يرونها اطفال فلسطين كل يوم، ان لا تؤثر عليهم، لقد اضحت في منامهم اما كوابيس دائمة أو احلام واعدة بالاستشهاد والشهادة التي اصبحت حلما للعديد من الشباب صغر عمرهم او كبر".
وبالنظر الى حال ام الشهيد محمد (40عاما) التي لم يمض على استشهاد ولدها وصديقاه الا شهر ونصف (1/1/2003) في العيد فانه لن يعود هناك مجالا للشك في ان العيد قد هجر الفلسطينيين الى وقت لا يعلمه الا الله.
ام الشهيد محمد التي انتظرت بزوغ فجر العيد بفارغ الصبر لتزور قبر شهيدها بقلب فطره الشوق والافتقاد في هذه الايام المباركة .
وتضيف ام محمد: "لم انم طوال ليلة العيد وانا افكر به واتذكر كيف  سيكون حال هذا العيد لو كان لا يزال معنا"، مستذكرة حرصه الشديد ألا تفوته تأدية صلاة الصبح وصلاة العيد حيث كان يؤكد عليها في كل عيد ان توقظه فجرا لتأديتهما".
وتصف ام محمد حال مقبرة الشهداء التي امتلأت بامهات الشهداء وذويهم بأنه "كئيب، وحزين"، مؤكدة ان لا مظاهر للعيد سوى اقبال الناس على مواساة بعضهم بعضا، وتكاتفهم مع  اهالي الشهداء".
وعند سؤال ام محمد والدة الشهيد احمد محيسن شحادة (20عاما)التي فقدت ابنها منذ ما يزيد عن سنة عن العيد تساءلت: "أين العيد؟ وهل لدينا عيد؟ هل العيد ان نفتح اعيننا فجرا على مئات القبور لمئات الشهداء؟ هل هناك عيد وفلذة كبدي ليس هنا لاعيّد عليه ويعيّد على امه واخواته واخوته".
وتؤكد ام محمد (44عاما) بحديثها عن بقائها طوال ليلة العيد مستيقظة ودموعها على خدها ان هذه هي حال معظم امهات الشهداء اللواتي لم يغمض لهن جفن في ليلة العيد وهن ينتظرن بزوغ  الفجر ليهرولن الى مقابر الشهداء في كل مكان في فلسطين ليلتقين بمن يحببن".
كما تؤكد ام محمد ايضا ان "ام الشهيد لا تجد راحتها قرب ضريح ولدها، لتشكو اليه لوعتها وتبثه لواعج قلبها"، موضحة ان "الالام تعتمل في صدري والذكريات تتزاحم في رأسي في ايام العيد، حينما اعيّد على ابنائي الواحد  تلو الاخر ولا اجده بينهم، وحينما اتذكر كيف كان يُدخل باحاديثه ونكاته الفرح على البيت في كل عيد".
وتستذكر ام محمد حالها عندما اصيب احمد قبل استشهاده فتقول: "اصيب احمد مرتين قبل استشهاده، في مواجهات مع قوات الاحتلال، فاصبت بجلطة دموية في المرة الاولى من هول وقع الخبر عليّ"، هذا الامر دفع ام محمد كما تقول الى بذل كل جهدا مستطاع لمنع احمد من الذهاب الى اماكن المواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، ذاكرة انها كثيرا ما تبعته الى هناك ورجته ان يعود الى المنزل ولكن دون جدوى فكان يعود في كل مرة الى ان استشهد في اخر مرة.
وتفتخر ام محمد بابنها على رغم خوفها عليه، خصوصا شجاعته في المواجهات التي جذبت عدسات الكاميرا والصحافة اليه، فكثيرا ما ظهرت صوره وهو يرمي الحجارة على مستوطنة "نتساريم"، او يحضّر زجاجات المولوتوف ويقذفها على المستوطنة.
لكنها تعود وتبرر رفضها السابق لذهاب محمد الى اماكن المواجهات بان "المعركة لم تكن متكافئة، فماذا سيفعل الحجر او زجاجة المولوتوف مع جنود الاحتلال المتحصنين داخل مستوطناتهم ومواقعهم العسكرية المغلفة بالحديد ومكعبات الخرسانة الضخمة".
ويتحشرج صوتها وهي تقول "لقد قتلوا ولدي بـ21 رصاصة من النوع الثقيل، فهل هذا يعادل الحجر الذي كان يحمله".
يذكر ان جيش الاحتلال ادعى ان احمد كان يحمل عبوة متفجرة ويزمع زرعها بالقرب من المستوطنة ، الامر الذي نفته امه جملة وتفصيلا، متسائلة: "هل عبوة من هذا النوع ما كانت لتنفجر وسط اطلاق النار الغزير الذي تعرض له ابني حتى اخترق جسده كل هذا العدد من الرصاصات ".
ودعت أم محمد: "العرب الى شرب قهوة كثيفة ليفوقوا وينظروا الى قضيتنا و حالنا"، و ان "ينظروا كيف نضحي يوم العيد باولادنا ؟" في اشارة الى استشهاد طفل في الضفة الغربية صباح يوم العيد الاول، وعدد اخر من الشهداء في قطاع غزة خلال ايام العيد.
وتساءلت: "الا يحق لنا ان نحتفل بالعيد كما يحتفل جميع العرب والمسلمين، وان يفرح اولادنا ويعيشوا طفولتهم حتى ولو في العيد فقط".
اما عيد ام سليمان (56عاما) ام الشهيد حسين نصر (23عاما) الذي اقتحم مستوطنة "نتساريم" بشاحنة في 25/5/2001، فتصفه بـ"العيد الاسود، ليس فقط على امهات الشهداء، بل على كل الفلسطينيين".
و تضيف: "كيف سيكون هناك عيد واليوم قتل اليهود اثنين عند مستوطنة "دوغيت" الجاثمة فوق اراضي بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
وتتساءل ام سليمان وهي تبكي: "كيف سأحتفل؟  وانا كلما التفت في البيت او في الحارة (الحي) اتذكر حسين وحركاته واقواله؟!".
واستطردت تقول: "كيف نفرح؟ وشباب مثل الورد ضاعوا ومازالوا يضيعون كل يوم ؟ من اين يأتِ الفرح وقلوبنا تنزف دماً".
وتؤكد انها كباقي امهات الشهداء "نصّبر انفسنا بالعافية؟ وربنا يعلم بالحال كلما  اتذكر ولدي احس بروحي وكانها ستخرج من جسدي؟ ولكن ليس لنا الا حسبي الله ونعم الوكيل".
حسبي الله ونعم الوكيل، دعاء يردده في كل يوم الفلسطينيون آلاف المرات، خاصة على امهات شهداء هذا الوطن اللواتي فقدن اعز ما يملكن؟ ولم يعد لديهن الا الله يتمسكن بقدرته سبحانه وتعالى على تعزيز صبرهن وصمودهن، وعلى إثلاج قلوبهن برؤية عدالته التي تمهل ولا تهمل.
ولسان حال الفلسطينيين يقول، ان لم يكن هذا العيد لنا، فغدا انشاء الله، يملأهم اليقين بالله بان الغد سيأتي بعيد الاعياد لهم ، عيد النصر باذنه جل وعلا.