تحقيقات نسوية


في يوم المرأة العالمي "ينابيع" تفتح ملف "المرأة" وتتساءل فيم نجحت؟ وفيم فشلت؟
آذار حزين للنساء هذا العام، وغموض شديد يكتنف مستقبل المرأة الفلسطينية أمام التحديات العالمية القادمة
كتبت: سامية الزبيدي
في يوم المرأة العالمي من هذا العام، وكما كل عام، تفتح المرأة الفلسطينية ملفاتها، وتتساءل: ماذا أنجزت؟ وفي ماذا أخفقت؟ تُراجع الأولويات، وترتب الأجندات. "ينابيع" أيضا طرحت تساؤلاتها الخاصة على نساء فلسطينيات عاملات في المجال، وأخريات في مجالات أخرى.
كيف يمر الثامن من آذار على المرأة الفلسطينية هذا العام؟ وكيف تقيم مسيرتها الطويلة ونضالها المستمر طوال عقود مضت؟ وما هي العوامل التي ساعدت أو أعاقت وصول المرأة إلى حقوقها كاملة؟ وان سلمنا جدلا أنها أخفقت في تحقيق ما تصبوا إليه، فمن هو المسؤول عن ذلك؟ ثم ما هو تأثير ودور الاتحادات والمؤسسات والمراكز النسوية، وأطر ودوائر المرأة، ووزارة شؤون المرأة أخيرا في النهوض بواقع المرأة الفلسطينية؟ وهل لعبت هذه الجهات عامل مركز ودافع، أم مشتت ومثبط لهذه المحاولات؟، وأخيرا كيف ترى المرأة الفلسطينية حالها خلال الأعوام القادمة، خصوصا في ظل التوجهات العالمية نحو "أمركة" العالم، والحديث عن شرق أوسط كبير، وإصلاحات، وغيرها من التحديات القادمة على المستوى الفلسطيني والعربي تقبع المرأة كأحد أهدافها في صلبها؟.
آذار حزين هذا العام
تقول وزيرة شؤون المرأة زهيرة كمال خلال حديث خاص لـ"ينابيع" عن يوم الثامن من آذار لهذا العام بأنه "يمر بنفس الرتابة التي مر فيها خلال العامين المنصرمين، وزيادة فقد عادت أجواء الحزن لتسود بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على شعبنا الفلسطيني، حيث صودف حلول يوم المرأة العالمي لهذا العام في الوقت الذي استشهد فيه 15فلسطينيا في قطاع غزة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي".
وتزيد الوزيرة كمال على ذلك فتقول أن" الثامن من آذار يأتي هذا العام وقد غابت المطالب الاجتماعية والسياسية عبر المنظمات المعنية بالمرأة وحقوق الإنسان لرفع الظلم عن المرأة" ما يعكس حسب وجهة نظرها "عدم وجود قضايا المرأة على سلم الأولويات لدى عدد من المؤسسات في هذه الفترة".
وهو ما تعارضها فيه الباحثة القانونية والناشطة النسوية زينب الغنيمي، التي قالت "أن المرأة تتوقف في يومها من كل عام لتقييم ما تم إنجازه وتفخر به، وتتطلع إلى تحقيق ما لم يتم إنجازه، وتناضل من أجل ذلك".
واعتبرت الغنيمي أن "يوم المرأة لهذا العام يأتي والمرأة الفلسطينية تعاني معاناة شديدة من جراء الاحتلال وإجراءاته القمعية ضد شعبنا، وقد تأثرت المرأة تأثرا مباشرا كونها أم وزوجة ومسؤولة وشريكة للرجل في كل ما يتعرض له".
وتضيف: "المئات من النساء يعانين جراء هدمت المنازل وتجريف الأراضي وهدم المنشآت الصناعية، حيث يعتبر ذلك عقبة أساسية أمام قدرتهن على تحقيق الإنجازات في سياق التطور الطبيعي".
وتؤكد الغنيمي انه "على رغم هذه الظروف إلا أن المرأة الفلسطينية لم تقف مكتوفة الأيدي وظلت ثابتة باتجاه تطوير واقعها في كل المجالات"، مشيرة إلى أن الاحتفالات بالثامن من آذار عمل مهرجاني أكثر من أي شي آخر، ومناسبة للتذكر والتوقف للانطلاق، وقد أقامت عدد من المؤسسات فعاليات بالمناسبة، استغلتها لعرض إنجازاتها السابقة وطموحاتها المستقبلية".
من جانبها، قالت مديرة طاقم شؤون المرأة في مدينة غزة نادية أبو نحلة أن "يوم المرأة لهذا العام يمر والمرأة الفلسطينية تعيش أقسى الظروف"، مضيفة "عادة نحتفل بمهرجانات واحتفالات جماهيرية واسعة إلا أننا هذا العام في ظل هذا التقطيع لأوصال الوطن والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، ووضع المرأة المتدني على كل المستويات اقتصرنا احتفالاتنا على لقاءات بسيطة هنا أو هناك"
وتتفق مديرة برنامج الاتصال والإعلام في مركز شؤون المرأة بغزة عندليب عدوان مع ما ذهبت إليه أبو نحلة أن "يوم المرأة العالمي لهذا العام يمر ولا زالت الاعتداءات الإسرائيلية مستمرة على الشعب الفلسطيني بأكمله، والنساء جزء منه، فمنهن الاستشهادية والشهيدة والجريحة، أو التي فقدت زوج أو ابن أو أب، أو أرض أو بيت، أي يمكن القول انه يمر ولازالت المرأة ترزح تحت المعاناة والفقر والحصار، إلا أنها لا تزال أيضا تناضل مع شريكها الرجل جنبا إلى جنب من اجل نيل الحرية والاستقلال وتحقيق الآمال الوطنية والإنسانية".
إنجازات وإخفاقات
وتؤكد عدوان أن المرأة الفلسطينية حققت بعد سنوات طويلة من النضال اعترافا بكيانها وبدورها في عملية البناء الاجتماعي والسياسي، وهو ما تجلى في مظاهر عدة منها إنشاء الاتحادات والمراكز النسوية العاملة في مجال تمكين النساء وتقويتهن، إضافة إلى حملات الضغط التي تشنها النساء لتعديل القوانين ومشاريع القوانين بما يضمن حقوق النساء، كذلك حققت المرأة إنجازا على صعيد البرلمان الفلسطيني حيث وصلت خمس نائبات إلى المجلس التشريعي، إضافة إلى حقيبتين وزاريتين، وتواجدا ملحوظا في معظم المؤسسات الرسمية وغير الرسمية".
وعلى رغم ذلك، فإنها تعتبر أن "كل هذه الإنجازات غير كافية ولا تلبي طموح المرأة".
فيما قسمت الغنيمي أبرز إنجازات المرأة على الصعد المختلفة، إلى أقسام عدة، أولها إنجازات خاصة بالواقع التعليمي للمرأة حيث لوحظ “ارتفاع معدلات التحاق النساء بالتعليم العالي حيث تشير الإحصائيات خصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة إلى أن 40% من حجم الملتحقين بالجامعات هن إناث، وهو مؤشر على مستوى الوعي والمهارات التي تكتسبها النساء، إضافة إلى انه لا توجد فجوة تذكر في أعداد الإناث إلى الذكور في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي".
وتقول حول القسم الثاني الخاص بالعمل والنشاط الاقتصادي للمرأة: أن "هناك تحسن في التحاق النساء بالعمل والنشاط الاقتصادي على رغم عدم إشارة الإحصاءات الرسمية إلى هذا التحسن الموجود في الواقع، إلا أن المرأة تستطيع قياس مساهمتها في النشاط الاقتصادي من خلال مستويات الإعالة للنساء 7% من الأسر ترأسها نساء بالكامل، فيما40% منها تشارك في إعالتها نساء".
وتضيف الغنيمي أن"حجم الموظفات في القطاع الرسمي بلغ 30% من حجم الموظفين في الدولة، 25% من مجموع الوظائف العليا في الدولة تحتلها نساء".
وعلى صعيد مشاركة المرأة السياسية والمجتمعية تقول الغنيمي:"حققت المرأة إنجازات مهمة بعد قيام السلطة على صعيد الوصول إلى مواقع القيادة وصنع القرار، حيث 5.7 من مقاعد المجلس التشريعي احتلتها نساء، ووزيرتين في الحكومة الأخيرة، علاوة على أن نسبة كبيرة من المؤسسات الأهلية ترأسها نساء، إضافة إلى أن المرأة طرقت كل المجالات فأصبحت قاضية(8قاضيات) ووكيلة نيابة( 9وكيلات نيابة) وغيرها من المهن التي كانت حكرا على الرجال وحدهم".
وتضيف الغنيمي فتقول: "نلحظ تطور أيضا على مستوى العمل النسوي المنظم حيث شهدت السنوات العشر الأخيرة زيادة في نسبة المؤسسات والمراكز النسوية ذات الأنشطة الهادفة لتطوير وعي وثقافة المجتمع نحو توازن النوع الاجتماعي ما كان له أثر في تعديل الثقافة السائدة، كذلك تأثيرها على المؤسسات الأخرى في المجتمع الأهلي ذات العلاقة الحقوقية والشبابية والإنسانية وغيرها للمساهمة في تثقيف المجتمع".
وعلى المستوى القانوني تؤكد الغنيمي: "أن المرأة استطاعت إقرار عدد من القوانين الجديدة التي دعمت حقوق النساء على رأسها القانون الأساس الذي أقر مبدأ المساواة بين المرأة والرجل دون تمييز بسبب الجنس في كل المجالات، وهو ما يشكل قوة دافعة للنساء في تطوير أوضاعهن ومشاركتهن الاجتماعية والسياسية".
وعي أكبر
وتعتبر أبو نحلة أن "زيادة وعي النساء على مستوى القاعدة على مستوى القضايا الاجتماعية من أهم إنجازات المرأة الفلسطينية، حيث أصبح هناك جرأة أكبر في طرح القضايا غير المقبولة بحكم الأعراف والتقاليد والبنية الذكورية للمجتمع، وأصبح هناك حال من الحراك الفكري في المجتمع حول قضايا المرأة، علاوة على أن المرأة استطاعت خلق مستوى اكبر من الاهتمام لدى الإرادة السياسية الرسمية لإعطائها اهتمام اكبر للمرأة، الذي كان أخرها تشكيل وزارة شؤون المرأة، إضافة إلى أن المرأة الفلسطينية أعطت لقضاياها بعدا قوميا ودوليا، حيث شاركت في المحافل الدولية والعربية من خلال المنظمات الأهلية في أكثر من مناسبة".
من ناحيتها، اعتبرت الوزيرة كمال أن "المرأة نشطت سياسيا، واستطاعت نساء عدة الوصول إلى مواقع متقدمة في اللجان المركزية والمكاتب السياسية لعدد من الأحزاب، على رغم ضعف هذه النسبة، إضافة إلى مشاركة المرأة بقوة في مناقشة قانون الانتخابات الحالي، والضغط باتجاه تعديله بما يضمن تخصيص حصة للمرأة في الانتخابات البلدية والتشريعية، علاوة على تشكيل وزارة خاصة بالمرأة التي تعتبر إنجاز فيما لو تم النظر إليها بجدية، وخصصت لها الموارد المالية والبشرية اللازمة لعملها".
عوامل مساعدة، ومعيقة
وعلى صعيد العوامل التي ساعدت المرأة في تحسين أوضاعها، تقول أبو نحلة: "وجود السياسات التي بدأت في دمج النساء في الحياة العامة، والمد الجيد للمنظمات النسوية في نسيج المجتمع، إضافة إلى اشتراط الممولين دمج النساء في أي مشاريع يمولونها، سواء بضمان توظيف عدد منهن في المشروع، أو ضمان استفادة اكبر عدد ممكن من النساء من برامجه عوامل ساعدت في تمكين المرأة بشكل كبير، علاوة على أن الوضع الاقتصادي المتدني لدى المواطنين جميعا، أثر على نظرة المجتمع للمرأة العاملة، وباتوا يفضلونها على سواها كي تساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية ما أمكن".
بدورها، اعتبرت عدوان أن أهم عوامل تحسين أوضاع النساء كان "إصرار النساء الفلسطينيات على مواصلة النضال حتى نيل حقوقهن الوطنية والإنسانية كاملة، علاوة على أن قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، ونشرها حال من الاستقرار والأمن في بداية عهدها، مّكن المرأة من رفع صوتها بصورة واضحة للمطالبة بحقوقها".
أما ما يتعلق بالعوامل المعيقة، فترى الوزيرة كمال أن "القيود الاجتماعية والسياسية الناشئة عن معتقدات متخلفة تركت بصمات واضحة في المجتمع الفلسطيني، حيث شكلت هذه المعتقدات أداة لقمع المرأة وتعزيز سيطرة الرجل على مراكز صنع القرار والسلطة في الدولة، سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، وهو ما يعني عمليا أن المرأة ليست موجودة على صعيد الخطط والبرامج والأنشطة التي من شأنها تمكين المرأة وتعزيز دورها ومكانتها في المجتمع".
فيما تجد عدوان ضالتها في الاحتلال الإسرائيلي حيث تعتبره "أكبر عائق، حيث يفرض الفقر والحصار والخوف والدمار وفقد البيوت والأولاد والأزواج وكل هذه العوامل مجتمعة تعزز العادات والتقاليد التي تنعكس سلبا على المرأة، فعلى سبيل المثال الفقر والحصار يعني أن تضطر العائلات إلى تزويج بناتهن مبكرا للتخلص من أعبائهن".
وتضيف إلى هذه العوائق "تراجع سلطة القانون أمام زحف العادات والتقاليد والقضاء العشائري، علاوة على عدم وجود فرص عمل كافية للمرأة".
وتتفق الغنيمي مع عدوان في أن "الاحتلال وكل ما يتبعه من ظروف صعبة وقاسية معيق رئيس".
وتزيد على ذلك "عدم استكمال إقرار باقي القوانين خصوصا تلك، التي تمس مساسا مباشرا بمصالح النساء مثل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العقوبات..".
وترى أبو نحلة أن قضايا المرأة "في حالات الصراع، والتصعيد النضالي غالبا ما يتم تجاهلها لصالح قضايا الصراع، إضافة إلى أن ضرب البنية التحتية للسلطة الفلسطينية أثر على قدرة المنظمات النسوية على فرض أجندتها النسوية، وتغيير أولوياتها، بحيث أصبح تقديم الخدمات الإغاثية على رأسها".
وردا على التساؤل من يتحمل مسؤولية إخفاق المرأة في نيل حقوقها كاملة، تعتقد كل من أبو نحلة وعدوان أن "الجميع يتحملون المسؤولية، الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة وسياساتها التنموية التي لا تأخذ المرأة في اعتبارها، وعدم تمكينها في الوزارات والمؤسسات التنفيذية واقتصار وجودها على الإطار الشكلي، فيما تخلو مواقع صنع القرار من حجم تمثيل حقيقي، كما تتحمل النساء والحركات النسوية جزءا من هذه المسؤولية أيضا، حيث لم تستطع أن تشكل قوة ضغط على المؤسسة الرسمية لتعديل اتجاهاتها نحو النساء، علاوة على أنها لا زالت تفتقر إلى المعلومات التوثيقية لواقعها وماضيها ومستقبلها المتوقع، كما أن معظمها لا يزال يعمل في إطار منفرد عن الأخر، ولا يعتمد المشاريع التكميلية في إطار التخصص".
وتزيد الوزيرة كمال على ذلك فتحمل المسؤولية لـ"المنظومة الاجتماعية بكاملها، حيث السلطة الذكورية المسيطرة، و التي لا تقتصر على الرجال فقط بل وتطال النساء أيضا، وتعيق من نهوض المرأة"، ما يحتاج حسب كمال إلى "مراجعة القوانين والخطط والبرامج التنموية والتوعوية لخلخلة هذه المنظومة ووضع بدائل لها".
المراكز النسوية..لماذا
اتحادات...مراكز...مؤسسات..ائتلافات...ووزارة مرأة أخيرا، عدد كبير من الجهات العاملة في مجال حقوق المرأة، ما هي دواعي وتأثيرات وجود هذه التعددية؟.
تعترض أبو نحلة على ما تضمنه التساؤل من حديث عن وجود مؤسسات نسوية كثيرة أو عديدة، قائلة أن ذلك "غير صحيح، فهناك ما يقارب 4700منظمة غير حكومية في فلسطين، تعداد المؤسسات النسوية فيها لا يتجاوز 1%"، مضيفة " صحيح لدينا تنظيمات سياسية واطر نسوية كثيرة تابعة لها، إلا أنها بعيدة جدا عن القضايا الاجتماعية".
وتؤكد أن "التعددية ضرورية، فهي مجال للإبداع، إلا أن الإشكالية تكمن في العمل المبعثر لهذه المؤسسات في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة يعمل من خلالها الجميع، الأمر الذي يضعفها ويقلل من تأثيراتها على المجتمع الفلسطيني لصالح قضايانا".
فيما اعتبرت الغنيمي أن "تعدد المؤسسات والمراكز النسوية يدلل على وجود وعي متطور لدى الحركة النسوية اتجاه أهمية العمل المنظم، وبالتالي الأكثر إنتاجا"، منوهة إلى أنه "لا يمكن أن يكون للتعدد مضامين سلبية ولكن المطلوب من الحركة النسوية وعلى رأسها الاتحاد (العام للمرأة الفلسطينية) أن توحد قدر الإمكان من أجندة هذه المؤسسات وأنشطتها وبرامجها الموجهة إلى المجتمع، وتحاول المواءمة فيما بينها في إطار التخصص".
وأكدت على ضرورة "التوقف الدائم أمام هذه المسألة من باب الحرص على توظيف الامكانات المادية والبشرية لعمل أكثر تركيزا وفائدة".
وتتفق الوزيرة كمال مع الغنيمي في أن "تعدد الجهات ليس عامل إحباط أو تشتيت، بل هي ضرورة لأن هناك عمل كبير مطلوب من الحركة النسوية، خصوصا في ظل الإغلاقات والتقطيع والحصار التي تخضع محافظاتنا ومدننا ومخيماتنا لها، ما يتطلب وجود مؤسسات نسوية تنتشر حسب الجغرافيا، والتخصص".
مستقبل غامض
واستشرافا لواقع المرأة الفلسطينية في ظل التحديات العالمية القادمة، أكدت أبو نحلة أن "الملامح غير واضحة في ظل المتغيرات الحالية، خصوصا في ظل هيمنة القطب الواحد على العالم، ما يجعل الحديث عن حقوق الإنسان والنساء هو مجرد شعارات، في ظل سياسات "العولمة" و"الأمركة" التي تنتهجها أميركا".
وأضافت: "التحديات القادمة ترتكز على ثلاث محددات أساسية وهي المعرفة والتكنولوجيا والمرأة، وهي أمور لا يزال مجتمعنا الفلسطيني والعربي بعيدا عنها، علاوة أن المطالب الأميركية بإجراء إصلاحات في أنظمة الحكم العربية، وتعزيز الديمقراطية وغيرها من المطالب غير مقبولة أبدا، فلا يمكن أن تُفرض الديموقراطية على الشعوب عبر الاملاءات".
وتوقعت أبو نحلة أن "إيجاد مستقبل أفضل للنساء أمر مستبعد، وقد يكون هناك وضع أفضل لبعض النخب، أما على مستوى القاعدة فلا يمكن تحقيق شيء نوعي طالما لم يتم تعميم التكنولوجيا والمعرفة".
بدورها، تؤكد الوزيرة كمال أن "الحديث عن شرق أوسط كبير، يتطلب توحيد الجهود مع المنظمات العربية بشكل خاص، والعالمية بشكل عام، إضافة إلى ضرورة تمكين المرأة ورفع وعيها لتكون على قدر التحديات المحيطة"، مشددة على أن "هذا الحديث لا يأتي مراعاة لمصالح هذه البلدان، وإنما لمصالح أميركا في الشرق الأوسط الذي يعتبر مصدر للاستثمار، وسوق رخيص للموارد الطبيعية والبشرية".
وتشير كمال إلى أن "الحديث عن حرية المرأة وتعزيز دورها، لا يمكن أن يتطابق مع ما يحدث في العراق في ظل الاحتلال والحكم الأميركي، فالدستور الجديد الذي تم صوغه أخيرا، مثل تراجعا كبيرا في حقوق النساء العراقيات عما كان عليه الحال في عهد (الرئيس المخلوع) صدام حسين، علاوة على ازدياد حالات الاغتصاب والقمع في العراق وفي أفغانستان أيضا" اللذان يرزحان تحت سيطرة القوات الأميركية الغازية.
وتوقعت كمال انه إذا تم "العمل بشكل ممنهج لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة في مراكز صنع القرار السياسي، وكذلك الاقتصادي، إضافة على رفع مستوى وعي وثقافة المرأة، علاوة على التواصل مع المرأة العربية في المنطقة المجاورة، فستكون المرأة الفلسطينية في مأمن في وجه هذه التحديات القادمة".
بدورها، اعتبرت الغنيمي أن الأحداث العربية والدولية "لا تبشر بأي تعديل أو تحسين في أوضاع النساء، لأن المصالح الخاصة للطبقات الحاكمة في هذه الدول سواء العربية منها، أو المكونة للحلف المعادي للشعوب من أميركا وإسرائيل ومن يدعمهم تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني، والمرأة الفلسطينية جزء من هذا الشعب".
وهو ما دعاها إلى عدم توقع "أي تطورات ايجابية إلا إذا شهدت المنطقة نهوض ثوري على المستوى العربي والعالمي وهذا ما لا نرى له أفاقا".
وجهات نظر أخرى
من جهتها، ترى ربة البيت "أم نائل" (54عاما) أن المرأة الفلسطينية حققت نجاحا كبيرا في طرق كل المجالات فتقول: "أصبح لدينا نساء في مجلس الشعب، وصارت المرأة دكتورة ومعلمة ومحامية وصحافية وغيره".
فيما أكدت أن الوضع الحالي "حرم المرأة من الشعور بإنجازاتها، أو بالفرحة في يومها العالمي، حيث ضيق المعيشة يمنعها من الشعور بأي فرح لأنها تعاني من أعمال القتل والتجريف والهدم والفقر والجوع التي ينتهجها الاحتلال الاسرائيلي".
واعتبرت أم نائل أن "الوضع الأمني أعاق المرأة عن تحقيق باقي طموحاتها، ليس هناك أمن كي تشارك المرأة وتعمل من خلاله بنفس مرتاحة".
وفي نفس الوقت ترى أم نائل أن "هذا الوضع فرض على المرأة المشاركة في النضال العسكري والجماهيري، حيث قدمت المرأة روحها فداء لفلسطين واستشهدت، وخرجت في المسيرات، ما نمى لديها الوعي الوطني والسياسي وعزز رغبتها في المشاركة بصورة اكبر في مناحي الحياة كافة".
وتتفاءل أم نائل أن الأعوام القادمة ستحمل واقعا أفضل للنساء "طالما أنهن ماضيات على هذا الدرب فإنهن سيحققن مزيدا من التقدم والإنجاز بالتأكيد".

---------------
استعدادا لمعركة انتخابية مرتقبة

المرأة في الأحزاب الفلسطينية...شريك فاعل، أم ديكور لازم؟؟


غزة-سامية الزبيدي

في انتظار معركة انتخابية لم يحدد موعدها بعد.. وفي ظل انحسار التأييد الرسمي لخيار تخصيص "حصة" للمرأة من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني أي ما يسمى "كوتا" تنحصر الأنظار وتتركز على الأحزاب الفلسطينية ودورها في دعم المرأة وتشجيعها على خوض التجربة الانتخابية المرتقبة، والثانية في تاريخ الشعب الفلسطيني، باعتبارها شريكاً أساسياً ودائماً للرجل طوال مسيرة الشعب الفلسطيني الشائكة، على الصعد كافة، الاجتماعية والاقتصادية وحتى العسكرية، من دون السياسية.
فهل المرأة التي اختطفت الطائرات، وفجرت نفسها في قلب مدن الدولة العبرية، وحملت السلاح، و أعالت عائلات كاملة، وربت أجيالاً عديدة زرعت فيهم حب الوطن والتضحية من اجله؟ ليست كفؤا لتحتل المناصب السياسية سواء في المجالس البلدية والقروية أو المجلس التشريعي، أو حتى في مناصب وزارية؟، ولماذا  تبقى تلك النساء اللواتي يصلن إليها محصورات في إطار زوجة المناضل هذا ، وابنه الحزب الكبير ذاك، الذي يحتاج إلى ديكور تكميلي بامرأة هنا أوهناك، لرفع العتب، وتبرئة الذمة.
وعلى رغم إقرار جميع الأحزاب الفلسطينية من دون استثناء بأحقية المرأة في الاضطلاع بمقاعد ومناصب متساوية مع الرجل بما فيها (حسب ما هو معلن على الأقل) حقها في أن تكون رئيسة أو وزيرة أو نائبة تشريعية، إلا انه –كالعادة-الإقرار بالشيء لا يعني بالضرورة تطبيقه.
مجلة "ينابيع" بحثت بين عضوات وأعضاء في أحزاب فاعلة في الساحة السياسية الفلسطينية، على إجابات لتساؤلات كان أهمها: هل أعدت الأحزاب الفلسطينية قيادات نسوية قادرة على المشاركة في الانتخابات القادمة؟ وكيف فعلت ذلك؟ وما هو حجم المشاركة المتوقعة؟ وهل سنرى المرأة تحتل صدارة القوائم الانتخابية الخاصة في الأحزاب، من حيث  الكم والكيف، أم ستدرج الأعداد القليلة منهن في ذيل القائمة؟.

المرأة هي المقصرة

في هذا السياق، يؤكد عضو اللجنة المركزية في الفصيل السياسي الأول حركة "فتح"، النائب في المجلس التشريعي عباس زكي أن "مشاركة المرأة داخل الأحزاب وحضورها في القوائم الحزبية يعتمد على المرأة نفسها وليس على التنظيم" مضيفا أن "حركة فتح أعطت المرأة الحزبية مساحة واسعة لتتميز وتتألق داخلها فهناك عضوة في اللجنة المركزية (انتصار الوزير)،وما يزيد على عشر نساء في المجلس الثوري للحركة وهذا مؤشر على أننا في الحركة نتيح المجال الكامل أمام المرأة للتقدم"،علما ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تخلو من أي امرأة.
وثمن زكي أداء المرأة، قائلا ان "المرأة الفلسطينية امرأة غير عادية و أحيانا كثيرة تتجاوز الرجل في نضالها وعطائها فهي التي تزغرد للشهيد وتنشد الأناشيد في عرس ابنها الشهيد، وتقدم نفسها كاستشهادية، وتقود المسيرات يوميا لاجل الأسرى، و تتقدم في مبادرات مستمرة الى المجلس التشريعي لتغيير قوانين معينة تتعلق بالمرأة والطفل"، متوقعا منها ان "تكون كما هي خصبة في النضال والصبر، خصبة في المجالات القيادية بالتفاعل داخل كل الأطر".
لا أحد يمنعها من التقدم
و حمل زكي المرأة المسؤولية الكاملة عن عدم تبوأها المناصب الأولى في الدولة قائلاً: ان "المسؤولية تقع على المرأة في اقتحام المراكز الأولى، وعليها ان تنّظم نفسها وعملها ولا أحد يمنعها من التقدم".
ونفى ان يكون قلة عدد النساء داخل الحركة يعود الى ما اسماه "بالقرار المركزي او القاعدي" من قبل حركة "فتح"، و عزاه الى "طبيعة شعبنا الفلسطيني ودول العالم الثالث في شكل عام".
وأكد ان الحركة تدعم المرأة بدءاً من "الرئيس ياسر عرفات رأس الهرم فيها وحتى اصغر عضو في أي خلية، الذين لا يرون في المرأة الا مناضلة سبقتهم في النضال".
وعند سؤاله عن حجم المشاركة النسوية المتوقعة في قوائم حركة "فتح" في الانتخابات القادمة أجاب زكي "لن نخدع أنفسنا، فنحن لن نضع في القائمة عشر نساء مثلا، ويسقطن جميعا، "فتح" لن تستطيع ان تنجحهن بشكل قصري، نحتاج الى من لها حضور وقادرة على تحقيق النجاح في الانتخابات".
لا للـ"كوتا"
ورفض زكي إعطاء المرأة "كوتا" ضمن مقاعد البرلمان أو حتى داخل القوائم الحزبية قائلا ان "هذا عزل للمرأة وتزكية لها ولن تكون ضمن "كوتا" بالقوة والحماس من دونها"، مشيرا إلى أن الـ"كوتا" توضع للفئات التي يستحيل نجاحها من دونها مثلما يحدث في المجتمعات الطائفية".
إلا انه عاد و أكد انه "اذا ما تأكدت ان الوضع لا يسمح للمرأة بالترشح ضمن منافسة حقيقية في المجتمع الفلسطيني، فاني ساكون مع أي شيء يمّكنها من ان تكون حاضرة في المؤسسات الوطنية كافة".
وبالحديث عن وضع المرأة الحالي داخل "فتح"، وعما إذا كان لدى الحركة شخصيات نسائية جديدة، يمكن ان نشاهدها تتقدم في الانتخابات القادمة، قال زكي "انه لا يستطيع ان يشخص اذا ما كان هناك تقدم او تراجع في حجم وجود المرأة داخل فتح في ظل الوضع المائع الذي يمر به التنظيم (فتح)حاليا".
تقصير نسوي
وبالانتقال إلى ثاني أكبر فصيل على الساحة الفلسطينية نجد ان حال النساء ليس افضل، حيث اتفق إسماعيل أبو شنب أحد قيادي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مع زكي على ان "السبب في تراجع المرأة ودورها يعود الى تقصيرها في إبراز نفسها"، مشيرا الى ان "الحركة تحترم دور المرأة ليس تفضلا منها ولكن لحقها الذي ضمنته لها الشريعة الإسلامية، فللمرأة حقوق متساوية مع الرجل".
وأضاف ان "النشاط النسائي داخل حركة "حماس" نشاط موازي تماما وعلى قدر المساواة لنشاط الرجل".
وفيما يتعلق بعدد المرشحات المحتملات ضمن قوائم حركة "حماس" اذا ما خاضت الانتخابات، شدد ابو شنب على ان "ذلك سيكون حسب إمكانات الحركة وقدراتها"،مشيرا الى أنها "تسعى الى تدريب كفاءات نسوية في هذا السياق".
واعترف ابو شنب بان المشاركة المتوقعة لن تكون كبيرة، قال: "يجب ان لا نبالغ في هذا الموضوع لاني لا أجد دورا بارزا للمرأة في الحياة السياسية".
وأرجع أسباب ذلك الى  "قصر عهد مشاركة المرأة السياسية في مجتمعاتنا الشرقية"، منوها إلى ان "أداء المرأة يتطور تدريجيا".
من جهة أخرى، انتقد ابو شنب عمل المؤسسات النسوية متهما إياها "بالتذمر من مكانة المرأة في واقعنا الفلسطيني، بينما لا تفعل شيئا لتهيئ فيه كوادر نسوية قادرة على الاضطلاع بالدور السياسي المنوط بها".
اهتمامات أخرى للنساء
وأشار الى ان الحركة "تتيح هذا الدور على قدم المساواة مع الرجل ولكن قدرات المرأة في مجتمعنا وحتى في المجتمعات الغربية محدودة في هذا المجال لان لها اهتمامات أخرى اكثر ملاءمة لطبيعتها".
وأبدى ابو شنب عجبه من تكثيف التركيز على مشاركة المرأة السياسية في فلسطين، قائلا: "اذا نظرنا الى مجتمعات تدعي انها قطعت شوطا بعيدا في حقوق المرأة مثل المجتمع الإسرائيلي فاننا لا نكاد نجد في الكنيست الإسرائيلي(البرلمان) الذي يمثل ستة ملايين إسرائيلي وعدد أعضائه 120عضواً غير عدد قليل لا يصل الى خمسة نساء فقط، كذلك الأمر في الولايات المتحدة أم الديمقراطية وحقوق المرأة نجد ان عدد عضوات مجلس الشيوخ والنواب الأميركي لا تكافئ نسبة وجودهن في المجتمع ولا حتى واحد على عشرة من هذه النسبة".
وعند سؤاله عن سبب غياب الشخصيات النسائية عن مسرح الحدث السياسي في "حماس"، قال ابو شنب ان هذا يعود الى المرأة نفسها التي تُحجم حتى اليوم عن خوض هذا الميدان، وليس للحركة موقفا من ذلك، دالاً على ذلك بـ"إعلان حركة الإخوان المسلمين، الحركة الأم لحركة "حماس" في الأردن عن ترشيحها المرأة ضمن قوائمها للانتخابات".
نعم للنساء الفائزات فقط!!
من جانبها، أكدت د.مريم ابو دقة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- ثالث اكبر فصيل على الساحة الفلسطينية-ان "الجبهة لن ترشح أي رفيق او رفيقة ليس له شعبية جماهيرية".
وأضافت بشئ من التمني: "يا ليت نجد رفيقات او حتى صديقات للجبهة يرشحن أنفسهن باسمها ويكون لهن علاقات وشعبية ويفزن في الانتخابات".
وتدافع د.ابو دقة عن حزبها الذي يضم مكتبه السياسي على عضوتين، وعدد غير قليل في لجنته المركزية العامة من النساء، قائلة ان "الجبهة لا تفرق بين رجل وامرأة"، مؤكدة في الوقت نفسه ان ذلك غير مطبق تماما لان هذا يعود للمرأة نفسها".
وردا على زكي وأبو شنب اللذين حمّلا المرأة المسؤولية عن إخفاقها في فرض نفسها في المواقع القيادية أكدت د. ابو دقة ان "هناك نوعا من الصحة في حديثهما، وهذا يعود إلى قلة اهتمام الأحزاب في شكل خاص والمجتمع الفلسطيني الذكوري في شكل عام بالمرأة ودورها"، محملة "الأحزاب والمرأة على حد سواء المسؤولية عن ذلك".
وأضافت ان "للرجل أولوية في الثقافة السائدة"، وان الحزب "نتيجة هذا التراث لا يقدم مرشحات نساء كي لا يخسر هذه المقاعد وانما يقدم مرشحين ذكور... فهذا أضمن".
وطالبت د. ابو دقة بدور أكبر للأطر النسوية، خاصة الاتحاد العام للمرأة باعتباره القائد للمرأة في الداخل والخارج -في تأهيل و إعداد مرشحات نساء"، مؤكدة "ضرورة إعداد كوادر نسوية قادرة على ان تكون نموذجاً وقدوة".
وطالبت "الأحزاب بالتركيز في برامجها على تقوية النساء وتمكينهن باعتبار ذلك مهمة وطنية واجتماعية كي لا يصبح مجتمعاُ اعوراً، فقوة النظر لا تكتمل بعين واحدة".
الجهاد يعترف بقصوره
على صعيد آخر، اعترف المتحدث الرسمي باسم حركة الجهاد الإسلامي عبد الله الشامي بـ"قصور الحركة في مجال المشاركة السياسية للمرأة"، مشيرا إلى ان الحركة "تركز على العمل النسائي من خلال فروع العمل الطلابي في الجامعات والمدارس والجمعيات التي تتعلق بالعمل النسوي".
وفيما يتعلق بمشاركة نسوية للحركة في الانتخابات القادمة، قال الشامي انه "ليس لدى الحركة قرار بدخول الانتخابات"، موضحا ان السبب يعود إلى "أنها لم تستوف شروطها ولم تخرج من دائرة اتفاقات أوسلو التي تكرر هيمنة القرار الصهيوني على القرار الفلسطيني وتحول المجتمع الفلسطيني إلى حافظ لأمن دولة الاحتلال".
وشدد على انه "طالما ان الظروف لم تتغير فلا مشاركة لحركة الجهاد في الانتخابات القادمة"، مؤكدا ان الحركة "لا تفرق بين الرجل والمرأة ولهما الحقوق والواجبات نفسها وحق المشاركة مكفول لكليهما".
وبرر عدم ترجمة هذه الأقوال على أرض الواقع بالقول ان "تواجد الرجال هو الأكثر بروزا بسبب طبيعة ظروف المقاومة والانتفاضة".
ليست إكسسواراً
من جانبها، أكدت رضا عوض الله عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب، ومسؤولة لجان المرأة العاملة الفلسطينية في غزة، ان "حزبها لا ينظر للمرأة الا من خلال عملها النضالي ولا يضع امرأة مثل إكسسوار أو ديكور يتحدث عنه، وانما يضع المرأة القادرة على ان تقوم بمهامها الموكلة اليها".
وتتحدث عوض الله عن تجربتها في خوض الانتخابات السابقة التي لم تسفر عن نجاحها، مشيرة الى دور الحزب فيها قائلة: "الحزب هو من اختارني خلال جلسته المركزية لاختيار المرشحين في الانتخابات، ورشحني إضافة الى امرأتين أخريين".
وأكدت ان "الحزب قدم كل الدعم للمرشحين ولم يفرق بين مرشح ومرشحة".
 وشددت عوض الله على ان الحزب يدعم المرأة في جميع نضالاتها"، معتبرة ان "الحق يؤخذ ولا يعطى".
وحمّلت المرأة الفلسطينية مسؤولية تراجع دورها السياسي قائلة: "العيب فينا وليس في الحزب، بل على المرأة ان تناضل وتنتزع حقها".
الـ"كوتا" الحزبية ليست الحل
وطالبت عوض الله باعتماد نظام ال"كوتا" في المجلس التشريعي، فيما اعتبرت ان ""كوتا" حزبية لن تحل المشكلة، لانه وفقا للقانون الانتخابي الحالي لا يمكن للأحزاب الصغيرة نهائيا ان تصل الى البرلمان، بمرشحيها كافة، سواء كانوا من الرجال أو النساء".
وعند سؤالها عن وجود المرأة في حزب الشعب وطبيعة هذا الوجود قالت: "لدينا خمس رفيقات وصلن في المؤتمر الأخير الى عضوية اللجنة المركزية، إضافة الى ان هناك رفيقات يعملن في لجان المناطق ولكن ليس لهن مناصب عليا".
يذكر ان العضوات الخمس اللواتي وصلن الى عضوية اللجنة المركزية في حزب الشعب، وصلن وفقا لـ"كوتا" تم منحها لهن، الأمر الذي أعادته عوض الله "الى طبيعة المجتمع، التي ادت الى ضعف مشاركة النساء الفلسطينيات في العمل الحزبي في شكل عام، ما استدعي الحزب تخصيص "كوتا" للنساء لدعمهن في الوصول الى مناصب قيادية فيه".
للمرة الأولى
وفي خطوة جريئة ومغايرة تماما، لحال المرأة في السواد الأعظم من الأحزاب السياسية الفلسطينية، أقدم حزب الاتحاد الديموقراطي الفلسطيني "فدا" على ترشيح إحدى عضواته الى منصب وزيرة في الحكومة أخيرا.
حول هذه التجربة التي لم تكلل بالنجاح، تحدثت مرشحة الحزب عضو المكتب السياسي في "فدا" زهيرة كمال قائلة: "فدا هي الجهة الوحيدة التي أعطت المرأة مكانة متقدمة، عبرت عنها بترشيحي للوزارة، الأمر الذي كنا نرغب في ان نراه لدى أحزاب أخرى".
وأضافت " على رغم ان ابو مازن (محمود عباس رئيس الوزراء) لم يضمني الى حكومته  الا أنها تبقى تجربة رائدة لحزب "فدا" ان يختارني من دون أعضائه لتمثيله".
وأكدت كمال ان "المرأة الفلسطينية من دون دعم حزبي لها ستبقى منسية في مواقع القرار السياسي".
وأشارت الى انها "توقعت ان ترى مشاركة نسوية اكبر داخل الحكومة" مؤكدة ان "هناك الكثير من النساء الأكاديميات والكفاءات في مواقع مختلفة في المجتمع الفلسطيني لكنهن مهمشات".
واعتبرت كمال أن "الحكومة الجديدة مقتصرة على الرجال على رغم وجود ام جهاد (انتصار الوزير وزيرة الشؤون الاجتماعية)فيها"، مضيفة "مع كل التقدير لام جهاد الا انها لم تختر لكونها امرأة حققت إنجازات ولديها رؤية نسوية تسعى لتحقيقها ولكن لانها زوجة مناضل نحترمه ونقدر نضاله".
تمثيل نسوي حقيقي
وطالبت بتمثيل نسوي حقيقي داخل الحكومة، قائلة "نريد امرأة لها رؤية وبرنامج نسوي تسعى الى تنفيذه ليس فيما يتعلق بالنساء فقط وانما بتعميق مفاهيم المشاركة والديمقراطية ودعمها، وتمكين فئات المجتمع المهمشة".
وبالحديث عن وجود النساء في "فدا" قالت كمال ان "الحزب يرى في المرأة جزءاً فاعلاً في عمله، حيث يضم مكتبه السياسية ولجنته المركزية في عضويتهما عدداً من النساء"، إضافة الى انه "لا يقبل أي هيئات لا تضم نساء".
واعتبرت ان "هذا الوجود ليس رمزيا او ديكورا انما حضور فاعل وبعدد مناسب يمكنّهن من تحقيق أنفسهن".
وأكدت ان "القوائم الحزبية لـ"فدا" لن تخلو من النساء، الا ان العدد سيختلف من منطقة الى أخرى".
وطالبت كمال بـ"اعتماد نظام التمثيل المختلط، وبتخصيص "كوتا" للنساء".
واستنادا الى الرؤى والمواقف المطروحة آنفاً، ندرك بما لا يدع مجالا للشك والتقولات ان الانتخابات القادمة لن تكون بعيدة في نتائجها عن سابقتها.
 الا اذا استدركت الحركة النسوية قصورها وعملت على توحيد جهودها وتكثيفها، واختارت مرشحات قادرات على خوض المعركة بدعم من "كوتا" برلمانية او حزبية  او من دونهما، من دون إغفال ضرورة ان ترفع الأحزاب والقوى نسبة "كوتا" النساء فيها أولا، ومن ثم تنادي بتخصيص النسبة نفسها في المجلس التشريعي كي تستقيم الأمور، وتصبح الدعوة اكثر عقلانية.

--------------
الجزء الأول
ضجة واتهامات لمشروع قانون العقوبات:
يبيح الزنا والدعارة والقمار...وضد الإرهاب
عناوين أخرى: د. أبو حلبية: القانون مخالف للدستور
الدحدوح: لماذا لم يُثر احد على القانون البريطاني المعمول به منذ سبعين عاما.
الرومي: القانون اقر بموافقة ستة أعضاء وتحفظ عضو واحد
الحجار: تعريف "الإرهاب" في المشروع "فضفاض"

كتبت سامية الزبيدي
زنا..سُكر..عربدة..بيوت للقمار والدعارة..وتغيير في حدود الله هذه هي الشعارات التي تناثرت على صفحات بعض المجلات والصحف، وفي أروقة المؤتمرات، التي عقدت احتجاجا على ذلك.
ولم يقتصر الأمر على إعلان المواقف، والتصريح بالرأي، بل طاول الشتم واللعن والتكفير أطرافاً عدة، فكل من كان مع مشروع قانون العقوبات الذي قرأه المجلس التشريعي، بالقراءة الأولى، ومن كان ضده، لم يسلم من ذلك.
وعلى رغم، أن هذا القانون ليس الأول ولا الوحيد، الذي يقر في غيبة من الرأي العام، ورأي المختصين من المؤسسات الحقوقية والمجتمعية، إلا انه الوحيد، وكذلك الأول، الذي يثير هذه الضجة الكبيرة.
كذلك، لم يكن هذا المشروع-الذي اقر بتصويت 6 أعضاء من اصل 7 أعضاء كانوا حاضرين وقت إقراره من اصل 84 نائباً ( كامل أعضاء المجلس التشريعي مستثنى منهم المعتقلين في سجون الاحتلال والمتوفين)-القانون الأول، الذي يقر بحضور هذا العدد الضئيل من النواب، إلا أن أيا من القوانين السابقة التي أقرت بالطريقة عينها، لم تثر أدنى اهتمام لدى مثيري هذه الضجة لا من قريب ولا من بعيد، على رغم أنها كانت، كما مشروع القانون الحالي، وضعية بعيدة عن مبادئ الإسلام الحنيف في مجمل أحكامه.
إذن، فما هي مسببات هذه الضجة؟ وما مدى صحة ما أشيع حول المشروع ومحتواه؟ و كيف تم إقراره وما مدى قانونية ذلك؟ وما هي صحة ما أشيع عن ممارسة ضغوط على المجلس التشريعي لإقرار القانون في غفلة من معظم أعضاءه؟ وفي النهاية ما هو مصير هذا القانون الذي جمد نقاشه وعرضه للقراءة الثانية اثر هذه الضجة؟
مجلة "الدار" تابعت هذه القضية، وبحثت عن إجاباتها الخاصة، في التحقيق الآتي:
الدكتور احمد أبو حلبية أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية، ونائب رئيس رابطة علماء فلسطين في محافظات غزة، يعتبر مشروع القانون "مخالف للإسلام نصا وروحا"، مشيرا إلى ان "المادة الرابعة من القانون الأساس الذي يعد بمثابة الدستور الخاص بالدولة الفلسطينية تنص على ان الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وان مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، لذا فوجود هذا القانون وأمثاله، مما يخالف نصوص الشريعة الإسلامية يعد مشكلة دستورية".
ويؤكد ان "قانوناً بهذه الخطورة يجب ان لا يقر أو يناقش إلا بحضور أغلبية من أعضاء المجلس التشريعي لا بحضور 6 أعضاء يقرون القانون في جلسة مسائية في رام الله"، مضيفا "لا نريد ان يُضحك علينا كمسلمين وكشعب فلسطيني، ان يقول الدستور شيء، وعند صوغ المواد الفرعية لا يُفعّل الدستور".
ويشير د.أبو حلبية إلى ان "المشروع الجديد مأخوذ من القانون المصري المستمد من القانون الفرنسي، الذي صيغ في العقود الأولى من القرن الماضي إبان احتلال بلاد عربية وإسلامية، وهي حقبة كانوا يغطون فيها في جهل كبير".
ويعترف د.ابو حلبية "نعلم انه لن يكون هناك اهتمام بتطبيق الشريعة كما يريد الله في قوانيننا التي تحكمنا، ولكن نستطيع ان نقوم بدور بارز في إنكار مثل هذا المنكر، الذي يتمثل في إقرار قوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية".
ويضيف: "نستطيع من خلال هذا الدور ان نعمل على إجهاض أي قوانين تتعارض معها"، مشيرا إلى الحملة التي نظمتها قوى إسلامية في المجتمع لإجهاض القانون، حيث نظمت رابطة علماء فلسطين خلال الشهر الماضي مؤتمرا حاشدا في قاعة رشاد الشوا نددت فيه بالقانون، وطالبت بإلغائه، كما افرز المؤتمر موعدا للخروج في مسيرات ضخمة احتجاجا وضغطا على مقري القانون، لإلغائه، إلا ان تجميد القانون من قبل المجلس التشريعي حال دون تسيير هذه المسيرات، كما تبع هذا المؤتمر مؤتمر آخر للحركة النسائية الإسلامية في فلسطين، حذا حذو المؤتمر الأول في محتوياته وتوصياته.
ويعتبر د.أبو حلبية المؤتمر "أدى دوراً بارزاً في التأثير على عدد من أعضاء المجلس التشريعي، وخلق لديهم توجهاً بعدم إقرار القانون بهذه الصيغة في القراءة الثانية".
ويشير إلى إنجازات أخرى للمؤتمر تمثلت في "الاتفاق على ان تعد لجنة شكلت لهذا الغرض من علماء الرابطة مشروع قانون عقوبات إسلامي، يتم عرضه على المجلس التشريعي، كما تم الاتفاق على موعد قريب موسع يلتقي فيه العلماء مع عدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي في محافظات غزة لعرض المشروع المقترح".
وفي استعراضه لأهم مآخذه على مشروع القانون يشير د. ابو حلبية إلى "حذف فقرة مهمة من الفصل الخاص بالإرهاب في المادة 84 من مشروع القانون في القراءة الأولى، كانت موجودة في مشروع القانون والتي تنص على انه لا تعد جريمة حالات النضال والمقاومة والكفاح المسلح وأعمال مقاومة المحتل واسترداد الأرض وتحريرها"، متخوفا "من تجريم من يناضل ويحمل السلاح لمقاومة الاحتلال".
وفي قضايا أخرى طرحها القانون، يعترض د.أبو حلبية " عدم نص القانون على عقوبة لجريمة الردة عن الدين، وحد الردة في الإسلام هو قتل المرتد، بعد الاستتابة ثلاثة أيام، إضافة إلى مادة أخرى تعاقب من تجرأ على الله سبحانه وتعالي، وعلى رئيس الدولة بالسب أو بالعيب يعاقب بالحبس الذي تتراوح مدته من أسبوع إلى ثلاث سنوات، وفي هذا مساواة المخلوق بالخالق علما بان جريمة سب الله سبحانه وتعالى والشرائع السماوية توصل صاحبها إلى الكفر".
وفيما يتعلق بالقضايا الأكثر سخونة والتي تتعلق بالزنا والسكر والمقامرة يقول د.أبو حبية ان "القانون عرف الزنا باتصال شخص متزوج رجلا كان أو امرأة اتصالا جنسيا بغير زوجه، أي ان اتصال غير المتزوج بغير المتزوجة لا يعد جريمة زنا، بل يعد جنحة، كذلك الأمر بالنسبة إلى جريمة السكر التي لا يعدها القانون جريمة إلا في حالة السكران الذي وجد في طريق عامة أو في مكان يرتاده الجمهور وارتكب تصرفا فيه إزعاج للناس أو أحدث شغبا، وهذا أيضا مخالف للشريعة الإسلامية، حيث تنص على إقامة حد السكر على السكران أينما ضبط".
ويضيف: "إما جريمة القمار وفتح دور لها فقد عاقب القانون أولئك بالحبس أو بالغرامة إذا لم يكن هناك إذن من الجهات المختصة، أي انه إضافة إلى انه يفتح المجال للترخيص لهذه الجوانب، فان العقوبات المقرة مخففة جدا".
وعلى صعيد جرائم القتل، فيقول د. أبو حلبية "ان القانون لم يذكر إلا القتل العمد، وعقوبته الإعدام، فيما لم يذكر القتل شبه العمد، كما انه لم يتعرض لا من قريب ولا من بعيد للدية التي تعتبر جزءاً من العقوبة، إضافة إلى الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين".
وللبحث في مدى صدق الاتهامات السابقة، قابلت مجلة "الدار" نائب رئيس ديوان الفتوى والتشريع بوزارة العدل الفلسطينية المستشار سليمان الدحدوح، واحد أعضاء اللجنة المكلفة بصوغ مشروع القانون التي شكلها الديوان، الذي يؤكد ان "المشروع نابع من واقعنا الفلسطيني، ووضع من قبل لجنة من رجال القانون الفلسطينيين من الضفة والقطاع، معظمهم قضاة وأستاذة جامعات، واستعانت بمستشار قضائي مصري"، مشددا على ان "الاستعانة به لا تعني ان القانون نابع من القانون المصري".
ويوضح ان مصادر مشروع القانون "هي قوانين العقوبات المعمول بها حاليا، بالإضافة إلى الشريعة الإسلامية، التي هيمنت على اغلب أحكام القانون، علاوة على قوانين العقوبات في الدول العربية والعالمية، ولم نأخذه من الفرنسي أو الإنجليزي بالتحديد، بل اعددنا قانوناً يعبر عن نمط سلوك أفراد المجتمع الفلسطيني العربي المسلم، ولا يلتزم بنمط من الأنماط العالمية".
وفيما يتعلق بممارسة ضغوط معينة على اللجنة لصوغ قوانين محددة مثل المادة المتعلقة بالإرهاب، يؤكد انه "لا توجد أي جهة أثرت على اللجنة في وضع النصوص ولا وضع السياسات العامة".
و يؤكد ان المادة المتعلقة بالإرهاب "جاءت لتفسره بالمعنى الفلسطيني، وليس كما تفسره الولايات المتحدة، أو إسرائيل أو غيرها، أما ما حذف منها خلال قراءة المجلس التشريعي له، فليس لنا علاقة به".
ويشدد الدحدوح على ان "المفاهيم التي تشاع حول القانون، ليست صحيحة، من انه يتنافى مع الشريعة الإسلامية، وان القانون لم يترك حكم أو جريمة وردت في الشريعة إلا وضع لها نصوص وعقوبات تتناسب مع الهدف الذي قصدته الشريعة الإسلامية"، مضيفا ان "الهدف واحد، لكن سبب الاختلاف إننا نضع قانوناً لمجتمع عربي فلسطيني غير مؤهل لتطبيق العقوبات المقررة في الإسلام، من رجم، أو قطع يد".
ويتهم الدحدوح مثيري الفتنة "بأنهم لم يفهموا القانون ولم يقرأوه بمعناه الحقيقي، وإنهم ليسوا قانونيين"، مؤكدا ان "النص العام لا يطبق أو يفهم إلا بعد متابعة النص الخاص بكل جريمة، على سبيل المثال قانون المسكرات، لقد وضعنا قانوناً عاماً حوله في مشروع العقوبات، وسنضع قانوناً خاصاً به مفصل بصورة اكبر، لا يفهم ولا يطبق النص العام إلا به".
ويشير الدحدوح إلى ان "القانون عرض على قسم خاص باللغة العربية ولم يخرج القانون من ديوان الفتوى والتشريع إلا بعد ان تم تدقيقه من قبل متخصصين في اللغة العربية، ونوقش مع جهابذة القانون والشريعة، ولم يأت أي احد منهم بتفسير لأي نص يخالف معناه الحقيقي، كما حصل في الزوبعة الأخيرة".
وتساءل الدحدوح: "لماذا لم تثر أي ضجة حينما كنا نعمل بالقانون الإنجليزي منذ سبعين عاما، وهو قانون أسوأ آلاف المرات من المشروع المقدم؟".
انتقالا مع مشروع القانون إلى المجلس التشريعي، الذي قرأه بالقراءة الأولى، التقت "الدار" الشيخ سليمان الرومي مقرر اللجنة القانونية في المجلس التشريعي، الذي يؤكد أن "اللجنة درست مشروع القانون فور إحالته إليها من ديوان الفتوى والتشريع، وعرضه للمناقشة العامة في المجلس، كما عقدت نحو 30 جلسة استماع وورشة عمل شارك قضاة، ووكلاء من النيابة العامة، ومحامون و ممثلون عن مراكز حقوق الإنسان، والصحافة، والمؤسسات الوطنية والأهلية، و استمرت النقاشات نحو عام كامل، إضافة إلى دعوة المرجعيات الدينية للمشاركة في الجلسات ومناقشة المشروع.
بعد ذلك قامت اللجنة بعرض المشروع على خبراء مصريين مشهود لهم في القانون خلال زيارة لدولة مصر، ثم قامت اللجنة بتعديله طبقا للمناقشات التي تمت".
ويضيف: "لم يتم عقد جلسة مناقشة المشروع وإقراره إلا بعد إعلام جميع النواب بموعد الجلسة وأعمالها وتزويدهم بنسخة منه"، مؤكدا أن "هناك نظاماً يحكم هذه الأمور وهذه الإجراءات يعرفها النواب، وجرى إتباعها في جميع القوانين من دون استثناء، حيث تبدأ الجلسة بالنصاب القانوني الذي يساوي النصف زائد واحد، لكن القانون لا يلزم المجلس بالتوقف عن نقاش المشروع إذا نقص عدد النواب عن النصاب، وهذا عرف برلماني معمول به في الدول العربية والغربية كافة".
ويشدد الرومي على أن " من يعنيه المشروع يجب عليه أن يستمر في حضور الجلسة والمناقشة"، منكرا الاتهامات التي أطلقها البعض ومفادها أن الجلسة التي قُرأ خلالها المشروع بالقراءة الأولى كانت جلسة مسائية لم يعلم بها إلا عدد محدود من النواب.
ويقول: أن "الجلسة عقدت بواسطة تقنية الدائرة التلفزيونية المغلقة "فيديو كونفرنس في كل من مدينتي رام الله وغزة، لعدم تمكن نواب محافظات غزة من الوصول إلى رام الله، واستمرت من الساعة الثانية عشر صباحا وحتى التاسعة مساءً تخللتها استراحة غذاء فقط، وجميع النواب يعرفون النظام ويعرفون جدول أعمال الجلسة".
وينكر د. كرم زرندح النائب في المجلس التشريعي في حديث الى "الدار" ذلك، قائلا: انه "ليس من عادة المجلس ان يعقد جلسات مسائية، خاصة إذا كان هناك جلسة صباحية"، مؤكدا انه "لم نعلم بالجلسة المسائية إلا قبل انعقادها بدقائق ونحن نبعد عن مقره حوالي 20كيلو متر".
ويشدد على ان "الجلسة المسائية لم تكن موجودة ضمن الجدول، ثم علمنا ان الجلسة لم يحضرها سوى 6 أعضاء من رام الله ونحن ممنوعون من السفر إلى رام الله"، معتبرا ذلك "غير قانوني".
إلا ان الرومي يؤكد ان إقرار القانون بستة أعضاء فقط من النواب "ليس عيبا من الناحية القانونية، وان الذي يتحمل مسؤولية الغياب هم الأعضاء أنفسهم"، مشددا على انه "كان يجب على من يريد معارضة المشروع ان يستمر في حضور الجلسة، حتى يتمكن من الإدلاء برأيه، ويسجل موقفه رسميا تحت قبة البرلمان، لا في أماكن أخرى".
وحول مدى ديمقراطية ان إقرار قانون مهم مثل قانون العقوبات بحضور هذا العدد الضئيل من النواب، يؤكد الرومي ان "الفصل الثاني من النظام الداخلي للمجلس ينص على انه يتم إقرار مشاريع القوانين بالأغلبية المطلقة" وفي مادة(1) منه تفسير الأغلبية المطلقة بالنصف+ واحد من عدد أعضاء المجلس الحاضرين عند اخذ الرأي أي التصويت".
و يدافع الرومي عن مشروع القانون قائلا: "لا شك إننا لا نعيش على كوكب آخر، وان هذه القوانين متراكمة وهي تشكل نظام قانوني لا يمكن تغييره بين عشية وضحاها، والقانون المعمول به حاليا قانون وضعه المندوب السامي البريطاني 1936، ومازال معمولاً به حتى اليوم في غزة، وفي الضفة القانون الأردني المعمول به منذ عام1960، والمأخوذ أيضا عن القانون البريطاني"، مؤكدا ان الضجة التي أثيرت حول القانون وما أشيع حوله تضليل للناس، وقال: "لا يجوز لنا ان نضلل الناس، ونستعمل الكذب ونبرر به الغايات التي نريدها، بل لا بد من كشف الحقيقة للناس".
ويدافع الرومي عن مشروع القانون الحالي بمقارنته بالقانون المعمول به "حيث جاء يحرم الزنا، واللواط وكثير من الأمور المنكرة حتى لو كان ذلك بالتراضي خلافا لما ينشر بغير وجه حق بان القانون يسمح بهذه الجرائم".
ويتفق مع الدحدوح بان "القانون لا يؤخذ من مادة واحدة"، مستنكرا محاولات البعض "الاعتداء على المشروع بان يلصقوا به ما ليس فيه، حتى يقاوموه أو يغيروه".
وحول قرار تجميد القانون يؤكد الرومي ان "قرار التجميد يرجع إلى نواب الشعب"، معتبرا ذلك "قبولاً باستمرار العمل بقانون الانتداب البريطاني الذي هو أسوأ حالا بكثير من هذا المشروع".
من جانبه، يعتبر المحامي عدنان الحجار منسق الوحدة القانونية في مركز الميزان لحقوق الإنسان ما اسماه بـ"الضجة" " مبالغاً فيها ولا مبرر لها، حيث ضخمت تم تضخيم الموضوع هذه الضجة سياسياً أكثر منه أي شيء آخر".
ويدين الحجار الحال التي وصلت إليها الساحة الفلسطينية اثر إقرار هذا القانون، حيث "وصل الأمر إلى حد التهجم وتخويف أعضاء المجلس من سن القانون، وأصبح هناك حال أشبه بالحرب الأهلية (الكلامية) على هذا المشروع"على حد قوله.
ويعتبر الحجار إقرار القانون من قبل عدد محدود من أعضاء التشريعي بـ"المشكلة العامة، فأعضاء المجلس مضطلعين بدورهم، ولا يناقشون المواضيع بجدية"، مشيرا إلى "وجود قوانين سارية حاليا نوقشت وأقرت بعدد ضئيل من الأعضاء".
وتكمن المشكلة حسب وجه نظره في "النواب وليس في وجود مؤامرات أو ضغوط على المجلس لإقرار القانون حسب ما أشيع من قبل البعض، حيث ان كل نائب يملك وسائله القانونية التي تسمح له بمراقبة التصويت ومناقشة القرارات، إضافة إلى حقه في الطعن أمام رئاسة المجلس إذا شك في قانونية الجلسة" في إشارة إلى ادعاء بعض النواب أنهم لم يبلغوا بموعد الجلسة التي اقر خلالها القانون.
ويرى الحجار أن حل المشكلة يكمن في "تغيير النظام الداخلي للمجلس التشريعي، بحيث لا يسمح بالتصويت إلا بالنصاب القانوني للمجلس، إضافة إلى ضرورة تمكين الشعب من مراقبة عمل وأداء المجلس، من خلال عرض كل جلساته عبر شاشة التلفزيون المحلي وعلى الهواء مباشرة".
ويؤكد الحجار ضرورة وجود مثل هذا القانون لتجديد وتعديل القانون السابق بما يتماشى مع تطور المجتمع، إضافة إلى توحيد القوانين المعمول بها في الضفة الغربية وقطاع غزة"، معتبرا "المشروع المقدم أفضل بكثير من القانون القديم، حيث احتوى على قوانين تتعلق بجرائم حديثة ومتطورة مثل الاحتيال بواسطة الحاسوب، ونقل الأعضاء البشرية والاتجار بها، وقضايا امن الدولة والجاسوسية، وغيرها".
ويعيب الحجار على القانون الفصل المتعلق بالإرهاب، معتبرا تعريف الإرهاب "فضفاضاً".
ويضرب مثلا على ذلك قائلا: "لو في مجموعة عمال مضربين عن العمل، واحتجزوا رب عملهم، يصبح هؤلاء العمال وفق القانون إرهابيين".
وينص الفصل الأول من مشروع القانون، المتعلق بالإرهاب في مادته (84) على ان "جميع الاعتداءات الإجرامية التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر عام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وترويع الآمنين ويلجأ إليها الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، وترتكب باستخدام القوة أو العنف، أو التهديد، وبوسائل من شأنها ان تحدث خطرا عاما كالمواد المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة...".
كذلك يعيب عليه "سعة السلطة التقديرية المعطاة للقاضي، حيث للقاضي ان يحدد تبعا لملابسات الجريمة، التي تكون عقوبتها السجن المؤقت، العدد الذي يرتأيه لعدد أعوام السجن، التي تتراوح بين ثلاثة أعوام إلى 15 عاما، وهي مدة طويلة جدا تركت للقاضي".
ويضيف الحجار "كذلك أجاز القانون، في حالات الزنا بين المتزوجين، سحب الشكوى من قبل الزوج ضد زوجه، حتى بعد الحكم، إذا ما قبل معاشرة زوجه، وهو ما سيفتح الباب لابتزاز الزوج لزوجه بإسقاط العقوبة عنه والعودة إليه"، معتبرا أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الخصوص أفضل لعلاج هذه الحالات، حيث وضعت شروطا تعجيزية لإثبات الزنا، إضافة إلى ان القرآن الكريم ذكر انه إذا وصلت العلاقة بين الزوجين إلى حد الملاعنة، فان أي حياة زوجية مستقبلية تستحيل بين الزوجين".
ويحمل الحجار النواب، ومؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية مسؤولية تمرير القوانين التي تحكم مستقبل الشعب الفلسطيني في غفلة منهم، متهما إياهم بالفشل على هذا الصعيد، خصوصا الأحزاب السياسية التي وصفها الحجار بـ"الغائبة مطلقا عن كل التشريعات على رغم أن الواقع الاجتماعي هو جزء من السياسة" التي تنصب عليها جل اهتمامات الأحزاب الفلسطينية.
وعلى رغم، أهمية هذا القانون على وجه الخصوص، إلا انه لا يمكن أن يوضع بمعزل عن باقي القوانين الفلسطينية الجديدة، التي اقر العديد منها سابقا، وكانت بمجملها قوانين ذات طابع علماني، إضافة إلى ان المشروع الجديد يظل في أسوأ أحواله أفضل من البقاء تحت أحكام قانون مضى على وجوده عقود عديدة.
إلا انه وفي كل الأحوال، يبقى هذا المشروع بحاجة إلى تضافر جهود كل المؤسسات المجتمعية والسياسية والقانونية، للوصول إلى قانون سيبقى إلى عشرات العقود القادمة متحكما في مصائر الفلسطينيين.
--------------
 الجزء الثاني
الجدل حول مشروع قانون العقوبات الفلسطيني يشتعل مرة أخرى على صفحات "الدار"
الشيخ الكحلوت: لم نعلم بمشروع القانون، سوى من الجرائد
العيلة: مشروع قانون العقوبات الفلسطيني من أحدث القوانين المماثلة في الدول العربية
الشيخ الجوجو: المشروع يغير في حدود الله، ويشجع على الزواج العرفي..
شقورة: مشاريع القوانين الفلسطينية قص ولصق من قوانين دول أخرى
الشيخ الأغا: صوغ مواد القانون مهلهل، والمشروع ملئ بالأخطاء اللغوية الفادحة
اللوح: لا استبعد ممارسة بعض الجهات ضغوط على المجلس التشريعي في قضايا معينة مثل الإرهاب.
الغول: الضجة التي أثارها مشروع القانون نوع من الإرهاب والضغط على المشّرع
كتبت سامية الزبيدي
في عددها السابق عرضت مجلة "الدار" جوانب عدة للقضية، التي أثارها مشروع قانون العقوبات، في محاولة منها لتسليط الضوء على هذا المشروع ومحتواه وعلى الضجة التي أثارها اثر قراءته بالقراءة الأولى في المجلس التشريعي.
وانطلاقا من حرص "الدار" على إثراء النقاش بالمعلومة الصادقة الموضوعية، قررت مواصلة طرق جدران الخزان.
يحذوها الأمل في خلق حال من الوعي والاهتمام لدى الرأي العام الفلسطيني اتجاه هذا القانون الخطير وغيره من القوانين التي تقر في غيبة منه.
و في حلقتها الثانية، استطلعت "الدار" أراء المعنيين والمهتمين بمشروع القانون، المؤيدين له، والمعارضين، وبحثت في أسباب كل منهم؟ وطرحت العديد من التساؤلات: لماذا أثار هذا المشروع ضجة لم يثرها سواه؟ وما مدى ديمقراطية وقانونية قراءته؟ وأين قوى و مؤسسات المجتمع المدني وأحزابه السياسية من هذا المشروع؟ وأين المواطن الفلسطيني سواء البسيط أو المثقف منه؟ وأين المرأة ومؤسساتها من وضع قانون جديد يكون بديلا لقانون العقوبات، الذي عانت منه طويلا؟ وأين وسائل الإعلام الفلسطيني بصحفه ومجلاته ومحطاته التلفزيونية والإذاعية من هذه القضية الخطيرة؟ وما هو مصيره بعد أن قرر المجلس التشريعي تجميده اثر الضجة التي أثارها؟
يشجع الرذيلة
يبرر الشيخ عبد الكريم الكحلوت مفتي محافظة غزة الضجة التي أثارها مشروع القانون قائلا: "مواد مشروع القانون مستمدة من قوانين أجنبية غريبة عنا، تعطي الرذيلة صفات القبول والرضا، بل وأحيانا تعطيها حق الوضوح والجلاء".
ويستشهد الشيخ الكحلوت على ما يقول بالمادة القانونية المتعلقة بالسكر، التي جرمت خلالها شارب الخمر إذا كان في مكان عام وأساء إلى الناس قائلا: "أن شارب الخمر إذا شرب ولم يعربد في الشارع ما لنا عليه من سبيل وهذه مخالفة واضحة لشرع الله".
ويزيد الشيخ الكحلوت: "قاتل الله من وضع (مشروع) هذا القانون، إذا فتحت محلات المقامرة بترخيص فلا مانع، كذلك فان القانون جرد رب الأسرة من مسؤوليته وهيمنته على بيته وأطفاله".
واتهم الكحلوت مشروع القانون بأنه "تغاضي عن الكثير من الجرائم، بل وقدم حمايته لها، وتهاون فيها على رغم خطورتها الشديدة مثل المقامرة التي تعتبر من أهم الجرائم التي تخرب المجتمع، وكذلك الخمر والزنا".
واعتبر مشروع القانون في مجمله "ليس جيدا، لأنه يجردنا كمسلمين وعرب من مبادئنا وأخلاقنا ويفتح أبواب الرذائل".
وحول مصير المشروع في ضوء تجميده من قبل المجلس التشريعي، يستغرب الكحلوت ذلك قائلا انه "لا يعتقد أن القانون تم تجميده".
ويرى أن "المجلس ليست له صلاحية سن القوانين لان مدته القانونية انتهت منذ فترة طويلة".
وفي معرض رده على سؤال لـ"الدار" حول غياب دور رجال الإفتاء والقضاة والخبراء الشرعيين عن صوغ وإعداد المشروع، أو المشاركة في تعديله، قبل عرضه على المجلس لإقراره من خلال جلسات المناقشة التي تعقدها اللجنة القانونية في المجلس، أكد الشيخ الكحلوت انه "لم يستلم أي نسخة من مشروع القانون من المجلس التشريعي".
كذبوا عليّ
وزاد على ذلك بالقول: "نأسف لعدم صحة هذا الكلام، وأنا ممن كذبوا عليه"، مشيرا إلى أن "نائب رئيس المجلس التشريعي إبراهيم أبو النجا كذب عليّ حينما قال انه سلمني المشروع في يديّ".
ووصف الشيخ الكحلوت ادعاءات البعض انه اطلع على مشروع القانون بأنها: "حملة ضللوا فيها الناس ليحملوهم على تصديقهم".
وأضاف: "لم نُستشر في أي شيء، ولم نعرف بمشروع القانون وما فيه من أخطاء وعيوب الا بعد نشره في جريدة الحياة ( الجديدة المحلية)".
وعلى صعيد اللجنة التي أفرزها مؤتمر رابطة علماء فلسطين التي عقدت مؤتمرها احتجاجا على المشروع اثر قراءته بالقراءة الأولى، في قاعة مركز رشاد الشوا الثقافي بمدينة غزة قبل شهور عدة، وتم خلالها تكليف لجنة من العلماء بإعداد مشروع قانون جديد، يقدم إلى المجلس التشريعي بديلا عن المشروع، أو تعديله بما يتناسب مع ملاحظات اللجنة، يؤكد الشيخ الكحلوت أن أحدا من القائمين على هذه اللجنة لم يدعوه لصوغ مشروع قانون جديد أو وضع تعديلات على المشروع الحالي، قائلا: "الذين كلفونا في اللجنة لم يستدعونا منذ تشكيلها في المؤتمر".
وعاب الشيخ الكحلوت على المجلس التشريعي دوره على هذا الصعيد قائلا: "الأصل في المجلس أن يتصل بالعلماء منذ البداية ويعرض القانون عليهم لان القانون يمس عقيدة الأمة".
وكان الشيخ سليمان الرومي مقرر اللجنة القانونية في المجلس التشريعي أكد لـ"الدار" في العدد السابق أن "اللجنة درست مشروع القانون، وعرضته للمناقشة العامة في المجلس كما عقدت نحو 30جلسة استماع وورشة عمل شارك فيها قضاة ووكلاء من النيابة العامة، ومحامون وممثلون عن مراكز حقوق الإنسان والصحافة والمؤسسات الوطنية والأهلية، واستمرت النقاشات نحو عام كامل، اضافة إلى دعوة المرجعيات الدينية للمشاركة في الجلسات ومناقشة المشروع.
القانون الأحدث
من ناحية أخرى، يشيد عبد الحميد العيلة المستشار القانوني في المجلس التشريعي بمشروع قانون العقوبات واعتبره "من أحدث مشاريع قوانين العقوبات في المنطقة العربية".
وعرض العيلة أنواع ومضامين النصوص القانونية، التي تضمنها المشروع، قائلا: أنه "تضمن أربعة أنواع من النصوص القانونية، المجموعة الأولى نصوص خاصة ترتبط بالنظام السياسي للمجتمع ومنها المتعلقة بالجرائم المضرة بالنظام العام والمخلة بالدستور والمضرة بالمصلحة العامة، وهناك نصوص خاصة ارتبطت بالنظام الاقتصادي ومنها الجرائم الاقتصادية والمتعلقة بالأموال كالسرقة والسطو وجرائم النصب، والغش، أما النوع الثالث منها فهو مرتبط بالقيم الأخلاقية والدينية السائدة في المجتمع ومنها الجرائم المتعلقة بالأديان، وأخيرا هناك نصوص ارتبطت بالنظام الاجتماعي ومنها الجرائم التي تقع على الأفراد (الأشخاص) ومنها جرائم القتل والانتحار، والجرائم المتعلقة بالواجبات التي تقضي بالمحافظة على حياة الناس والمتعلقة بالصحة العامة وجرائم الاعتداء على الحرية الشخصية".
وأكد العيلة أن "مشروع القانون أقر معظم الجرائم التي كان منصوص عليها في قانون العقوبات الفلسطيني (1936) المعمول به في قطاع غزة، والأردني (1960) المعمول به في الضفة الغربية بصياغة جديدة بهدف توحيد القوانين، إضافة إلى انه توسع في بعض الأحيان في أنواع معينة من الجرائم بحيث اشتملت بعض نصوصه على تجريم أفعال لم تكن مجرمة في السابق مثل جريمة الزنا التي لم تتطرق لها النصوص في القانون القديم لا من قريب ولا من بعيد، إلا أن مشروع القانون جرمها بشكل واضح أسوة بالقانون المصري".
وأضاف: "كما استحدث نص تجريمي ليس له وجود حتى اللحظة في قوانين العقوبات في الدول المجاورة، وهو جريمة المواقعة غير الشرعية (الزنا) إذا تمت برضى الأطراف.
وفيما يتعلق بمدى خفة العقوبات المفروضة على الكثير من الجرائم الخطيرة يؤكد العيلة أن "القانون مازال في إطار القراءة في المجلس التشريعي ولم يأخذ صفته النهائية بعد، وهناك مجال للتخفيف أو التشديد في العقوبات"، مشيرا إلى أن "كثيراً من العقوبات شددت خلال قراءة القانون الأولى مقارنة بما كان موجود في مسودة المشروع".
خلط في المفاهيم
وأرجع العيلة أسباب الضجة، التي أثارها مشروع القانون إلى ما اسماه بـ"الخلط في المفاهيم"، مؤكدا انه "ليس مطلوب من المواطن العادي فهم وتفسير القانون على كيفه، هذه مهمة القضاة والقانونيين".
وقارن العيلة بين أنواع الجرائم، التي ذكرتها الشريعة الإسلامية وبين ما ذكره مشروع القانون، والمقسمة إلى ثلاثة أنواع من الجرائم النوع الأول هو جرائم الحدود وهي سبعة (الزنا، القذف، الشرب، السرقة، الحرابة، الردة، البغي) وعاقبت عليها الشريعة الإسلامية عقوبات مقدرة سميت بالحدود، أما النوع الثاني فهو جرائم القصاص والدية مثل جرائم القتل العمد وشبه العمد، والقتل الخطأ، والجرح العمد، والجرح الخطأ، ولكل جريمة حكمها، أما النوع الثالث فهو جرائم التعازير، التي لم تحدد الشريعة عقوبات محددة لها وتركت أمر تقديرها لأولي الأمر".
وأكد العيلة أن "المشروع لم يذكر في ثنايا نصوصه ما يحل ما حرمه الله أو ما يحرم ما يحلله الله، أي أن المشروع لم يأت بأي نص يبيح فعل من الأفعال التي حرمتها الشريعة الإسلامية في جرائم الحدود، فقد جرم السرقة والزنا وشرب الخمر، لكنه اختلف مع الشريعة في مقدار العقوبة المقررة".
وأضاف: "أما في جرائم القصاص والدية، فقد تم إقرار عقوبات إلى حد ما تتفق مع العقوبات الشرعية مثل جريمة القتل المقرر لها عقوبة الإعدام، أما النوع الثالث وهو جرائم التعازير فهي متروكة في غالبيتها لأولي الأمر وهو المشرع في حالتنا هذه أي المجلس التشريعي".
وفي جريمة الزنا، يشير العيلة إلى تجريم المشروع لهذه الجريمة على ثلاث مستويات "المستوى الأول وهو الاغتصاب، الذي يتحقق بانعدام الرضى من احد طرفي العلاقة، والثاني وهو الزنا الذي يتحقق بالرضا من طرفيه شريطة أن يكون احد أو كلا طرفي العلاقة متزوج، والثالث ما ورد في فصل الاغتصاب وهتك العرض وانتهاك الآداب في المادة (258) وهي المواقعة غير المشروعة، التي يتحقق فيها الرضا بين طرفيه غير المتزوجين، وشدد المشروع العقوبة وخففها وفقا لما فيه درءاً للمخاطر والمفاسد الأكبر، واضعين نصب أعيننا حماية الأسرة بدرجة أساسية في حال المتزوجين".
تساهلا واضحا
ومن جانب آخر، يرى القاضي الشرعي الشيخ حسن الجوجو من واقع خبرته الفعلية، في هذا القانون "تساهلا واضحا مع الجرائم التي تمس الأخلاق على وجه خاص"، موضحا ذلك بالقول أن مشروع "القانون يعتبر الفعل الجرمي جناية إذا كانت عقوبته الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت، الذي لا تقل المدة فيه عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن 15 سنة طبقا للمادة التاسعة ويعتبره جنحة إذا كانت عقوبة الفعل الحبس الذي تزيد مدته على أسبوع ولا تتجاوز ثلاث سنوات أو غرامة تجاوز 50 دينارا أردنيا كما نصت على ذلك المادة العاشرة من قانون المشروع المذكور، فإذا لم يزد الحبس على أسبوع والغرامة على 50 ديناراً فان الفعل يعد مخالفة كما نصت على ذلك المادة الحادية عشرة من مشروع القانون".
ويضرب على ذلك مثلا " جريمة الزنا التي تتم بالتراضي ولا يعاقب عليها القانون المقترح الا بعقوبة مخففة، كذلك الحال في جريمة اللواط وجريمة القذف، أما عقوبة شرب الخمر فلا يعاقب القانون عليها للسكر ذاته وإنما يعاقب السكران إذا وجد في الطريق العامة في حال سكر بيّن كما تنص على ذلك المادة(281)، وهذا أمر يترتب عليه زيادة في عدد الأفعال التي تكون الجرائم الأخلاقية واتساع في مداها، الأمر الذي يهدد المجتمع الفلسطيني بشكل واضح".
وعاب الشيخ جوجو على مشروع القانون أيضا "عدم تحديده وتوضيحه بعض العقوبات فيما يتعلق بالجنح والمخالفات، مثل استخدامه مصطلح الحبس من دون توضيح آليته ومفهومه، اهو حبس يتعلق بالجنحة فتكون مدته تزيد على أسبوع ولا تجاوز ثلاث سنوات؟ أم هو متعلق بالمخالفات، الذي لا تزيد مدته عن أسبوع؟".
كما أنكر الشيخ جوجو على المشروع إعطائه " الحق في العفو العام والعفو الخاص عن العقوبات المترتبة على الجرائم سواء كانت جنايات أم جنحا أم مخالفات، بإسقاط العقوبة كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة اخف إلى المجني عليه أو ولي الأمر أو القاضي وغيرهم، وفي هذا مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية التي لا يجوز فيها العفو مطلقا من قبل أي احد في جرائم الحدود، فيما لا يجوز لسوى المجني عليه العفو عن القصاص مقابل الدية في جرائم القصاص، أما في جرائم التعازير فيجوز لولي الأمر أو القاضي حق العفو عن الجريمة بشرط أن لا يمس العفو حقوق المجني عليه.
يشجع الزواج العرفي
وأضاف إلى انتقاداته على مشروع القانون المادة (207) التي تعفي- من وجهة نظره- كل من أجرى مراسم الزواج خارج نطاق المحاكم الشرعية بصورة تتفق مع القانون من العقوبة والمسائلة، وفي هذا تشجيع على الزواج العرفي، الذي يتم خارج المحاكم الشرعية، كما منعت المادة (209) فقط زواج البنات من سن الخامسة عشرة سنة وقبل بلوغهن السابعة عشر من دون إذن القاضي أو من دون موافقة الولي الشرعي ومعنى ذلك ان الولي الشرعي لو وافق على هذا الزواج الذي يتم خارج المحكمة الشرعية من دون إذن القاضي فلا عقوبة، كذلك فانه يجوز إجراء مراسم الزواج للفئة العمرية التي جاوزت السابعة عشر سنة من دون إذن القاضي أو موافقة الولي الشرعي".
وكرر الشيخ الجوجو اتهامات البعض بان "المشروع خالف نصا أساسيا من نصوص القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، الذي اعتبر الشريعة مصدرا من مصادر التشريع عندما اغفل القانون ذلك و لم يراع في كثير من مواده ما تنص عليه الشريعة الإسلامية".
إلا أن مازن شقورة مدير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن في قطاع غزة كان له رأي آخر، معتبرا أن "الإسلام احد مصادر القانون ولا يعني انه الوحيد حسب القانون الأساسي".
وأكد أنه "إذا أردنا تطبيق الشريعة الإسلامية على القانون، فانه سيكون لدينا قانون لا علاقة له بمنظومة القوانين الأخرى".
وأرجع شقورة سبب هذه الضجة التي أثارها القانون من دون غيره من القوانين، إلى "وجود خلل في فلسفة التشريع الفلسطينية، ماذا نريد؟ هل نريد قوانين ليبرالية؟ أم علمانية؟ أم إسلامية؟ أم خليط ؟ ما يوجد لدينا حاليا هو قص ولصق من قوانين أخرى لا أكثر".
وعلق شقورة على قراءة المشروع بسبعة أعضاء فقط من أعضاء المجلس التشريعي البالغ عددهم 84 عضواً قائلا أن " هذا يتعلق بسخافة النظام الداخلي للمجلس التشريعي، المأخوذ عن النظام الداخلي للكنيست الإسرائيلي في إقرار القوانين"، متسائلا" لماذا يشترط النظام الداخلي التصويت بثلثي الأعضاء في القضايا السياسية مثل سحب الثقة عن الحكومة، أو المصادقة على تعيين وزير.. وغيره، ولا يشترط الأغلبية في القوانين التي تمس حياة الأمة كلها".
حقوق الإنسان
واعتبر شقورة قانون العقوبات من أهم وأخطر القوانين التي لها صلة بمعايير حقوق الإنسان وكرامته، مطالبا بـ"قانون منسجم مع معايير حقوق الإنسان الدولية، وان تكون واضحة لا تقبل التأويل أو القراءات الخاطئة".
ودعا شقورة جميع المعترضين على مشروع القانون إلى "مناقشته داخل البرلمان وليس بتوزيع البيانات الوهمية والتحريض ضد القانون"، معبرا عن وجهة نظره بان "التشريعات الاجتماعية متبدلة ومرنة بين زمان وآخر، وما يجوز تشريعه للألمان لا يجوز تشريعه للفلسطينيين، وما يجوز في الدولة الأيوبية لا يجوز اليوم في الدولة الفلسطينية".
وعاب شقورة على المشروع "إقحامه بعض المصطلحات والقضايا السياسية مثل المادة المتعلقة بالإرهاب" واصفا إياها "بالإقحام من دون معنى، والمشحون والمختلف عليه عالميا".
وأضاف إلى ذلك " هناك إشكالية أخرى، صنعها المشروع حينما أعطى القاضي سلطة تقديرية واسعة في اختيار العقوبة المناسبة مثل عقوبة الحبس التي تبدأ من أسبوع وتمتد إلى ثلاث سنوات، وعقوبة السجن التي تبدأ من ثلاثة أعوام وتمتد إلى 15عاما، وهي مدد طويلة جدا ومطاطة".
وأكد أن "السلطان على القاضي هو القانون أولا، ثم ضميره، فإذا أعطى القانون هذه المساحة الواسعة للقاضي سيكون هناك أحكام تعسفية وغير مضبوطة".
واعترف شقورة بتقصير المؤسسات المجتمعية والقانونية والنسائية والأحزاب والقوى السياسية والهيئات الليبرالية والعلمانية عن المشاركة والتأثير في هذه القضية، واصفا هذه المؤسسات بـ"الفاشلة".
ودعا شقورة في ختام حديثه إلى "الدار" جميع هذه المؤسسات والقوى إلى "خوض معركة قانونية في ما يتعلق بهذا المشروع" لافتا إلى أن "حالة العزوف عن الضغط والمشاركة يجب أن تنتهي، و إلا سيجدوا أنفسهم أمام قانون لا علاقة له بحياتنا".
صوغ مهلهل
ومن ناحية لغوية صرفة، يرى الشيخ فتحي الأغا مدير العلاقات العامة والإعلام لدور الفتوى بمحافظات غزة أن "صياغة القانون بوجه عام مهلهلة، شديدة الولع بمفردات محددة أخذت حظها من التكرار غير المجدي، فضلا عن كثرة الجمل الاعتراضية التي توضع بين شرطتين من دون داع لها".
وأضاف: "كذلك يلاحظ أن التقديم والتأخير في العبارات جاء غير مناسب، إنما ليغطي النقل الحرفي من قوانين دول أخرى ومحاولة إزالة مظنة الحرفية، فجاء التقديم والتأخير والحشو ليبين أن الصياغة هي "صياغة فلسطينية" وليس نقلا حرفيا".
وضرب على ذلك أمثلة منها "عبارة " الموظفين العموميين" في مادة(30) وهي كلمة منقولة حرفيا من مخلفات القرن 18، و19، وكلمة "النصب" في المادة (351) التي لا استعمال لها في اللغة العربية، ويمكن تصحيحها بكلمة "احتيال"، وأيضا كلمة شيك في المادة (355) غير العربية، التي يمكن استبدالها بكلمة "صك".
وأشار إلى صياغات عشوائية أخرى لا علاقة لها باللغة العربية مثل "الفقرة الرابعة من المادة (325) التي جاءت فيها كلمات مثل بواسطة التسور، أو بواسطة التزيي بزي أحد "الضباط" وكان الأولى والأجمل أن تكون "متخفين في زي عسكري" أو "مرتدين زيا عسكريا"وغيرها.
كما عرض الشيخ الأغا نماذج عدة لسوء صياغة المشروع، مثل التكرار، والحشو، خاصة في حروف الجر، حيث كرر حرف الجر الباء في المادة (246) أكثر من 13مرة في خمسة اسطر فقط".
وهو ما يشكك في صدقية الحديث الذي أشار إليه كل من الشيخ الرومي، والمستشار سليمان الدحدوح في العدد السابق من أن "القانون عرض على متخصصين في اللغة العربية، ونوقش مع جهابذة القانون والشريعة".
على صعيد آخر، يتفق كل من دياب اللوح الناطق الإعلامي لحركة "فتح"، عضو اللجنة الحركية العليا فيها، و كايد الغول عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية على أهمية هذا القانون، وضرورة تحديثه بما يتلاءم مع الحال الفلسطيني، وواقعه".
مقصرين
إلا أن اللوح اعترف بقصور الحركة عن مواكبه هذه القضية، والمساهمة فيها، وان القانون لم يطرح حتى الآن للدرس في دوائر الحركة، قائلا: "ربما يشفع لنا في حركة "فتح" أن أعضائنا في المجلس التشريعي يقومون أولا بأول بقراءة وتنقيح القوانين كافة، التي تقدم إلى المجلس، فنكون مطمئنين بان الأمور في نطاق المجلس".
وعرض اللوح ملاحظاته على مشروع القانون، أهمها مطالبته "بإلغاء عقوبة الإعدام المقترحة في المشروع لأنها تعكس حال الرأي العام وليس القضاء العادل في كثير من الأحيان"، إضافة إلى "ضرورة تثبيت مبدأ المقاومة المشروعة والتمييز بين المقاومة والإرهاب، ولا ضير أن يتم ملاحقة أي أعمال تخل بالقانون".
إلا انه عاد وأشار إلى أن "كلمة الإرهاب كلمة حساسة ولا مكان لها في المجتمع الفلسطيني، و بالامكان استبدال هذا المصطلح بمصطلحات أخرى".
وعلى صعيد اتهامات البعض بممارسة ضغوط خفية على المجلس التشريعي لسن مثل هذا القانون قال اللوح "هذا وارد في خارطة الطريق، ولا استبعد أن تكون هذه ضمن الضغوط التي تمارس على السلطة الفلسطينية".
واستغرب اللوح مواد المشروع المتعلقة بالزنا والشرب واصفا إياها "بالغرابة في الصياغة، انه لم يأت على منعها بشكل قطعي وتركها للرغبة الشخصية، وحسب السن القانونية المسموح بها، في مجتمع محافظ"، مشيرا إلى مسألة ترخيص دور القمار وغيرها من الجرائم بان " مثل هذه البيوت تضر بالمجتمع وغريبة عنه".
وعلى صعيد الضجة التي أثارتها الحركات الإسلامية أكد اللوح انه "يحترم رأي المعارضة، طالما أنها في إطار حرية الرأي".
وشدد اللوح في نهاية حديثه على ضرورة إعادة النظر في مشروع القانون وفي النظام الداخلي للمجلس التشريعي الذي سمح لسبعة أعضاء فقط بإقرار مشروع القانون بالقراءة الأولى بشكل يضمن ديمقراطية التصويت على القوانين.
تحديث و انهاء للتناقض
من ناحيته، أكد الغول ضرورة "تحديث هذا القانون وتوحيده بين القوانين النافذة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، التي جاءت من أحكام القوانين الموروثة تعبيرا عن مصالح الانتداب والجهات الواضعة له، لذا فهي لا تعكس مصالح الشعب الفلسطيني، وبشكل ينهي حال التناقض بين القوانين النافذة والمرجعيات الفلسطينية ممثلة بوثيقة الاستقلال وما تضمنته من قواعد دستورية، وبالقانون الأساسي وما احتواه".
وحول قضية المواطنة التي طرحها مشروع القانون يقول الغول أن "المواطنة أو الجنسية هي علاقة قانونية وسياسية بين المواطن والدولة يجب أن يتمتع بها كل المواطنين والمواطنات في إطار هذه العلاقة بمساواة تامة من دون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق أو اللون"، منكرا محاولات ما اسماهم بـ"البعض فرض رؤى أيديولوجية لتكريس التمايز على أساس الدين في المجتمع الفلسطيني، فالمسيحية كما الإسلام هي جزء من مكونات المجتمع وحضارته، ومن الخطأ التعامل مع أي منهما على أساس العدد، فضلا عن انتهاك هذه الرؤى لحقوق التيارات الأيديولوجية الأخرى سواء كانت اشتراكية أو قومية أو علمانية".
وفي معرض استعراضه للقضايا التي أثارتها الضجة والمتعلقة بمجملها بالجرائم المضرة بالأسرة يقول: "لقد أدرج المشروع كل هذه الجرائم وحدد عقوبات لها، ولا نرى أنها تحتاج إلى كل هذا الاختلاف والهجوم، حيث يمكن التفاهم حولها بالحوار الهادئ والموضوعي بين رجال السياسة والقانون وصناع القرار والمؤسسات".
ووصف هذه الضجة "نوع من الإرهاب والضغط على المشّرع"، مؤكدا أن "هذه القضايا يجب معالجتها بالحوار والتبيان، من دون افتعال حال غير صحي في الشارع الفلسطيني".
القوى التقدمية
وردا على سؤال "الدار" حول قصور وغياب القوى اليسارية التي تطلق على نفسها لقب "التقدمية" عن مثل هذه القضايا المجتمعية الخطيرة، خصوصا الجبهة الشعبية يؤكد الغول: "أن الجبهة أدلت برأيها في مشروع القانون من خلال الرفاق المختصين، الذين شاركوا في الورشات والندوات التي عقدها المجلس التشريعي، كما شاركنا في العديد من الفعاليات، المباشرة، ومن خلال الكتابة في الصحف والمجلات أيضا حرصنا على طرح هذه القضية".
إلا انه عاد واعترف أن "هذه القضية لم تغط كما يجب وهناك قصور في مشاركة الأحزاب والمؤسسات الأهلية والمجتمعية فيها، واقتصرت النشاطات الموجودة على أطر نخبوية إلى حد كبير".
ولئن كانت النشاطات التي أفرزتها هذه الضجة على قلتها نخبوية، ولئن كان نواب المجلس التشريعي المنتخبين من قبل شعبهم غائبين أو مغيبين عن مصالح ناخبيهم، فمن سيضمن للمواطن الفلسطيني حياة ومستقبل أفضل بعد حياة طويلة أنهكته فيها قوانين الانتداب البريطاني من جهة، والأوامر العسكرية للاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى؟، ومن سيدافع عن مصالحه وتطلعاته؟!!!
------------------------
الجزء الرابع

"الدار" تتابع الملف:

مشروع قانون العقوبات هل كان ضحية إعلامنا الفلسطيني؟؟!

د. ابو شنب: إعلامنا مؤسسة سياسية، ونحن بحاجة الى ثورة في البناء الاعلامي 

عوكل: التيارات الاسلامية أكثر مثابرة وتنظيما وقدرة على استخدام وسائل الإعلام

د. حمد: أثرنا القضية، وليست مسؤوليتنا متابعته، و"الدار" قدمت تغطية موسعة ومتميزة للقضية

"الدار": حان الأوان لإعادة الاعتبار للحملة الإعلامية

كتبت سامية الزبيدي

عناوين رنانة، وأراء غير دقيقة تثير الاستغراب، ومواد مجزوءة، على شاكلة "ولا تقربوا الصلاة"، افترشت الصفحة العاشرة من صحيفة الراية الأسبوعية قبل اكثر من ثلاث شهور، أثارت زوبعة من الاحتجاجات الجماهيرية تبلورت في اثرها الدعوة لتسيير المسيرات وعقد المؤتمرات، فكانت الحصيلة عقد مؤتمري رابطة علماء فلسطين، والحركة النسائية الإسلامية في فلسطين، في قطاع غزة، فيما تراشقت الأوساط الفلسطينية الشعبية والرسمية، الإسلامية والعلمانية الاتهامات، بالقصور في احسن الأحوال، وبالكفر والانحلال، والرضوخ لاملاءات الاخرين في اوسطها، وبالخيانة واستهداف تخريب المجتمع في أسوأها.
وعلى رغم اعتبار البعض التقرير الذي نشرته صحيفة الراية الصادرة عن حزب الخلاص الوطني الإسلامي، حول المشروع غير موضوعي وتشهيري الى حد كبير، بعناوينه القطعية: "الزنا مسموح اذا كان بالتراضي بين الرجل والمرأة..!! وشرب الخمر والسكر مسموح اذا كان لا يسبب ازعاجا!!"، وبما احتواه من أراءٍ غير دقيقة و غير منصفة، كمقولة احد الخبراء القانونيين الذين استعانت بهم الصحيفة ان "القانون الجديد لا يختلف عن القديم الا في امور شكلية بسيطة"، وفي هذا غبن وهضم لحقوق وجهد العاملين على مشروع القانون.
إلا انه يبقى من المتفق عليه ان صحيفة الراية لعبت دورا اساسيا في اثارة هذه القضية، الأولى من نوعها على صعيد سن القوانين الفلسطينية، حيث لم يثر أي مشروع قانون فلسطيني حتى الان ضجة مماثلة.
اعلامنا في قفص الاتهام
ولأهمية دور وسائل الإعلام الفلسطيني في إثارة قضايا شعبه، ومساعدتهم على تكوين رأي عام حولها، تطرح "الدار" في حلقتها الرابعة والأخيرة من حملتها الإعلامية حول مشروع قانون العقوبات، أراء بعض الإعلاميين والصحافيين في التغطية الإعلامية التي حظي بها مشروع القانون من قبل المؤسسات الفلسطينية المختلفة، هل قام إعلامنا بدوره في توعية الجمهور الفلسطيني بمشروع القانون وبنوده بغية تكوين رأي عام حوله؟ أم انه أثار زوبعة وصيت سيئ حول المشروع ثم ترك الميدان للإشاعات، والأقاويل، لتكون الحكم على قانون سيحكم شعبنا لعشرات العقود القادمة؟؟!
يجمع عدد من الخبراء والعاملين في الحقل الإعلامي والصحافي على قصور الاعلام الفلسطيني في الاضطلاع بمهامه، والقيام بمسؤولياته، ليس فقط في إثارة وتغطية مشروع قانون العقوبات، بل ويطال القصور جميع القضايا ذات الطابع الاجتماعي.
اعلام سياسي
ويعتبر الدكتور حسين ابو شنب رئيس قسم الإعلام التربوي بجامعة الأقصى، الإعلام الفلسطيني مؤسسة سياسية تهتم بالقضايا السياسية العامة في شكل أساسي، وتهمل باقي القضايا الأخرى.
ويؤكد د.ابو شنب ان الاعلام الفلسطيني بوسائله المختلفة بحاجة الى "دوائر متخصصة تتوزع مهامها، بحيث تغطي الجوانب الاجتماعية، والثقافية، والتعليمية والصحية والاقتصادية والزراعية والديمقراطية".
ويزيد على ذلك بالتأكيد "اننا بحاجة الى ثورة في البناء الاعلامي الفلسطيني لوضع خطة جديدة تتوافق مع مفاهيم المجتمع المدني الحديث".
ويرى د. ابو شنب ان "المؤسسات الاعلامية بانواعها لم تعالج قانون العقوبات ولا أي قوانين اخرى بالدراسة او بالعرض على المتخصصين وتنظيم ورشات العمل المتخصصة حولها، وكان اهتمامها بالقانون ثانويا من خلال البرامج او المنشورات المختلفة غير المتخصصة".
صحافة المجتمع المدني افضل حالاً
وعلى رغم ان د. ابو شنب اعتبر "الصحافة المقروءة اكثر تناولا للقضايا المجتمعية في شكل عام ولقضية مشروع قانون العقوبات في شكل خاص، الا انه يصر على انها "لا تزال مقصرة".
ويضيف: "لا يكفي ان تخصص الاذاعة او التلفزيون او الصحف برنامجا او صفحة معينا لمعالجة القضية المطروحة، بل لابد من وضع خطة متكاملة ضمن فلسفة اعلامية متكاملة".
ويشيد د. ابو شنب بدور النشرات والمطبوعات التي تصدرها بعض مؤسسات خدمة المجتمع غير الحكومية، معتبرا انها "أفضل حالا، واكثر وضوحا في تناولها للقضايا الاجتماعية".
الا انه يعود ويعيب عليها "عدم اخذها بفلسفة الحملة الاعلامية، وليس النشر الاعلامي، فهناك فرق بين ان تناقش الموضوع وتنتهي، وبين ان تنظم حملة اعلامية مستمرة حتى تحقيق الهدف الذي تريده من وراء طرح الموضوع، لمعالجته بشكل حقيقي".
ويرى د. ابو شنب حلا لهذا القصور في المطالبة بالصحافة المتخصصة، "ان تحدد صفحات خاصة بالقضايا الاجتماعية المختلفة، يتم تطويرها الى صحافة مستقلة".
وفي معرض تقييمه لكيفية ادارة التيار الاسلامي لحملتهم الاعلامية ضد مشروع القانون، اعتبر د. ابو شنب انهم "كانوا موفقين في اثارة القضية، وكانوا في بداية حملة اعلامية، الا انها كانت بحاجة للتعرض لجميع الاتجاهات الفكرية والسياسية والمجتمعية، لتتكامل الصورة من جميع جوانبها".
أكثر مثابرة
وعلى الصعيد نفسه، اتفق الكاتب والاعلامي طلال عوكل مع د. ابو شنب في تقييمه للاداء الاعلامي للتيار الاسلامي، قائلا انها "اكثر مثابرة وتنظيما وقدرة على استخدام وسائل الاعلام من تيارات القوى الوطنية والمجتمعية والديموقراطية"، وهو ما اعتبره مأخذا على هذه القوى في التفاعل المجتمعي، والمساهمة في عملية التشريع الجارية وفي قضايا الجماهير الفلسطينية عموما".
واعتبر عوكل التناول الاعلامي لقضية مشروع قانون العقوبات، وللقضايا المجتمعية بوجه عام "تناولا ضعيفا"، مرجعا ذلك الى "استمرار التركيز حول القضايا والاخبار السياسية".
ويضيف عوكل متعجبا: "لدرجة اني لا أتذكر ان هناك كتاب متخصصين في تناول القضايا الداخلية باهتمام معقول".
العقوبات محظوظ
الا انه يعود، فيؤكد ان مشروع قانون العقوبات "حظى بأهمية اكبر من غيره من القوانين الاخرى" على صعيد الصحف والنشرات الاخرى، مرجعا ذلك الى "الكيفية التي تناول من خلالها الاتجاه الاسلامي مشروع القانون، حيث تم تداوله على نطاق واسع وبوسائل متعددة منها الكتابة عبر الصحف والخطابة في المساجد والمظاهرات، والمؤتمرات وغيرها، الامر الذي لفت الانتباه ورفع درجة الاهتمام بهذا القانون".
ويؤكد: "ولكن ليس بالحد الكافي".
وحول دور وسائل الاعلام الاخرى المسموعة (الاذاعة) والمرئية (التلفاز) على هذا الصعيد، فيعتبر عوكل التلفاز "الاكثر أهمية في مجال التأثير على الناس"، مؤكدا ان "ليس المهم حجم التغطية الإعلامية، وانما الوسائل المستخدمة في التغطية ونوعها، وما اذا كانت على علاقة مقبولة بالناس ام لا" في اشارة الى الاقبال الشديد من قبل  الجماهير على متابعة التلفاز من دون غيره من الوسائل الاعلامية.
ضعيفة جدا
وعلى رغم اتفاق عوكل مع د. ابو شنب فيما يتعلق بوجود عدد من الملاحق الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني، والتي تعنى بشكل اساسي بالمجتمع وقضاياه، الا انه يختلف معه فيما يتعلق بأهميتها وقدرتها على التأثير، مؤكدا ان التساؤل "حول مدى قدرة هذه الوسائل الاعلامية على الوصول الى الجماهير الواسعة والتأثير بهم؟" يبقى هو الحكم عليها.
بدوره، يذهب د. غازي حمد المحرر المسؤول في صحيفة الرسالة الأسبوعية، الصادرة عن الحزب عينه الذي يصدر صحيفة "الراية"، الى ما ذهب اليه د. ابو شنب وعوكل، فيقول: "التغطية الاعلامية للقضايا المجتمعية ضعيفة جدا".
ويزيد: "لا يوجد متابعة موسعة من خلال تقارير وتحقيقات، نادرا ما نجد موضوعات تتكلم عن هموم ومشاكل الناس الاجتماعية"، مشيرا الى "غلبة الطابع الخبري على أساليب التقارير والتحقيقات".
إشادة بـ"الدار"
ويشيد د. حمد بالتغطية الصحافية التي تفردها "الدار" لقضية قانون العقوبات، "معتبرا انها "غطت الموضوع في شكل واسع ومتميز، عرضت خلاله اراء معظم الاطياف السياسية والدينية والمجتمعية المختلفة".
ويدافع د. حمد عن تناول "الراية" قضية مشروع قانون العقوبات، قائلا: "كنا معنيين باثارة الموضوع، فهناك بنود غامضة وقابلة للتفسير والاجتهاد وفيها بعض الجوانب الخطرة خاصة في مجال الاخلاق والقيم".
ويعترف د. حمد بتحميل القضية اكثر مما تحتمل قائلا: "توخينا الموضوعية قدر الامكان، وكان مقصدنا خلق نوع من الحركة داخل الشارع الفلسطيني وداخل الحركة الاسلامية وداخل المجلس التشريعي والمؤسسات، لمناقشة المشروع واعطاءه الاهتمام المطلوب، الا اننا نعترف ان العناوين كانت مستفزة نوعا ما، كما ان بعض خطباء المساجد، والمسلمين بالغوا في هجومهم و حملوا الموضوع اكثر من مما يلزم، باتهامهم لنواب المجلس التشريعي والتشكيك بوطنيتهم"، معتبرا ذلك "لغة غير مقبولة".
ليس مسؤوليتنا
وفي الوقت نفسه، ينتقد د. حمد الهجوم الذي تشنه اطراف عدة على ما اسماه "تعاطي الإسلاميين مع القانون، الذي اعتبروه نوع من العصبية الفكرية والانغلاق، والتطرف".
ويضيف: "انطلاقا من حرصنا على اثارة القضايا المجتمعية المختلفة مثل الفقر والبطالة والمرأة والعنف ضدها، والمشاكل الأسرية، وغيرها، طرحنا قضية مشروع القانون، وبالفعل بعد عددين من الراية تحركت الجماهير والمؤسسات المختلفة، الا ان تعامل هذه الجهات مع القضية واثارتها لهذه الزوبعة ليست مسؤوليتنا، نحن نطرح القضايا على الرأي العام وهو يتحمل مسؤولية متابعتها".
وعاب د. حمد على مثيري الزوبعة انهم "بدأوا في حملتهم ضد القانون من دون تقديم البديل، اوالتعديلات المحددة على القانون، ولم يصار الى استكمال هذه الحملة من مؤتمرات ومهرجانات وخطب جمعة وغيرها"، معتبرا كل ذلك "لا يساوي 5 في المئة من أهمية تقديم بدائل واقتراحات اخرى بدلا من المقدمة حاليا الى المجلس التشريعي".
لا يوجد مبرر
وعلى صعيد انحياز وسائل الاعلام المختلفة لصالح الخبر السياسي على حساب الخبر الاجتماعي يؤكد د. حمد "لا يوجد مبرر تحت مسميات الوضع الامني والسياسي ان يتم تجاهل وتغييب المشاكل الاجتماعية الكثيرة، خاصة تلك التي تخلقها الاوضاع الامنية ذاتها، من بيوت مدرمة، وفوضى وفلتان ، ونزاعات، وتسرب مدرسي، تفجير اكواع…وغيرها من القضايا الاجتماعية الخطيرة ذات الارتباط الوثيق بالوضع الأمني والسياسي"، مشددا على ضرورة "عدم تجاهل هذه القضايا لأنها ستتفاقم في شكل سيصعب حله فيما بعد".
المواطن يهمه الخبر
من جهتها، تؤكد الصحافية في صحيفة "الحياة" اليومية نفوذ البكري ان الصحف المحلية تبرز الحدث السياسي أكثر من الحدث الاجتماعي على رغم ان التلفزيون والاذاعة تصب جل تركيزها على الجوانب السياسية، مما يدفع المواطنين الى البحث عن قضاياهم الاجتماعية على صفحات الصحف المحلية.
وحول طرق معالجة القضايا الاجتماعية، التي تنتهجها الصحف الفلسطينية، تؤكد البكري ان "نوع القضية هو الذي يحدد، اذا ما كنا سنتطرق اليها كخبر، او تقرير او تحقيق"، معتبرة ان "المواطن يهمه الخبر ولا يهمه ما بعد ذلك".
وتشير البكري الى تركيزها شخصيا "على القضايا الاجتماعية من خلال الزاوية الخاصة بها في الصحيفة والتي تقدم من خلالها دبابيس اجتماعية تنخز من خلالها قضايا متنوعة بتناول بسيط موجز"
وتعترف البكري ان "الصحافة الفلسطينية لا تعطي الخبر الاجتماعي اهمية تذكر الا اذا كان الذي يتحدث عن القضية الاجتماعية شخص مسؤول ومهم".
ولفتت البكري الى متابعتها لورش العمل التي نظمتها مختلف الجهات نسوية، اسلامية، قانونية حول مشروع القانون، وفي نفس الوقت حرصها على اعداد تقارير حول ردود أفعال واراء المواطنين وتوصياتهم بشأن القانون".
الصحافة النسوية أكثر اهتماما
واعتبرت "الصحافة النسوية الاكثر اهتماما بالقضايا الاجتماعية، بالمقارنة بغيرها من الصحف"، الا انها أكدت أن "الأداء الاعلامي ما يزال بحاجة الى مزيد من الجهود" التي يجب ان تبذل ولكن ليس من وسائل الاعلام حسب رأي البكري وانما من "مؤسسات المجتمع الفلسطيني وقواه الوطنية والاسلامية"، معتبرة "ان وسائل الاعلام تعكس الفعاليات الموجودة".
وانتقدت البكري الصحافيين انفسهم قائلة أن "بعض الصحافيين يقومون بعمل تغطية شخصية للحدث، وبدوافع ذاتية،حيث يكتب الصحافي عن الحدث حينما يكون له مصلحة او منفعة من وراء تغطية فعالية ما لصالح مؤسسة معينة، كما ان كثير من الصحافيين لا يعرفون حتى الان بنود القانون ولم يقرأوه".
ولعل القضية الاكثر خطرا مما طرحته البكري، هو تعامل الصحافيين بجمود مع ما يتعرضون له من قضايا واحداث، واقتصارهم على تغطية الحدث كما هو من دون التفاعل معه، واعمال العقل فيه وتكوين رأي ازاءه، يساعدهم في صياغة مادة صحافية مقنعة، وبأسلوب جديد، يخرج عن اطار الخبر التقريري والسردي.
نعم للحملات الاعلامية
واذا كان من مهمات الاعلام الاساسية توعية وتبصير المواطنين بالمشكلات والقضايا المحيطة به، ومساعدته على تكوين رأي عام حولها، فان اقتصار صحافتنا المحلية على الخبر والتقرير، لا يمكن ان يرشح عنه الهدف الذي وجد الإعلام من اجله.
واذا كنا ننشد ان يكون لدينا اعلام قادر على التغيير، وخلق واقع جديد في الساحة الفلسطينية، فلابد من البدء باعادة الاعتبار للحملة الإعلامية في التغطية الصحافية والتلفزيونية والاذاعية، بحيث نضمن في أي مادة مقدمة ان تكون قادرة على التوعية والتعريف بالمشكلة أو الموضوع ومناقشة الموضوع باستفاضة بهدف تكوين الآراء وذلك عن طريق التفاصيل الإضافية والحجج المؤيدة والمعارضة ووجهات النظر المختلفة، والمعلومات المتممة، إضافة إلى تقديم معلومات إضافية لتدعيم الرأي الإيجابي، وذلك كله لضمان أن تحقق المادة الصحافية المقدمة الاتفاق في الرأي والاقتناع الجماعي بالقضية المنشودة.

 ----------------------


في ظل انعدام الأمن الفلسطيني
31 فلسطينية قتلت في الأراضي الفلسطينية خلال العام الأخير على خلفية شرف العائلة
غزة-سامية الزبيدي
في ليلة حالكة السواد...استجابت ثريا لطلب ابيها بالخروج معه للتريض في الجوار، ورغم تقدم الوقت لم تتردد في الاستجابة لطلبه، فتبعته الى حيث لا تعلم انه سيكون مصيرها...في مكان ناءٍ مهجور، انقض عليها بسكينين كان يخفيهما، وطعنها في انحاء متفرقة من جسدها الغض، وبعد ان تأكد من مفارقتها الحياة...تركها هناك ملقاة على الارض وعاد من حيث اتى.
وفي مكان وزمان اخرين في قطاع غزة، طرق ماجد باب منزل عمه، وطلب من ابنة عمه "روان" السماح له بالدخول، ورغم تعللها بعدم وجود احد في المنزل سواها، الا انه اصر على الدخول..سمحت "روان" له بذلك، ومضت في طريقها لاعداد الشاي انصياعا لطلبه، وعندما عادت تحمله، انقض عليها من الخلف وحبس انفاسها بقطعة قماش كانت بحوزته حتى فارقت الحياة.
وفي الضفة الغربية، اعترفت اميرة بقتل ابنتها خنقا وشرطت معصميها وتركتها تنزف حتى الموت.
والد ثريا وماجد واميرة تذرعوا جميعا وغيرهم بعد انكشاف جرائمهم بالدفاع عن شرفهم.
وكانت أميرة الام التي قتلت ابنتها، من لفت النظر الى هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع الفلسطيني، خاصة مع نشر نتائج دراسة اجراها مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي في رام الله حول هذه القضية، خرجت بنتيجة مفادها ان 31امرأة فلسطينية قتلن خلال العام   2002 على خلفية الشك في انتهاكها شرفها وشرف عائلتها، الامر الذي يعني ان عدد ضحايا جرائم ما يسمى بـالقتل على خلفية "الشرف" ارتفع الى ما نسبته 12بالمئة خلال عامي الانتفاضة، في حين لم تتجاوز الخمسة بالمئة قبل عام 2000.
لمعرفة اسباب هذه القضية وابعادها، توجهت "المجلة" الى سجن غزة المركزي حيث التقت بعدد من المتهمين بقتل بناتهم او اخواتهم او زوجاتهم او قريباتهم، كان من بينهم (ماجد) البالغ من العمر 20عاما، الذي برر قتله لابنة عمه قائلا: "خرجت روان من بيت عمي من دون علمه، وظلت خارج المنزل أكثر من ثلاثة ايام، حتى وجدتها الشرطة، التي رفضت اعادتها لنا الا بعد أربعة أيام أخرى بعد ان ارغمت عمي على التوقيع على تعهد رسمي بعدم التعرض لابنته،حتى لا يقتلها".
و أضاف: "لقد فضحتنا في المنطقة كلها، الجميع عرف أنها خرجت مع شاب غريب، ومكثت معه ثلاثة أيام ، لذا لم استطع بعد أن عاد عمي عن فكرة قتلها إلا أن افعل ذلك بنفسي".
وكانت شرطة المدينة في حي الشجاعية بمدينة غزة، قامت بعد العثور على الفتاة والتحفظ عليها، بحل المشكلة عن طريق تدخل العشائر والعائلات واتفق على تزويج الفتاة من الشاب الذي خرجت معه، وارغام ذويها على التوقيع على تعهد بعدم التعرض لها بأذى.
إلا أن "ماجد" الذي كان ينوي الزواج من روان، لم يرضه هذا الحل فأقدم على قتلها، متذرعا بحماية شرفه وشرف العائلة.
وعلى رغم ما يدعيه "ماجد" إلا أن تقرير الطبيب الشرعي أكد احتفاظ روان بعذريتها.
وأكد ماجد عدم  ندمه على ما اقترفته يداه، ولو تكرر الموقف لقتلها مرة أخرى، قائلا: "المجتمع لا يرحم، كيف سأعيش بينهم بهذا العار؟؟ أما الآن فأستطيع أن اخرج وأنا رأسي مرفوع".
وعند سؤال ماجد الذي يقضي عقوبة جريمته البالغة عامين في السجن ان كان سيقدم على ارتكاب جريمته فيما لو كانت العقوبة الإعدام أو السجن مدة طويلة رد قائلا: "لا اعتقد أني سأتراجع عما فعلته مهما كانت العقوبة، لانهم سيعدمونني مرة واحدة وتنتهي المسألة كلها اما المجتمع فيقتلني كل يوم الف مرة اذا لم أغسل عاري بيدي".
وفي السياق نفسه، تؤكد مها ابو دية مديرة مركز المرأة للارشاد القانوني والمجتمعي ما ذهب اليه ماجد حيث تقول حول اميرة التي اقدمت على قتل ابنتها انها "وقعت تحت ضغط اجتماعي كبير جعلها تقدم على قتلها، حيث فشلت كأم في حماية ابنتها من الاغتصاب وفشلت مرة اخرى في اكتشاف وملاحظة حملها حتى بلغ الجنين شهره الثامن، ما جعلها متهمة امام المجتمع بدرجة اولى".
وكان المركز تابع قضية اميرة وابنتها،التي اثارت ضجة كبيرة في المجتمع الفلسطيني، منذ اكتشاف حمل الابنة (16عاما) حينما توجهت الام للمستشفى بعد ان شكت الابنة من آلام في معدتها ومفاصلها.
وتبين من خلال الكشف انها حامل في شهرها الثامن من دون علم احد، ما دعا المستشفى الى ابلاغ الشرطة التي تحفظت بدورها على الفتاة التي اعترفت بممارسة شقيقيها(19و21عاما) الجنس معها منذ اكثر من عام ونصف.
ومكثت الابنة في مركز نسوي تحت اشراف الشرطة حتى أنجبت طفلها الذي يعاني من تشوه خلقي، وبعد تعهد الأسرة بالحفاظ على حياة ابنتها، عادت الابنة إلى عائلتها لتقتل على يد والدتها.
وتضيف أبو دية "ان عقلية المجتمع الفلسطيني السلطوية والذكورية ، تلوم المرأة حتى لو كانت هي الضحية"، مؤكدة " أن القتل الجسدي هو اسهل أنواع القتل، حينما يكون المجتمع قتل الإنسان اجتماعيا، عبر تشويه سمعته ونبذه".
و أشارت أبو دية إلى انه "كثيرا ما يتم إعادة الفتيات إلى ذويهن، حيث ترفض منازل الايواء الموجودة-على قلتها-احتضان الفتاة بعد بلوغها 18عاما، وهناك حالات يتم تزوجيهن إلى أي كان، أو تترك للشارع ما يعرضها للاستغلال والإسقاط"، مؤكدة ان اعادتهن الى ذويهن يعتبر الحل الامثل لهن بعد ان تبُدي الاسرة استعدادها لاحتضانها وضمان عدم تعريض حياتها للخطر.
يذكر انه لا يوجد في الضفة الغربية سوى منزلين مجهزين لاستقبال الفتيات اللواتي يتعرضن للخطر او للايذاء، تابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية، احدهما في مدينة بيت لحم والثاني في مدينة نابلس، فيما يخلو قطاع غزة من أي منازل من هذا النوع.
وكان والد ثريا الذي قتل ابنته ثريا (مدعيا تلويثها لشرفها وشرفه)،حاول قتل ابنته الكبرى(التي داوم على اغتصابها هو شخصيا) بعد ان علم بحملها منه، الا ان الفتاة التي استنجدت بوزارة الشؤون الاجتماعية تم اسكانها في المنزل الخاص بالوزارة في بيت لحم، وهكذا باقي الحالات التي كانت ترد للوزارة قبل انتفاضة الاقصى المستمرة.
من ناحيتها، قالت ميسون الوحيدي مدير عام الاسرة والطفولة في الوزارة ان "الفتيات اللواتي يتعرضن الى ايذاء، خاصة الايذاء الجنسي، تكون حياتهن معرضة للخطر أكثر، لذا فانه فور وصول مثل هذه الحالات الى الشرطة تقوم بتحويلها الى الوزارة او تصل الى احدى المؤسسات الاهلية العاملة في هذا المجال احيانا".
وتضيف: "توفر الوزارة مكانا آمنا للضحية، تتلقى فيه التعليم والتدريب والتأهيل"، إضافة إلى "حمايتها من الانحراف أو الانغلاق على نفسها".
وأشارت الى الصعوبات التي تواجهها الوزارة في عملها من حيث "الحاجة إلى مؤسسات تهتم بالمرأة المعنفة أكثر، ويكون بينها وبين الشرطة تنسيق كامل، إضافة إلى أن قيام قوات الاحتلال الاسرائيلية بقصف مقار اجهزة الامن الفلسطينية ودهمها واطلاق المحتجزين فيها شجع زيادة أعمال الفوضى والعنف والجريمة".
واتهمت الوحيدي القانون المعمول به في الضفة الغربية وقطاع غزة بالتساهل اتجاه مرتكبي هذه الجرائم من الرجال وقالت: ان "القوانين قديمة، وتقل مدة الحكم على الرجل عن عشرة في المئة مقارنة مع المرأة في حال ارتكابها جريمة من هذا النوع، على رغم مخالفة هذا للشريعة الاسلامية التي تعتبر العقوبة واحدة طالما ان الجرم واحد، اضافة الى ان القضاة انفسهم يتعاطفون مع الجاني".
وطالبت "بعدم التساهل مع هؤلاء المجرمين، حيث لا تتراوح العقوبات الصادرة في حقهم بين العام والثلاثة اعوام"، مشيرة الى "ضرورة وجود قوانين رادعة وموقف قوي من رجال الدين، والمشاركة في حملات توعية جماهيرية".
فيما نفى نائب رئيس ديوان الفتوى والتشريع بوزارة العدل الفلسطينية المستشار سليمان الدحدوح وجود أي عيب في القانون المعمول به في الاراضي الفلسطينية، مؤكدا ان العيب من وجهة نظره "ليس في القانون وانما في التحقيق الذي يجري في مثل هذه القضايا، حيث يجب ان يكون كاملا وأكيدا من انتهاك الشرف تماما وليس انصياعا للسمعة او العادات والتقاليد".
ويدافع الدحدوح عن قانون العقوبات الحالي، الذي لم يعدل منه حرف واحد في مسودة مشروع قانون العقوبات الفلسطيني الجديد ، الذي حصل على موافقة المجلس التشريعي بالقراءة الاولى حتى الان، قائلا: "ان القانون لم يتضمن أي نص خاص بالقتل بسبب الشرف، و لم يميز فيها بين القتل لاجل الشرف او غيره، واعتبرها جريمة قتل مجردة، تصل عقوبتها القصوى الى الاعدام والدنيا الى السجن المؤبد او المؤقت حسب ظروف كل حادثة".
واضاف: "ان القانون لم يخصص عقوبة لجريمة القتل بسبب الشرف في القانون رقم 74 لسنة 1936، لكن القضاء احيانا يستخدم الصلاحية التي اعطاه اياها القانون وهي الظروف المخففة اذا توافرت في قضية القتل على خلفية الشرف"، مشيرا الى انه "يجوز للمحكمة ان تخفض مدة العقوبة الى اقل مما هو منصوص عليه لجريمة القتل في القانون ضمن ما يسمى الظروف القضائية المخففة المعطاة للقضاة في كل قوانين العالم".
واعتبر الدحدوح ان "القتل على خلفية الشرف يدخل في هذه الظروف"، مؤكدا ان "المستفيدين منها حسب القانون المصري المعمول به في قطاع غزة هم فقط أب القتيلة وزوجها حسب السوابق القضائية في مصر، والقضاء الفلسطيني استمد احكامه منها، واضاف اليها الاخ".
ومن المفيد ذكره، ان محاضر قضايا القتل على خلفية الشرف الموجودة في ارشيف المحكمة المركزية في قطاع غزة، تؤكد ان القضاء الفلسطيني سحب هذه الاحكام المخففة على ابن العم بل والعم واكثر من ذلك.
ان الظروف المخففة وصلت بالقضاء الفلسطيني ان يحكم على والد ثريا بالسجن مدة عام واحد فقط من ضمنها فترة التوقيف،  فيما يصدر حكم اخر بالسجن مدة عامين فقط في حق ماجد الذي قتل ابنة عمه، وكانت اقصى فترة عقوبة في حق قاتل خلفية الشرف هي ثلاثة اعوام.
ما دعا رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية مها نصار في مدينة رام الله الى رفض "ربط مفهوم الشرف بدائرة ضيفة من المقاييس الا وهي المسلكية الجنسية".
واعتبرت ان " قياس الشرف من هذه الزاوية نسبي وغير دقيق ومتحيز ولا يمكن التأكد من انتهاكه بشكل مطلق".
وتساءلت: "ماذا يعني شرف المرأة وماذا يعني شرف الرجل؟؟...اقول بوضوح ان ما ينطبق على المرأة يجب ان ينطبق على الرجل ايضا".
واتهمت نصار القانون والاجهزة الامنية بالتساهل مع مرتكبي هذه القضايا، معتبرة ان "عدم اعتبار القتل على خلفية الشرف انتهاكا للحق العام للمجتمع كافة، وليس للحق الشخصي فقط، اضافة الى عدم تنفيذ القانون وفشل الاجراءات التنفيذية التي لازالت تستعين بالعشائر والواسطات والمراكز الاجتماعية لحل هذه القضايا، وهي من اهم الاسباب التي ادت الى وجود هذه الجرائم".
من ناحيته، انكر العميد زهير مناصرة رئيس جهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية الادعاء بتساهل الاجهزة الامنية قائلا: " هذه ادعاءات غير دقيقة حيث يتم التعامل مع جرائم القتل على خلفية الشرف كبقية جرائم القتل مهما كانت دوافع هذه الجرائم..فليس من المعقول ان يأخذ الافراد تطبيق القانون على عاتقهم  ويعامل مرتكبو هذه الجرائم بالاساليب ذاتها التي نتعامل فيها مع أي متهم بجريمة قتل من دون النظر او الاخذ في الاعتبار عن دافع ارتكاب هذه الجريمة".
وارجع وجود مثل هذه الادعاءات الى ان "قيام قوات الاحتلال بتدمير مباني الاجهزة الامنية وتقييد حركتها وسلطتها كان السبب وراء وجود بعض الظواهر التي يحسبها البعض تساهلاً من قبلها مثل ما حدث في القضية التي قام فيها والد بقتل ابنته الحامل في رام الله، وبعد ان القي القبض عليه واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة،ومن ثم احالته الى المحكمة تمكن الجاني من الفرار بعد اجتياح قوات الاحتلال الاسرائيلية مدينة رام الله وتدمير السجن هناك".
وفيما يتعلق بمسببات وجود هذه الظاهرة تقول نصار بتفصيل اكثر: إن "الفهم الاجتماعي الخاطئ لقضية الشرف، وانخفاض الوعي الشعبي للقضايا الاجتماعية، خاصة تلك التي تخص المرأة، اضافة الى الخلط المقيت بين الضحية والمجرم فتصبح المرأة في كل الاحوال مجرمة ويفلت المجرم الحقيقي من قبضة القانون بـ(الواسطة) والمركز الاجتماعي لاهل القاتل او المغتصب".
ولفتت في الوقت نفسه الى ان هذه المشكلة قديمة حديثة، تخف وتيرتها احيانا وتزداد أحيانا أخرى، خاصة في ظل الظروف الحالية من غياب القانون، وانخراط المؤسسات في قضايا الوطن والمقاومة وتجاهلها القضايا الاجتماعية الخطيرة المتفشية كنتيجة طبيعية للاحتلال وإجراءاته القمعية".
واتفق الدكتور حمدي الريفي مدير عام مراكز الإصلاح (السجون) في غزة، مع نصار في تشخيص أسباب الظاهرة، مضيفا عليه "نظرة المجتمع للمرأة ودورها، حيث يعاني المجتمع الفلسطيني من انفصام في نظرته اتجاهها، فمن ناحية يتبنى نظرة تقدمية اتجاه المرأة ومن ناحية ثانية يعلق حياتها على السمعة فقط" مشيرا إلى "تضخيم نظرة المجتمع لمسألة الشرف والسمعة، حيث يعتبر القاتل بطلاُ غسل عاره".
وأكد الريفي ان القتلة على خلفية الشرف هم سجناء كاي سجناء على قضايا اخرى يتلقون المعاملة نفسها، لافتا في الوقت نفسه الى " ان الاحكام المخففة التي يقضيها مرتكبو جرائم القتل على خلفية الشرف في السجن لا تكفي لاخضاعهم لبرنامج اعادة التأهيل والاصلاح".
ودافع رضوان الاغا قاضي القضاة، رئيس مجلس القضاء الاعلى عن استخدام القضاة الفلسطينيين لهذا الحق بصورة مفرطة قائلا "العرض مقدس في مجتمعاتنا الشرقية، لذا فقانون العقوبات المصري المعمول به في قطاع غزة، حكم على مرتكب جريمة قتل في حالة التلبس على وجه خاص بعقوبة مخففة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، لان المشرع وجد ان هذا الشئ متأصل في عقول الشرقيين"، مضيفا أن "القانون اعطى القاضي سلطة تقديرية يقدر فيها القاضي وفقا للسوابق القضائية، وما استقر عليه القضاء في مثل هذه القضايا، العقوبة المناسبة حسب كل قضية وحيثياتها".
اما حول القانون الاردني المعمول به في الضفة الغربية فقال الاغا "ان احكامه لا تختلف كثيرا عن القانون المصري، وعلى رغم ان الاردن غيرت هذا القانون قبل سنوات عدة، الا ان المحاكم في الضفة لازالت تعمل وفق القانون القديم".
وأكد الاغا ان "القاضي لا يعيش بمعزل عن مجتمعه، وكذلك الشرطي، والنائب العام، وكل من يتعامل مع هذه القضايا"، مشيرا الى ان "الانسان الشرقي لديه حساسية مفرطة اتجاه كل ما يمس شرفه وسمعته".
وفيما يتعلق بالقضايا التي ثبت بعد قتل الضحية احتفاظها بعذريتها وكذب مبررات قتلها، أكد الاغا انه "في حال ثبت لهيئة المحكمة ان الشرف غير منتهك فان القاتل يحكم عليه فورا بعقوبة القتل العادي".
وهو الامر الذي تناقض مع بعض محاضر القضايا التي اطلعت عليها "المجلة" من ارشيف المحكمة في غزة.
والقى الاغا والدحدوح باللائمة لوجود مثل هذه الجرائم، على الثقافة والعادات والتقاليد السائدة، مبرئين القانون تماما من أي ذنب.
واضاف الدحدوح النيابة العامة الى قائمة المذنبين، قائلا: "على النيابة العامة ان تبحث في تشديد العقوبة على المتهم، اذا رأت ان العقوبة غير كافية، عبر استئناف الحكم"، مطالباُ "بانشاء معهد قضائي فلسطيني يعطي صورة عن ما يجب ان يتبع من قبل القضاة في مثل هذه القضايا وغيرها في ضوء النصوص القضائية"، معترفا اخيرا بالقول: "احيانا يستعمل القاضي صلاحياته خطأ، لذا عليه التحري تماما قبل اصدار حكمه".
ويبقى التساؤل مطروحا الى متى ستبقى حياة الفلسطينيات تحت رحمة قانون يضعه رجل؟ ويحكم به رجل؟ ويطبقه رجل؟ فيما تبقى الفلسطينية التي تناضل جنبا الى جنبه في كافة المجالات عرضة لانتهاك حياتها وحريتها تحت ستار ما يسمى بالشرف.
ولماذا عندما يقتل رجل زوجته يقال انه دافع عن شرفه؟؟، وتخفف العقوبة عليه، و اذا قتلت امرأة زوجها لخيانته لها، لا يقال انها تدافع عن شرفها؟؟، وتحاكم كقاتلة.
فهل للرجال شرف يدافعون عنه، فيما لا شرف للنساء؟؟؟.

----------------
تحقيقات نسوية
مهنة "الخادمة"
العاملات في المنازل بين مطرقة الفقر المدقع، وسنديان مجتمع لا يرحم
محمد (8أعوام): أريد مصروفا ككل الأولاد، وكتباً، ودفاتر، وقرطاسية، وحذاء جديد، وأريد..وأريد..وأريد
أبو محمد (38عاما): ألا تكف عن التطلب، من أين سآتي بالنقود، هل سأخلقها؟
أم محمد (30عاما): لقد وجدت عملا، سيحل لنا بعض مشاكلنا؟
أبو محمد: أهه، هل سأبقى أنا في المنزل أطبخ وأكنس وأنت تعملين في الخارج؟
أم محمد: وهل لديك حل آخر، أم تريدنا أن ننتظر لنموت جوعا، أو نمد أيدينا إلى الناس؟
أبو محمد (على إكراه): وما هو هذا العمل؟
أم محمد: عزيزة جارتنا تعمل لدى سيدة محترمة في بيتها تكنس وتنظف، وقد جلبت لي عملا في بيت مماثل؟
أبو محمد: هل ستعملين "خادمة" في بيوت الناس؟
أم محمد: ليس عيبا ولا حراما، انه عمل شريف، وسينقذنا مما نحن فيه؟
أبو محمد (بعد تفكير عميق): حسنا، ولكن لا تخبري أحدا بذلك؟
هذا ما جرى بين أم محمد وزوجها، التي اضطرتها الظروف للعمل مستخدمة منزلية لدى إحدى السيدات في مدينة غزة، فمع اندلاع انتفاضة الأقصى، وما واكبها من حصار وإغلاق وعدوان إسرائيلي متواصل، دمر الاقتصاد الفلسطيني، ورفع معدلات البطالة والفقر إلى درجة غير مسبوقة، اضطرت النساء على إثرها للبحث عن فرصة عمل لإعالة أسرهن، التي غاب عنها معيلها إما بالاستشهاد أو بالإعاقة، أو بفقد العمل.
وعلى قلة فرص العمل المتاحة، ظهر ميدان جديد للعمل في الأراضي الفلسطينية، وليست الجدة في ظهور هذه الوظائف، بل في شغل المرأة الفلسطينية لها، فقد كانت الحاجة دائمة إلى مستخدمات منزليات، أو مربيات في بعض المنازل الخاصة بشريحة من الأغنياء، أو بالنساء اللواتي خرجن إلى العمل، وبتن في حاجة إلى من يراعي شؤون منازلهن، وقد شغل هذه الوظائف فيما سبق مستخدمات من سيرلانكا، الفلبين، تايلند وغيرها من دول شرق أسيا الفقيرة، اللواتي اجتحن البيوت الفلسطينية كغيرها من البيوت العربية والخليجية قبل اندلاع الانتفاضة.
وحول هذا الموضوع كان لـ"ينابيع" التحقيق التالي:
تقول مريم (30عاما) من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة انها "اضطرت الى الخروج الى العمل في المنازل رضوخا لضغط زوجي عليّ بعد ان فشل في ايجاد عمل يعيلنا به منذ اغلاق اسرائيل قطاع غزة، وعدم منحه تصريح لدخول اسرائيل للعمل فيها".
وتضيف: "أنا مضطرة للعمل لأجل أولادي، من دون علم من حولي"، موضحة "انا أعيش وزوجي وأولادي في منزل أهله، وأعمل في خدمة المنازل من دون أن يعرفوا طبيعة عملي".
وتستذكر مريم التي تمتهن هذه المهنة منذ عامين كيفية حصولها على عملها، فتقول: "توجهت الى جمعية المرأة (العاملة للتنمية) التي ساعدتني في ايجاد عمل بظروف جيدة، وبالفعل استطعت ان أعيل أسرتي وألبي مطالب أطفالي قدر استطاعتي".
وحول المشكلات التي تعترضها أثناء عملها، تقول ام محمد ان "طريقة نظر المجتمع لهذا العمل هو أكثر ما يؤلمني، وكأن الأمر بيدي، فما الذي سيرميني على المر الا ما هو أكثر مرارة منه"، مضيفة الى ذلك "عدم وجود أي حقوق للعاملات في هذا المجال، ليس لدينا اجازات، أو ساعات عمل محددة، وحتى الراتب متدني جدا نسبة الى المجهود والوقت الذي نعطيه".
وتؤكد ام محمد انها تتلقى معاملة جيدة من ربة عملها، الا ان هناك حسب قولها "حساسية من توجيهات ربة العمل، فمن الصعب أن أحس اني "خادمة في منزل أحد".
ولزينب (28عاما) حكاية أخرى، فهي متزوجة من موظف في السلطة الفلسطينية، الا ان أعباء الحياة لا تكاد تبقي من راتبه الا النذر اليسير، حتى تراكمت عليه الديون والقروض بحيث اضطرت زينب الى البحث عن عمل لمساعدة زوجها على الخروج من أزمته.
حول ذلك تقول زينب: "لم أتلقى تعليما جامعيا، وليس لدي أي شهادات مرموقة تؤهلني للعمل في وظيفة عادية، ما اضطرني الى العمل "خادمة" في بيوت الناس".
وتضيف زينب: "لا أحد يعلم بطبيعة عملي سوى زوجي، فيما أهلي وأهله يحسبون أني أعمل في مؤسسة مجتمعية".
أما سمر (22عاما) الطالبة الجامعية، فلها ظروف مختلفة، دفعتها الى العمل المنزلي، فمرض الأب حال دون اكمالها للفصل الأخير المتبقي لها لتتخرج من الجامعة، بسبب عجزها عن دفع الرسوم الجامعية، اضافة الى فقد أسرتها لمورد رزقهم بمرض والدها، ما دفعها الى التوجه الى جمعية المرأة العاملة بحثا عن فرصة عمل، الا ان الجمعية لم توفق في تشغيلها الا ضمن العمل المنزلي المتوافر".
تقول سمر: "لم أكن مقتنعة في البدء بالعمل في المنازل، لكن صعوبة الظروف، جعلتني أوافق عليه، وبعد ان بدأت العمل، واستلمت أول راتب لي، شعرت باهمية عملي لأسرتي، ولاكمال تعليم اخوتي"، مدافعة عن عملها قائلة: "انه عمل شريف وموثوق به خصوصا انني اعمل من خلال الجمعية لدى أناس محترمين".
حول دور جمعية المرأة العاملة للتنمية في تشغيل النساء في هذا المجال أوضحت منسقة برنامج التشغيل في مشروع فرص متساوية للعاملات الخاص بالجمعية، حنان صيام لـ"ينابيع": "يعمل برنامجنا على قطاعات العمل المختلفة مثل الخياطة والسكرتاريا، والعمل المنزلي..وغيره، كذلك نستقبل طلبات تشغيل من جميع النساء الراغبات في الحصول على عمل، بغض النظر عن طبيعة المؤهلات، فلدينا طالبات جامعيات، وأميات، وصاحبات مهن".
وتلفت صيام الى ان "عدد النساء اللواتي يتوجهن لطلب عمل في هذا المجال تناقص بشكل كبير نتيجة لمشاريع التشغيل التي بدأت بعملها وزارة المالية أولا ثم حُولت الى وزارة العمل، وهو ما دفع كثير من النساء الى التوجه اليها، والعزوف عن العمل في المنازل"، موضحة ان "عدد النساء انخفض الى واحدة أو اثنتين على أكثر تقدير في الشهر، بعد ان وصل العدد سابقا الى ما يقارب 80امرأة خلال عام واحد".
وفيما يتعلق بصون حقوق العاملات، توضح صيام "ليس هناك عقد مكتوب، فلقد استطاعت الجمعية ان ترسي مجموعة من الشروط والحقوق للمرأة العاملة في المنازل، لسد الفجوة التي تركها قانون العمل الفلسطيني في هذا المجال، حيث تستثنى هؤلاء العاملات من القانون، وبموجب الشروط التي أرستها الجمعية فان ساعات العمل محددة، وتبدأ عادة من الساعة 8صباحا وحتى الساعة 3مساءا، واعتبار أيه زيادة وقتا اضافيا مدفوع الأجر، كما حددت حدا أدنى للأجور يصل الى (800شيكل) شهريا، بالاضافة الى حق العاملة في يوم اجازة اسبوعيا على الأقل، وجميع هذه الحقوق يتم الاتفاق عليها بين رب العمل والجمعية في شكل شفاهي".
وردا على سؤال "ينابيع" حول ماهية المشكلات التي تواجه العاملات في المنازل أو ربات العمل، تقول صيام: "ليس هناك مشاكل ليس لها حل، وغالبا ما تكون الاعتراضات من ربات العمل، لأسباب متنوعة مثل، تأخر المستخدمات عن الدوام، وطلب سلف متكررة، او مغادرة العمل مبكرا، الا اننا نقوم بحل جميع المشكلات بشكل ودي"، مشيرة الى ان "معظم ارباب العمل معروفين لنا، ونتأكد دائما من سمعتهم قبل ارسال المستخدمة للعمل لديهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمستخدمة نفسها".
اكثر التزاما
وللسيدة (ز) التي فضلت عدم ذكر اسمها، تجارب عديدة مع المستخدمات المنزليات، حيث عملت لديها منذ العام 92 أكثر من 10مستخدمات، احداهن أجنبية من سيرلانكا، فيما بقيتهن فلسطينيات.
تقول السيدة (ز) حول أسباب حاجتها لمستخدمة "أنا امرأة عاملة، ولدي أربعة أطفال، ووقتي يأخذ وقت طويل مني، اضافة الى ان منزلي كبير، واحتاج من يساعدني على العناية بنظافته ونظامه، علاوة على ان هناك عرض من قبل المستخدمات بكثرة للعمل، وهكذا توافقت حاجتي مع عرضهن".
وحول تجربتها مع المستخدمة الاجنبية، واذا ما أثر اختلاف الثقافة واللغة على أطفالها تقول: "كانت تجربتي معها الأفضل، ولم يكن هناك أي مشكلات في التعامل معها من حيث اللغة، فكنا جميعا انا وأولادي وزوجي نتحدث معها الانجليزية، وكانت التفاهم سلسلا بيننا، كما انها كانت سريعة التعليم، واستطاعت التقاط الكثير من الكلمات العربية في وقت قصير".
وتضيف: "كان سلوكها وثقافتها معقولان، ولم ألحظ أي تأثير لها على أولادي، فلم يكونوا يقضون وقتا طويلا معها، خصوصا ان أوقات عودة اولادي من مدارسهم، كانت قريبة من أوقات عودتي من العمل، ووجود المستخدمة في المنزل، وقيامها بأعباءه، مكنني من قضاء وقت أطول معهم".
وفيما يتعلق بتجربتها مع المستخدمات المحليات تقول: "المشكلة الرئيسة كانت تكمن في عدم استمرارية عملهن، وانتظامه"، موضحة ان "عدد منهن كن دائمات التذرع باسباب مختلفة للغياب، أو للمغادرة المبكرة".
وترى السيدة (ز) ان تأثيرهن كان اسوأ من تأثير الأجنبية على أبنائها "حاولن بعضهن التدخل في شؤون أولادي، مثلا احداهن قالت لابنتي لم تتعبين نفسك في الدراسة فنهايتك ستكون الزواج؟، وغيرها من العبارات".
وتزيد على ذلك بالقول: "للاسف لاحظت ان بعضهن كن يستغللن عدم وجودي في المنزل لاجراء مكالمات طويلة وعديدة من هاتف المنزل، كما ان لدى بعضهن حشرية شديدة للتدخل في امور منزلي الخاصة".
وتشير (ز) ان "الأجرة التي تتلقاها المستخدمة المحلية أعلى من سواها، فتتراوح ما بين 50الى 70شيكل في اليوم مقابل 5أو 6ساعات عمل".
وعلى رغم كل ما ذكرت، تؤكد (ز) انها في حاجة الى المستخدمات المحليات لذا فانها تتغاضى عن كثير من السلبيات، مشيرة الى انها تحرص "على مراقبة سلوكهن دائما، وتقديم التوجيهات المناسبة بطريقة لطيفة لهن".
من جهته، ينفي الاختصاصي الاجتماعي أنور وادي من برنامج غزة للصحة النفسية في مدينة غزة أن يكون إقبال النساء على هذا العمل يعد ظاهرة، مشيرا إلى انه "لابد وان يشعر معظم الناس بهذا الإقبال، ويعلمه كذلك المسؤولين كي نقول عنها ظاهرة معروفة".
وحول الأسباب التي تدفع النساء للعمل في مجال الخدمة المنزلية يعتبر الخبير الاقتصادي صلاح عبد الشافي أنها "نتيجة مباشرة لحال الفقر المنتشرة في المجتمع الفلسطيني بشكل واسع خصوصا خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث قفزت نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر (يعرف بدخل 2دولار للفرد الواحد في اليوم) من 22% عشية اندلاع الانتفاضة، إلى 65% خلالها".
ويضيف عبد الشافي: "يترافق مع ذلك تعرض الرجل، المعيل الأساس للعائلة أما لفقد وظيفته، نتيجة الإغلاقات والحصار الإسرائيلي، وإما للاستشهاد، أو الاعتقال، ما ساهم في انتشار ظاهرة أن النساء أصبحن قائدات ومسؤولات عن الأسرة ودخلها الاقتصادي، ما دفعهن الى البحث عن عمل الا ان انعدام الوظائف في المجتمع في شكل عام، بسبب حال الشلل والانهيار التام التي يعيشها الاقتصاد المحلي جعل توفر فرص عمل للنساء أمرا صعبا، إضافة إلى ذلك فقد فقدت النساء فرص عمل تقليدية في قطاعات كانت المرأة على الدوام تعمل فيها مثل الزراعة والخياطة، اللتين تضررتا بشكل كبير أثناء الانتفاضة".
ويستذكر عبد الشافي أن هذا النوع من العمل "كان منتشرا إبان النكبة في 48، وظهور قضية اللاجئين، وندرة فرص العمل، فظهرت مهنة المستخدمات المنزليات، وانتشرت، إلى ما بعد 67، بعد أن فتحت إسرائيل بابا واسعا أمام العمالة الفلسطينية، التي تحسن دخلها، حيث اختفت على إثرها هذه المهنة".
من ناحيته يرى وادي "أن معظم العاملات في هذا المجال لسن من حملة الشهادات الجامعية، وفي الغالب هن أميات، ما يعيقهن عن الحصول على فرص عمل في مجالات أكثر قبولا، خصوصا وان الظروف الحالية دفعت عدد من النساء إلى التسول المباشر من المواطنين، أو غير المباشر عبر طلب المساعدة من مؤسسات المجتمع المختلفة".
ويزيد وادي على ذلك بالإشارة إلى أن "اتجاه المرأة في شكل عام للعمل، زاد الطلب على المستخدمات المنزليات أو المربيات".
وتساءل: "السؤال المهم الآن، هل البيت يحتاج إلى المستخدمة فعلا أم يتم تشغيلها كنوع من الترف والمظاهر الكاذبة؟؟" مشيرا إلى أن " التقدم الآلي جعل تنظيم وتنظيف المنزل لا يحتاج إلى وقت وجهد كبير".
واعتبر وادي سلبيات الاتجاه إلى تشغيل مستخدمات منزليات أو مربيات أكبر من إيجابياته على الأسرة والأطفال خصوصا، فقال: "تعدد المربيات أو المسؤولين عن الطفل من ناحية علمية يخلق اضطراب نفسي لدى الأطفال لأنهم يعطون الطفل رسائل مختلفة"، مستدركا أن "المستخدمات من ذوات البلد نفسه أقل ضررا من الأجنبيات اللواتي يختلفن في الثقافة والدين والتفاعل الاجتماعي عن الأسرة الفلسطينية".
ودعا وادي إلى النساء اللواتي يضطررن إلى تشغيل مستخدمات منزليات أو مربيات إلى التأكد من دين وأخلاق وسلوك المستخدمة قبل تشغيلها، كذلك إخضاع سلوكها وتفاعلها مع الأبناء لمراقبة دائمة"، محذرا من "ظواهر سلبية كثيرة أفرزها انتشار هذه الظاهرة في دول الخليج على وجه الخصوص".
وعدد وادي عدد من الانحرافات والمشاكل التي تحدث للأبناء من خلال تأثرهم بالمقربين منهم خصوصا، مثل "المدرسين والسائقين، والخدم"، مشيرا إلى أن "الاعتداءات الجنسية على الأطفال غالبا ما تكون ممن تعتقد الأسرة أن أمناء على أولادها".
وعلى صعيد آخر، يشير وادي إلى "رفض المجتمع لهذه المهنة، التي يعتبرها عيبا ونقيصة ومن المهن المتدنية غير المرغوب بها"، لافتا إلى أن "عدد كبير من المستخدمات المنزليات يخفين هذا العمل عمن حولهن، مثل الزوج، أو الأب، وان كانوا يعرفون بطبيعة عملها، فإنهم يحرصون أن لا يعلم من يحيط بهم من الجيران والأقارب".
وحول تأثيرات هذا العمل على الاقتصاد المحلي يقول عبد الشافي أن "الاستفادة فردية، وهي توفير المرأة دخل ولو محدود لعائلتها، إلا أن هذه الوظائف غير المنظمة رسميا، لا يستفيد منها الاقتصاد في شكل مباشر".
وهو ما دفع عبد الشافي إلى التحذير من "استغلال العاملات في العمل المنزلي من ناحية عدد ساعات العمل، وطبيعة المهام، والأجر الذي تتلقاه، لأنها وظائف لا تخضع للرقابة ولا ينطبق عليها نصوص قانون العمل، من تأمين صحي، ومكافأة نهاية الخدمة وغيره من حقوق"، مشيرا إلى أن "الخدمة في المنازل تخضع لقانون العمل في كثير من المجتمعات الأخرى".
ويتفق وادي معه في الرأي، منبها إلى خطورة "العمل من دون حماية قانونية، تحفظ حقوقهن وتمنع استغلالهن"، مشيرا إلى أن "الوضع السيئ الذي نعيشه، يضطر الكثيرين إلى العمل تحت أي ظروف لأجل لقمة العيش".
ويعتبر عبد الشافي "المرحلة الواقعة بين عامي 94, و2000، التي انتشرت فيها ظاهرة عاملات المنازل الأجنبيات، قد شهدت استغلالاً بشعاً، وصل إلى حد الرق والعبودية، حيث الأجور المتدنية إلى أبعد حد، وأوقات العمل الطويلة، وغيرها من الحقوق المهضومة من قبل المشغلين المباشرين لهن، أو من قبل مكاتب التي تخصصت باستيرادهن"، مطالبا المشرعين الفلسطينيين بـ"الإسراع بوضع التدابير القانونية اللازمة لحماية هؤلاء العاملات، وصون حقوقهن".
وحول ذلك، يوضح المحامي كارم نشوان لـ"ينابيع" أن المستخدمات المنزلات "من الفئات التي لا ينطبق عليها أحكام قانون العمل، حيث حرمها من الحقوق والحماية القانونية"، مشيرا إلى أن " ذلك انتهاك وهضم لحقوق النساء، خاصة أن أكثر العاملين في هذا المجال هم من النساء، حيث الأجور المتدنية، وساعات العمل الطويلة، والحرمان من التعويض عن إصابة العمل، أو مكافأة نهاية الخدمة".
ويحمل نشوان المسؤولية في هضم حقوق هؤلاء النساء إلى وزير العمل المكلف قانونيا بوضع نظام خاص لحماية هذه الشريحة، مشيرا إلى أن "التشريع نوعين: التشريع العادي الذي يصدر عن السلطة التشريعية، والتشريع الفردي ويصدر عن السلطة التنفيذية، وفي حال المستخدمات لا ينطبق عليهن التشريع الأول، حيث لم يشملهن قانون العمل الصادر عن المجلس التشريعي، الذي كلف وزير العمل بوضع نظام خاص لحماية هذه الفئة".
وانتقد نشوان وزير العمل الفلسطيني على تأخره وتباطؤه في إصدار هذا النظام، خصوصا أن استمرار ذلك يشكل انتهاكا مستمرا لحقوق هؤلاء النساء.
ويشير إلى أن "هناك عدد لا يستهان به من المستخدمات المنزليات، على رغم عدم وجود أرقام محددة، مؤكدا أن الأمر "ليس متعلقا بالعدد، فحتى لو كن خمسة نساء فقط، فانه ما دامت شروط العمل تنطبق عليهن فيجب حمايتهم قانونيا".
ويوضح نشوان أن "شروط العمل الثلاث، وجود العمل، ووجود أجر عليه، وإشراف وإدارة رب عمل، متوافرة في عمل مستخدمات المنازل"، متسائلا: " إذاً بأي حق تحرم من الحماية القانونية؟".
وحول دور جمعية المرأة في تنظيم هذا العمل عبر الاتفاق الشفهي، يؤكد نشوان أن ذلك لا يحمي المرأة من أي انتهاك، مشيرا إلى انه في حال كان "هناك عقد مكتوب فانه شريعة المتعاقدين".
إلا انه عاد ليؤكد على أهمية "وجود نظام قانوني يحمي الفئات المهمشة، خصوصا وانه إذا تنازل أي عامل عن حقوقه المنصوص عليها في القانون، فان هذا التنازل يعتبر غير ساري، أما في حال العقد فانه شريعة المتعاقدين، وسيفسح المجال لاستغلالهن".
ولفت نشوان إلى "تقصير المؤسسات الحقوقية و النسوية بشكل خاص عن الاضطلاع بمسؤولياتها في الضغط على وزير العمل لإصدار هذا القانون، إضافة إلى حماية هؤلاء العاملات المهضومات الحقوق".
وهو ما دفع "ينابيع" للبحث في أسباب عدم اهتمام المؤسسات العاملة على قطاع العمال بهؤلاء النساء، باستثناء جمعية المرأة العاملة، لدى مركز جمعية الديمقراطية وحقوق العاملين في مدينة رام الله.
يقول محمود زيادة من وحدة التنظيم النقابي في المركز ان "هناك نظام مقترح للمصادقة عليه من قبل وزير العمل، خاص بتحديد حقوق وواجبات العاملين في هذا المجال، وهو بطبيعة الحال أقل من الحقوق الواردة في قانون العمل"، مؤكدا أن "هذه القضية واحدة من القضايا المهمة على جدول أعمالنا، باعتبار هذه النساء العاملات في هذا المجال من الفئات المهمشة".
وعلى رغم هذا الحديث المطمئن، إلا أن مطالبة زيادة بالإفصاح عن أعمال قاموا بها لدعم هؤلاء النساء كشفت عدم صدق هذه الادعاءات.
باستثناء المشاركة في النقاشات السابقة الخاصة بقانون العمل، والحالية الخاصة بالنظام الخاص بالفئات المهمشة، لم يمنح المركز أي اهتمام حقيقي لهؤلاء النساء وقضاياهن.
ويعترف زيادة بذلك فيقول: "إذا كان السؤال هل عملنا شيء كافي لهن؟ فالإجابة لا، إلا أننا لسنا صامتين، ولن نصمت على هذه الفئة التي في أمس الحاجة إلى المساعدة والمساندة".
وركز زيادة في حديثه القصير مع "ينابيع" على أهمية "التنظيم، فلا حقوق من دون تنظيم"، مشيرا إلى أن "نعمل على تعزيز قدرات كل الفئات على تنظيم نفسها باعتباره المدخل الرئيس للحصول على حقوقها".
وأشار زيادة في ختام حديثه إلى "نوع من التعاون والتنسيق مع جمعية المرأة العاملة من ضمنها مستخدمات المنازل، وغيرها من الشرائح غير المستثناة من قانون العمل، لكنها تتعرض لأبشع أنواع الاستغلال" من دون الإشارة إلى نوع هذا التعاون أو نتائجه.
لا يتبقى لنا إلا الإشارة، إلى انه بقدر أهمية توفير قانون لحماية حقوق هؤلاء النساء، فان لمتابعة ومراقبة هذا النوع من العمل أهمية لا تقل عن الأولى.
-----------------
الزواج المبكر … البعض يفضلها … صغيرة
كتبت :سامية الزبيدي
لم تكن سوى في الثالثة عشرة من عمرها، لكن إذا نظرت إليها أعطيتها من العمر أكثر، فقد كانت سلمى ذات هيئة ضخمة نوعا ما،  وإن لم تخلو من الجمال في تكوينها، ما جعلها عرضة لنظرات الإعجاب، وعبارات المديح التي تلاحقها في ذهابها و إيابها من المدرسة، و كانت سلمى على خوف و استحياء تسعد بذلك، وإن لم تبدي هذا لأحد.
لم تكن من المتفوقات في المدرسة،  ولم تكن تحبها لكثرة ما تعرضت فيها للنقد والشتم وحتى الضرب من معلماتها على أدني خطأ أو تقصير…إلا أنها ظلت تواظب على الذهاب إليها ولم تحاول حتى أن تشكو ذلك لأحد خاصة لوالدها الذي لن يضيع هذه الفرصة ليجبرها على ترك الدراسة والمكوث في البيت،  فسلمي تدرك أن أبيها يرى في المدرسة مضيعة للوقت بالنسبة لها، أما لأخيها أحمد فقد أوسعه ضربا أكثر من مرة لامتناعه عن الذهاب إليها.
وفي عصر ذلك اليوم جاءت أمها مهرولة إلى غرفتها ووجهها يطفح بشرا "مبروك.. مبروك يا سلمى.. والله كبرت يا بنتي وصار بدك تتزوجي" لم تفق سلمى من وقع الخبر إلا وهي في أحضان أمها المهنأة التي طفقت تعدد مزايا الخاطب
سلمى لم تستطع سوى الصمت.. والصمت علامة الرضا كما تقول جدتها،  فسلمى لا تستطع أن تقول لوالدها الموافق على العريس لا،  وسلمى لم تر أيضا سببا للرفض فغدا سوف يصبح لها بيتا لوحدها وسوف تشترى الكثير من الملابس و تضع المكياج ولن يضربها أبيها على ذلك … ولم يغيب عن ذهن سلمى للحظة واحدة التفكير كيف ستبدو وهي في فستان الزفاف وكيف سيحسدها صديقاتها وجاراتها،  فعلى حد قول أمها "أنهن أكبر منها سنا ولم يتزوجن بعد "
وكان يوم الزفاف،  أحاط الثوب الأبيض الملائكي بجسد سلمى الطفولي،  وجاءت إحدى صديقاتها إلى جانبها "لتقرصها في ركبتها وتلحقها في جمعتها" كما يقول المثل ثم جلست إلى جانبها وهمست في أذنها بخبث ضاحك "هل أخبروك ماذا ستفعلين الليلة؟" ابتسمت سلمى والخوف ينطق في عينيها "أخبرتني أمي كل شيء ولكني أكاد أموت رعبا ولست أدري ماذا سأفعل؟".
وتزوجت سلمى،  ومر ما كانت تخشاه ولكن ليس من دون عواقب،  أصبحت تكره زوجها بلا وعي منها،  وتكره اقترابه منها،  كما أنه لم يبد نحوها أي تفهم أو عطف لما كان يحسه منها من نفور،  فازداد الوضع سوءا وأصبحت معاملته لها أكثر جلافة وقسوة.
ولم تكد سلمى تصارح أمها بذلك حتى صرخت بها قائلة " هل تريدين أن تفضحينا … أنت أصبحت زوجة الآن يجب أن تكفي عن الدلع".
وكفت سلمى عن الدلع ومرت الشهور وسلمى تزداد انعزالا ووحدة وشحوبا،  أرجعته حماتها المتعطشة لإثبات رجولة ولدها ..إلى حملها إلا أن سلمى لم تكن كذلك،  ما دفع حماتها إلى سحبها من طبيب إلى آخر في غير تصديق لما يقولونه عن عدم اكتمال الرحم لدى سلمى،  ما يستدعى الانتظار فترة من الوقت حتى تنضج إلا أن أهل زوجها لم يرضيهم هذا الكلام ولم يقتنعوا به فقد كانوا يريدون "أن يفرحوا بابنهم ويروا أولاده" على حد قولهم،  فأخضعوها لعملية زرع " أطفال أنابيب" إلا أنها فشلت لعدم احتمال رحمها ذلك وأمام إصرارهم خضعت سلمى للتجربة مرة أخرى،  وتم إعادة الزرع ولكنه فشل للمرة الثانية وللسبب ذاته .. فقاموا بتطليق سلمى .
عادت سلمى مثقلة بالجراح النفسية والجسدية إلى بيت أبيها .. و الأمل يملأها بحضن دافئ يضمها إليه،  ولكن أنى لها ذلك فلم يستطع والدها الانتظار كثيرا وقام بتزويجها لأول خاطب دق الباب،  إلا أنها طلقت مرة أخرى بسبب الإنجاب أيضا رغم تأكيد الأطباء عدم وجود أي عيب لديها وأن كل ما هو مطلوب أن يتركوها لتنضج .. و تركوها .. تركوها مطلقة لمرتين موصومة بالعاقر وعمرها لم يكد يتجاوز التاسعة عشرة .
حكايات من الواقع
تلك حكاية لفتاة من آلاف الفتيات اللواتي يتعرضن إلى ما تعرضت إليه سلمى مع اختلاف التفاصيل،  فقد تعرفت "الأيام " من خلال وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة إلى عدد من القضايا –إن جاز لنا التعبير – التي ترد إلى الوحدة، اخترنا منها هاتين القصتين في محاولة منا لتوضيح جزءا من هذه المعاناة المستمرة لبناتنا الصغيرات، المأساة الأولى لليلى التي تقول " زوجتني جدتي وأنا في الخامسة عشرة من عمري فقد كنت أعيش لديها، رغم وجود أبي و أمي على قيد الحياة فكل منهما يعيش حياة أخرى بعد انفصالهما وزواجهما من آخرين، فتركاني لجدتي لتربيتي، وعندما تزوجت لم أكن أعلم شيئا عن واجباتي نحو بيتي وزوجي فقد كنت أقضي وقتي في اللعب مع البنات الصغيرات،  ولم أكن أعرف من الزواج سوى الملابس والمكياج إلى أن أنجبت طفلي الأول ولم أعرف كيف أتعامل معه فخافت حماتي عليه مني فأخذته ولم تسمح لي بإرضاعه وجلبت له مرضعة إلا أنني لم أستطع احتمال ذلك فهربت به إلى بيت جدتي التي أخذته مني عنوة وأرجعته إلى أهل زوجي وأصرت على تطليقي وكان عمري حينها (17) عاما ولم أرى طفلي منذ ذلك الوقت،  ولم تمهلني جدتي كثيرا فزوجتني لشاب سيئ السمعة لترتاح مني ولأعيش أنا في جحيم جديد .
كان زوجي مدمن مخدرات وكان يضربني باستمرار وقام ببيع كل ما نملك وأسكنني في بيت بالإيجار لكن صاحبة البيت طردتنا لسمعته السيئة والآن أعيش في بيت أبي أنا وابنتي،  و زوجي لا يريد أن يدفع لي النفقة ولا أن يوفر بيت لنعيش فيه والحال على ما هو عليه حتى الآن وتتساءل ليلى ما هو الذنب الذي اقترفته في حياتها لتمر في كل هذه المعاناة ؟.
أما لمياء فقصتها بدأت كقصص الكثير من الفتيات  فلمياء ذات السادسة عشرة من عمرها تعرفت إلى شاب وسيم الطلعة بطريق الصدفة فأحبا بعضهما وتقدم لخطبتها ولكن أبيها رفض و أمام إصرارها وافق في النهاية .
وبعد زواجها أقامت مع أهل زوجها الذين رفضوا هذا الزواج وعاملوها بشكل سيئ فأصرت على الانفصال في بيت مستقل وحدث ذلك وبقي الوضع مستقرا بضع سنين وأنجبت لمياء خلالها طفلتين حتى بدأ زوجها بالتغير التدريجي نحوها ونحو طفلتيه حتى علمت أنه على علاقة بامرأة أخرى فزادت الخلافات حتى ترك البيت  منذ سنتين وحتى اليوم لاتعلم لمياء عنه شيئا .
وتنتظر لمياء الآن قرار المحكمة بتطليقها وهي لم تبلغ الثانية والعشرين من عمرها بعد وتقول " أنها نادمة أشد الندم على تسرعها وطيشها وعدم تدقيقها في الوقت والرجل المناسبين ".
وأكدت منى الشوا الباحثة في وحدة المرأة أن معظم الحالات التي وردت إلى الوحدة هي حالات زواج مبكر تتعرض الفتيات فيه إلى مشاكل ومآسي وهن لازلن في فتي العمر،  واصفة هيئة بعض الفتيات اللواتي توجهن إليهم بأنه من الصعب على من يراهن أن يصدق أن بعضهن مازلن في العشرين من العمر،  فالمعاناة التي تعيشها بعض الفتيات تكاد لا تصدق وكأنها أفلام سينمائية لأكثر المؤلفين تشاؤما .
 أما عزة محيسن الباحثة الاجتماعية في مشروع دعم وتأهيل المرأة في غزة فتحدثت عن مدى جهل المرأة المبكرة في الزواج، مستعرضة قصة أم تأخر طفلها في النطق فوصفت لها بعض العجائز خليط من بيض الحمام النيئ ومواد أخرى لإعطائهم للطفل، وكان البيض النيئ  يحمل فيروس أصاب الطفل بمرض السحايا الذي أدى إلى شلله.
و تضيف محيسن أن جهل أمه التي لم تكن أكثر من طفلة صغيرة بكيفية رعاية طفلها وراء ما حدث للطفل .
مطلوب زوجة تفصيل
أما فيما يتعلق بأسباب الظاهرة فالشارع الفلسطيني له حديث آخر .
فأم فايزة تؤكد أنها ستزوج ابنتها لأول خاطب تراه مناسبا لتتخلص من ملاحقات الشباب ومعاكساتهم لابنتها كلما ذهبت إلى المدرسة والتي تسبب لأم فايزة المشاكل الكثيرة بينها وبين زوجها الذي يصفها دائما بأنها مربية فاشلة ويحملها مسؤولة ما يحدث داخل وخارج البيت، وعند سؤالها عن إكمال تعليم ابنتها (أولى ثانوي ) كانت إجابتها " بلا تعليم بلا كلام فاضي ..المرأة ليس لها إلا زوجها وبيتها "
أما أبو محمود فيتحدث عن صفات العروس التي يبحث عنها حاليا لابنه محمود فيقول : أريدها صغيرة في السن لأنها تكون مادة خام سهلة التشكيل حسب مشيئتنا،  ويمكننا تربيتها على عاداتنا وحياتنا فلا تتكبر علينا أو تكون "نمودة " على حد قوله .
وتقول (م) ذات الثالثة عشرة عاما من العمر والمخطوبة مؤخرا ردا عن سؤالها عن صغر عمرها للزواج "هذه عاداتنا فالبنت التي تكون أكثر من (16)عاما يقولوا عنها " بايرة " ولا أحد يرغب في الزواج منها ".
فيما يرى أبو جمال أن الزواج للبنات سترة سواء كان عمرها (14، أو 16، أو 20 ) مادامت البنت أدركت –على حد قوله – وتعرف معنى الحياة الزوجية فليس للسن أهمية وأبو جمال لديه 7بنات زوجهن جميعا ما بين 13-16 من أعمارهن ويفاخر أبو جمال برواج بناته السريع .
وذكرت الباحثة محيسن عددا آخر من الأسباب التي تدفع المجتمع لتفضيل الزواج المبكر كان منها : الإرث،  فيخافوا من خروج ارث الفتاة خارج الأسرة فيحاولوا تزويجها وهي صغيرة لأقاربها،  بالإضافة إلى معيار العار والخوف على شرف الفتاة فالزواج سترة لها وإكمال نصف الدين للرجل ووقاية من" الفلتان "، كما أن زواج الفتاة صغيرة السن مصدر للتباهي لأمها " فلأن ابنتها جميلة وخطابها كثر،  زوجتها مبكرا ".
ويلجأ بعض الأهل إلى تزويج أولادهم عند سن 18 عاما خوفا من قطع الشئون والمؤن وبالطبع عندما يكون الزوج في 18 من عمره فسيتم اختيار فتاة ما دون 16 عام له على الأغلب .
كما أن المجتمع الفلسطيني لا يزال عشائري التفكير ويحب الأسرة الممتدة ويرى في الفتاة الصغيرة قدرة أكبر على إنجاب أكبر عدد من الأطفال،  وتضيف محيسن أن عدم إلزامية ومجانية التعليم ساهموا في ازدياد نسب التسرب من المدارس وعزوف الأهل عن تعليم بناتهم فالأب يرى أنه لا فائدة من تعليم البنت فنهايتها للزواج وان عملت فنقودها ليست له فيفضل تعليم الولد عليها".0
 الظاهرة في استمرار
أوضحت إحصاءات أعدتها دائرة الإحصاء المركزي الى أن نسبة الإناث المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15-19 عاما بلغت العام 2005 (18%) مقارنة مع 8% في الأردن و7% في السعودية، 12% في مصر.

لكل من عامي (98-99) إلى استمرار ظاهرة الزواج المبكر بنفس المعدل حيث جاءت نسبة الانخفاض على مستوى الأراضي الفلسطينية عامة، لا تتجاوز (0.1%) للإناث المبكرات في العام (99) عن ما سبقه (98)،  والذي بلغت فيه نسبة الإناث المتزوجات في الفئة العمرية (14-19)، (59%)، فيما انخفضت نسبة المتزوجين الذكور ب(0.5%) عن عام (98)والذي بلغت فيه النسبة للفئة العمرية (15-19 )(10%) من المتزوجين تزوجوا زواج مبكر.
وتشير النسب التفصيلية لكل من قطاع غزة والضفة الغربية إلى ارتفاع نسبة الزواج المبكر في القطاع عنه في الضفة الغربية بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المتزوجات مبكرا عن المتزوجين الذكور ، حيث جاءت نسبة الزواج للإناث في الضفة الغربية لعام 98 (59%)، أما في قطاع غزة فبلغت (61%)، فيما جاءت نسبة الزواج المبكر للذكور في الضفة (9%)،  وفي قطاع غزة (13%)، ولم تتوافر معلومات عن النسب التفصيلية لكل من الضفة والقطاع لعام (99) كل على حدة .
وفيما يتعلق بمتوسط سن الزواج في الأراضي الفلسطينية عامة خلال عامي (98-99)،  فبلغ 23 عاما بالنسبة للذكور،  و18 عام للإناث  مما يعني أن نصف الذين تزوجوا خلال العامين المنصرمين كانوا أقل من 18 عام بالنسبة المتزوجات الإناث،  ونصف من تزوجوا من الذكور كانوا ما دون 23 عاما،  وهذا ما يشير عمق انتشار ظاهرة الزواج المبكر .
كما وتدلل الإحصاءات التي حصلت عليها "الأيام " من نفس المصدر السابق على أن ما يساوى ربع المتزوجات مبكرا يتعرضن للطلاق،  حيث بلغت نسبة الطلاق للإناث في الفئة العمرية (14-19) خلال العامين السابقين، (27%)،  أما للذكور ما بين (15-19 )عاما فبلغت نسبة المطلقين منهم لعام (99) ( 3% )وعام (98) بلغت (4%).
القانون

طفلين في قفص الزواج
 وعن كيفية حياة الزوجين المبكرين وتأثير حداثة سنهما على حياتهم الزوجية أشارت الباحثة محيسن إلى استمرار الإنسان في النمو حتى النضج الذي يبلغه جسديا في سن 21-22 عاما،  فيما تكتمل الأعضاء التناسلية في سن 18 عام،  أما النضج العاطفي والانفعالي  فيقول علماء النفس  أن الإنسان يبقى غير ناضج من الناحية النفسية حتى السادسة والعشرين من العمر .
فالفتى والفتاة المبكرين يكونوا في مرحلة نمو انفعالي ونفسي،  سريعي الاستثارة،  والغضب،  ويعانون من الميل العاطفي وعدم الاستقرار،  فاليوم ترضى الفتاة بهذا الشاب وبعد عدة أشهر من الزواج تكره أو لا ترضى عنه فتنشأ المشاكل التي كثيرا ما تؤدي إلى الطلاق فكل منهما غير قادر على اتخاذ قرار وتحمل مسئوليته فتجد كل منهما يلقي المسؤولية على الآخر ولا أحد يريد تحملها لأنهما غير قادرين على ذلك . بالإضافة إلى أن الفتاة ما دون سن 18 عام تتركز كل اهتماماتها على ارتداء فستان الزفاف،  وأن تصبح عروس وتخرج من البيت،  وتضع المكياج،  لكن بعد الزواج تفاجأ بمسؤوليات البيت والأطفال،  ومسؤوليات جسدية وجنسية غير مؤهلة لها .
وتؤكد محيسن أنه كثيرا ما تصاب الفتاة بالهستيريا ليلة الزفاف نتيجة الخطأ الفادح الذي يرتكبه الأهل في إخبار ابنتهم المعلومات مرة واحدة عما سيحدث مما يؤدي إلى فزعها وخوفها من زوجها الذي ينقلب إلى كراهية للزوج،  كما يؤدي إلى إصابتها ببرود جنسي في كثير من الأوقات .
وتشير محيسن إلى أن أول أساسيات الزواج،  البيت الشرعي الذي يكون غير موجود في أغلب حالات الزواج المبكر،  فيعيش الزوجين في الأسرة الممتدة مما ينتج عن ذلك تدخلات في حياتهم تزداد بسبب صغر سن الزوجين وعدم إدراكهم  للكثير من الأمور مما يخلق مشكلات جمة،  مضيفة أن معظم الفتيات لا تعرفن حقوقهن الشرعية ولا يتم إخبارهن بها من قبل الأهل أو القاضي كحقها في المسكن المستقل وحقها في وضع الشروط التي ترتئيها في عقد الزواج . وترى محيسن أن الزواج المبكر ليس ما دون 18 عام وإنما ما دون 20-21 عاما وذلك لأن سن 18 عاما ليس كافيا من وجهة نظرها حيث تكون الفتاة أو الفتى في فترة المراهقة ولم يبلغوا النضج الجسدي والنفسي والانفعالي المطلوب .
وفي النهاية نتساءل … أين تكمن جذور المشكلة ؟ هل هي في قسوة بعض الآباء، أم في تسرع الأبناء ؟ أم هي في عادات، وتقاليد، وأفكار مهترئة، تسكن رؤوس أكثر إهتراءا ؟! أم في ظروف،  وأوضاع تفرض نفسها، وتطبق أحكامها على من يشاء، ومن لم يشأ ؟، وهل حلها بقانون نطالب برفعه أو خفضه ؟ أم في منظومة مجتمعية من السلوكيات والأفكار التي مازالت تراوح نفسها منذ بضع عقود ؟ وتحتاج إلى تغيير واستبدال بمفاهيم أخرى،  بدءا من التنشأة الاجتماعية السليمة والمتساوية للجنسين، ومرورا بالتربية الجنسية الصحيحة للأطفال، وإتاحة حرية الاختيار للجميع واحترامها، وبذل الجهود لجعل المدرسة مكان محبب للأطفال، وتطبيق مجانية التعليم والزاميته، وليس انتهاءً باحترام حق أطفالنا في عيش طفولتهم وشبابهم بعيدا عن الهموم والمشاكل والمسئوليات التي لا طاقة لهم بها.

--------------------
في استطلاع سريع للرأي أجرته "المجلة " في فلسطين:
النساء الفلسطينيات يطالبن بحصة مضمونة (كوتا) في قانون الانتخابات

غزة- سامية الزبيدي
في خضم الجدل الدائر في الأوساط الفلسطينية النسوية منها والمجتمعية ، حول الانتخابات، التشريعية، والرئاسية القادمة، المتوقع تنظيمها في العشرين من كانون ثاني (يناير)القادم ، أجرت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بالتعاون مع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي ، استطلاعا للرأي العام للنساء الفلسطينيات حول موضوع السياسة والإصلاحات ، أظهر تأييد غالبية النساء لمبدأ تخصيص عدد من المقاعد للنساء (كوتا) في قانون جديد للانتخابات يقره المجلس التشريعي يكون بديلا عن قانون الانتخابات العامة الذي صدر عام 1995 ، وتم استنادا إليه تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة عام 1996.
لإلقاء الضوء على ماهية هذا الجدل الدائر منذ إعلان الرئيس ياسر عرفات موعد الانتخابات التشريعية ؟ ولمعرفة موقع النساء الفلسطينيات من هذه الانتخابات، أجرت "المجلة" التحقيق الآتي:

تغيير القانون

في إطار المحاولات الحثيثة، من قبل مؤسسات المجتمع المدني لتغيير قانون الانتخابات الفلسطيني المعمول به سابقا، الذي أقر الرئيس عرفات مجددا  أن الانتخابات المقبلة ستتم وفقا له، قدمت هذه المؤسسات مذكرة إلى رئيس المجلس التشريعي وأعضائه، حثتهم فيها على الإسراع في إقرار قانون انتخابي جديد، يتبنى "النظام الانتخابي المختلط" الذي يجمع بين التصويت الفردي والتمثيل النسبي بدلاً من نظام الأغلبية السابق (الدوائر)، كما تبنت المذكرة ما أطلقت عليه "التمييز الإيجابي" لصالح النساء، أي ضمان حصة للنساء (كوتا) في القانون الانتخابي الجديد.
 في الوقت نفسه ظهرت أصوات متناقضة حول  تخصيص (كوتا) للنساء ، فمن جهة هناك من يختلف حول نسبة هذه الـ(كوتا) ، هل ستكون 20% أم 30% كحد أدني، وهناك من  يرفض  مبدأ الـ(كوتا) أصلا.

نظرة عامة

ومساهمة منه في إلقاء الضوء حول هذا التناقض، يقول محسن أبو رمضان، أحد أبرز الناشطين في العمل الأهلي في قطاع غزة، أن هناك اتجاهين على الأقل في الساحة الفلسطينية ، الأول: يرى اعتماد نظام الـ(كوتا) ضمن القانون الانتخابي، الذي يضمن نسبة معينة للنساء في السلطة التشريعية من 20% إلى 30% ، والثاني يرفض الـ(كوتا)، ويرى في إقناع الأحزاب السياسية الفلسطينية باعتماد (كوتا جندرية ) ضمن قوائمها الانتخابية سبيلا ديمقراطياً أسلم.
ودافع أبو رمضان عن الاتجاه الأول الذي يتبناه قائلاً: أنه "لا يمكن الحديث عن تنمية أو تقدم في المجتمع الفلسطيني من دون مشاركة المرأة"، وهو ما يراه أبو رمضان صعب التحقيق في ظل موروث ثقافي مارس تمييزا سلبيا ضد المرأة ، وهضم حقوقها على مدى قرون، ما يتطلب تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة الفلسطينية لفترة من الزمن تعمل على منحها فرصة لإثبات جدارتها، عن طريق إقرار مبدأ الـ"كوتا" الجندرية في القانون، وفي القوائم الحزبية .
"كوتات داخل كوتا"
وهو ما رفضته عندليب عدوان مديرة برنامج الاتصال والإعلام في مركز شؤون المرأة في قطاع غزة، إلا في حال تم اعتماده لدورة انتخابية واحدة، موضحة أن ذلك كفيلاً بإعطاء الفرصة للمرأة الفلسطينية للعمل على تحسين وضعيتها، واثبات كفاءتها  وقدرتها على خدمة قضايا شعبها مثلها مثل الرجل تماما، ما يمكنها من النجاح في الدورة الانتخابية التي تليها من دون الـ"كوتا" .
وأرجعت عدوان أسباب رفضها لهذه الحصة الى أنها ستحدث تراخياً في الحركة النسوية حسب وجهة نظرها، قائلة "أن نشاط أقطاب الحركات النسوية سيخبو، لإثبات قدرة المرأة على المنافسة الحرة في ظل وجود (كوتا) مضمونة".
وأضافت قائلة : أن نظام الـ(كوتا) سيكون انعكاساً واضحاً للتركيبة الاقتصادية والعشائرية والسياسية للمجتمع ، أي أن من سيتم انتخابهن هن نساء مدعومات مالياً أو عشائرياً أو حزبياً وهو ما يتم من دون (كوتا)، في حين أن الـ"كوتا" ستعطي فرصة أكبر لذلك"، معتبرة أن الأمر سيكون في النهاية "كوتات داخل كوتا" يحصل الفصيل الأكبر على معظمها.

مسؤولية حزبية

واعتبرت عدوان أن مسؤولية تشجيع النساء على خوض معترك الحياة السياسية تقع  بالدرجة الأولى على كاهل الأحزاب السياسية ومن ثم القانون.
 ورأت في الـ(كوتا الجندرية) بنسبة لا تقل عن 30% تتضمنها القوائم الانتخابية للأحزاب حلاً مثالياً، يضمن مشاركة النساء والرجال، مشيرة إلى أن قانون الانتخابات الفلسطيني الحالي لا يمنع مشاركة النساء السياسية، بل يعطيها الحق بالتساوي مع الرجل في الترشيح والترشح.
واستدركت قائلة أن القانون يتيح للعشائرية أن تلعب دوراً أكبر، لكن هذا العيب في القانون يأتي ضد المرشحين سواء كانوا رجالا أو نساءً ، فمن المعروف أن أبناء العائلات الكبيرة يجدون طريقا إلى مواقع صنع القرار ليس على أساس كفاءتهم أو نشاطاتهم و إنما على أساس انتماءاتهم العائلية والقبلية.

المرأة ونظم الانتخاب

وهو الأمر الذي استند إليه الحقوقي والناشط في مجال حقوق الإنسان وقضايا المرأة كارم نشوان ، في ضرورة تمييز المرأة في القانون الانتخابي، مفندا الأنظمة الانتخابية الثلاثة المعمول بها في العالم ،وما تقدمه للمرأة  المرشحة.
وتحدث في البداية عن نظام الأغلبية المعمول به في الأراضي الفلسطينية حتى الآن والمتوقع إجراء الانتخابات وفقا له إذا لم يتم استبداله ، الذي يؤسس لسلطة الحزب الواحد، ويعزز النعرات العشائرية والمناطقية والجهوية ، وفي هذا النظام يكون من الصعوبة بمكان حسب نشوان توفير فرص النجاح أمام المرأة ، أو أن تدفع بعض العائلات أو المناطق بنساء لتمثيلها، خاصة وأن المجتمع الفلسطيني ما يزال يثق ويفضل قيادة الذكور للمناصب العليا وليس النساء.
أما نظام التمثيل النسبي فيوضح نشوان أن هذا النظام يعتمد على إجراء الانتخابات بين الأحزاب فقط ولا يسمح للمستقلين بالمشاركة، يحصل فيها كل حزب على مقاعد في المجلس بما يتناسب مع حجم الأصوات التي حصل عليها من الناخبين.
وحول مكانة المرأة في هذا النظام يقول: أن المرأة تكون في هذا النظام مرهونة بسياسات الحزب وبمدى جديته بوضع نساء ضمن قوائمه الانتخابية ، وهو الأمر المستبعد حدوثه في منطقتنا، لأن فرص الحصول على المقعد من خلال الرجل المرشح أكبر من فرص المرأة المرشحة.
ويشير نشوان إلى ذلك ، بمراجعة قوائم التنظيمات الفلسطينية التي شاركت في الانتخابات التشريعية السابقة ، حيث كانت نسبة تمثيل المرأة في القوائم المشاركة في حدها الأدنى لدى حركة "فتح" 5% وفي حدها الأقصى لدى حركة "فدا" 18%.
الأمر الذي يؤكد أن دفع الأحزاب للنساء لصنع القرار لا يجسد مفهوما مختلفا جذريا عن المفهوم المجتمعي.
أما في النظام الانتخابي الثالث (النظام المختلط) ، فيوضح نشوان أن هذا النظام يعتمد على جانبين، الأول : يتم فيه انتخاب نصف المقاعد من خلال نظام الأغلبية والدوائر، والثاني: يتم فيه انتخاب النصف الثاني لمقاعد المجلس التشريعي من خلال نظام التمثيل النسبي.
ويخضع هذا النظام بالنسبة إلى وضعية المرأة للاعتبارات المذكورة في كلٍ من نظام الأغلبية الذي لا يعطيها فرصة المنافسة ، والتمثيل النسبي الذي يرهنها بجدية الأحزاب على إعطاءها  فرصة الترشح.

نعم للتمييز الإيجابي

ويخلص نشوان من خلال هذا العرض ، إلى رأيٍ يناقض عدوان فيه ، في تأييده الكامل لمبدأ الـ(كوتا)، التي يعتبرها تمييزاً إيجابياً ضروريا لإنصاف المرأة و إعادة حقوقها السياسية المسلوبة منها.
وتتفق مع نشوان نادية أبو نحلة مديرة طاقم شؤون المرأة في غزة ، وأبرز المطالبات والمدافعات عن الـ(كوتا)، في ضرورة إقرارها ضمن قانون انتخابات يأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع الذكوري السلطوي، الذي يهمش النساء، ما يستدعي دعماً قانونياً للنساء ، بإعطائهن (كوتا) وتقليل سن المرشحة لعضوية المجلس التشريعي والرئاسة.

لا تعارض مع الديمقراطية

ونفت خديجة الحباشنة أبو علي أن تكون الـ(كوتا)تتعارض مع الديمقراطية، وأن تكون نظام تعيين، كما يستند بعض المناهضين لها على ذلك، مؤكدة أن ميزة الـ(كوتا) أن النساء لا تتنافس مع الرجال في ظروف غير عادلة وغير متوازنة، حيث يملك الرجال كل عوامل النفوذ المالي والعشائري والسياسي غير المتوفرة لدى المرأة ، ونحن لا نستطيع أن ننتظر آلاف السنين لتعديل وتصحيح مسار المجتمع في عصر التطورات المتسارعة .
ولفتت إلى أن العدد القليل من النساء اللواتي يمكن أن يصلن إلى مواقع صنع القرار تبعا لقاعدة التطور الطبيعي، لن يساعد في دمج الرؤية النسائية، لان هؤلاء النساء غالبا ما يتنازلن عن نظرتهن لصالح النظرة السائدة لكي يتمكن من النجاح والوصول إلى مواقع صنع القرار.
 وتستطرد أبوعلي أنهن كثيرا ما يسقطن في النظرة الأبوية.
وأضافت أن نظام المقاعد المخصصة للمرأة تفتح المجال أمام مشاركة واسعة للترشيح من قبل ممثلات الحركة النسوية وتتيح أمام المجتمع أن ينتخب من بينهن الأفضل، موضحة أن مشاركة المرأة في البرلمان ستصبح حقيقة واقعة وليست مجرد نموذج فردي أو عينة تبدو كأنها ظاهرة نادرة أي أنها محصورة في النخبة.
وترد أبو علي على مخاوف بعض المعارضين لنظام الـ(كوتا) من أن تستغل جهات متنفذة مبدأ الـ(كوتا) لإنجاح نساء غير قديرات أو مؤهلات للقيادة والعمل السياسي قائلة : "أن الجهات المتنفذة قادرة على ذلك من دون مبدأ الـ(كوتا) أيضاً".
وفي هذا السياق تستنكر أبو نحلة الحديث عن كفاءة وقدرة المرأة عندما تنتخب أو ترشح، فيما لا يتم الحديث عن كفاءة وقدرة الرجل .

الـ(كوتا) غير دستورية

من جانبه، أكد عبد الكريم أبو صلاح رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي أن مبدأ الـ(كوتا) سيحد من نصيب المرأة وحقها المطلق في المشاركة السياسية جنباً إلى جنب مع الرجل، مضيفا أنه في محال تضمن قانون الانتخابات (كوتا) نسوية ، فإنها ستصبح مادة غير دستورية ، حيث تقول المادة (9) من القانون الأساسي (الدستور الفلسطيني المؤقت): "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".
وشدد أبو صلاح على رفضه لهذا المبدأ ، معللا ذلك بأن باقي فئات المجتمع الفلسطيني ستطالب بتخصيص مقاعد لها في البرلمان شأنها في ذلك النساء مثل : المعاقين، والعمال، وغيرهم.
وفي ذات السياق، يخالف الحقوقي نشوان رأي أبو صلاح، قائلا: أن "الدستور يمنع التمييز السلبي ، الذي تحظره الاتفاقات الدولية ، الذي يستهدف التفرقة أو الاستبعاد لمشاركة المرأة، كما جاء في اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي طالبت الدول باتخاذ إجراءات مؤقتة تعجل من تحقيق المساواة ومن ضمنها التمييز الإيجابي المؤقت.
وأضاف نشوان أن مساواة مشروع القانون الأساسي وقانون الانتخابات بين الرجل والمرأة في حق الترشح ، هي مساواة شكلية في ظل الثقافة الرافضة لمشاركة المرأة في صنع القرار وتفضيل الرجال على النساء عند صناديق الاقتراع.
واتفقت أبو نحلة مع نشوان قائلة : أن القانون يجب أن ينسجم مع الواقع وأن يراعي التمييز السلبي الذي تعاني منه المرأة، مشيرة إلى أن الحركة النسوية تعمل على أن تصبح الـ(كوتا) مادة قانونية بالضغط على صناع القرار في المجلس التشريعي.

جهود مكثفة

وفي الإطار نفسه تقول إيمان شنن منسقة مشروع الانتخابات الخاص بشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (تجمع طوعي تنسيقي يتألف من نحو 90 منظمة أهلية) أن مشروع التوعية بالانتخابات والرقابة عليها الذي تعمل عليه يهدف إلى إثارة وعي الجمهور الفلسطيني بالانتخابات سواء على صعيد المجالس المحلية والبلدية، أو الرئاسية والتشريعية.
وأضافت أن المشروع يتضمن دراسة قانون الانتخابات الفلسطيني، والضغط اتجاه تعديله ليتوافق مع تطلعات وآمال المجتمع المدني الفلسطيني، مؤكدة أن ضمان مشاركة المرأة في الانتخابات يقع ضمن أولويات المشروع.
وقالت شنن أن الشبكة تعمل على الوصول إلى الفئات المهمشة في المجتمع مثل النساء وإثارة الوعي لديهن بضرورة تفعيل مشاركتهن في الانتخابات .
وتؤكد شنن من خلال لقاءاتها المباشرة مع النساء في المناطق المختلفة بأن هناك وعي عالي لديهن، وأنهن يؤيدون مشاركة النساء في صنع القرار ، يرغبن في رؤية امرأة تمثل مصالحهن بشكل حقيقي.
يذكر أن الشبكة ليست الجهة الوحيدة التي تعمل على إعداد الجماهير للانتخابات ، بل تكاد لا تجد مؤسسة أهلية أو حكومية واحدة تخلو من مشروع أو مشاريع تتعلق بالانتخابات.

تمويل أجنبي

وحول هذا الكم من المشاريع الخاصة بالانتخابات الممولة من الخارج، تقول د.هديل القزاز الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة والتنمية ، في مقالة لها بعنوان "الدعم الأجنبي لمشاريع المشاركة السياسية للمرأة " نشر في العدد الأخير من مجلة "الغيداء" الصادرة عن مركز شؤون المرأة ،أن " التمويل الأجنبي بشكل عام زاد من هشاشة بنى المجتمع وعدم قدرتها على الاعتماد على الذات...وزاد من خصوصية المؤسسات النسوية أنها تتعامل مع قضايا مجتمعية ذات حساسية عالية وعادة ما يستسهل الناقدون الادعاء بأن الطروحات التي تتعلق بالمساواة وتفعيل دور النساء في المجتمع هي أفكار أجنبية ودخيلة على عادات المجتمع وتقاليده" .
كما أن اعتماد هذه المؤسسات على التمويل الأجنبي ساهم في ابتعادها بشكل تدريجي عن قواعدها الجماهيرية، وهو ما توضحه د.القزاز قائلة : أنه عندما يكون المشروع له علاقة بالمشاركة السياسية يبدو التناقض واضحا بين الواقع والاحتياج، فالمؤسسات النسوية لم تطور آليات تعامل مع قواعدها الجماهيرية، وإنما تعاملت مع الدعم الموجه لمشاريع الانتخابات ودعم المشاركة السياسية على أنها “مجرد مشروع” يستفيد منه موظفوه والقائمون عليه في المؤسسة وعدد قليل من الفئة المستهدفة، ما خلق فجوة بين هذه البرامج والمشاريع وبين الفئة المستهدفة" .
وتساءلت د. القزاز "لماذا بقيت مفاهيم المشاركة السياسية والديمقراطية والتعددية السياسية وحتى النوع الاجتماعي بعيدة عن وعي المرأة العادية والأمية" ، موضحة أن "المشاركة السياسية الحقيقية تتمثل بأشكال مختلفة ولا تقتصر على صناديق الاقتراع ولا على النمط الإجرائي من ممارسة الديمقراطية، فهي أيضا مشاركة في التخطيط والتنفيذ ، واتخاذ القرار بدءً من البيت مرورا بجميع مناحي الحياة".
تجربة رائدة
من ناحية ثانية، قيمت جميلة صيدم النائبة في المجلس التشريعي، تجربتها في العمل البرلماني ، قائلة أنها " كانت تجربة جيدة وفاعلة ، تميزت بانسجام كبير بين النواب والنائبات ، في مناقشة جميع القوانين والقرارات الصادرة عن المجلس"، مشيرة إلى قلة قليلة كانت حادة في فرض رأيها عليهن كنائبات، ممن تسيطر عليهم العقلية الذكورية التقليدية.
وأكدت صيدم أنها وزميلاتها سعين دائماً إلى إثبات حضورهن وقدرتهن على العطاء، هادفات أن يكّن نموذجاً يشجع المرأة الفلسطينية على ترشيح نفسها في الانتخابات القادمة.
وعللت صيدم العدد الضئيل الذي وصل إلى المجلس التشريعي من النساء (خمسة نساء) بأنها كانت التجربة الانتخابية الأولى على الأرض الفلسطينية، إضافة إلى تردد وخوف كثير من النساء من الفشل في ظل الأصولية المنتشرة في المجتمع ، والتي ترفض اضطلاع النساء بمواقع صنع القرار.
يذكر أن عدد النساء المرشحات للانتخابات السابقة بلغ (25) امرأة من أصل (672) مرشح، تمكنت (5) نساء فقط من الفوز من أصل (88) عضو، (3) منهن كانت من قوائم حركة "فتح" وهو ما يعكس تدني مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية.
وفيما يتعلق بمبدأ الـ(كوتا) ، رفضت صيدم هذا التسليم بالقرار للرجل، الذي ما يزال يسيطر على مواقع صنع القرار، بمطالبته بمنح النساء حصة محددة (كوتا)، مؤكدة أنه من المستبعد في حال وافقوا على كوتا للنساء أن تزيد نسبتها عن 10%".
واستذكرت أن المرأة الفلسطينية في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني لم تقفز نسبة مشاركتها عن 8% طوال عقود الشتات الفلسطيني، قفزت إلى 10% في دورته الأخيرة ، متساءلة : إذا لم نستطع أن نحقق النسبة المطلوبة 20-30% طوال ثلاثون عاما، فهل سيعطوننا إياها الآن بهذه السهولة؟؟".
وطالبت المنظمات النسوية بالاتجاه إلى الأحزاب، التي همشت المرأة وأبقتها زينة للصفوف وليس للمشاركة ، والضغط عليها ، لتضمين قوائمها الحزبية مرشحات من النساء.
فيما رفضت صيدم تأكيد نيتها في إعادة ترشيح نفسها، قائلة: أنها تشعر أن لديها طاقة للاستمرار في العطاء ، إلا أنها لم تحسم رأيها بعد ، وأن قرارها مرتبط بالظروف التي ستتم فيها الانتخابات.
النساء والأحزاب
قال نشوان أن نجاح 3 نساء من أصل 25 مرشحة ، يؤكد أن هناك  فرص للنجاح في الوصول إلى البرلمان أمام النساء إذا كن مرشحات من خلال حزب، داعيا الأحزاب والنساء معا للعمل على دعم وتمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار.
فيما حملت عدوان الحركة النسوية الفلسطينية مسؤولية فشلها في إقناع الأحزاب السياسية لتضمين نساء في مواقع قيادية داخل الحزب يرشحن ضمن قوائمها، معتبرة أن هذه التجربة نموذجا يشجع النساء الفلسطينيات على إعادة انتخاب نساء بعدد أكبر في الانتخابات القادمة .
وتوقعت أبو نحلة أنه إذا لم يتم تغيير قانون الانتخابات سيكون مستقبل الانتخابات القادمة سيئ للغاية، وستكون فرص النساء داخل المجلس التشريعي أقل من 5 مقاعد، في ظل ازدياد القوى اليمنية قوة داخل المجتمع الفلسطيني خلال الانتفاضة،  مشددة على أن تغيير القانون يأتي في المرتبة الأولى لدعم المشاركة السياسية للمرأة ، فيما تأتي الأحزاب في المرتبة الثانية".
من جانبها، بدت أبو علي متفائلة أكثر في زيادة تمثيل المرأة في الانتخابات القادمة، مشترطة ذلك بالعمل على تنظيم حملة واسعة لدعم النساء المرشحات.
واستندت أبو علي في تفاؤلها على نتائج استطلاع قام به المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي في بداية عام 2001، أظهرت أن 63% من النساء يؤيدن مشاركة أكبر للنساء في المجالس البلدية، و66% يؤيدن مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية، و71% يؤيدن حق المرأة بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ولتحقيق مشاركة فعلية أوسع للنساء، دعا أبو رمضان الأطر النسوية للتشبيك والتحالف مع قوى مؤمنة بمشاركة المرأة في الحياة العامة ، وتشكيل حملات للضغط على نواب المجلس التشريعي، وقياديي الأحزاب ، لإقرار مبدأ الـ(كوتا) للنساء.
إلى هنا، يبقى الجدل مستمرا، هل ستجمع النساء حول (كوتا) قانونية ، أم كوتا حزبية، أم حملات انتخابية نسوية قوية، وهل سيستجيب أصحاب القرار لهذه المطالب، في ظل انتخابات لم يتبقى لها سوى عشرات الأيام، وهل ستجري هذه الانتخابات في موعدها المضروب فيما لا نستطيع أن نلمس أي تحضيرات حقيقية لها على الأرض، سوى تشكيل الرئيس عرفات للجنة مركزية للانتخابات برئاسة د.حنا ناصر رئيس جامعة بيزريت، في الضفة الغربية.
وفي الوقت نفسه، نستمع لـ"تسريبات" لبعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية تفيد أن جدلا يدور في أروقة مبنى المقاطعة القابع به الرئيس عرفات في رام الله ، حول إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المتوقعة في 28 من كانون ثاني (يناير) القادم، انتظارا لنتائجها.
وهل سيشكل هذا التأجيل فرصة لتهيئة مناخ مشجع أكثر لمشاركة المرأة ؟ سؤال ستجيب عنه الانتخابات القادمة.
---------------
تهيئة المرأة للانتخابات المرتقبة
مراكز وجمعيات و اتحادات المرأة الفلسطينية
بين التقصير..وخطأ الاتجاه
غزة-سامية الزبيدي
تطرح منذ وقت ليس بالقصير قضية ملحة على الأجندة الفلسطينية في شكل عام و النسوية في شكل خاص، ترتبط ارتباطا مباشرا بإعلان الرئيس ياسر عرفات عن موعد انتخابات عامة تشمل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية.
وعلى رغم الجدل الساخن والمستمر الذي أعقب الإعلان في الأوساط الفلسطينية، بخاصة النسوية، أخضعت خلاله مصطلحات عديدة للبحث والنقاش مثل "التمثيل النسبي".."المختلط".."كوتا".."قوائم حزبية".."دوائر"..الخ.
وبعيدا عن الاختلاف على النظام الانتخابي الأفضل للانتخابات الموعودة، يبقى الاختلاف على إعطاء المرأة حصة محددة "كوتا"، هو الأكثر بروزا وحدة وهل ستعطي هذه الحصة من مقاعد المجلس التشريعي من خلال قانون انتخابي جديد أم من خلال القوائم الانتخابية الخاصة بالأحزاب الفلسطينية؟!.
وبالنظر إلى استطلاع سريع أجرته "الغيداء" لأراء عدد من أعضاء المجلس التشريعي، نجد أن الاتجاه لا يسير بتاتا لمصلحة تبني "كوتا" للنساء داخل التشريعي، بل الطلب إليهن بخوض المعركة اعتمادا على قدراتهن الذاتية، الأمر الذي يضع جميع الاتحادات و المؤسسات والمراكز النسوية أمام تساؤل خطير: ماذا أعدت للمعركة الانتخابية القادمة بعيدا عن الاتكال على "كوتا" نسوية؟.
تعترف رضا عوض الله مسؤولة اللجنة الإعلامية في الاتحاد العام لمرأة الفلسطينية في محافظات غزة، بعدم وجود أي برنامج لدى الاتحاد لدعم مرشحات بعينهن قائلة: "حتى هذه اللحظة لم يقوم الاتحاد بالتحضير للانتخابات التشريعية المقبلة من حيث اختيار المرشحات أو دعمهن".
وأضافت: "كما انه لم يتم العمل حتى مع القاعدة النسوية في القرى والمخيمات والمدن، وذلك على رغم وجود حوالي 2000عضوة، منتشرات في أنحاء الوطن".
وتستذكر عوض الله "عدم قيام الاتحاد بأي دور في الانتخابات التشريعية السابقة في ترشيح مرشحات بعينهن ودعمهن"، مبررة ذلك "كونه (الاتحاد) في ذلك الوقت كان في طور التشيكل وتنظيم العمل، بعد العودة إلى ارض الوطن".
وأكدت ان "سبب نجاح 5 مرشحات في الانتخابات السابقة يعود إلى دعم "مناطقهن وفصائلهن وعائلاتهن وليس لدعم الاتحاد العام".
واستدركت عوض الله حديثها مؤكدة أن "إخفاق الاتحاد في هذا المجال يعود إلى إعطائه الأولوية في عمله لأحداث الانتفاضة حاليا"، موضحة انه "تم تنظيم عدة ورش عمل لمناقشة قانون الانتخابات ووضع الملاحظات عليه، كما ناقش الاتحاد قضية اختيار مرشحات من قبله لتعينهن في مجلس بلدية غزة، وسنعمل في الانتخابات التشريعية القادمة على دعم مرشحات في مناطق الوطن كافة ".
واستطردت: "لكن الاتحاد يضع جل اهتمامه حاليا في تنظيم لجان الطوارئ والعمل على دعم اسر وعائلات الشهداء والمصابين لتخطي المرحلة الصعبة"، لافتة إلى انه "لا يعتقد بان الانتخابات ستحدث قبل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة".
وتساءلت: "أي انتخابات؟ والإسرائيليون يقصفوننا يوميا؟".
وعولت أمالها على أن أي موعد جديد للانتخابات لن يكون بين ليلة وضحاها، معتقدة "انه سيكون هناك ستة اشهر على الأقل فترة تحضيرية للانتخابات يستطيع الاتحاد ان يعمل خلالها على هذا البرنامج".
وانتقالا من الاتحاد العام الائتلاف الأكبر للاطر الممثلة للنساء الفلسطينيات إلى الائتلاف الأكبر للمنظمات غير الحكومية، الا وهي شبكة المنظمات الأهلية التي عملت على احد المشاريع الكبرى على الساحة الفلسطينية فيما يتعلق بالانتخابات.
ويلقي امجد الشوا منسق الشبكة الضوء على هذا المشروع بالقول: "بدأ المشروع منذ اوائل شهر تشرين اول (اكتوبر) الماضي وانتهى في الاول من شهر أيلول (سبتمبر)، أي امتد طوال ستة أشهر، قسم خلاله العمل على عدة مراحل تضمنت موضوعات متعددة منها، التوعية بقضية الانتخابات وأهمية إجرائها، وقانون الانتخابات وضرورة تعديله بما يتوافق وتطلعات الشعب الفلسطيني، و مشاركة الشباب و المرأة فيها، وتفعيل دور القوى السياسية".
واضاف: "ركز المشروع في عمله على قطاعين أساسيين هما: المعوقين والنساء، مستهدفا بشكل خاص المراكز النسوية، حيث شكل لجنة من شخصيات وممثلات عن اتحادات ومراكز وجمعيات تعنى بقضايا المرأة للخروج برؤية مشتركة لدورها في الانتخابات"، لافتا الى أن "الشبكة نفذت عدة ورش ودورات في مناطق مهمشة لإثارة الوعي فيها اتجاه قضية الانتخابات، علاوة على إعداد 25مراقبا مدنيا على الانتخابات من ضمنهم عدد من المراقبات".
وأشار الشوا إلى ان الشبكة رفعت مذكرة حول قانون الانتخابات موقعة من اغلب القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة إلى الرئيس ياسر عرفات والمجلس التشريعي، تضمنت المطالبة باعتماد نظام "التمثيل النسبي" او "المختلط" للانتخابات، إضافة إلى اعتماد نظام "كوتا" للنساء من ضمن مطالب أخرى".
ويدافع الشوا عن المشروع الذي تجاهل العمل على تشجيع النساء ودعمهن واقناعهن بترشيح أنفسهن، إضافة إلى إعداد الراغبات منهن للانتخابات القادمة، قائلا: "نظمنا أكثر من 40 نشاطا عاما بمشاركة أعضاء من المجلس التشريعي وشخصيات عامة وتم نشرها في الصحف لاستقطاب اكبر عدد من المؤيدين للأفكار المطروحة، خاصة فيما يتعلق بدعم النساء في الانتخابات".
ويستطرد "لسنا مؤسسة نسوية، ليس دورنا تحفيز وتجهيز المرأة المرشحة، المفروض أن يكون هناك دور مشترك للقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في إبراز نساء بصورة اكبر".
ومن ناحية أخرى، تعترف نائلة عايش مديرة مركز شؤون المرأة في غزة ان المركز "عمل على قضايا التوعية بالانتخابات وبالـ"كوتا" لكن لم يعمل على صعيد دعم وتشجيع مرشحات"، مؤكدة ان "دعم مرشحات يحتاج إلى ائتلاف نسوي يعمل على ذلك ولا يعتمد على عمل المركز وحده".
وأشارت إلى " ان المركز يؤمن بضرورة تعاون واهمية المؤسسات المجتمعية والنسوية كافة، لدعم هذه الفكرة"، لافتة إلى أن "الوضع في شكل عام وعدم وضوح الرؤية السياسية في شكل خاص كان له اثر سلبي على عمل المؤسسات النسوية في تأهيل وتوعية النساء بالانتخابات وأهمية مشاركتهن فيها".
ونوهت إلى قيام المركز بدور مهم على صعيد التوعية الجماهيرية بقضايا النساء، وقضية الانتخابات ومشاركة المرأة فيها، من خلال المجلة الصادرة عنه "الغيداء" التي ألقت الضوء على هذه القضية في العددين عدديها الأخيرين منها، على جوانب عديدة ومهمة، معتبرة ذلك "جزءاً من عمل المركز على دعم النساء وتشجيعهن على خوض التجربة الانتخابية المرتقبة".
على صعيد آخر، تؤكد ليلى البيومي منسقة جمعية المرأة الفلسطينية العاملة للتنمية في مدينة غزة، أن "عدم عمل الجمعية على موضوع الانتخابات التشريعية واختيار مرشحات يأتي بسبب تكثيف عمل الجمعية على صعيد "تمكين" النساء في المجالس المحلية"، مشيرة إلى أن "الجمعية عملت على هذا المشروع مدة عام كامل، شمل عشرة مواقع في محافظات الضفة الغربية و غزة، عقدت خلاله محاضرات للنساء في هذه المواقع كافة، لتوعيتهن بأهمية مشاركة المرأة السياسية".
وقالت: "تناولنا موضوع الانتخابات في شكل عام، وموضوع الانتخابات البلدية في شكل خاص، وقمنا على هذا الصعيد بمساعدة 50 قيادية من المواقع العشرة عبر إخضاعهن لتدريب مكثف في موضوعات شتى، تم على أثرها تشكيل 10 مجالس محلية صورية، كما تم الاتفاق مع رؤساء المجالس البلدية على السماح لهن بحضور اجتماعات المجالس "بصفة مراقب" لخوض التجربة العملية، وإكسابهن المزيد من الخبرة في هذا المجال".
وأضافت: "كما قامت الجمعية باستضافة النائبة جميلة صيدم ضمن لقاء مفتوح مع نساء من مناطق مختلفة في محافظات غزة، لإعطائهن نموذج حي للمرأة القيادية، واقتناعهن بقدرة المرأة على تمثيل مصالح شعبنا الفلسطيني وتطلعاته".
وبررت البيومي قصور الجمعية في العمل على هذا الموضوع في شكل كاف وملحوظ قائلة ان "هناك مؤسسات تعمل على اختيار مرشحات ونخب قيادية وهناك مؤسسات تعمل على توعية القاعدة الجماهيرية، ونحن عملنا على القاعدة وعلى المجالس المحلية!!".
وبالنظر الى حال طاقم شؤون المرأة الائتلاف النسوي الفاعل على الساحة الفلسطينية والأكثر مطالبةً بان يشمل القانون "كوتا" للنساء، فان مديرته في محافظات غزة نادية أبو نحلة أكدت لـ"الغيداء" أن الطاقم يعيش تجربة مغايرة وأكثر إشراقا بالنسبة الى باقي المؤسسات النسوية العاملة في غزة على صعيد دعم مرشحات وتشجيعهن.
وترجع أبو نحلة ذلك إلى أن " الطاقم عبارة عن ائتلاف يمثل مجموعة من المؤسسات والمراكز وليس مؤسسة واحدة قائمة بذاتها، وامكانات تأثيره علي الساحة الفلسطينية أوسع واكبر من خلال الجهد المشترك لهذه المؤسسات التي يقوم الطاقم بالتنسيق والتشبيك فيما بينها".
وألقت أبو نحلة الضوء على إنجازات الطاقم على هذه الصعيد قائلة: "منذ الحديث عن الانتخابات رشح الطاقم مجموعة من النساء لخوض تدريب تقدمه مؤسسة النساء الديمقراطيات في الولايات المتحدة الاميركية حول إعداد مرشحات نسويات لخوض الانتخابات التشريعية، إضافة إلى قيام الطاقم بالضغط على المجلس التشريعي لتعديل القانون الانتخابي الذي اضعف تمثيل النساء في الانتخابات السابقة، كما قام الطاقم بطرح قضية الـ"كوتا" على مؤسسات ومركز المرأة وتعديل مواقف الكثير منهم اتجاهها".
وأضافت: "أيضا هناك مشروع خلق الوعي لدى النساء في الشارع الفلسطيني حول موضوع الانتخابات وضرورة مشاركة نساء فيها يخضنها ضمن برنامج اجتماعي نسوي وليس سياسيا يتبنى قضايا خاصة بالنساء والمجتمع وربطها بالقضايا الوطنية"، مشيرة إلى عزم الطاقم على "تجنيد متطوعات من اجل خلق حال من الدعم للمرشحات في مختلف مناطق الوطن، إضافة إلى أن الطاقم يقوم من خلال برامجه الإعلامية عبر صحيفته الأسبوعية "صوت النساء"، وبرامجه الإذاعية عبر الإذاعات المحلية بتناول وطرح قضايا خاصة بالمرأة والانتخابات".
وعلى رغم، ما يقوم به الطاقم من عمل دؤوب على هذا الصعيد، إلا انه يبقى غير كافٍ، ومحصور في اتجاهات محددة، وتبقى الحاجة إلى عمل اكبر وأكثر تنظيما وكثافة من قبله، ومن قبل المؤسسات النسوية خاصة، والأهلية والمجتمعية عامة، لدعم مرشحات عبر العمل على تأهيلهن وتدريبهن وتثقيفهن ليكن قادرات على انتزاع ثقة الناخب وجعله لا يتردد في منح المرأة الكفؤة صوته الانتخابي تماما كما الرجل الكفء.
كما يبقى تساؤل أخر في البال: إلى متى ستبقى المؤسسات والمراكز والاتحادات وغيرها رهن في عملها بالتمويل الأجنبي الذي يتأرجح صعودا وهبوطا متأثرا بالوضع السياسي العام وبالمصالح الأجنبية في الأراضي الفلسطينية في شكل خاص؟!، فإذا ما جاء تمويل لمشروع انتخابات عملنا على الانتخابات، وإذا ما جاء تمويل لمشروع حول الزواج المبكر عملنا عليه، أو العنف ضد المرأة، أو غيرها من القضايا المجتمعية الخطيرة والمستمرة، التي تحتاج إلى تكثيف الجهد للوصول إلى تغيير ملموس على صعيدها... لا العمل المتقطع، والهادف الى كتابة التقارير.

--------------

 المرأة واتخاذ القرار داخل الأسرة

الرجل للمرأة : يمكنك أن تقرري في كل شئ إلا فيما يتعلق بك وبالأولاد وبحياتنا
سامية الزبيدي
يمكنك أن تقرري في كل شيء إلا فيما يتعلق بالتصرف في نفسك أو منزلك أو أموالك ، أو حتى في خيارات أطفالك ، وتصرفات زوجك...هذا هو لسان حال العديد من الرجال في تصرفاتهم مع زوجاتهم ، فان لم يقل الرجل ذلك علانيةً قالها ضمناً بتصرفاته ،و إن قرر يوماً أن يدعي "التحضّر" قليلاً فيشرك المرأة في اتخاذ أي من قرارات الحياة اليومية المشتركة بينهما، تراه يعمل وفقا للقول الدارج" شاوروهن وخالفوهن "،و إذا كان الادعاء بأن السفينة لا تستطيع أن تسير وتنجو بربانين ، فلماذا تدفع المرأة الثمن دائماً إذا لم يستطع الرجل الربان أن ينجو بسفينته ، لماذا يتوجب على المرأة دائماً أن تكون الضحية ، ولا يحق لها أن تشارك على الأقل في صنع المأساة- إذا جاز لنا التسليم جدلاً بأنها ستخطئ في قراراتها- كما تشارك في تحملها .
وكيف يمكن بعد كل ما حققته المرأة على مختلف الصعد، وبعد أن أصبحت العالمة،الزعيمة والمعلمة، والطبيبة، والمهندسة ... كيف يمكن أن تكون عاجزة عن إتخاذ القرارات الصائبة لنفسها ولأسرتها ؟، أو على الأقل أن تدلي برأي سديد في قرارٍ ما يزمع الرجل اتخاذه ؟.
وللاطلاع على مفهوم مشاركة النساء في اتخاذ القرارات داخل الأسرة،عند النساء والرجال من مستويات اجتماعية مختلفة ، أجرينا الاستطلاع التالي :
القرار للرجل أولاً.. و أخيراً
أمل (40 عاماً ) تعمل مدرسة لطالبات المرحلة الإعدادية في إحدى المدارس بالنصيرات تقول " أعتقد أن المرأة يجب أن يكون لها حق المشاركة في صنع القرار داخل الأسرة جنباً إلى جنب مع الرجل، لا أن تكون العلاقة بينهما قائمة على مبدأ فرض الشخصية أو العضلات من أحد الطرفين على الآخر".
وتضيف قائلة: " كنت أعتقد ذلك قبل أن أتزوج ، ولكني اكتشفت أن الإيمان بالشيء لا يعني على الإطلاق تنفيذه ، فبالرغم من أن زوجي متعلم مثلي ،ويؤمن بأني أستطيع أن أدير مؤسسة كاملة، فما بالك بمنزلي وأسرتي وأنا أعلم الناس بها ، إلا أنه كثيراً ما ينسى ذلك أو يتناسى إذا لم يطابق رأيي هواه مرة" .
أما زوجها خضر (44عاماً) فيقول " على الرجل أن يتخذ القرار أولاً وأخيراً ، فقد أستمع لرأي زوجتي في بعض الموضوعات ولكني في النهاية أفعل ما أقتنع به ، لأن المركب التي يرأسها اثنان لابد أن تغرق كما يقول أجدادنا".
ويضيف خضر مبرراً " يجب على كل حال اتخاذ القرار في النهاية ، وفي حالة الخلاف لا يمكن أن نصل لرأي واحد ، فأنفذ قراري و أتحمل مسؤوليته ".
إلا أن أمل ترفض هذا الحديث قائلة " إنه في حالات كثيرة يمكن التوصل إلى حل وسط إلا أنه يجد هذا النوع من الحلول تنازلاً عن رجولته فلا يقبله " وتنفي أمل أن يكون الزوج وحده من يتحمل مسؤولية قراره ، مؤكدة أنها وأولادها  يدفعون الثمن الأكبر عادةً  لأي من قراراته الخاطئة .

شاوروهن وخالفوهن

أما أبو عرب (29عاماً) من مخيم جباليا ، والمتزوج منذ ثمان سنوات فيرى أن " المرأة ليس لها رأي، وحتى لو تم السؤال عن رأيها، فاعمل كما يقول الناس "شاوروهن وخالفوا شورهن"".
وحول كيفية اتخاذ القرارات داخل منزله يقول: " تعودت أن آخذ قراري من رأسي ، إذا فكرت بشيء فلابد أن يحدث".
و أوضح أنه لا يسمح لزوجته بالتدخل في شؤونه أبداً قائلاً: " لأني لو فشلت فسأفشل لوحدي"
ويقول أبو عرب أنه ارتبط بزوجته عن قصة حب جمعت بينهما، مؤكداً أنه الأكثر تحرراً في بيئته من حيث معاملته لامرأته.
ويطمئننا قائلاً: "أن لزوجته الحرية في التصرف في المأكل والمشرب والملبس، أما أي شيء آخر خارج البيت فأمره لا يخصها".

"اللي في راسه في راسه"

وتتحدث نجود ( 26 عاماً ) من مخيم النصيرات، والمتزوجة منذ ثمان سنوات وأم لثلاثة أولاد عن تجربتها فتقول: " لقد تزوجت فور انتهائي من الثانوية العامة ولم أكن أعي الكثير مما يدور في العالم، ولم أجد أحد يرشدني وينصحني ،وفور زواجي كما يقولون "دبحلي البسة من اليوم الأول:" لا تخرجي من المنزل …لا تفعلي هذا…ولا ترتدي ذاك…ولا تتحدثي مع فلان  ولا فلانة…. الخ من القرارات التي كان عليّ أن أنفذها دون مناقشة، فلم تكن المناقشة واردة  في الحسبان بالمرة ،وأنا كنت أخاف من المشاكل فصبرت ".
وعند سؤالها عن المساحة التي تُركت لها لتمارس فيها بعض من الحرية في التصرف كإنسانة قالت: إن هذه المساحة كانت فقط في الأكل والشرب والنوم، وكان كثيراً ما يقول لي "أنت لك أجيب لك اللي بدك إياه ولكن لا تتدخلي في أي شي تاني".
وتضيف نجود " منذ ثمان سنوات وهو يبلغني بالقرارات فقط ،وأنا أنفذها حتى لو لم أكن راضية عنها، وحتى لو سمح لي بالتدخل في بعض الأشياء التافهة، فلا جدوى من ذلك، اللي في راسه في راسه ".
ونجود الآن منذ ما يقارب العام في بيت أهلها، بعد أن تركت بيت الزوجية غاضبة، وعلى خلاف مع زوجها المستبد، ولم يفلح أهلها طوال هذا العام بإقناعها مجدداً بالعودة والصبر على معاملة زوجها لها.

القرار خارجي

سعاد (47 عاماً) من قرية الزوايدة لها قصة أخرى.
فسعاد (أم محمد ) الأم لأحد عشر ابناً وابنة تجيبنا ضاحكة عند سؤالنا لها عن دورها في اتخاذ القرار داخل اسرتها وتقول: "الحمد لله ، نحن مريحين حالنا، القرار بيجينا جاهز من بره ، لا بنتكاتل ولا على بالنا".
وتوضح أم محمد الأمر فتقول :" عمة زوجي هي من تحكمه وتحكمني وتحكم كل أسرتي ، القرار لها في كل شيء، فهي من تنفق وهي من تزوج أولادي وتختار زوجاتهم ".
وتضيف وقد بدأ الانفعال يظهر في صوتها: "لقد خطبت عمته لأبنائي الاثنين، وقرأت الفاتحة دون حتى أن أرى العروس لأبدي رأيي فيها ".
وحول الأبناء ورأيهم في هذه الحال قالت: " معظمهم مثل أبيهم، إلا أن الوضع تحسن قليلاً بعد أن كبروا وأصبح بعضهم يعمل، والبعض الآخر يدرس في الجامعات، حيث أصبحوا يناقشونها ويعترضون على بعض القرارات، إلا أنهم بالأغلبية مازالوا يلتزمون بقراراتها، إلا واحدة وهي ابنتي كاملة ".
وحول هذه الابنة تقول:" كاملة هي الوحيدة التي لا تخاف منها، ولا تعمل لها حساب، وترفض أن تفعل أي شيء لا تقتنع فيه ، أما باقي أبنائي فيتمردون في الخفاء فقط على ما لا يعجبهم من الأمور"0
أما عن الزوج فتقول أم محمد أنه ذو شخصية ضعيفة ولا يتحمل أية مسؤولية، و"في الحالات القليلة التي يمارس فيها سلطته كرجل ورب منزل يمارسها عليّ "(!!).

يقولون مرته تحكمه

أما حنان (37 عاماً، ثانوية عامة ) فتقول : " إذا ما استشارني زوجي في مسألة أو أكثر ووافق أن كان رأيي سديداً فأعجبه وأخذ به ، تعيره حماتي وأهله بأنه محكوم لي ".
وتضيف قائلة: " إنني و زوجي رغم أنه غير متعلم –فتعليمه لا يتجاوز المرحلة الابتدائية- متفاهمان ولو تُركنا وشأننا، لكنا أسعد الأزواج ، إلا أن تدخل الآخرين في حياتنا يجعله يتصرف ضد قناعاته".
ويقول عبد الفتاح زوجها: " إن الناس لا ترحم، سواء الرجال منهم أم النساء، فما إن يرون أحد يعامل زوجته على أنها زوجته لا عبدته يقولون أنها "حاكماه".
الخطأ لي وحدي
تقول أم سامي (50 عاماً) من مخيم جباليا أن من يأخذ القرار أولاً وأخيراً هو الرجل، إلا أنه في بعض الأمور اليومية العادية التي تُترك للمرأة يقف الرجل منها موقف المترصد لأي خطأ، "فإذا أصبت في قرارٍ أو أمر فعلتُه فكأنه لم ير شيئا،ً وإن أخطأت تنزل كل لعنات السماء على رأسي، ويظل يعايرني بخطأي، أما إن أخطأ هو فانه لا يسمح حتى بمجرد مناقشة الأمر، وما إن أبدأ الكلام حتى تنهال عليّ الشتائم وأخفها على الأذن: وأنتي ايش فهمك …وانتي ايش دخلك..وما خفي كان أعظم".
وحتى الأولاد…
أما عمر(30عاماً) من مدينة غزة، والذي يعمل في إحدى المؤسسات المجتمعية، وأب لخمسة أطفال فيرى:" أن التعامل يتم حسب نوع القرار،  فهناك قرارات مركزية غير خاضعة للنقاش ، وهناك قرارات تُترك بالكامل للمرأة لتقرر بشأنها مثل المأكل والملبس والخروج".
أما في حال الاختلاف بين رأيه ورأي زوجته فيقول: أبدي عدم ارتياحي عن قرارها على أمل أن تأخذ ذلك في الحسبان فتتراجع عنه، وفي حال أصرت على رأيها، وتأكدتُ أنا من أن هذا القرار غير صائب وسيؤثر سلباً عليها أو على الأسرة، فإن القرار النهائي يعود لي بالطبع".
وفيما يتعلق بحرية الأولاد في اختيار ما يرغبونه وإذا ما كانت الفتاة تحصل على نفس ما يحصل عليه الفتي من دور في اتخاذ القرار فيقول عمر" أترك لأولادي بغض النظر عن جنسهم حرية الاختيار مع إبداء رأيي إذا لزم الأمر، ولكن القرار النهائي لهم ، طالما أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح ، أما إذا رأيت العكس فبالتأكيد سأسحب هذه الصلاحيات منهم ".
ويؤكد عمر أنه لا يفرق بين الفتاة أو الولد بل وأنه على العكس من ذلك يرى ضرورة أن يكون التمييز لصالح الفتاة إن وُجد.
ناقصات عقل ودين
أما إنعام (23 عاماً ، بكالويس إدارة أعمال) والمتزوجة منذ ثلاث سنوات، فتقول " أن المرأة تقترح ولكن الرجل هو من يرى المناسب وينفذه إن أعجبه فقط ، وفي حال العكس فهو يعمل أذن من عجين والثانية من طحين وينفذ ما برأسه ".
وتؤكد أن القرارات المصيرية عادةً ما يتخذها الرجل ، ولا يسمح لزوجته بالتدخل فيها، وكأنه هو وحده فقط من يمتلك سعة النظر والفهم الكامل لكل شيء، أما المرأة فهي ذات دين وعقل ناقصين، كما يحلو للكثيرين أن يفهموا من حديث الرسول الكريم ، مع أن المفسرين أوضحوا مراراً وتكراراً أن هذا الفهم الشائع هو فهم خاطئ ، إلا أنهم يفضلون أن لا يفهموا الصحيح لأن ذلك يناسبهم ".
وتقول إنعام عند الحديث عن تجربتها الشخصية أنها على رغم التفاهم الذي يجمع بينها وبين زوجها ، إلا أنه كثيراً ما يتأثر بالبيئة التي حوله وبالتربية التي تلقاها، فيقرر في العديد من الأمور لوحده دون حتى إبلاغها مسبقاً، "وللأسف لا يكون قراره صائباً دائماً، وطبعاً الثمن لا يدفعه لوحده ".
الزوج على ما تعلميه
تنفي هالة السراج الاختصاصية النفسية في مشروع دعم وتأهيل المرأة التابع لبرنامج غزة للصحة النفسية أن يكون للقول الشعبي " الزوج على ما تعلميه " أي أساس من الصحة، حيث تستدل العديد من النسوة بهذا المثل للإشارة إلى إمكان  تشكيل الزوج حسب المقاس الذي تريده المرأة .
وتؤكد السراج المتزوجة حديثاً أن الأمور لا تسير على هذا النحو على الإطلاق ، فالزواج ليس معركة يفرض فيها كل طرف رأيه على الآخر، و إنما هو تفاهم واحترام متبادل للآخر ولتفكيره".
وتنتقد السراج النهج المتبع بين الغالبية العظمي من الأسر لا يأخذون برأي بناتهم حتى في الأمور المتعلقة بهن مثل الزواج أو التعليم فيما يترك للولد حرية اختيار ما يريد من مراحل عمره المبكرة ".
وترى أن المرأة بانتقالها بعد الزواج إلى أسرتها الجديدة التي تكون ركناً أساسياًَ فيها، وبعد أن تكون نشأت على " فضيلة الاستماع والطاعة " نجد أن معظم الرجال لا يأخذون رأي المرأة في عين الاعتبار ، وفي حال سمح لها بالتعبير عن رأيها فانه يتم الأخذ به فقط إذا وافق رأي الزوج "فإذا وافق رأيه بيمشي الحال ، وإذا العكس بيعمل اللي في راسه ".
قرارات الخفاء‍‍‍
وعلى الصعيد نفسه يعارض الاختصاصي النفسي في برنامج غزة للصحة النفسية أنور وادي، رأي السراج في هذا المضمار، قائلاً بأن المرأة تتخذ معظم القرارات ولكن بصورة خفية ، وأنها و إن لم تشارك الرجل في القرار، تفوقه في أحيان كثيرة في عملية اتخاذ القرارات، والتدابير العامة للأسرة ولكن بشكل غير واضح وغير معلن صراحة".
ويرجع وادي عدم الصراحة في مشاركة المرأة في صنع القرار إلى " طبيعة المجتمع الذي تحكمه مجموعة من العادات والتقاليد تمنع المرأة من إبراز دورها خوفاً من أن تُنعت بالذكورية ".
ويرى وادي أنه على رغم من أن المرأة مهمشة بفعل العادات والتقاليد والتنشئة الاجتماعية إلا أن لديها القدرة على اتخاذ القرارات والوصول إلى الحقيقة، أكثر من الرجل في بعض الأحيان، وأن الرجل يأخذ دور المنفذ لأنه مستقل اقتصاديا".
 تتخذ القرار والرجل يعلنه
ويتفق وادي مع السراج حول ضرورة أن تتسم العلاقة بين الزوجين بالمشاركة فيما بينهما في عملية اتخاذ القرار ، ويؤكد كلاهما أن المستوى التعليمي ، والخبرة والعمر ، والتربية التي تلقاها كل من المرأة والرجل هي عوامل أساسية في تشكيل العلاقة الزوجية.
ويعود وادي ليؤكد أنه يرى من واقع تجربته أن المرأة أينما كانت سواء في المدينة أو في القرية، متعلمة كانت أو جاهلة، فإنها هي من تأخذ القرارات عادةً وأن الرجل هو من ينفذها أو يصادق عليها نهائياً لتصدر إلى العلن ".
ويضرب مثلاً على ذلك "بقصة امرأة ريفية، اشترى زوجها بقرة فلم يعجبها ذلك ، فأرادت أن يبيعها، وكانت تعلم أنها لو طلبت منه ذلك فلن يطيعها، فقالت له في اليوم الأول أن البقرة لا تأكل جيداً، وفي اليوم الثاني قالت أن حليبها قليل، وفي اليوم الثالث قالت أن وزنها نقص ، فقال لها : ايش رأيك في أن نبيعها؟..وفي اليوم الرابع كان قد باع البقرة فعلاً.
الطبع غلب التطبع
وعن كيفية اتخاذ القرار داخل أسرته قال وادي إن" زوجتي تتخذ معظم القرارات و عادةً ما تكون قرارات صحيحة وصادقة، أما القرارات المصيرية فإن القرار يُتخذ فيها بصورة تشاورية ".
وعند سؤاله عن رده في حال قررت زوجته مثلاً أن تسافر خارج البلد لوحدها لإكمال تعليمها ولم يكن يناسبه ذلك، اعترف وادي أنه لا يستطيع أن يطبق كل ما هو مقتنع به بسبب المجتمع والتربية التي نشأ عليها " فمهما حاول الواحد أن يكون مودرن ، يجد أن سلوك الأب متجذر فيه ولا يستطيع التغلب عليه دائماً ".
وبهذه الكلمات نجد أنه مهما كبر السن أو صغر ،زاد التعليم أو نقص ، كانت العلاقات مبنية على الحب أو على سواه ، فإن الثقافة الموروثة تبقى أقوى من الجميع، وما يرسخ في أعماقنا يفرض نفسه في النهاية، وما رسخ شئنا أم أبينا هو الحق الثابت للمرأة في تقرير مصير الطبخة اليومية في أحسن الأحوال.

·       نشر في مجلة الغيداء النسوية الفلسطينية في عددها الاخير الصادر في شهر 11 2002.


وسط أجواء الحزن على رحيل الرئيس والقائد ياسر عرفات
عيد الفطر يأبى أن يمر سعيدا على الفلسطينيين للعام الرابع على التوالي

غزة- سامية الزبيدي
"إنها حسرة تملأ قلوبنا، ولا تدع فيه مكانا للفرح أو العيد"، بهذه الكلمات وصفت أم الشهيد وسام محارب من مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة مشاعرها في أول أيام عيد الفطر، الذي كف عن أن يكون سعيدا على الفلسطينيين منذ أعوام عدة.
الفلسطينيون الذين لا يخلو بيت من بيوتهم من شهيد أو أسير أو معاق، أو خلت بيوتهم منهم بعد أن سويت بالأرض، هدما وتجريفا، ناهيك عمن يعيشون فقرا مدقعا، يمر بهم عيد الفطر للعام الرابع على التوالي من دون أن ينجح في إبعاد شبح الموت والحزن والأسى عن ملامحهم.
"وللعيد هذا العام طعما أكثر مرارا في حلق الفلسطينيين" كما يقول علي (28عاما) من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، موضحا ان "استشهاد رئيسنا وقائدنا أبو عمار (ياسر عرفات)، فاجعة كبيرة لم تترك لفرح العيد أي مكان في قلوبنا، ففلسطين في حزن وحداد تام".
فرحيل الرئيس عرفات، قائد ورمز الشعب الفلسطيني فجر يوم الخميس الموافق 11 نوفمبر(تشرين ثان)، قبل يومين فقط من عيد الفطر، فجع الفلسطينيين، وضاعف آلامهم.
وتشييعه إلى مثواه الأخير في اليوم الأول من العيد بمدينة رام الله بالضفة الغربية، وسط دموع مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين تابعوا جثمانه وهو يوارى الثرى، إما أمام ناظريهم، وإما أمام شاشات التلفزة التي واكبت حدث رحيل الرئيس بكل تفاصيله.
ويتفق أبو إبراهيم (53عاما) مع علي في رأيه، قائلا بصوت تملأه الحسرة، باللهجة العامية: "أصلا..من زمان ما شفنا العيد، ولا عرفنا طعم الفرحة، لكن الواحد منا يصبر نفسه، ويضحك عليها، فكيف بعيد يأتي، والرئيس أبو عمار ليس بيننا، والله خسارتنا كبيرة..كبيرة".
أما لبنى (30عاما) التي ما فتأت منذ سماعها خبر استشهاد الرئيس عرفات تبكي بحرارة من فقدت أبا، أو أخا، أو زوجا عزيزا، فتقول: "لقد فقدنا رئيسا، وقائدا، وإنسانا، ووالدا حنونا لا يمكن تعويضه..إنها مأساة حقيقية، لا يمكن لأي عيد أن ينسينا إياها".
وعلى رغم الحداد العام، الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية على رئيسها وقائد مسيرتها، وكل ظروف الفقر والشقاء والاحتلال وآثارهن إلا ان سرقة فرحة الأطفال بالعيد ظلت عصية على كل هذه الظروف.
تقول الطفلة أميرة (8 سنوات) التي خرجت منذ الصباح الباكر، للعب مع صديقاتها في "الحارة" وللاحتفال بالعيد على طريقتهن "أنا أحب العيد، لأننا نلبس ملابس جديدة، على رغم ان والدي لم يشتري لي ملابس جديدة هذا العام، ولأننا نحصل على العيدية، ونلعب بحرية أكبر خارج المنزل".
وإذا كانت هذه أسباب أميرة لمحبة العيد، وتمنى حلوله، فان لوالدها أسبابا أيضا تدفعه إلى عدم الاكتراث به، بل وكراه اقترابه، فيقول: "أي عيد هذا؟، العيد وُجد لصلة الرحم، كيف أدخل على أخواتي أعيدهن، ولا أحمل لهن في يدي عيدية أو هدية على الأقل، أي عيد هذا؟ وأولادي يطالبونني بالملابس الجديدة حينا، وبالعيدية حينا آخر وأنا لا حول لي ولا قوة".
أبا أميرة، مثله كمثل آلاف العمال الفلسطينيين، الذين تعطلوا عن أعمالهم داخل الأراضي المحتلة مع بدء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين قبل ما يزيد على أربعة أعوام، نتيجة الإغلاق والحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
وعلى رغم كل الظروف، فان للفلسطينيين عاداتهم التي يشتركون فيها مع أشقائهم العرب، كما ان لهم ما يميزهم به واقعهم، حيث يبدأ الفلسطينيون عيدهم بأداء صلاة العيد، مهنأين بعضهم بعضا، ومتمنين الخير كلٍ للآخر، يتوجهون على إثرها إلى منازلهم، لتناول وجبة الإفطار المفضلة لديهم بعد شهر رمضان المبارك، وصومه الطويل، "الفسيخ" (السمك المملح والمقلي).
وحول هذه الطقوس، تقول أم نائل (54عاما): "في صباح العيد، يخرج الرجال للمعايدة على جيرانهم، ومن ثم أقاربهم، فيما أقوم أنا بتقديم التهنئة بالعيد إلى جاراتي في سرعة، لأتمكن من استقبال الأقارب والجارات اللواتي يقمن بدورهن بالمجيء لتهنئتي وتهنئة عائلتي، كما أقوم بإعداد وليمة خاصة للغداء، أما في صباح اليوم التالي فأقوم برفقة بعض الجارات والصديقات بزيارة أمهات الشهداء في المنطقة لتهنئتهن بالعيد، فيما ننشغل باقي اليوم الذي يليه بزيارة وتلقي زيارات الأقارب".
ولا يختلف يوم والد الشهيد أبو إياد زيدان (49عاما) عن يوم باقي الفلسطينيين، سوى أنه وغيره من أهالي الشهداء، والمقربين منهم يخصصون اليوم الأول من العيد لزيارة قبور أبنائهم يهنئونهم بالعيد حينا، ويبكون ويترحمون على شهدائهم وعلى أنفسهم حينا آخر.
يقول أبو إياد: "أحمل كتاب الله، وأتوجه إلى مقبرة الشهداء، أهنأ ولدي "إياد" بالعيد، وأقرأ ما تيسر له من القرآن، وأقابل كل أهالي الشهداء هناك، فأهنئهم ويهنئونني وأصبرهم ويصبرونني".
كذلك الأمر، بالنسبة لأم الشهيد وسام (55عاما)، التي تعيش أجواءً خاصة في ليلة العيد، فتقول: "طوال ليلة العيد، لا يغمض لي جفن، أتذكر ولدي، وكيف كان يقبل عليّ فور استيقاظه ليقبل رأسي ويدي ويهنئني بالعيد، وكيف كان ينشر الفرح في جنبات المنزل، والحارة والمخيم كله، أتذكر كل ذلك، وأتذكر انه ليس هنا لأراه في الصباح، فيشتغل قلبي بنار الحزن والألم، وأنا أنتظر بزوغ الفجر، وتكبيرة العيد بفارغ الصبر".
وتضيف: "فور سماعي تكبيرة العيد، أحضر نفسي للذهاب إلى قبره، قبل أن أعيد على أي إنسان في العالم، أسرع إليه ببعض الحلوى لتوزيعها على أطفال وذوي الشهداء هناك على روحه الطاهرة، فأجلس إلى قبره، أهنئه بالعيد، وأدعي له بالرحمة والسعادة".
ويضيف استشهاد الرئيس عرفات، تغييرات هامة في طرق استقبال الفلسطينيين للعيد، قد تصل إلى حد إلغاءها لدى بعضهم، خصوصا في مدينة رام الله، وضواحيها في الضفة الغربية، الذي تدافعوا لحضور تشييع جثمانه ومواراته الثرى في مقره في المقاطعة هناك، التي حوصر فيها ثلاث سنوات متتالية.
فيما قرر حسين (22عاما) من مدينة غزة، عدم الخروج من المنزل، ومتابعة التشييع على شاشة التلفاز، مؤكدا ان لا عيد للفلسطينيين في غياب الرئيس عرفات.
ويستغرب حسين: "من لديه النفسية الملائمة ليعايد على الناس، ويتقبل معايداتهم؟، إننا في هم ومصيبة كبيرة".
أما أخته ليلى (19عاما) فتختلف معه فيما ذهب إليه، مؤكدة "أننا بحاجة إلى الاثنان معا، صحيح أننا حزينون على رئيسنا الغالي عرفات، الذي خسرنا برحيله الكثير، إلا أننا أيضا بحاجة إلى بعض الفرح وسط كل هذه الأجواء السوداوية التي نعيشها منذ أربع سنوات، بحاجة إلى مزيد من التكاتف وتلمس جراح بعضنا البعض، التي توفرها لنا أجواء العيد".
وتعتقد ليلى ان "زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء لبعضهم البعض في هذا الظرف العصيب خير من الاعتكاف كل على حدة، محتضنا حزنه وفجيعته داخله".
ويبدو صالح (36عاما) أكثر توازنا أيضا من حسين في رأيه، فيقول: "الحزن في القلب، ومصيبتنا كبيرة في الرئيس أبو عمار، ولكن ديننا يحضنا على الاحتفال بالعيد، والتظاهر بالفرحة فيه، ان لم يكن لأجلنا فعلى الأقل لأجل أبنائنا وأطفالنا الذين ينتظرون مثل هذه المناسبة بفارغ الصبر".
ويضيف: "علاوة على ذلك، فإني انتهز هذه الفرصة للتقرب إلى الله بصلة الرحم، فأزور أخواتي، وإخوتي وأقاربي، وأعزز أواصر علاقتي بجيراني وأصدقائي".
أما أبو نائل ( 55عاما) فينفي أي إمكانية للفرح، في ظل هذه الظروف، ليس الطارئة منها فقط، والمتمثلة في استشهاد الرئيس عرفات، بل وفي حياتهم في ظل احتلال يجثم على صدر الفلسطينيين منذ أكثر من نصف قرن على حد قول أبو نائل.
ويوضح أبو نائل أكثر وجهه نظره فيقول: "كل حياتنا تشريد في تشريد، لا أرض ولا وطن، ولا حياة آمنة، يعيش الإنسان في خوف دائم على نفسه وعلى أولاده، وعلى ممتلكاته البسيطة التي كلما بدأ في مراكمتها، جاء الاحتلال ونزعها منه مرة أخرى، فتارة يهدمون منازل المواطنين، وتارة يجرفون أراضيهم، ويسرقون ممتلكاتهم، وكأنهم لا يكفيهم تهجيرنا وسرقة أراضينا في فلسطين عام 1948، فيصرون على ملاحقتنا في كل مكان نلجأ إليه، لتدمير ما تبقي منا".
ويضيف: "وحتى لو قررنا ان نتناسى همومنا ومعاناتنا اليومية والمستمرة، ونسعد بالعيد كما يسعد كل البشر، فان الاحتلال لا يسمح لنا بذلك، إما بارتكابه مجزرة تنغص علينا فرحنا، أو بإغلاق الطرق والحواجز في وجهنا، حتى لا يبقى أمامنا أي فرصة للتواصل مع إخواننا في باقي المناطق الفلسطينية، ولا حتى داخل القطاع نفسه، أو حتى للتنفيس عن أنفسنا على الأقل".
ويشير أبو نائل إلى موضوع أخر، فيقول: "وبالإضافة إلى ذلك، الحمد لله، ليس لدينا أي أماكن للترفيه عن النفس، فلا نرى من مظاهر العيد في فلسطين سوى التكاتف والتواصل الاجتماعي مع بعضنا بعضا، الذي يظهر من خلال تزاور الناس".
وبحديث أبو نائل، يضع إصبعه على الجرح الأساسي الذي يمنع الفلسطينيين من أن يتناسوا أو ينسوا آلامهم وجراحهم، وهو إصرار دولة الاحتلال على تنغيص عيشهم باستمرار، ومنعهم من الوقوف إلى جانب بعضهم، في السراء و الضراء، فتقوم قوات الاحتلال بسجن أكثر من مليون ونصف فلسطيني داخل قطاع غزة في مساحة لا تتجاوز 360 كيلو متر، تلتهم ربعها مستوطناتهم، وتقطع ما تبقى منها حواجزهم، فيما تغلق المعابر الحدودية التي تصل القطاع بالعالم الخارجي عبر معبر رفح، وإخوانهم في الضفة الغربية عبر معبر "إيرز"، وكذلك الأمر في الضفة، حيث تنتشر آلاف الحواجز الإسرائيلية التي تفصل القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية عن بعضها، وتمنع قاطنيها من المرور عبرها، إلا بموافقة قوات الاحتلال، علاوة عن الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل لتحجب عن الفلسطينيين نور الشمس، وتصادر أراضيهم ومنازلهم، كما صادرت أحلامهم منذ أمد طويل ... حتى بعيد سعيد.



-------------------

العنف ضد المرأة

المرأة في قسم الشرطة …لماذا ؟
العنف ضد المرأة … كلما طرقنا هذا الباب سمعنا الجواب نفسه ، المصبوغ باتهام اختلاق ما هو غير موجود ، وتضخيم هفوات تحدث في أي  مجتمع ، لا أحد ينكر أن لكل مجتمع هفواته وأخطائه …ولا أحد يسعى لاختلاق مشكلات وظواهر غير موجودة … ولكننا نرصد بأعين دامعة ، وبقلوب دامية ، صرخات بعض أخواتنا ، وبناتنا من عنف وقع عليهن من الزوج ..  أو الأخ ..أو الأب ..أو حتى الابن .
ومن قبيل الحرص على عدم تفاقم هذه الأخطاء ، كان لنا هذا التقرير عن دور الشرطة والإجراءات التي تتخذها مع المعتدى ، و المعتدى عليها ، وأهم الإحصاءات الواردة إلى كل من مركز شرطة الرمال ، ومركز شرطة المدينة ( الشجاعية ) في مدينة غزة ، واستعراض أشكال العنف الواقعة بحق المعتدى عليها ، وأسباب الاعتداء .

إجراءات قانونية

حول كيفية التعامل مع المرأة التي تلجأ إلى مراكز الشرطة في حال تعرضها للاعتداء عليها من قبل زوجها ،أو أحد أفراد أسرتها قال العقيد ماجد الكفارنة مدير مركز شرطة المدينة (الشجاعية ) انه يتم التعامل مع هذه القضايا كأي قضية أخرى ، حيث تقوم المرأة المعتدى عليها بتقديم شكوى قانونية بمجرد وصولها إلى المركز ،سواء كان الاعتداء من زوجها أو أهلها ، ثم يتم تحويلها إلى المستشفى لإجراء الفحوصات
والحصول على تقرير طبي ، يوضح حجم العنف الواقع عليها وحقيقة وقوعه .
ويضيف الكفانة انه على أثر ذلك يتم تدوين أقوالها في محضر رسمي ونرسل في طلب المتهم ، الذي قام بالاعتداء ويتم اتخاذ هذه الإجراءات في أقل من (24) ساعة ، وأوضح أن التعاطي مع الموضوع يتم بشكل خاص وسريع حتى لا تتفاقم الأمور بين الرجل وزوجته أو بينها وبين ذويها .
ومن جانبه أوضح النقيب عوني أبو عودة مفتش التحقيق في مركز شرطة الرمال بغزة إلى انه يتم النظر إلى قضايا العنف التي ترد إلى المركز من منظور خاص لكونها قضايا اجتماعية لها تأثيرها على الواقع الأسري والذي ينعكس سلبيا على لحمة الأسرة واصفا الإجراءات التي يقوم باتخاذها في القضايا التي ترده بأنها إجراءات قانونية كأي قضية من القضايا ولكن في بعض القضايا مثل شكاوى الزوجة ضد زوجها أثر اعتداءه عليها اعتداءا معنويا أو جسديا ولم يكن هناك إصابة بليغة يتم التعامل مع هذه الشكاوى من واقع إنساني ، حيث يتم استدعاء الزوج والعمل على إصلاح ذات البين بين الزوجين وإعطاء الفرصة للزوج لإنهاء الخلاف ، حفاضا على الروابط الأسرية إلى أن تعود المياه إلى مجاريها وتتنازل الزوجة عن الشكوى ، وان لم يحدث ذلك نقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لفتح القضية وإحالة الملف إلى المحكمة.
واستطرد قائلا أنه في الحالات التي يكون فيها اعتداءا جسمانيا بليغا أو تصل إلى حد القتل فلا هوادة في هذا الموضوع ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية منذ اللحظة الأولى ولا نملك صلاحيات إنهاء هذه المواضيع وديا .

إحصاءات

بلغت عدد حالات العنف ضد المرأة التي وردت إلى مركز شرطة الرمال خلال العام الماضي 1999 إلى (28 ) حالة أما في العام 1998 فبلغت ( 48) حالة ، وهي القضايا الفتي أـحيلت إلى القضاء أما التي يتم حلها وديا فلا يتم حصرها وتقييدها .
وعقب النقيب أبو عودة على هذه النتائج قائلا أن انخفاض النسبة في عام 99 عن الذي سبقه 98 مؤشر على تراجع العنف ضد المرأة وأنه لا يشكل ظاهرة منتشرة بصورة خطيرة كما أن هذه الظاهرة من واقع الإحصاءات آخذة في التراجع مما يدل على أن هناك زيادة في الوعي الاجتماعي والأسري بين فئات الشعب بصورة عامة حسب اعتقاد النقيب أبو عودة .
أما عن عدد الحالات الواردة إلى مركز شرطة المدينة ( الشجاعية ) فلم تدون أي حالة خلال عامي( 98،99) أي لم يتم تحويل أي قضية إلى القضاء وذلك يرجع إلى توصل إلى حلول لجميع الشكاوى التي وردت إلى المركز وعادت المياه إلى مجاريها بين الطرفين المعتدي عليها والمعتدي ولم يتم تدوينها وفقا لما ذكره العقيد الكفارنة من أنه يتم حل القضايا الواردة إلى المركز في إطار العائلة نفسها بمساعدة الشرطة وذلك من قبيل الحفاظ على الروابط الاجتماعية بين الزوج فنحاول أن لا نحيل القضايا إلى المحاكم لمدة لا تقل عن( 48 )ساعة لإعطاء الفرصة لإصلاح العلاقة حفاظا على موقف المرأة من الوقوف أمام زوجها في المحكمة وبالتالي موقف هذا الرجل أمام زوجته فيما بعد ومن ثم موقف الأولاد من أمهم التي رفعت قضية ضد أبيهم وقامت بسجنه مما يؤدي إلى زعزعة العلاقة والثقة في الأسرة ويضيف انه بمجرد وصول الزوجة بزوجها إلى المحكمة تبدأ عوامل الطلاق تدب بينهما وهذا يؤثر على الأسرة وعلى الأبناء لذا نعطي المجال للصلح مع تنبيه وترهيب الزوج من إعادة الاعتداء وإلزامه بتوقيع تعهد بعدم تكرار فعلته أما في حال اعتدى على زوجته ثانيا فيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه .
وذكر الكفارنة أن هناك حالات كثيرة تقوم الزوجة فيها بالتنازل عن الشكوى بعد تقديمها بساعات وذلك أما لخوفها من عواقبها المتمثلة في الطلاق أو لضغط وقع عليها .

أشكال العنف

وفيما يتعلق بشكل العنف الممارس ضد المرأة المشتكية قال النقيب أبو عودة أن هناك عدة أشكال أولها : العنف النفسي المتمثل في السب والشتم والطعن في الشرف ، والعنف الجسماني ، ومنه العنف الذي يسبب إصابات بسيطة وآخر يسبب إصابات بليغة مثل الكسر وعنف يؤدي إلى الوفاة مثل حالات القتل على خلفية شرف العائلة .
أما أنواع العنف ضد المرأة من حيث الجهة القائمة بالاعتداء يضيف النقيب أبو عودة انه يتمثل في العنف من قبل الزوج والأبوين والاخوة والأبناء .
ويشير إلى أن العنف ضد الفتاة داخل الأسرة قد يصل إلى مرحلة القتل على خلفية الشرف والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى رب الأسرة الذي لا يهتم بأسرته ولا يعرف ما يدور داخل منزله وبالتالي يجني ثمار ذلك أسرة مفككة أما العنف من قبل الاخوة فهو نادر الحدوث لأنه عادة ما يكون عبارة عن مشاكل بسيطة تحدث دائما وفي كل بيت .

أسباب العنف

أما عن العنف من قبل الزوج وهو الأكثر انتشارا فعدد العقيد الكفارنة ثلة من الأسباب التي تؤدي إلى اعتداء الزوج على زوجته من أهمها الزواج المبكر والظروف الاقتصادية الصعبة وتدني المستوى التعليمي للزوج أو الزوجة وعدم التكافؤ العمري بين الزوجين فنجد أن عمر الزوج يزيد عن عمر الزوجة الضعف أحيانا وتدخل الأطراف العائلية الأخرى مثل الحماة وأخت الزوج وغيرها إضافة إلى الحالات النفسية المتوارثة من عهد الاحتلال على خلفية الاعتقال والتعذيب وقد تكون بسبب خلاف بين عائلتي الزوجين .
وقارب النقيب أبو عودة فيما ذكره عن أسباب الظاهرة ما جاء لسان العقيد الكفارنة موضحا أنه في حالة الزواج المبكر يقوم ولي الأمر بتزويج ابنته ولم تتجاوز الأربعة عشر ربيعا بعد ولا تعرف عن الحياة الزوجية شيئا فتدخل إلى عالم غريب عنها مما يسبب مشكلات عديدة كذلك الزواج غير المتكافئ الذي عادة ما يكون نتيجة لزواج الأقارب الذي مازالت تصر عليه بعض العائلات وكذلك مرض الزوج نفسيا وفي هذه الحالة يقوم بممارسة العنف ضد كل أفراد الأسرة وخصوصا الزوجة لأنها أكثر المتعاملين معه .

من هي المرأة المشتكية

يقول العقيد الكفارنة أن النساء المعتدى عليهن واللاتي تقدمن بشكاوى إلينا تتراوح أعمارهن عادة ما بين (25-40 )عاما وهن عادة من ذوات المستوى التعليمي المتدني وتتوجه إلى المراكز لوحدها أو بمصاحبة أخوها أو والدها .
أما النقيب أبو عودة فيقول أن المرأة تأتي غالبا وحدها أما إذا كانت صغيرة السن فتذهب إلى أهلها ويرافقها ولي أمرها ويضيف أنه في بعض الأحيان نذهب نحن إليها وذلك إذا استدعت الحالة دخولها المستشفى نتيجة العنف الواقع ضدها فتقوم بإرسال محقق إلى المستشفى بناء على إشارة ترد إلينا من المستشفى ومن ثم تدون أقوال المعتدي عليها ونفتح ملفا رسميا للقضية ونقبض على المتهم ونحيله إلى المحكمة .
وأكد أن عمر المعتدى عليها ليس مرتبطا بفئة عمريه معينة وان كان في الغالب ما دون (30 )سنة .

التوجه إلى الشرطة

وفيما يتعلق بالازدياد الملحوظ في عدد النساء اللاتي يتقدمن بشكوى ضد أزواجهن أثر تعرضهن للعنف في السنوات الماضية قال العقيد الكفارنة أن الأمر يرجع إلى طبيعة الظروف التي كنا نحياها سابقا والتي نحياها الآن ن ففي زمن الاحتلال كانت المرأة لا تجرؤ على الحضور إلى مركز الشرطة لأنه كان يعتبر شيئا معيبا في حقها وكان لذلك ما يبرره أما الآن فقد اختلف الوضع فمن هو موجود الآن هو سلطة الشعب نفسه والمرأة تشتكي لضابط الشرطة الموجود في المركز والذي هو ابن بلدها ، وأضاف أن الشرطة تحاول أن تساعد بكل جهد مستطاع في هذا الجانب من باب الحرص على العائلة فتتم معاملتها بشكل محترم وهناك فرع للتوجيه السياسي والعلاقات العامة في المركز يقوم العاملون فيه بالحديث مع المرأة وزوجها وإعادة شرح طبيعة العلاقة بينهما ومحاولة التوصل إلى حلول مناسبة للطرفين .

العقوبة

وعن عقوبة المعتدي تحدث النقيب أبو عودة قائلا أن العقاب حسب القانون يتراوح بين الحبس لمدة ثلاثة أشهر والإعدام وذلك حسب التهمة أو الجرم الذي ارتكبه الشخص ويضيف أما المريض النفسي فلا يحاسبه القانون كونه غير مسؤول قانونيا عن أفعاله ونوه إلى أن ذلك لا يعني تركه يفعل ما يريد وإنما نقوم بنقله إلى مستشفى الأمراض النفسية إذا تم التأكد من مرضه ونحرص على عدم بقاءه في البيت حتى لا يقوم بارتكاب جرائم أخرى.
وأخيرا إن كان التمني يجدي نفعا فنتمنى أن تمثل هذه العقوبات –التي لا يطبق منها إلا أكثرها تهاونا مع المعتدي – وداعا له ولغيره ليعلم أنه لن يكون هناك أي مبرر مهما عظم يقيه من العقاب لاعتدائه على كرامة إنسان قد تكون زوجته، أو أخته أو ابنته أو حتى أمه .

 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق