تحقيقات سياسية


"فوضى استخدام السلاح" ناقوس خطر يدق جدران البيت الفلسطيني
غزة-سامية الزبيدي
منذ بدء الانتفاضة الحالية، وفي ظل انشداد الفلسطينيين الى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، الذي لم يألُ جهدا في تنغيص حياتهم بكل السبل من قتل وهدم وتجريف وتجويع وحصار مادي ونفسي، ومع انخراط الجماهير الفلسطينية في مقاومة الاحتلال، وانتشار استخدام السلاح في شكل لم يسبق له مثيل على الساحة الفلسطينية، برز عدد من المشكلات الاجتماعية والأمنية، يُجمع الفلسطينيون كافة، على ان أخطرها هو الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، الذي تجلت مظاهره في حوادث متفرقة على خلفيات متعددة، منها ما كان بدافع عشائري أو عائلي، كان أبرزها المشاحنات التي وقعت في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة بين عائلتي الاخرس وبربخ الكبيرتين، نتج عنها مقتل خمسة فلسطينيين وجرح عدد آخر.
ومنها ما هو بدافع سياسي أو فئوي بين الفصائل والقوى الفلسطينية، خاصة بين كل من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة "فتح"، مرد ذلك الى التنافس الشديد بين الفصيلين على قيادة الشارع الفلسطيني، كان اخرها المواجهات التي وقعت في حي الشيخ رضوان بين عناصر من الحركتين، أسفرت عن مقتل فلسطيني وابنه.
أما الدافع الثالث، فهو الثأر، كان أخطرها الثأر من فلسطينيين شاركوا خلال الانتفاضة السابقة في العام 87 بقتل متهمين بالتعاون (التجسس) مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وكان آخر هذه الحوادث مقتل محمد العايدي (احد عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي يعتقد انه قتل عملاء في الانتفاضة السابقة) على يد ناصر القرناوي (شقيق احد المشتبه فيهم التعاون مع سلطات الاحتلال).
اما الدافع الأخير فهو فردي يتعلق بمشكلات عارضة على الساحة الفلسطينية يقوم بعض الأفراد بحلها باستخدام السلاح، نذكر منها قيام احد افراد عائلة محيسن في حي الشجاعية بمدينة غزة بتفجير قنبلة يدوية اثناء شجار بينه وبين بعض أفراد عائلة أخرى على أسباب اقل ما يقال عنها بانها تافهة.
وهو ما يفتح الباب واسعا، على التساؤل عن سبب هذه الظواهر، المدانة على الصعد كافة، و مدى خطورتها على الشعب الفلسطيني، في ضوء التطورات السياسية الحالية، حيث الباب مشرع تماما في حال تم تطبيق "خارطة الطريق" الاميركية على احتمالات واسعة لنشوب حرب اهلية، الامر الذي تعمل الأطراف الفلسطينية كافة،على اغلاقه.
"المجلة" بحثت في القضية وحاورت جهات عدة، كانت طرفا متهما في هذه الفوضى، وأطرافا أخرى مراقبة لمعرفة مسببات وأبعاد هذه الظاهرة.
المحلل السياسي طلال عوكل، الذي راقب هذه الفوضى عن كثب، يؤكد لـ"المجلة" أن السبب الرئيس لتفشي هذه الظاهرة هو "العدوان الإسرائيلي الذي استهدف السلطة الفلسطينية واضعف دورها في المجتمع الفلسطيني، كما أدى إلى توسع كبير في اقتناء السلاح بدافع مقاومة هذا العدوان".
ويصنف عوكل السلاح الفلسطيني الى ثلاثة أنواع: " الأول هو سلاح السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، الذي يفترض انه لضبط وتنظيم الوضع الداخلي، وفرض سلطة القانون، والدفاع عن الشعب في وجه أي عدوان، أما السلاح الثاني فهو سلاح المقاومة، وهو بدوره شرعي بقدر شرعية سلاح السلطة، لأنه هو الذي لعب الدور الأساسي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني في مجابهة العنف الإسرائيلي المتزايد".
أما النوع الثالث، الذي يعتبره عوكل غير شرعي فيتمثل في "السلاح المنتشر في أيدي أبناء العائلات والعشائر والمدنيين" مؤكدا " أن تأثيره السلبي يظهر بقوة في المشاحنات الداخلية التي تحدث عادة لتكريس تقاليد وقيم العشائرية مثل الثأر".
وحول النعرات الفصائلية التي تشهدها الساحة الفلسطينية، التي تجلت صورها بشكل واضح في مواجهات وقعت بين انصار من حركتي "حماس" و"فتح" أكثر من مرة، سواءً ما قبل انتفاضة الأقصى الحالية أو إبانها يؤكد عوكل أن "ما حدث بين الفصائل لا يصل إلى مستو خطر"، معتبرا أن "ما وقع من أحداث شيُء ثانوي قياسا بحجم الخطر الذي يمثله استخدام السلاح على خلفية عشائرية وثأرية".
وأضاف قائلا: "قياسا بحجم السلاح الموجود في يد الفصائل وحجم دورها كان متوقعا ان تكون المشكلات اكبر بكثير في التنازع على السلطة ".
و أكد ان المشكلات القليلة التي وقعت ترجع في أسبابها الى "الثقافة السياسية التي تزرعها القوى والفصائل في عناصرها، التي لا تنعكس فقط على سرعة استخدام السلاح بين عناصر هذه القوى بين بعضها بعضا، لكن ايضا تنعكس على صعوبة ان ينتج عن الحوار الداخلي قضايا متفق عليها"، واصفا هذه الثقافة بانها "عصبوية شديدة ترفع من اهمية الانتماء للتنظيم في أحيان كثيرة الى ما فوق الانتماء للبرنامج الوطني".
وعلى رغم ان عوكل استبعد ان يُرفع سلاح المقاومة (سلاح الفصائل الفلسطينية) في وجه بعضها بعضا، الا انه لم يستبعد هذا الاحتمال في حال اتخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منحى آخر، وتحركت مسيرة الحل السياسي، محذرا من أن "حربا أهلية قد تقع، إذا لم يتم اعتماد آليات الحوار الداخلي كوسيلة للإيفاء باستحقاقات الحل السياسي" في إشارة إلى قضية جمع سلاح المقاومة التي نصت عليها خطة "خارطة الطريق" الاميركية في بنودها الرئيسة.
وفي الوقت ذاته، طالب عوكل "تفعيل أجهزة القضاء والأجهزة الأمنية لفرض القانون، لتطويق استخدام العشائر للسلاح" الذي يحمله عوكل المسؤولية الرئيسة عن ما اسماه "حال الفوضى التي يعيشها الشعب الفلسطيني على هذا الصعيد".
من جانبه، اعتبر عضو اللجنة الحركية العليا لحركة "فتح" سمير مشهراوي ان "استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لمقار السلطة ومؤسساتها، كان سببا في سيادة بعض مظاهر الفوضى في المجتمع، إضافة الى ان تطور اعمال المقاومة من الشعبية الى المسلحة، استدعى توفير أنواع الأسلحة كافة، التي انتشرت بين يدي الجمهور في شكل واسع وكبير"، مؤكدا ان "تجارب عدة للامم والشعوب تشير الى ان مظاهر الفوضى تنشأ وتبرز على هامش المقاومة وتستغل أحيانا شعاراتها لتنفيذ مآرب شخصية وفئوية".
واعترف مشهراوي "بوجود عدد من مظاهر الفوضى والاستخدام غير المشروع للسلاح، كما حدث في مشكلات عائلية وثأرية، وحتى في المناسبات العامة والافراح، حيث اطلاق النار العشوائي، إضافة الى أعمال السطو المسلح والقرصنة، علاوة على الاستغلال السيئ للسلاح من قبل عناصر بعض الفصائل من خلال استعراض العضلات في الشوارع عبر تسيير أعداد كبيرة من عناصرها الملثمة والمسلحة، في شكل يثير الفزع والقلق في صفوف المواطنين".
وأكد ان إلقاء المسؤولية عن هذه الفوضى على الاحتلال الإسرائيلي في المرتبة الاولى "ليس من قبيل تعليق أخطائنا على شماعة الاحتلال"، مشيرا الى ان "استهداف مقرات السلطة افقد عناصر الأمن والشرطة والاستقرار الوظيفي المطلوب لتنظيم عملهم ومتابعة امن وطمأنينة المواطن".
وشدد على ان "هذا أمر يحدث في كل دول العالم في حال الحرب مثلما حدث في العراق".
وحمل مشهراوي التنظيمات المسؤولية الثانية عن تفشيها، قائلا: ان "عدم وضع ضوابط لاستخدام السلاح من قبل التنظيمات (الفصائل) وعدم نجاح لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية في وضع آليات للمقاومة تخدم المصالح العليا للشعب ترك الأمور على عواهنها".
وبرر مشهراوي عدم إقدام "فتح" التي تحتكر السلطة بدورها في تنظيم هذا السلاح حتى الآن بان "هناك خلط بين شرعية المقاومة وبين ضرورات المحافظة على القانون في المجتمع وأصبح تدخل السلطة لضبط حالات الانفلات الأمني في أحيان كثيرة، يعتبره البعض اعتداءً على شرعية المقاومة، الأمر الذي قّوض دور الأجهزة التنفيذية المختصة في حماية القانون وانفاذ احكامه".
وأكد ان "تجاهل التنظيمات للقانون بذريعة المقاومة أضعفه وأدى إلى سيادة الفوضى والتعصب التنظيمي والفردي على حسابه"، معتبرا امكان التوصل الى أي مخرج من هذه الحال يتطلب "التعاون الكامل بين التنظيمات كافة، وبين السلطة لتستطيع السيطرة على هذه الفوضى، وضبط السلاح، الذي لا يتعارض مع سلامة سلاح المقاومة".
ورفض مشهراوي تلميحات حول تحايل أفراد استخدموا السلاح ضد فلسطينيين آخرين من حركة "فتح" او السلطة على القانون عبر الواسطات والمحسوبيات، قائلا: "لا نقبل ان نوفر حماية لاي شخص يشتبه في انه انتهك القانون، وقد سلمنا بأنفسنا عادل حمادة (احد عناصر جهاز الأمن الوقائي) الى المحكمة ليحاكم على جريمته وفقا للقانون" بتهمة القتل غير المتعمد لمواطن حاول ان يفض النزاع بين حمادة وآخرين.
فيما رفض اسماعيل ابو شنب احد قيادي حركة "حماس"، التي كانت طرفا في نزاعات داخلية سابقة، الاتهامات التي توجه الى الحركة بعدم احترامها القانون، وتجاوزها السلطة واجهزتها الامنية، قائلا: "ان "حماس" دعت دائما الى تحقيق العدالة واحترام سيادة القانون، ولم تكن طرفا في أي قضية مع السلطة تمس جوهر النظام والقانون".
وأكد ابو شنب ان "حماس كان لها موقف واضح، من المواجهات التي وقعت في كل من حي الشيخ رضوان والشجاعية، سواءً كانت على خلفية تنظيمية او عائلية، يدل على احترام الحركة القانون وسيادته، حيث أثبتت "حماس" للجميع بمن فيهم عائلة الفقيدين غبن وولده، بما لا يدع مجالا للشك ان من قام بقتل ولديهما، هو احد عناصر حركة "فتح"، وليس احد عناصر حركة "حماس" التي تصدت لمحاولات طمس وتزوير الحقائق، واتهام ابنائها الابرياء".
وأضاف: "كما لعبت "حماس" دورا مهما في تطويق مشكلة اخرى نشبت بين عائلتي سعد ومحيسن في الشجاعية، ونجحت في تطويق وحل المشكلة عبر تحكيم الشرع والقانون بين المتنازعين".
واستغرب ابو شنب هذه الاتهامات متسائلا: "هل نحن من كسر كل القوانين، وقمنا باشعال نار الفتنة في حي الشيخ رضوان لاكثر من ثلاثة ايام متواصلة، ومارسنا خلالها عمليات اطلاق النار على منازل قادة "حماس" في المنطقة، طالت منازل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام واحمد بحر،وبيتي انا شخصيا" في اشارة الى ما تعرضت له الحركة على يد من اسماهم ابو شنب بـ"مجموعة من الموتورين من حركة فتح".
من ناحية اخرى، اتفق ابو شنب مع عوكل حول التعبئة الفكرية الخاطئة، قائلا: "هناك بعض التنظيمات ترفع من قيمة التنظيم وتقلل من قيمة التنظيمات الاخرى، وتدافع عن اخطائه ولا تقبل رؤية الاخر"، مؤكدا عدم وجود مثل هذه التعبئة داخل "حماس": " لان الحركة ترى في الاسلام وشريعته السمحاء اساسا لفكرها فان هذه المظاهر لا تكون ظاهرة لديها، واذا مورست فانها تمارس في شكل فردي".
ودعا ابو شنب المتشككين بما يقول الى تأمل شعارات التنظيمات الفلسطينية بما فيها "حماس" المنتشرة بكثافة على جدران المباني، مؤكدا ان "شعارات "حماس" تمجد العمليات البطولية، ولا تمجد التنظيم او الافراد".
يذكر ان جميع التجارب السابقة اثبتت في شكل مؤكد ان كل الفصائل الفلسطينية بلا استثناء تعبئ أعضاءها وعناصرها ومؤيديها تعبئة فئوية وعصبوية خاطئة وأحيانا ضد الاخر.
واعترض ابو شنب على استخدام وصف "ظاهرة" على حالات الانفلات او الفوضى الامنية الحادثة، قائلا: "ان هذه المشكلات موجودة منذ سنوات عدة، وليست نتيجة للظروف الحالية في شكل رئيس، وبالنظر من زاوية اجتماعية محضة نجد ان سكان قطاع غزة تحديدا يتميزون بعصبية المزاج، وبنعرات عصبية سواء قبلية او تنظيمية، الامر الذي يسهل حالات الانفجار والصدام، لكنها لم تصل في أي وقت من الاوقات الى درجة ان تكون ظاهرة للانفلات او الفوضى"، متهما "الاحتلال الاسرائيلي بمحاولة تغذيتها من اجل اشغال المجتمع الفلسطيني في نفسه وابعاده عن خيار المقاومة".
وعلى الصعيد نفسه، أكد رشيد ابو شباك رئيس جهاز الامن الوقائي في قطاع غزة، ان " الجهاز لا يقبل باي تجاوزات قانونية، ويحاول ان يكون دائما نموذجا للاخرين، لعدم التهاون مع افرادنا، الذين يعتدون على حقوق المواطنين، وأي تجاوز حدث من أي فرد من افراد الجهاز، يقدم فورا الى اجهزة القضاء ليحاكم وفق القانون"، دالا على ذلك "بتقدم الجهاز عادل حمادة (احد عناصر الجهاز) المتهم في جريمة قتل الى المحكمة، حيث يقبع حاليا في السجن".
وأشار ابو شباك الى أن "السلطة حاولت منذ قيامها، تقنين استخدام السلاح، عبر ترخيصه، لكن مع بدأ الانتفاضة اختلطت الامور، واصبح هذا السلاح يحمل نوع من الشرعية"، مشددا على ان "هناك مخاطر كبيرة من وجود السلاح سواء لدى جهات تنظيمية او فردية، وهناك عدد من الجرائم ارتكب تحت شعار سلاح المقاومة".
واكد ان "أمام وزارة الداخلية الحديثة التشكيل مهمة صعبة وضرورية في اعادة السيطرة على الشارع في اطار نظام وقانون يكفل حقوق المواطن وممتلكاته ويحميها من اي تجاوزات من أي جهات سواء كانت في السلطة او غيرها".
وفيما يتعلق بجمع سلاح المقاومة، قال ابو شباك "لسنا في صدد الاعتداء على أي سلاح يستخدم في مقاومة الاحتلال، يجب ان يدرك الجميع ان هناك سلطة واحدة لا مجال للتنازع حولها".
من ناحية ثانية، اكد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مجدلاوي، ان "الجبهة تعتبر وجود السلاح مُبرر وشرعي، لانه سلاح لمقاومة الاحتلال، سواء كان سلاحا رسميا او غير رسمي"، رافضا "محاولة الخلط بين المفاهيم الموجودة، لمصادرة فكرة شرعية السلاح الى رسميته".
واضاف: "نرى ان السلاح الذي تحمله كل فصائل المقاومة شرعي، لانه مكرس وينبغي ان يكرس لمقاومة الاحتلال، اما السلاح الرسمي الموجود في ايدي السلطة واجهزتها فمن المفترض ان تكون وظيفته الاولى هي الدفاع عن الشعب، ومقاومة العدوان الاسرائيلي الذي لا يتوقف، لاننا لازلنا حركة تحرر وطني تناضل من اجل تحرير ارضها"، لافتا الى ان الوظيفة الثانية له هي ضبط النظام العام، لكنه اذا تصادم مع نضال ومقاومة الشعب ضد الاحتلال فانه يتحول الى ضابط للامن الاسرائيلي لا الفلسطيني".
وأشار مجدلاوي الى انه "بالامكان تحقيق التوافق والانسجام بين تعددية السلاح اذا نجحنا في التوصل الى قيادة وطنية موحدة، تستند الى برنامج وطني موحد، تشكل مقاومة الاحتلال عنوانه الرئيس".
وأكد انه "لو خضنا بقليل من التفصيل والتحليل العميق لكل مظاهر وتفاصيل فوضى استخدام السلاح خارج مهمة مقاومة الاحتلال، لوجدنا ان المظهر الرئيس للخروق التي تندرج تحت هذا العنوان تأتي اساسا من السلاح الرسمي للسلطة"،لافتا الى ان "هناك قناعة لدى اطار واسع من الجماهير بعدم نزاهة الاحكام وعدالتها، علاوة على عدم ضمان تنفيذها، خاصة اذا ما وقع الخطأ من احدى الجهات او الاشخاص المدعومين من مراكز النفوذ في السلطة".
وأوضح ان الجبهة تصدت لـ"عدد من مظاهر سوء استخدام السلاح، واخذ القانون باليد سواء من قبل اجهزة رسمية او من افراد او تنظيمات، من منطلق حرصنا على الامن الفلسطيني، ونظافة وشرف سلاح المقاومة".
وفيما يتعلق بمقتل العايدي احد عناصر الجبهة الشعبية على خلفية الثأر لمقتل احد المشتبه فيهم التعاون مع سلطات الاحتلال في الانتفاضة السابقة، اكد مجدلاوي ان "أي محاولة لتحويل هذا العنوان للثأر هي محاولة لإشاعة الفتنة بين الفلسطينيين" مشيرا الى ان هذه الجريمة "ترتبط بمحاولة بعض الخارجين عن الصف الوطني الخلط بين الثأر الشخصي وبين التصفيات التي تمت لبعض المتهمين بالتعاون مع الاحتلال خلال سنواته الطويلة، لاذكاء نار الفتنة الداخلية من خلال طرح هذه الملفات بشقيها السياسي والثأري الشخصي".
ولفت مجدلاوي الى ان "الجبهة قدمت مجموعة من الافكار الى القوى الوطنية والاسلامية والى الرئيس ياسر عرفات، لحل هذه القضية في اطار معالجة وطنية شاملة، يخضع الخارجون عنها للملاحقة الرادعة وفق احكام القانون حتى لا نسمح بانتشار هذه الجرائم"، داعيا الى " ضروة وجود جهاز قضائي قوى ومستقل، تطبق احكامه على الجميع من دون استثناء".



-----------------
الفلسطينيون يقومون انتفاضتهم في عامها الخامس

غزة- سامية الزبيدي، رائد أبو ستة
ودع الفلسطينيون مؤخرا العام الرابع على انتفاضتهم، التي انطلقت في 28 أيلول 2000، إثر اقتحام ارئيل شارون المسجد الأقصى برفقة الآلاف من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسقوط عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين، أثناء تصديهم لذلك الاقتحام.
وسقط منذ اندلاع الانتفاضة قبل أربعة أعوام أكثر من 3549 شهيد برصاص وقذائف قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفقا لإحصاءات معهد الإعلام والسياسات الصحية في الضفة الغربية، إضافة إلى 53 ألف جريح  في حين يعم الدمار والخراب جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة تواصل العدوان الإسرائيلي، الذي أقام 703 حاجز بين مختلف المدن والبلدات الفلسطينية، وذلك بهدف تقطيع الأوصال الفلسطينية.
وفي الجانب الآخر، كبدت الانتفاضة خصمها الإسرائيلي خلال الأربع سنوات الماضية 1034 قتيل، وأكثر من 5598 جريح، هذا بحسب تقرير رسمي صادر عن جهاز المخابرات الإسرائيلي "شاباك".
أربع سنوات من المواجهة اليومية المحتدمة ما بين قوات الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالسلاح، وبين الفلسطينيين، الذين يمتلكون في أحسن الحالات بضع أسلحة خفيفة محلية الصنع في الغالب، وعلى رغم هذه المواجهة غير المتكافئة، لم تستطع إسرائيل حسم المعركة وتحقيق النصر، الذي وعد به رئيس وزراء "إسرائيل" شارون، فلا خطة المئة يوم ولا عملية السور الواقي في الضفة الغربية، ولا سياسة الاغتيالات، التي طالت زعامات فلسطينية بارزة، ولا حملات الاجتياح، والتوغل في مدن ومخيمات الضفة الغربية، وقطاع غزة، ولا سياسة هدم المنازل وتجريف المزروعات، حققت لإسرائيل الأمن والرفاء المنشود، بل ثبت وباعتراف قادة المؤسسة الإسرائيلية فشل خيار الحسم العسكري وعدم جدواه في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية.
شارون لجأ إلى خطة فك الارتباط أحادية الجانب كورقة أخيرة في مواجهة الانتفاضة، والفلسطينيون بالمقابل تعالت بينهم الأصوات المطالبة بالإصلاح والتغيير، وهم بصدد تنظيم انتخابات شاملة (محلية، تشريعية، رئاسية) جاري التسجيل لها، كمدخل للإصلاح المطلوب.
رئيس الوزراء الفلسطيني في الذكرى الرابعة لاندلاع الانتفاضة طالب الفلسطينيين بإجراء تقييم للانتفاضة، ومسيرتها، ووزير الخارجية الأميركي كولن باول قال إن الانتفاضة لم تحقق شيء للفلسطينيين، وباعدت بينهم وبين قيام الدولة الفلسطينية.
من هنا تقدم "المجلة" من خلال هذا الاستطلاع في الذكرى الرابعة للانتفاضة، تقويم ومواقف عدد من أبرز القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية.
يقول أبو علي شاهين عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وعضو المجلس التشريعي، في معرض تقييمه للانتفاضة في حوار خاص بـ"المجلة"، معلقا على دعوة رئيس الوزراء الفلسطيني أبو علاء لإجراء تقويم فلسطيني لمسيرة الانتفاضة: "لقد تأخر تصريح الأخ أبو علاء 44 شهرا، إن العقل الوطني المناضل دوما يستقرئ القادم ولا يقرأ فقط الحاضر، إن استقراء القادم كان يجب أن يكون في نهاية شهر يناير (كانون أول) 2001، وليس في نهاية سبتمبر (أيلول) 2004، إن عقلا يناضل لا يقيم مسيرته النضالية، ولا يعمل على ترشيد أدواته، إنما هو عقل لا يعرف كيف ينتصر حتى لو تجمعت له مقادير النصر بين يديه".
ويزيد أبو علي على ذلك بالقول: "ما تم في الانتفاضة الأخيرة هو أن برنامج لأحد الفصائل الفلسطينية أراد أن يجعل القضية والشعب والحاضر والمستقبل والمسيرة في خدمته، وقد دفع بالانتفاضة إلى حال الاشتباك، التي يجب أن لا تكون، وقد تماهى الجميع للأسف مع هذه الصيغة التي كان يجب إيقافها" في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وأوضح شاهين قائلا: "إن الصراع بين البرنامجين الوطني والتيار الديني السياسي هو الذي دفع بأن نضع القضية بكاملها في خدمة هذا التيار، وحكمت الـ"أنا الدنيا" المتمثلة بذلك الفصيل الـ"نحن العليا" المتمثلة بالقضية، وساقتها إلى أقدارها، التي لا يعلمها إلا الله، هذه هي الأنانية المفرطة، التي أصابها عمى البصر والبصيرة في آن معا".
وأضاف إن "أي حركة تحرر وطني لها هدفا مقدسا، ولا يمكن أن يكون لها وسيلة مقدسة فالوسائل كالشعارات قابلة للتغيير".
واستدرك شاهين قائلا: "إن المرحلة الأولى من الانتفاضة حملت في رحمها، وولدت كل عوامل النجاح، وكان يجب استثمار ذلك وتخصيبه بالصيغة التي تليق بعظمة أداء شعبنا، الذي آن له أن يقف ويفكر ويتدبر كيف يمكن أن يسير في طريقه إلى النصر".
وعلى ضوء استقراءه للحال الفلسطيني، ومعايشته له، أكد أن المخرج مما وصفه بحال الأزمة التي يعيشها الفلسطينيين، وهم يعبرون العام الخامس من الانتفاضة الثانية: "يكمن في الاتفاق على برنامج سياسي مرحلي يخدم الأهداف الإستراتيجية والمشروع الوطني الفلسطيني، يلتزم ويحتكم إليه الجميع".
وأشار إلى أن "هذا البرنامج السياسي يجب أن يأخذ في عين الاعتبار إنهاء الاحتلال، وإخلاء المستوطنات، وإقامة الدولة المستقلة، واستعادة السيطرة الفلسطينية الكاملة على القدس العربية، وصون وحماية حق العودة وفقا لقرار 194 لعام 1948م، ويتحتم أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع الموحد لحركة شعبنا الوطنية، في الوطن والشتات".
أما الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمعتقل في سجن السلطة الفلسطينية في مدينة أريحا، تحت رقابة أميركية بريطانية منذ ما يزيد عن عامين، فقال لـ"المجلة" في اتصال هاتفي من سجنه، حول رؤيته للأعوام الأربعة الماضية من عمر الانتفاضة، ومستقبلها أن: "الانتفاضة وإن لم تستطع هزيمة العدو، فالعدو لم يستطع أيضا هزيمتها، وهذا كان له انعكاسه المباشر على مفاقمة التناقضات داخل المؤسسة الصهيونية الحاكمة، إضافة إلى التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على المجتمع الصهيوني، في نفس الوقت فان صدور القرار 1397 عن مجلس الأمن الدولي في نيسان 2002( الذي نص على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة في حدود 67)، كان ثمرة للانتفاضة، ورفع موضوعيا ترجمة المجتمع الدولي لحق تقرير المصير من سقف الحكم الذاتي إلى الدولة المستقلة".
وأشار سعدات إلى ما أسماه بالصمود النوعي للشعب الفلسطيني في مواجهة ترسانة الاحتلال الإسرائيلي، على "رغم المعاناة العالية، والمتنوعة سواء بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية وتأثير إجراءات الحصار، والاغتيالات، والاجتياحات، وسياسة العزل، والتقسيم العنصري لجماهير شعبنا في معازل"، لافتا إلى أن المظهر الرئيس للأزمة الفلسطينية هي "حالات الصراع داخل السلطة بين مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء، وبين الرئيس والمجلس التشريعي، وداخل حزب السلطة "فتح"، وتناقض كامن بين المعارضة بشقيها الوطني الديمقراطي والإسلامي والسلطة حول البرنامج الوطني السياسي والموقف من مشاريع التسوية المطروحة سواء مشروع شارون أو خارطة الطريق" وغيرها من القضايا.
وأضاف: "لم يتناسب أداء كل من السلطة والمنظمات السياسية مع متطلبات الانتفاضة، فلكل فصيل برنامجه الذي عمل على تنفيذه، لكن ما ظل غائبا هو الوحدة السياسية، وتوحيد البرنامج والمرجعية السياسية"، مؤكدا ان هذا هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، ولاستثمار منجزات الانتفاضة.
من جهته، قال الدكتور غازي حمد رئيس تحرير صحيفة "الرسالة" الأسبوعية، والمقربة من حركة "حماس" ان "تقويم الانتفاضة، يعتبر من أهم الأولويات، فهناك الكثير من الأمور المتداخلة، إلا أنني أرى أن التقويم يجب ان يخضع للمجموع الوطني وليس لفصيل بعينه، حتى يكون تقويمنا موضوعيا وصادقا"، معتبرا ان أكبر انجاز للشعب الفلسطيني بعد أربع سنوات على انتفاضته، هو "صمود الشعب الفلسطيني بقوة أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، التي لم تستطع كسر عظم الفلسطينيين، كما ادعت، وعلى العكس من ذلك، استطاعت الانتفاضة إسقاط جميع نظريات الاحتلال، حول ما يسمى بتفريغ جيوب المقاومة، حتى وصلوا إلى قناعة ان المقاومة برميل لا قعر له" حسب تصريحات لأحد المسؤولين الإسرائيليين.
إلا ان الخلل يبقى حسب د. حمد في "غياب التنسيق الداخلي على المستوى الميداني، والسياسي، وهي سلبيات نعاني منها قبل وأثناء الانتفاضة، التي كنا أحوج ما نكون خلالها لهذا التنسيق والتوحد".
وأضاف: "وكان من سلبيات الانتفاضة أيضا بروز كثير من الظواهر السلبية مثل الفوضى والانفلات الأمني، وتشرذم الأجهزة، وغياب القانون".
وقال د.حمد تعقيبا على دعوة قريع لتقويم الانتفاضة "أتصور ان السلطة تتكلم في وقت متأخر جدا بكل المقاييس"، معتبرا ان "السلطة لا تصلح لإعادة تقويم الانتفاضة، فهي تتحمل جزء كبير من مسؤولية الحال الذي وصلنا إليه، لأنها تركت الأمور تتشكل كما تشاء، وساهمت بقوة في زرع الفوضى الحالية، حتى فقدت ثقة الشعب الفلسطيني فيها".
وحول تصريحات باول، رأى د.حمد ان "هذا التفكير الأميركي خاطئ، وعلى باول ان يؤمن ان الانتفاضة أصبحت الخيار الوحيد لدى الفلسطينيين، بعد ان انتهت المسيرة السياسية على يد إسرائيل، التي لم تقدم للفلسطينيين أي سنتيمتر من أرضهم، لا في كامب ديفيد، ولا في خارطة الطريق ولا خطة تينت وغيرها من الخطط والمبادرات، وعليه ان يفهم أيضا انه إذا غاب الأفق السياسي، ستحل البندقية وستكون هي سيدة الموقف".
ووجه د. حمد حديثه إلى باول، قائلا: "قضينا 10 سنوات في الانتفاضة الأولى، كنا نشعر حينها بقربنا من الدولة الفلسطينية، أكثر مما فعلت أوسلو، اتفاق أوسلو أبعدنا عن الدولة الفلسطينية أكثر بكثير مما فعلت الانتفاضة الحالية"، مؤكدا ان الانتفاضة "استطاعت ان ترسخ في ذهن العالم اجمع، ان لا حل من دون إقامة دولة فلسطينية، وما اعتراف الإدارة الأميركية انه لا يمكن حسم الصراع الدائر عسكريا، وان الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة، وحديث شارون مؤخرا عن دولتين، الا دليلا على ذلك، فأصبح الجميع ينظر لهذه المنطقة الساخنة ويرى ان الحل هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا ان قيادتنا ضعيفة ولم تستطع استثمار انجازات الانتفاضة كما يجب".
من جانبه، أكد صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لقاء خاص مع "المجلة" ان "استمرار الانتفاضة هو مواصلة للمسيرة نحو الاستقلال، ودرجة التقدم على هذا الطريق لا تقاس بمساحة الأرض التي تحررها، بل بدرجة الاستنزاف والإنهاك الذي تلحقه بالعدو، وبدرجة الدعم الذي تستنهضه لحقوقنا، ما يجعلنا نقترب تدريجيا نحو أهدافنا".
وحول تقييمه للوضع الإسرائيلي، قال زيدان: "اعترف قادة إسرائيل أن حرب إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية، خلال السنوات الأربع السابقة، كانت أصعب الحروب التي خاضتها منذ العام 1948، فخسائرها البشرية فاقت الألف قتيل، فضلا عن الخسائر الاقتصادية، وغياب الأمن الفردي والجماعي، والأهم هو فشل خيار الحسم العسكري، الذي شكل محور إستراتيجية شارون في مواجهة الانتفاضة".
واعتبر زيدان أن أخطر التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وهو يخطو نحو العام الخامس لانتفاضته هي "خطة الفصل الأحادي الجانب، التي تستهدف إكمال بناء جدار الفصل العنصري، وتسمين المستوطنات، والتنصل من استحقاقات خارطة الطريق، وتقويض مرتكزات عملية السلام فيما يخص الحدود والقدس واللاجئين وتبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية".
وأشار إلى قرار محكمة لاهاي الدولية الاستشاري، والخاص برفض جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، والمطالبة بإزالته، معتبرا إياه "انجاز تاريخي، يمكن إذا ما أحسن التعامل معه ان يمثل منعطفا هاما في مسيرة نضال شعبنا".
وطالب زيدان القيادة الفلسطينية بـ"رفض خطة فك الارتباط، والاستعداد لمجابهة التحديات الناجمة عن أية إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب بما فيها إخلاء قطاع غزة، وإعادة تنظيم الصف الفلسطيني وبناء وحدته لمواصلة المعركة ضد العدوان والاحتلال، وتوفير مقومات الصمود عبر عملية إصلاح شاملة تقوم على أساس المشاركة الجماعية في صنع القرار الوطني".
ويتفق الدكتور إبراهيم إبراش المحلل السياسي والمحاضر في جامعة الأزهر بمدينة غزة، مع زيدان على ضرورة الوصول إلى وحدة فلسطينية، معتبرا ان "غياب قيادة وحدة وطنية، وتعدد البرامج، وأساليب النضال، والفساد المالي والإداري الذي يضرب السلطة ومؤسسات المجتمع المدني، وبعض قوى المعارضة، سهل على الأعداء محاصرة المشروع الوطني الفلسطيني وعدم تثمير عطاءات الانتفاضة".
وحول رؤيته لمستقبل الفلسطينيين، وانتفاضتهم قال د. ابراش "سيكون الوضع صعبا، على المدى القريب، خصوصا في ظل خطة شارون للفصل الأحادي عن غزة في المرحلة الأولى، التي لن تسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم في غزة، وبالتالي سينشغل الفلسطينيون بغزة لسنوات خلالها سيكون شارون أكمل بناء الجدار ووسع المستوطنات، ولكن على المدى المتوسط والبعيد ستتفجر الصدامات مجددا".
أما د. حمد فاعتبر ان "إمكانات تحسن الأمور، صعبة جدا"، مؤكدا أننا سنعيش مرحلة "ترحيل أزمات لا أكثر، فستتزايد وتيرة الانتفاضة والمقاومة، وسيعقبها مفاوضات، ومن ثم انتفاضة ومقاومة وهكذا إلى أن يشاء الله".
يتفق الجميع على أهمية تقويم مراحل النضال الفلسطيني في شكل عام، والانتفاضة الحالية في شكل خاص، إلا أن أيا من هؤلاء المتفقون لم يتفقوا بعد على الجلوس سويا والبدء في هذه العملية، والمستفيد الأكبر من هذا القصور، هو بلا شك، الاحتلال الإسرائيلي، أفما آن للفلسطينيين بعد أن يغلبوا مصالحهم الوطنية العليا، على مصالحهم الفئوية والشخصية الضيقة؟؟.

 ---------------------


الاغتيالات...الموت المفاجئ


في منتصف النهار أو الليل، في سيارة أو في منزل، في شارع أو في حي مكتظ بالسكان، بالقنص أو التفجير، عن بعد أو عن قرب، من مدفع أو طائرة بقنبلة أو صاروخ أو رصاصة قاتلة.


وفي أي مكان و زمان، قد تسمع انفجارا أو صرخة أخيرة لروح تلفظ أنفاسها تتبعها صرخات أخت أو بنت أو زوجة أو أم ثكلى، فقدت اعز ما تملك.


هكذا وفي كل مرة يضاف اسما جديدا إلى قائمة الاغتيالات الإسرائيلية التي تضعها قوات الاحتلال الإسرائيلية لاغتيال من تعتبرهم "مخربين فلسطينيين" أو "يخططون لارتكاب أعمال تخريبية ضدها"، من دون أن تبالي بمن تقتل مع ضحيتها من أطفال أو نساء أو رجال أبرياء.


فوحدها الحكومة الإسرائيلية من يقرر أن مقاومة الاحتلال والدفاع عن النفس إرهابا يستوجب تصفيته، فتحدد من ومتى وأين وكيف ستقتل قوات الاحتلال كل يوم فلسطينيين جددا ، منتهكة بذلك كل الاتفاقات والقوانين الدولية والإنسانية.


وكان ابرز عمليات الاغتيال الأخيرة، العملية التي استهدفت اغتيال صلاح شحادة(49عاما) القائد العام لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس.


وألقت طائرة إسرائيلية من طراز "اف 16" أميركية الصنع صاروخا يزن طنا واحدا على منزل شحادة بحي الدرج في مدينة غزة، قتل خلالها شحادة وزوجته وابنتهما، إضافة إلى أحد مساعديه، إلى جانب 11فلسطينيا آخر، وإصابة أكثر من 145، معظمهم من الأطفال، إلى جانب تدمير عدد كبير من المباني وتشريد ساكنيها.


وعلى رغم ، ما لقيته هذه العملية من تنديد واسع في الأوساط العربية والدولية، إلا أن دولا قليلة دانت سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للناشطين، التي يعتبرها الفلسطينيون سياسة رسمية معلنة، وأدت إلى سقوط العشرات ممن تسميهم إسرائيل " الضالعين في أعمال إرهابية “.


وتباينت الإحصاءات الفلسطينية في شأن عدد الضحايا من المستهدفين وممن تواجدوا بالصدفة في مكان العملية.


ويقول المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن إسرائيل نفذت 69 عملية اغتيال راح ضحيتها 77 ناشطا ( مستهدفا) ونحو 34 ممن تواجدوا في المكان صدفة من المواطنين، عدد كبير منهم أطفال.


وأشار المركز إلى أن "هامش الخطأ" شكل نسبة 30 في المئة من مجمل العمليات.


فيما يقول مركز الميزان لحقوق الإنسان أن 95 ناشطا ( مستهدفا ) سقطوا في علميات الاغتيال، ونحو 38 مدنيا راحوا ضحية " هامش الخطأ".


وتقول دراسة حول الاغتيالات أعدها الباحث د.عماد لبد أن أكثر من 143 شهيدا سقطوا في إطار سياسة الاغتيالات منذ اندلاع الانتفاضة وحتى 22 آذار (مارس) 2002.


و تشير الدراسة إلى أن عدد العمليات بلغ 83 عملية وأن 135 من الضحايا من الذكور و8 إناث، وأن أكبر عدد من الشهداء سقط في مدينة نابلس (38) تليها رفح (20) وجنين (14)، ثم بيت لحم (12)، لافتة إلى أن سقوط 120 مستهدفا(ناشطا)، و23 ممن تواجدوا صدفة في المكان.


وبالإشارة إلى موقف الحكومة الإسرائيلية الرسمي نجد أن دولة الاحتلال لم تقر سياسة الاغتيالات بشكل علني وواضح إلا أنها لا تفتأ تدعي في أعقاب كل عملية اغتيال تنفذها أن هذه العملية تأتي في سياق الدفاع عن النفس، وأنها جاءت لتمنع وقوع علمية عسكرية كبيرة داخل إسرائيل، وأن الأشخاص الذين تغتالهم ضالعون في التخطيط لمثل هذه العمليات.


وتمارس الدولة العبرية هذه العمليات على نطاق واسع، متحدية بذلك جميع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان في ظل صمت دولي مطبق ، لدرجة أن رئيس حكومة إسرائيل ارئيل شارون تباهى في صباح اليوم التالي لمجزرة غزة بهذه العملية ، واصفا إياها بأنها من أنجح العمليات التي تنفذها قواته، مهنئاً منفذيها بنجاحها.


من ناحية ثانية، تشكل هذه العمليات حسب مصادر قانونية فلسطينية انتهاكا صارخا لمعايير ومبادئ القانون الدولي الإنساني التي تؤكد الحق في الحياة كأحد الحقوق الأساسية للإنسان، حيث نصت المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه “.


كما نصت المادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب على أنه "تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين (المحميين) وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن: 1-الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب".


كما تحظر مبادئ الأمم المتحدة ، في مبدأها الأول الخاص بالوقاية الفعالة عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ظروف.


وتقول: "يجب على الحكومات أن تحظر قانونيا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (...)، وأن تضمن اعتبار أي عمليات إعدام كهذه جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية ، وأن يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة (...) ولا يجوز التذرع بالظروف الاستثنائية بما فيها حالة الحرب أو التهديد بها أو الاضطرابات السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه ".


ووفقا لاتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 وبعد أن أقر المجتمع الدولي منذ العام 1967 أن إسرائيل هي قوة احتلال وأن الأراضي الفلسطينية هي أراضي محتلة تنطبق عليها أحكام الاتفاقية الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب فان دولة الاحتلال "إسرائيل" بصفتها طرفا متعاقدا على الاتفاقية يتحتم عليها تطبيق أحكامها، كما يقع على عاتق الأطراف الأخرى (المجتمع الدولي) المتعاقدة (الموقعة على الاتفاقية) مسؤولية قانونية وأخلاقية تلزمها بالعمل على ضمان تطبيق أحكامها في الأراضي الفلسطينية ومحاسبة المسؤولين عن اقتراف أي مخالفات جسيمة لها وتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين.


وتوضح المادة (147) من الاتفاقية ماهية المخالفات الجسيمة التي يحق لكل الأطراف المتعاقدة بملاحقة المتهمين باقترافها وتقديمهم إلى المحاكمة بأنها تتضمن "أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب، أو المعاملة اللاانسانية...".


وهو الأمر الذي عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدأ انتفاضة الأقصى في 28 أيلول(سبتمبر)2000، انتهاكه بشكل منهجي بإتباع سياسة القتل العمد والقتل خارج إطار القانون بحق المدنيين الفلسطينيين (سياسة الاغتيالات ) ضاربة بعرض الحائط كل هذه الاتفاقات.


وفي هذا الإطار اعتبر عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان القتل العمد، والقتل خارج نطاق القضاء (الاغتيال) "جريمة حرب"، مؤكدا على أن " جرائم الحرب المتمثلة في الاغتيال تكتسب صبغة دولية نظرا لخطورتها ".


وأضاف أن القانون الدولي يجرم ارتكاب هذه الجرائم حتى وان كان بدواعي الأمن والسلامة العامة "، مشيرا إلى أن الدولة العبرية "تضع من نفسها دولة فوق القانون".


وأوضح انه "لم تبق جريمة حرب إلا ومارستها " الدولة العبرية اتجاه الشعب الفلسطيني.


وانتقد يونس بشدة الصمت الدولي اتجاه ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب في حق الفلسطينيين ، معتبرا إياه" غير مفهوم وغير مبرر ويمثل نوعا من توفير الغطاء السياسي والأخلاقي لسياسات قوات الاحتلال ومكافأة للمجرم للاستمرار في ارتكاب جرائمه ".


وتساءل يونس إن كانت "إسرائيل بحاجة إلى معلومات استخبارية لمعرفة إذا ما كان هناك مدنيون من نساء وأطفال وشيوخ في المنازل التي تعرضت للقصف في حي الدرج بمدينة غزة عند منتصف الليل ؟! ، معتبرا أن الهدف من العملية إيقاع أكبر عدد من الضحايا لأنها تملك طائرات استطلاع تستطيع تحديد ذلك بسهولة ".


وعلى صعيد آخر لا يفتأ الفلسطينيين يطالبون بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين كمجرمي حرب في أعقاب كل جريمة بحق المدنيين الفلسطينيين كان آخرها الحديث عن سعي الفلسطينيين لتقديم المسؤولين عن مجزرة غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية التي شكلت منذ 31 ديسمبر 2000 بتوقيع (139) دولة على النظام الأساسي الخاص بها، ومصادقة(76) دولة عليه لتدخل المحكمة فعليا حيز النفاذ في 1/7/2002.


حول هذا المضوع أكد مازن شقورة مدير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن في قطاع غزةلـ"يبوس برس" أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا يسمح بتقديم مسؤولين إسرائيليين عن ارتكاب مجزرة حي الدرج بغزة إلى المحاكمة موضحا أن: "النظام الأساسي الذي يحدد اختصاصات المحكمة، لا تسري فعاليته إلا على الدولة المصادقة عليه فقط وتعتبر طرف فيه وأن إسرائيل وقعت على النظام الأساسي لتشكيل هذه المحكمة إلا أنها لم تصادق عليه حتى الآن "وهو الأمر الذي يتطلب مصادقة أعلى هيئة تشريعية في الدولة وهو الكنيست لدى دولة الاحتلال لتصبح طرفا في هذه المحكمة .


وأضاف شقورة: "على رغم أن إسرائيل ليست طرف في هذه المحكمة، واختصاص المحكمة لا يسري عليها أو على الأقاليم التي تديرها وهي قطاع غزة والضفة الغربية إلا أنه يمكن الالتفاف على هذه القوانين على مستويين لتقديم المسؤولين عن مجزرة حي الدرج “، محددا المستوى الأول بـ"البحث إذا ما كان أحد المتورطين في عملية القصف سواء كان مسؤول سياسي أو عسكري يحمل جنسية بلد صادقت على النظام الأساسي للمحكمة ".


المستوى الثاني: " أن يصدر مجلس الأمن قرارا بإحالة ملف أي منطقة معينة يرتكب فيها جرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة بناءا على الفصل السابع من ميثاقها، ومن ثم يقرر مكتب الادعاء العام للمحكمة إذا ما كان سيباشر في التحقيق في القضية أم يرفض النظر في قرار مجلس الأمن ".


مؤكدا على أن " الظرف الدولي لا يسمح بذلك وأن مجلس الأمن يحتاج إلى قرار سياسي من غير القريب أن يتخذه المجلس ويحيل مجزرة حي الدرج بغزة إلى المحكمة ".


وطالب شقورة الدول العربية ممثلة بالجامعة العربية ودول عدم الانحياز ومنظمة العالم الإسلامي " بذل الجهود الحثيثة للضغط على مجلس الأمن لإصدار هذا القرار".


وفتح شقورة أبوابا أخرى يستطيع الفلسطينيون النفاذ منها لتقديم مسؤولين إسرائيليين عن جرائم حرب للمحاكمة وذلك "أمام القضاء الوطني لبعض الدول الأوروبية التي تسمح قوانينها المحلية بذلك على غرار ما حدث في بلجيكا “، مضيفا أن "إسرائيل ارتكبت جريمة حرب من الطراز الأول وأن الالتزامات الدولية لبعض الدول التي هي طرف في اتفاقيات جنيف الدولية وخاصة الرابعة منها التي تسري على الأراضي المحتلة والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب تخولها الحق في النظر في مثل هذه القضايا ".


وتحدث شقورة عن كيفية تقديمهم الى هذه المحاكم: " عند معرفة أن أحد المسؤولين الاسرائيليين في زيارة الى دولة قانونها يسمح بذلك مثل فرنسا أو اسبانيا مثلا ، نقدم على الفور طلبا الى المحكمة نطلب من خلاله التحقيق مع هذا المسؤول بعد ان نقدم الملف الذي يثبت تورطه في جرائم حرب ، على ان يكون قد أعد بشكل قانوني مئة بالمئة ".


وعاد شقورة ليؤكد ان هذا البصيص من الامل في ان تتم محاكمة مسؤولين اسرائيليين " يحتاج الى تضافر الجهود بين مراكز ومنظمات حقوقية فلسطينية وعربية واوروبية واميركية لرصد حركة كل من تعتبرهم متورطين في جرائم حرب من مسؤولين أو جنود اسرائيليين لتقديم ملفاتهم الى المحاكم الاوروبية في حال سفرهم الى هناك ".


ووفق النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية فان الاغتيالات تعد جريمة حرب تدخل في اختصاصها الا ان احتمالات استطاعة الفلسطينيين ان يقدموا مسؤولين اسرائيليين للمحاكمة عبرها في الوقت الحالي تكاد معدومة ، وذلك لان قانون النظام الاساسي في المادة (‍11) والذي يتحدث عن الاختصاص الزمني يقول : " ليس للمحكمة اختصاص الا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الاساسي "أي في 1/7/2002.


وهو ما يعني انه حتى لو كانت اسرائيل طرف في النظام فانه لن يتم محاكمة مسؤوليها عبر هذه المحكمة عن جرائم ارتكبت قبل تاريخ 1/7/2002.


كذلك الامر لو قامت اسرائيل بالمصادقة عليه واصبحت طرفا فيه فان النظام ينص ايضا على انه " اذا اصبحت دولة من الدول طرفا في هذا النظام الاساسي بعد بدء نفاذه ، لا يجوز للمحكمة ان تمارس اختصاصها الا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة".


وعلى رغم معرفة اسرائيل الاكيدة انها تفتح على نفسها بابا لن تستطيع سده ،في أعقاب كل عملية عسكرية ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني أوقياداته وكوادره حيث يتبع كل عملية اسرائيلية ردات فعل فلسطينية انتقامية ،تتبعها ردات فعل من الطرف الآخر وهو الامر الذي لم يتأخر كثيرا هذه المرة حيث شنت حركات المقاومة الفلسطينية بعيد مجزرة الدرج سلسلة من العمليات الاستشهادية والتفجيرية المتميزة …..


وتأتي ترجيحات المحليين السياسيين حول هذه العمليات لتؤكد انها لن تكون سوى البداية لدوامة أخرى من العنف والعنف المضاد ، خاصة أن العديد من التنظيمات والقوى الفلسطينية كانت قد وعدت ان يكون ردها نوعيا ، وعلى مستوى اغتيال قيادات ومسؤولين اسرائيليين، على غرار رد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على اغتيال أمينها العام ابو علي مصطفى في 27 /8/2001 ، الذي يعتبر أرفع مسؤول فلسطيني تغتاله اسرائيل منذ قيامها وحتى الآن ، باغتيال الجبهة وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي بعد أقل من شهرين على اغتيال أبو علي في 17/10/2001 ، ناهيك عن ترقب شارون وحكومته لأي من هذه العمليات للتذرع بها لايقاع مزيد من التدمير والخراب في قوى الشعب الفلسطيني البشرية والمادية .


هذا ولا تعتبر عمليات الاغتيال الإسرائيلية وليدة الانتفاضة الحالية ، حيث بدأت الحكومة الاسرائيلية في تنفيذ هذا النوع من الإرهاب منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1/1/1965 ، عندما اغتالت وائل الكبيسي ومن ثم معين بسيسو ، لتتوالى بعد ذلك الأسماء حتى يومنا هذا نذكر منها عصام السرطاوي ، كمال ناصر، كمال عدوان ، ابو يوسف النجار ( قتل ثلاثتهم في عملية الفردان الشهيرة عام 1973 على يد فرقة خاصة من الموساد الإسرائيلي ترأسها رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق ايهود باراك ) كذلك غسان كنفاني ابنه شقيقته التي لم تتجاوز العقد من عمرها –عبر تفجير سيارة كانت تقلهما بمادة TNT شديدة الانفجار – أبو على حسن سلامة ، خليل الوزير (أبو جهاد ) ، ناجي العلي ، فتحي الشقاقي ، يحي عياش ، عماد عقل ، حسين عبيات ، مهند أبو حلاوة ، محمود أبو هنود ، رائد الكرمي ، وأخيرا صلاح شحادة وغيرهم الكثير .


----------------
 من التالي على اجندة الاغتيالات الاسرائيلية ؟!


لم يكن من المفاجئ الا للاسرائيليين فقط اندلاع انتفاضة الاقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي ، فالعالم بالامور والمتابع لها عن كثب ، يلحظ ومنذ مدة ليست بوجيزة  تململ الشارع الفلسطيني وازدياد نقمته على ما آلت اليه الامور من عدة زوايا كان اهمها ، اصطدام عجلة المفاوضات بثوابت الحل النهائي لدى الطرفين وتوقفها ، وتزايد الشعور بان ما حققته عملية التسوية حتى الان هو كل ما يمكن تحقيقه وليست خطوة علي طريقه ، وغيرها من الاسباب التي أصبحت معروفة من فرط ما تحدث فيها كتاب ، ومحللون ، وسياسيون ، منذ تفجر الانتفاضة ، التي لم تألوا قوات الاحتلال جهداُ في قمعها ، مستعرضة جزءاُ من ترسانتها العسكرية الثقيلة ، والمحرمة دولياُ ، امام الحجر الفلسطيني الذي ادخل الرعب في كيانهم ، وكشف التخبط والارتباك الذي يرزحون تحته منذ ما يزيد على الشهرين ، وهو ما حاولوا الخروج منه بإجتماعات طويلة لمجلس الوزراء المصغر ، الذي ما أن كان ينعقد حتى نرى في الايام التي تليه اجراءات ومحاولات جديدة ، لوأد الانتفاضة ، ففرضوا الحصار ، وقطعوا أوصال الوطن الى كنتونات صغيرة ، وزادوا كثافة نيرانهم ، وصواريخهم …… ولم ينسوا بالطبع لعبتهم المفضلة بانتقاء الشخصيات الاكثر فاعلية ونشاط ، واقتناصها غدراُ.
فلم يكن اغتيال محمود المدني ومن قبله حسين عبيات أحد قيادي حركة فتح ، ثم ابراهيم بني عودة ، ومن بعده شهداء رفح الاربعة " جمال عبد الرازق ، عوني ظهير ، نائل اللداوي ، اسامة ابو اللبن ، بجديدة على الايادي الصهيونية الملوثة بالدم … فتاريخهم حافل فيما يتعلق بملف الاغتيالات السياسية التى تحتاج لصفة لاتتوافر لأحد كما لدى اليهود " الغدر " لنجاحها .
واذا تصفحنا هذا الملف ، تطالعنا منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1/1/1965 سلسلة من الاغتيالات بدأوها بوائل الكبيسي ، معين بسيسو ، عصام السرطاوي ، ثم عملية الفردان الشهيرة في 1973 التي اقدمت خلالها فرقة خاصة من الموساد الاسرئيلي على اغتيال انشط قيادات فتح آنذاك " كمال ناصر ، كمال عدوان ، وابو يوسف النجار" ولعله ليس من قبيل المصادفة ان يكون ابرز مشاركي هذه العملية رئيس حكومة " إسرئيل " السابق ايهود باراك الشريك الامثل لعملية السلام كما كان يحلو للبعض أن يداعبه  .
ولم يغفل الملف عن تدوين الجريمة المفجعة التي ارتكبوها باغتيال غسان كنفاني وابنه شقيقته لميس التي لم تتجاوز العقد من عمرها ، بوضع عدة كيلوجرامات من مادة TNT  المتفجرة في سيارته.
وتتوالى الاسماء التي اغتالوها جسداً ليخلدوها في ذاكرة الايام ، كان منها ابو علي حسن سلامة ، خليل الوزير " ابو جهاد " ، ناجي العلي ، فتحي الشقاقي ، ابو اياد، ابو الهول ، ايو محمد ، احمد ابو بطيحان ، يحيى عياش ، عماد عقل ، والاخوين عوض الله … وما زالت صفحات الملف مثخنة بما تحتويه وما زال الملف مفتوحاً.
وما سياسة الاغتيال المنتهجة مؤخراً الا استمراراً للماضي التليد لاسرئيل في هذا المضمار وما تهديداتها باغتيال شخصيات وقيادات أخرى الا أسماء جديدة تضيفها الى أجندتها الجاهزة دوماً للاضافات .
ولعله يتبادر إلى ذهن البعض أن يتساءل عن سبب هذه الانتقائية في اختيار الشخصيات المستهدفة فيما لا يتورع جيش الاحتلال عن قتل العشرات يومياً وبلا تمييز؟ …ولا يكمن الجواب فقط في فهم العدو لأهمية هذه الشخصيات في شحذ الهمم والتخطيط والتوجيه ، الذي يحافظ على استمرارية الانتفاضة ، وانما لادراكها واستشرافها لدور هذه الشخصيات كعامل مسرع في تغيير مجرى التاريخ، ولكن ليس لصالحها هذه المرة بالطبع .
وهو ما يدفعها  بقوة ممتزجة بالحقد على هذه القيادات ، التي لا تسلم بالطاعة لها إلى التخلص منها بالاغتيال .
فهل نتوقع في الأيام التالية سقوط المزيد من الأسماء المدرجة على صفحات الأجندة السوداء لقوات الاحتلال ؟ وعلى من سيكون الدور غداً ؟ وما هي العدة التي أعددناها للحيلولة دون ذلك ؟
                                            

وسط جدل ساخن في أوساط المجتمع المدني الفلسطيني:
النساء الفلسطينيات يطالبن بحصة مضمونة (كوتا) في قانون الانتخابات

غزة- سامية الزبيدي
في خضم الجدل الدائر في الأوساط الفلسطينية النسوية منها والمجتمعية ، حول الانتخابات، التشريعية، والرئاسية القادمة، المتوقع تنظيمها في العشرين من كانون ثاني (يناير)القادم ، أجرت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بالتعاون مع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي ، استطلاعا للرأي العام للنساء الفلسطينيات حول موضوع السياسة والإصلاحات ، أظهر تأييد غالبية النساء لمبدأ تخصيص عدد من المقاعد للنساء (كوتا) في قانون جديد للانتخابات يقره المجلس التشريعي يكون بديلا عن قانون الانتخابات العامة الذي صدر عام 1995 ، وتم استنادا إليه تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة عام 1996.
لإلقاء الضوء على ماهية هذا الجدل الدائر منذ إعلان الرئيس ياسر عرفات موعد الانتخابات التشريعية ؟ ولمعرفة موقع النساء الفلسطينيات من هذه الانتخابات، أجرت "المجلة" التحقيق الآتي:

تغيير القانون

في إطار المحاولات الحثيثة، من قبل مؤسسات المجتمع المدني لتغيير قانون الانتخابات الفلسطيني المعمول به سابقا، الذي أقر الرئيس عرفات مجددا  أن الانتخابات المقبلة ستتم وفقا له، قدمت هذه المؤسسات مذكرة إلى رئيس المجلس التشريعي وأعضائه، حثتهم فيها على الإسراع في إقرار قانون انتخابي جديد، يتبنى "النظام الانتخابي المختلط" الذي يجمع بين التصويت الفردي والتمثيل النسبي بدلاً من نظام الأغلبية السابق (الدوائر)، كما تبنت المذكرة ما أطلقت عليه "التمييز الإيجابي" لصالح النساء، أي ضمان حصة للنساء (كوتا) في القانون الانتخابي الجديد.
 في الوقت نفسه ظهرت أصوات متناقضة حول  تخصيص (كوتا) للنساء ، فمن جهة هناك من يختلف حول نسبة هذه الـ(كوتا) ، هل ستكون 20% أم 30% كحد أدني، وهناك من  يرفض  مبدأ الـ(كوتا) أصلا.

نظرة عامة

ومساهمة منه في إلقاء الضوء حول هذا التناقض، يقول محسن أبو رمضان، أحد أبرز الناشطين في العمل الأهلي في قطاع غزة، أن هناك اتجاهين على الأقل في الساحة الفلسطينية ، الأول: يرى اعتماد نظام الـ(كوتا) ضمن القانون الانتخابي، الذي يضمن نسبة معينة للنساء في السلطة التشريعية من 20% إلى 30% ، والثاني يرفض الـ(كوتا)، ويرى في إقناع الأحزاب السياسية الفلسطينية باعتماد (كوتا جندرية ) ضمن قوائمها الانتخابية سبيلا ديمقراطياً أسلم.
ودافع أبو رمضان عن الاتجاه الأول الذي يتبناه قائلاً: أنه "لا يمكن الحديث عن تنمية أو تقدم في المجتمع الفلسطيني من دون مشاركة المرأة"، وهو ما يراه أبو رمضان صعب التحقيق في ظل موروث ثقافي مارس تمييزا سلبيا ضد المرأة ، وهضم حقوقها على مدى قرون، ما يتطلب تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة الفلسطينية لفترة من الزمن تعمل على منحها فرصة لإثبات جدارتها، عن طريق إقرار مبدأ الـ"كوتا" الجندرية في القانون، وفي القوائم الحزبية .
"كوتات داخل كوتا"
وهو ما رفضته عندليب عدوان مديرة برنامج الاتصال والإعلام في مركز شؤون المرأة في قطاع غزة، إلا في حال تم اعتماده لدورة انتخابية واحدة، موضحة أن ذلك كفيلاً بإعطاء الفرصة للمرأة الفلسطينية للعمل على تحسين وضعيتها، واثبات كفاءتها  وقدرتها على خدمة قضايا شعبها مثلها مثل الرجل تماما، ما يمكنها من النجاح في الدورة الانتخابية التي تليها من دون الـ"كوتا" .
وأرجعت عدوان أسباب رفضها لهذه الحصة الى أنها ستحدث تراخياً في الحركة النسوية حسب وجهة نظرها، قائلة "أن نشاط أقطاب الحركات النسوية سيخبو، لإثبات قدرة المرأة على المنافسة الحرة في ظل وجود (كوتا) مضمونة".
وأضافت قائلة : أن نظام الـ(كوتا) سيكون انعكاساً واضحاً للتركيبة الاقتصادية والعشائرية والسياسية للمجتمع ، أي أن من سيتم انتخابهن هن نساء مدعومات مالياً أو عشائرياً أو حزبياً وهو ما يتم من دون (كوتا)، في حين أن الـ"كوتا" ستعطي فرصة أكبر لذلك"، معتبرة أن الأمر سيكون في النهاية "كوتات داخل كوتا" يحصل الفصيل الأكبر على معظمها.

مسؤولية حزبية

واعتبرت عدوان أن مسؤولية تشجيع النساء على خوض معترك الحياة السياسية تقع  بالدرجة الأولى على كاهل الأحزاب السياسية ومن ثم القانون.
 ورأت في الـ(كوتا الجندرية) بنسبة لا تقل عن 30% تتضمنها القوائم الانتخابية للأحزاب حلاً مثالياً، يضمن مشاركة النساء والرجال، مشيرة إلى أن قانون الانتخابات الفلسطيني الحالي لا يمنع مشاركة النساء السياسية، بل يعطيها الحق بالتساوي مع الرجل في الترشيح والترشح.
واستدركت قائلة أن القانون يتيح للعشائرية أن تلعب دوراً أكبر، لكن هذا العيب في القانون يأتي ضد المرشحين سواء كانوا رجالا أو نساءً ، فمن المعروف أن أبناء العائلات الكبيرة يجدون طريقا إلى مواقع صنع القرار ليس على أساس كفاءتهم أو نشاطاتهم و إنما على أساس انتماءاتهم العائلية والقبلية.

المرأة ونظم الانتخاب

وهو الأمر الذي استند إليه الحقوقي والناشط في مجال حقوق الإنسان وقضايا المرأة كارم نشوان ، في ضرورة تمييز المرأة في القانون الانتخابي، مفندا الأنظمة الانتخابية الثلاثة المعمول بها في العالم ،وما تقدمه للمرأة  المرشحة.
وتحدث في البداية عن نظام الأغلبية المعمول به في الأراضي الفلسطينية حتى الآن والمتوقع إجراء الانتخابات وفقا له إذا لم يتم استبداله ، الذي يؤسس لسلطة الحزب الواحد، ويعزز النعرات العشائرية والمناطقية والجهوية ، وفي هذا النظام يكون من الصعوبة بمكان حسب نشوان توفير فرص النجاح أمام المرأة ، أو أن تدفع بعض العائلات أو المناطق بنساء لتمثيلها، خاصة وأن المجتمع الفلسطيني ما يزال يثق ويفضل قيادة الذكور للمناصب العليا وليس النساء.
أما نظام التمثيل النسبي فيوضح نشوان أن هذا النظام يعتمد على إجراء الانتخابات بين الأحزاب فقط ولا يسمح للمستقلين بالمشاركة، يحصل فيها كل حزب على مقاعد في المجلس بما يتناسب مع حجم الأصوات التي حصل عليها من الناخبين.
وحول مكانة المرأة في هذا النظام يقول: أن المرأة تكون في هذا النظام مرهونة بسياسات الحزب وبمدى جديته بوضع نساء ضمن قوائمه الانتخابية ، وهو الأمر المستبعد حدوثه في منطقتنا، لأن فرص الحصول على المقعد من خلال الرجل المرشح أكبر من فرص المرأة المرشحة.
ويشير نشوان إلى ذلك ، بمراجعة قوائم التنظيمات الفلسطينية التي شاركت في الانتخابات التشريعية السابقة ، حيث كانت نسبة تمثيل المرأة في القوائم المشاركة في حدها الأدنى لدى حركة "فتح" 5% وفي حدها الأقصى لدى حركة "فدا" 18%.
الأمر الذي يؤكد أن دفع الأحزاب للنساء لصنع القرار لا يجسد مفهوما مختلفا جذريا عن المفهوم المجتمعي.
أما في النظام الانتخابي الثالث (النظام المختلط) ، فيوضح نشوان أن هذا النظام يعتمد على جانبين، الأول : يتم فيه انتخاب نصف المقاعد من خلال نظام الأغلبية والدوائر، والثاني: يتم فيه انتخاب النصف الثاني لمقاعد المجلس التشريعي من خلال نظام التمثيل النسبي.
ويخضع هذا النظام بالنسبة إلى وضعية المرأة للاعتبارات المذكورة في كلٍ من نظام الأغلبية الذي لا يعطيها فرصة المنافسة ، والتمثيل النسبي الذي يرهنها بجدية الأحزاب على إعطاءها  فرصة الترشح.

نعم للتمييز الإيجابي

ويخلص نشوان من خلال هذا العرض ، إلى رأيٍ يناقض عدوان فيه ، في تأييده الكامل لمبدأ الـ(كوتا)، التي يعتبرها تمييزاً إيجابياً ضروريا لإنصاف المرأة و إعادة حقوقها السياسية المسلوبة منها.
وتتفق مع نشوان نادية أبو نحلة مديرة طاقم شؤون المرأة في غزة ، وأبرز المطالبات والمدافعات عن الـ(كوتا)، في ضرورة إقرارها ضمن قانون انتخابات يأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع الذكوري السلطوي، الذي يهمش النساء، ما يستدعي دعماً قانونياً للنساء ، بإعطائهن (كوتا) وتقليل سن المرشحة لعضوية المجلس التشريعي والرئاسة.

لا تعارض مع الديمقراطية

ونفت خديجة الحباشنة أبو علي أن تكون الـ(كوتا)تتعارض مع الديمقراطية، وأن تكون نظام تعيين، كما يستند بعض المناهضين لها على ذلك، مؤكدة أن ميزة الـ(كوتا) أن النساء لا تتنافس مع الرجال في ظروف غير عادلة وغير متوازنة، حيث يملك الرجال كل عوامل النفوذ المالي والعشائري والسياسي غير المتوفرة لدى المرأة ، ونحن لا نستطيع أن ننتظر آلاف السنين لتعديل وتصحيح مسار المجتمع في عصر التطورات المتسارعة .
ولفتت إلى أن العدد القليل من النساء اللواتي يمكن أن يصلن إلى مواقع صنع القرار تبعا لقاعدة التطور الطبيعي، لن يساعد في دمج الرؤية النسائية، لان هؤلاء النساء غالبا ما يتنازلن عن نظرتهن لصالح النظرة السائدة لكي يتمكن من النجاح والوصول إلى مواقع صنع القرار.
 وتستطرد أبوعلي أنهن كثيرا ما يسقطن في النظرة الأبوية.
وأضافت أن نظام المقاعد المخصصة للمرأة تفتح المجال أمام مشاركة واسعة للترشيح من قبل ممثلات الحركة النسوية وتتيح أمام المجتمع أن ينتخب من بينهن الأفضل، موضحة أن مشاركة المرأة في البرلمان ستصبح حقيقة واقعة وليست مجرد نموذج فردي أو عينة تبدو كأنها ظاهرة نادرة أي أنها محصورة في النخبة.
وترد أبو علي على مخاوف بعض المعارضين لنظام الـ(كوتا) من أن تستغل جهات متنفذة مبدأ الـ(كوتا) لإنجاح نساء غير قديرات أو مؤهلات للقيادة والعمل السياسي قائلة : "أن الجهات المتنفذة قادرة على ذلك من دون مبدأ الـ(كوتا) أيضاً".
وفي هذا السياق تستنكر أبو نحلة الحديث عن كفاءة وقدرة المرأة عندما تنتخب أو ترشح، فيما لا يتم الحديث عن كفاءة وقدرة الرجل .

الـ(كوتا) غير دستورية

من جانبه، أكد عبد الكريم أبو صلاح رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي أن مبدأ الـ(كوتا) سيحد من نصيب المرأة وحقها المطلق في المشاركة السياسية جنباً إلى جنب مع الرجل، مضيفا أنه في محال تضمن قانون الانتخابات (كوتا) نسوية ، فإنها ستصبح مادة غير دستورية ، حيث تقول المادة (9) من القانون الأساسي (الدستور الفلسطيني المؤقت): "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".
وشدد أبو صلاح على رفضه لهذا المبدأ ، معللا ذلك بأن باقي فئات المجتمع الفلسطيني ستطالب بتخصيص مقاعد لها في البرلمان شأنها في ذلك النساء مثل : المعاقين، والعمال، وغيرهم.
وفي ذات السياق، يخالف الحقوقي نشوان رأي أبو صلاح، قائلا: أن "الدستور يمنع التمييز السلبي ، الذي تحظره الاتفاقات الدولية ، الذي يستهدف التفرقة أو الاستبعاد لمشاركة المرأة، كما جاء في اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي طالبت الدول باتخاذ إجراءات مؤقتة تعجل من تحقيق المساواة ومن ضمنها التمييز الإيجابي المؤقت.
وأضاف نشوان أن مساواة مشروع القانون الأساسي وقانون الانتخابات بين الرجل والمرأة في حق الترشح ، هي مساواة شكلية في ظل الثقافة الرافضة لمشاركة المرأة في صنع القرار وتفضيل الرجال على النساء عند صناديق الاقتراع.
واتفقت أبو نحلة مع نشوان قائلة : أن القانون يجب أن ينسجم مع الواقع وأن يراعي التمييز السلبي الذي تعاني منه المرأة، مشيرة إلى أن الحركة النسوية تعمل على أن تصبح الـ(كوتا) مادة قانونية بالضغط على صناع القرار في المجلس التشريعي.

جهود مكثفة

وفي الإطار نفسه تقول إيمان شنن منسقة مشروع الانتخابات الخاص بشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (تجمع طوعي تنسيقي يتألف من نحو 90 منظمة أهلية) أن مشروع التوعية بالانتخابات والرقابة عليها الذي تعمل عليه يهدف إلى إثارة وعي الجمهور الفلسطيني بالانتخابات سواء على صعيد المجالس المحلية والبلدية، أو الرئاسية والتشريعية.
وأضافت أن المشروع يتضمن دراسة قانون الانتخابات الفلسطيني، والضغط اتجاه تعديله ليتوافق مع تطلعات وآمال المجتمع المدني الفلسطيني، مؤكدة أن ضمان مشاركة المرأة في الانتخابات يقع ضمن أولويات المشروع.
وقالت شنن أن الشبكة تعمل على الوصول إلى الفئات المهمشة في المجتمع مثل النساء وإثارة الوعي لديهن بضرورة تفعيل مشاركتهن في الانتخابات .
وتؤكد شنن من خلال لقاءاتها المباشرة مع النساء في المناطق المختلفة بأن هناك وعي عالي لديهن، وأنهن يؤيدون مشاركة النساء في صنع القرار ، يرغبن في رؤية امرأة تمثل مصالحهن بشكل حقيقي.
يذكر أن الشبكة ليست الجهة الوحيدة التي تعمل على إعداد الجماهير للانتخابات ، بل تكاد لا تجد مؤسسة أهلية أو حكومية واحدة تخلو من مشروع أو مشاريع تتعلق بالانتخابات.

تمويل أجنبي

وحول هذا الكم من المشاريع الخاصة بالانتخابات الممولة من الخارج، تقول د.هديل القزاز الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة والتنمية ، في مقالة لها بعنوان "الدعم الأجنبي لمشاريع المشاركة السياسية للمرأة " نشر في العدد الأخير من مجلة "الغيداء" الصادرة عن مركز شؤون المرأة ،أن " التمويل الأجنبي بشكل عام زاد من هشاشة بنى المجتمع وعدم قدرتها على الاعتماد على الذات...وزاد من خصوصية المؤسسات النسوية أنها تتعامل مع قضايا مجتمعية ذات حساسية عالية وعادة ما يستسهل الناقدون الادعاء بأن الطروحات التي تتعلق بالمساواة وتفعيل دور النساء في المجتمع هي أفكار أجنبية ودخيلة على عادات المجتمع وتقاليده" .
كما أن اعتماد هذه المؤسسات على التمويل الأجنبي ساهم في ابتعادها بشكل تدريجي عن قواعدها الجماهيرية، وهو ما توضحه د.القزاز قائلة : أنه عندما يكون المشروع له علاقة بالمشاركة السياسية يبدو التناقض واضحا بين الواقع والاحتياج، فالمؤسسات النسوية لم تطور آليات تعامل مع قواعدها الجماهيرية، وإنما تعاملت مع الدعم الموجه لمشاريع الانتخابات ودعم المشاركة السياسية على أنها “مجرد مشروع” يستفيد منه موظفوه والقائمون عليه في المؤسسة وعدد قليل من الفئة المستهدفة، ما خلق فجوة بين هذه البرامج والمشاريع وبين الفئة المستهدفة" .
وتساءلت د. القزاز "لماذا بقيت مفاهيم المشاركة السياسية والديمقراطية والتعددية السياسية وحتى النوع الاجتماعي بعيدة عن وعي المرأة العادية والأمية" ، موضحة أن "المشاركة السياسية الحقيقية تتمثل بأشكال مختلفة ولا تقتصر على صناديق الاقتراع ولا على النمط الإجرائي من ممارسة الديمقراطية، فهي أيضا مشاركة في التخطيط والتنفيذ ، واتخاذ القرار بدءً من البيت مرورا بجميع مناحي الحياة".
تجربة رائدة
من ناحية ثانية، قيمت جميلة صيدم النائبة في المجلس التشريعي، تجربتها في العمل البرلماني ، قائلة أنها " كانت تجربة جيدة وفاعلة ، تميزت بانسجام كبير بين النواب والنائبات ، في مناقشة جميع القوانين والقرارات الصادرة عن المجلس"، مشيرة إلى قلة قليلة كانت حادة في فرض رأيها عليهن كنائبات، ممن تسيطر عليهم العقلية الذكورية التقليدية.
وأكدت صيدم أنها وزميلاتها سعين دائماً إلى إثبات حضورهن وقدرتهن على العطاء، هادفات أن يكّن نموذجاً يشجع المرأة الفلسطينية على ترشيح نفسها في الانتخابات القادمة.
وعللت صيدم العدد الضئيل الذي وصل إلى المجلس التشريعي من النساء (خمسة نساء) بأنها كانت التجربة الانتخابية الأولى على الأرض الفلسطينية، إضافة إلى تردد وخوف كثير من النساء من الفشل في ظل الأصولية المنتشرة في المجتمع ، والتي ترفض اضطلاع النساء بمواقع صنع القرار.
يذكر أن عدد النساء المرشحات للانتخابات السابقة بلغ (25) امرأة من أصل (672) مرشح، تمكنت (5) نساء فقط من الفوز من أصل (88) عضو، (3) منهن كانت من قوائم حركة "فتح" وهو ما يعكس تدني مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية.
وفيما يتعلق بمبدأ الـ(كوتا) ، رفضت صيدم هذا التسليم بالقرار للرجل، الذي ما يزال يسيطر على مواقع صنع القرار، بمطالبته بمنح النساء حصة محددة (كوتا)، مؤكدة أنه من المستبعد في حال وافقوا على كوتا للنساء أن تزيد نسبتها عن 10%".
واستذكرت أن المرأة الفلسطينية في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني لم تقفز نسبة مشاركتها عن 8% طوال عقود الشتات الفلسطيني، قفزت إلى 10% في دورته الأخيرة ، متساءلة : إذا لم نستطع أن نحقق النسبة المطلوبة 20-30% طوال ثلاثون عاما، فهل سيعطوننا إياها الآن بهذه السهولة؟؟".
وطالبت المنظمات النسوية بالاتجاه إلى الأحزاب، التي همشت المرأة وأبقتها زينة للصفوف وليس للمشاركة ، والضغط عليها ، لتضمين قوائمها الحزبية مرشحات من النساء.
فيما رفضت صيدم تأكيد نيتها في إعادة ترشيح نفسها، قائلة: أنها تشعر أن لديها طاقة للاستمرار في العطاء ، إلا أنها لم تحسم رأيها بعد ، وأن قرارها مرتبط بالظروف التي ستتم فيها الانتخابات.
النساء والأحزاب
قال نشوان أن نجاح 3 نساء من أصل 25 مرشحة ، يؤكد أن هناك  فرص للنجاح في الوصول إلى البرلمان أمام النساء إذا كن مرشحات من خلال حزب، داعيا الأحزاب والنساء معا للعمل على دعم وتمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار.
فيما حملت عدوان الحركة النسوية الفلسطينية مسؤولية فشلها في إقناع الأحزاب السياسية لتضمين نساء في مواقع قيادية داخل الحزب يرشحن ضمن قوائمها، معتبرة أن هذه التجربة نموذجا يشجع النساء الفلسطينيات على إعادة انتخاب نساء بعدد أكبر في الانتخابات القادمة .
وتوقعت أبو نحلة أنه إذا لم يتم تغيير قانون الانتخابات سيكون مستقبل الانتخابات القادمة سيئ للغاية، وستكون فرص النساء داخل المجلس التشريعي أقل من 5 مقاعد، في ظل ازدياد القوى اليمنية قوة داخل المجتمع الفلسطيني خلال الانتفاضة،  مشددة على أن تغيير القانون يأتي في المرتبة الأولى لدعم المشاركة السياسية للمرأة ، فيما تأتي الأحزاب في المرتبة الثانية".
من جانبها، بدت أبو علي متفائلة أكثر في زيادة تمثيل المرأة في الانتخابات القادمة، مشترطة ذلك بالعمل على تنظيم حملة واسعة لدعم النساء المرشحات.
واستندت أبو علي في تفاؤلها على نتائج استطلاع قام به المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي في بداية عام 2001، أظهرت أن 63% من النساء يؤيدن مشاركة أكبر للنساء في المجالس البلدية، و66% يؤيدن مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية، و71% يؤيدن حق المرأة بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ولتحقيق مشاركة فعلية أوسع للنساء، دعا أبو رمضان الأطر النسوية للتشبيك والتحالف مع قوى مؤمنة بمشاركة المرأة في الحياة العامة ، وتشكيل حملات للضغط على نواب المجلس التشريعي، وقياديي الأحزاب ، لإقرار مبدأ الـ(كوتا) للنساء.
إلى هنا، يبقى الجدل مستمرا، هل ستجمع النساء حول (كوتا) قانونية ، أم كوتا حزبية، أم حملات انتخابية نسوية قوية، وهل سيستجيب أصحاب القرار لهذه المطالب، في ظل انتخابات لم يتبقى لها سوى عشرات الأيام، وهل ستجري هذه الانتخابات في موعدها المضروب فيما لا نستطيع أن نلمس أي تحضيرات حقيقية لها على الأرض، سوى تشكيل الرئيس عرفات للجنة مركزية للانتخابات برئاسة د.حنا ناصر رئيس جامعة بيزريت، في الضفة الغربية.
وفي الوقت نفسه، نستمع لـ"تسريبات" لبعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية تفيد أن جدلا يدور في أروقة مبنى المقاطعة القابع به الرئيس عرفات في رام الله ، حول إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المتوقعة في 28 من كانون ثاني (يناير) القادم، انتظارا لنتائجها.
وهل سيشكل هذا التأجيل فرصة لتهيئة مناخ مشجع أكثر لمشاركة المرأة ؟ سؤال ستجيب عنه الانتخابات القادمة.

 -----------------------------------

بعد رفض التشريعي إقرار "كوتا" للمرأة في قانون الانتخابات التشريعية



هل ستخصص الأحزاب "الديموقراطية" "حصة" ملحوظة للمرأة في قوائمها الانتخابية؟؟؟

سامية الزبيدي


يكثر اللغط والحديث في أوساطنا الفلسطينية، حول دور المرأة، مكانتها، تفعيل طاقاتها، دعم مشاركتها، في كل مناحي الحياة، السياسية، والاجتماعية، والثقافية، وبين معارضٍ وداعم، وبين غير مهتم، وغير مبال، لا تزال المرأة ترزح تحت أنواع متباينة من الظلم والقهر والتهميش على الصعد كافة.

ومنذ بدأت موضة الانتخابات، التي تتجاهلها السلطة منذ سنين طويلة بذرائع مختلفة، ضاربة بعرض الحائط أماني وتطلعات و إرادة الشعب الفلسطيني، إلا أن اجتياح "موضة" الانتخابات- المدعومة من أميركا وإسرائيل أولاً، ومن الاتحاد الأوروبي، واللجنة الرباعية ثانياً، لأهداف معلنة وغير معلنة ومختلفة لكل منها،- دول العالم الثالث، خصوصاً العراق، وفلسطين، جدد من عزيمة ونشاط الفلسطينيين، الذين ما فتئوا يطالبون منذ انتهت ولاية المجلس التشريعي منذ خمسة أعوام، بإجراء الانتخابات التشريعية، لمحاسبة (معاقبة) أعضاءه، أو تجديد الثقة فيهم، على ما فعلوه بالأمانة، التي حملّوها منذ العام 1996.

جدد من عزيمتهم، ومن وسائل ضغطهم، وأشكال نضالهم، فمن حملات التوعية والإرشاد، إلى الضغط والتعبئة والتحشيد، لحصد الثمرة تلو الثمرة.

فبعد أن نجح الفلسطينيون بضغوط خارجية، في انتزاع قرار السلطة الحاكمة بإجراء الانتخابات المحلية على مراحل ثلاث، والانتخابات التشريعية خلال الشهور القادمة، سعوا الى تغيير وتحديث النظام الانتخابي المعمول به في الأراضي الفلسطينية، الذي يعتمد نظام الأغلبية الذي يهضم حقوق نسبة كبير من شعبنا، فقط لأنه حصل على نصف الأصوات، زائد واحد، وهو ما يعني حرمان قوى وأحزاب سياسية ومجتمعية موجودة وفاعلة من تمثيل نفسها في صنع القرار الفلسطيني، فيما تتفرد جهة واحدة فقط فيه.

وبعد نقاش ساخن، وطويل، بين قوى المجتمع وأحزابه، على كل الصعد، طالبوا باعتماد النظام المختلط مناصفة بين الدوائر والتمثيل النسبي، مع ضمان تمثيل المرأة، عبر اعتماد التمييز الإيجابي "كوتا" اتجاهها، إلا أن أعضاء المجلس التشريعي، الساعين في معظمهم إلى الحفاظ على مقاعدهم، ومصالحهم الشخصية الضيقة، وقفوا في وجه تطلعات ورغبات المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية الفاعلة، وخفضوا نسبة التمثيل النسبي، كما رفضوا مبدأ التمييز الإيجابي لصالح النساء.

وهو ما دفع الحركة النسوية، مدعومة من مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية المؤيدة، إلى تنظيم حملة وطنية لدعم حق النساء في ضمان حصة في التشريعي، وعلى رغم فعالية الحملة، إلا أن إصرار التشريعي على التنكر لهذا الحق، فرض على الحركة النسوية والحزبية البحث عن بدائل تدعم وصول النساء على مواقع صنع القرار، الذي يعتبر المجلس التشريعي أهمها.

"الغيداء" بحثت أسوة بالحركة النسوية، وتساءلت عن دور الأحزاب السياسية التي تدعي مناصرة حقوق النساء، والديموقراطية، والشراكة، وغيرها من المفاهيم التقدمية الحضارية؟، ما الذي ستقدمه للمرأة لضمان وصولها إلى التشريعي؟ وهل نتوقع أن يخصصوا كوتا للنساء في قوائمهم في حال بقي التشريعي على موقفه؟ وكيف السبيل لضمان تمثيل أفضل للنساء في تجربة الشعب الفلسطيني الثانية في انتخاب ممثليهم وممثلاتهم؟.

واقتصرت "الغيداء" تحقيقها، على الأحزاب الديموقراطية، واليسارية بالخصوص، نظراً لأنها الأكثر وضوحاً وإصراراً على مشاركة المرأة في الحياة العامة.

شعارات

حركة التحرير الوطني "فتح"، الحركة العلمانية، والعمود الفقري للسلطة الفلسطينية، وللمجلس التشريعي، ولمنظمة التحرير الفلسطينية، التي قالت في إعلان الاستقلال في حينه عن المرأة أنها "حامية دارنا وحارسة بقائنا"، تنفي أن يكون هذا الدعم والحديث الذي تقدمه الحركة مجرد شعارات.

ويؤكد (...............) أحمد نصر، ان "النظام الأساسي للحركة لم يميز بالنص القانوني بين المرأة والرجل، ووجه خطابه إلى الأخوات والأخوة من المناضلين والمناضلات، اللواتي حملن البندقية، وقدن الثورة، وكن سنداً خلفياً للثوار، ومقاتلات واستشهاديات في الوقت ذاته، وعلى رأسهن دلال المغربي، التي قادت عملية في غاية التعقيد، والتخطيط، والأخت أم جهاد (انتصار الوزير) التي أدارت شؤون الحركة إبان اعتقال زوجها وأبو عمار، وكل قيادة "فتح" أنذاك في سوريا"، مشيراً الى ان "المرأة لها تاريخ طويل في هذه الحركة، ولدينا امرأة في اللجنة المركزية العليا، ومجموعة من الأخوات في المجلس الثوري، ونسبة عالية في المؤتمر الحركي العام، وهي نسب غير موجودة في الصفوف الأولى في الفصائل الفلسطينية كافة، وحتى في الأحزاب العربية، اليسارية واليمينية منها وحتى الليبرالية.

وأوضح أن الحركة سعت عبر آليات محددة إلى تشجيع وتمكين النساء من الترقي في الهيكل التنظيمي للحركة، للوصول إلى مواقع صنع القرار، وقال: "عندما عقدنا المؤتمرات المناطقية، وسعنا شروط العضوية فيما يتعلق بالمرأة (مثل درجة التعليم)، وأعطيناها مساحة واسعة أكثر من الرجل لافساح المجال أمامها لدخول المؤتمر وإحراز نجاح فيه، إضافة الى أن الحركة حضت أعضاءها على اختيار نساء في قيادات المناطق، وساعدت على إيصالهن عبر بتزكيتهن".

"فتح" فشلت

وأكد نصر ان فشل الحركة في إيصال عدد أكبر من النساء لمواقع صنع القرار، في الوقت الذي تسيطر فيه فتح على مقاليد الحل والربط في السلطة والتشريعي والحياة العامة، الى أن عدم الالتزام بالنظام الداخلي للحركة، والتمزق الحاصل في أوصالها نتيجة للصراعات الشخصية والفئوية والمناطقية.

ورداً على سؤال لـ"الغيداء" حول حجم تمثيل النساء في قائمة "فتح" للانتخابات التشريعية، قال نصر انه "لم يتم بحث هذا الموضوع بعد"، وأن "الحركة ملزمة بترشيح نساء، وإلا ستكون حزب قاصر عن التعاطي مع نصف المجتمع".

وأضاف ان "القائمة ستحدد عبر الانتخابات، التي ستفرز النساء المرشحات"، مشدداًَ على أنه "يجب اعداد وتأهيل نساء وخلق فرص لهن للترقي".

وعلى صعيد إقرار الكوتا في قانون الانتخابات الفلسطيني، قال نصر ان "الحركة لديها توجه نحو إقرار الكوتا، إلا أننا لا نعلم ما هو القانون الذي سيقر بعد"، معتبراً قرار التشريعي إلغاء الكوتا، الذي تحتل "فتح" أغلبيته "موقف لا يمثل حركة فتح، ولا يتماشى مع مقرراتها في مؤتمرات المناطق والأقاليم، وهذا تراجع وتخلف ثقافي".

وأكد نصر ان "المجلس اذا لم يقر التمييز الإيجابي، فعليه أن يقر في القانون أن يكون هناك تمثيل للمرأة في القوائم الحزبية"، محذراً من ان "إبقاء الأبواب مقفلة أمام المرأة، يقتل طموحها وتطلعاتها".

وحول ما يتردد عن عدم وجود قيادات نسوية قادرة وكفؤة للترشح للتشريعي، قال نصر ان "الحركة لديها كفاءات نسوية تفوق في كثير من الأحيان الرجال، إلا أنهن مركونات في المستودع، حيث يضعهن التنظيم ولا يحاول اخراجهن منه".

ودعا نصر الحركة الى ايجاد "مدركة كادر يكون للمرأة دور فيها، يعزز من خلالها دورها، وقدراتها على اقتحام المعترك السياسي والتنظيمي، والمؤسساتي، والمجتمعي".

النظرية والتطبيق

من جانبه، يرى عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التنظيم الثاني في منظمة التحرير، والحزب اليساري، الديموقراطي، عماد أبو رحمة أن "المشكلة الأساسية في ازدواجية الأحزاب الديموقراطية فيما يتعلق بالمرأة ومشاركتها السياسية، يكمن في أن هناك حال من الانفصام بين البرامج النظرية والممارسة العملية، بين ما هو مطروح في البرامج، وفي ذهن القيادات الاولى لهذه الأحزاب، وما هو موجود في ذهن وممارسة قواعد التنظيمات"، مضيفاً أنه "لا نستطيع تجاهل حال التراجع والانحسار، الذي يعيشه أحزاب اليسار، وتحديداً في الأوساط الشعبية، في مقابل امتداد التيار الأصولي الديني، الأمر الذي انعكس سلباً على قضية المرأة، وعلى مجمل القضايا الاجتماعية، وهذا يتطلب مراجعة جدية من قبل قوى اليسار باتجاه اعتماد برامج فاعلة، تعيد الاعتبار لهذه العناوين، وبالذات موضوع تحرر ومشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة".

وحول قائمة الجبهة، وتمثيل النساء فيها، أكد أبو رحمة أن "القائمة لم تحدد حتى اللحظة، لأن هذا الأمر مرتبط بموعد عقد الانتخابات، ولكن ما نستطيع أن نؤكده أن المرأة ستحتل مكانة مهمة في القائمة"، مشيراً الى أن اختيار المرشحين في الجبهة يتم عبر "انتخابات داخلية يتبعها استفتاءات جماهيرية، تقيس جماهيرية المرشح، ومواصفات الكفاءة والجماهيرية لديه، على إثرها ستقف الهيئات المركزية القيادية في الجبهة لتحديد القائمة في شكلها النهائي".

وشدد أبو رحمة على أنه "لا يجب التعاطي مع المرأة بالمعايير ذاتها، التي تحكم اختيار المرشحين الرجال"، مؤكداً ان "الجبهة كانت ومازالت مع التمييز الإيجابي اتجاه المرأة، ودعمت من خلال الحملة الوطنية وغيرها من الفعاليات هذا الحق، ولعبت دوراً مميزاً في إقراره في حوارات القاهرة أولاً، التي شاركت فيها القوى الوطنية والإسلامية الفاعلة في الساحة الفلسطينية، وفي المجلس التشريعي ثانياً، الذي تنكر لإرادة شعبنا وقواه، ولما توصلت إليه هذه الحوارات من نتائج، نظراً لإصرار عدد كبير من أعضاءه على البحث عن مصالحهم الذاتية الأنانية".

قيادات شعبية

وأشار الى ان موقف الجبهة يأتي من "منطلق أن المجتمع الفلسطيني بعاداته وتقاليده وقيمه الاجتماعية لا يتيح للمرأة ذات الفرص والامكانات المتاحة أمام الرجل للتطور، وأخذ المكانة المناسبة في إطار المجتمع والمشاركة في الحياة السياسية والمجتمعية والثقافية العامة".

وحول ما يشاع عن عدم وجود قيادات نسوية كفؤة، للترشح للتشريعي، اعترف أبو رحمة ان "الأحزاب السياسية لم تخلق إلا القليل، القليل من القيادات النسوية الشعبية، علاوة على أن قسم مهم من الكفاءات المميزة، غادرت الأحزاب، خصوصاً اليسارية منها، لصالح العمل في المؤسسات الأهلية".

وعلى الصعيد نفسه، أشار عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين صالح زيدان إلى أن "الجبهة شاركت إلى جانب غيرها من القوى خصوصاً الديموقراطية منها، ومؤسسات المجتمع المدني، في الحملة من أجل حقوق المرأة وسن التشريعات واتخاذ الإجراءات، التي تكفل المساواة في الوضع القانوني سواء في إقرار قانون للأحوال الشخصية يضمن المساواة التامة للمرأة، وإنهاء التمييز ضدها، وكذلك العمل من أجل كفالة حد أدنى من التمثيل النسوي في انتخابات المجالس المحلية والمجلس التشريعي".

ورد الازدواجية الحاصلة لدى الأحزاب اليسارية خصوصاً، والديموقراطية عموماً، إزاء شعاراتها، وممارساتها الفعلية اتجاه مشاركة المرأة في الحياة العامة، إلى أنه "ناتج عن التناقض القائم بين الدور الهام، الذي لعبته الحركة النسوية في النضال الوطني، والذي عزز مكانتها في الحياة العامة، وبين التمييز السائد ضد المرأة في المجتمع بأشكاله المتعددة، والذي نجم عن ضعف دور المرأة في عملية صنع القرار السياسي".

وأكد زيدان على دعم الجبهة المستمر لمشاركة المرأة، قائلاً: "في انتخابات المجالس المحلية، خصوصاً في المرحلة الثانية، ضمت قوائم الجبهة تمثيلاً للمرأة في 7 مجالس بلدية شاركت بها الجبهة من أصل ثمانية بلديات، إضافة الى أن جهود الجبهة مع غيرها من القوى والمؤسسات الداعمة لحقوق المرأة متواصلة في حملة الضغط لإقرار قانون انتخابي جديد للمجلس التشريعي يتضمن التمييز الإيجابي لصالح المرأة من خلال كوتا للمرأة لا تقل عن 20 في المئة على أن تشمل هذه النسبة جميع المقاعد سواء التمثيل النسبي، أو الدوائر في حال إقرارها".

المعايير متساوية

وحول المعايير والآليات المتبعة في اختيار مرشحي الجبهة وقوائمها الانتخابية وحجم تواجد المرأة فيها، قال زيدان ان "المعايير المحددة تساوي بين الرجل والمرأة، وأن آلية الانتخابات التمهيدية لمرشحي الجبهة في القائمة النسبية في الانتخابات التشريعية، تتضمن رفيقة ضمن المواقع الثلاثة الأولى المرشحة من قبل الجبهة، على أن يكون تمثيل الرفيقات في الحد الأدنى منسجماً مع ما يقضي به قانون الانتخابات المعدل من كوتا المرأة، أما بالنسبة للدوائر، فقد ترك لقرار من القيادة المركزية لكلا إقليمي الجبهة في الضفة وغزة"، مؤكداً على حرص الجبهة على "تمثيل المرأة، وأنها قائمتها سوف تقسم وفق آلية انتخابية وبمشاركة جميع الأعضاء الحزبيين".

إذا، وبالنظر إلى مواقف الأحزاب "الأكثر تقدمية، وديموقراطية"، في الساحة الفلسطينية، تبدو إمكانية أن نشهد تحولاً جذرياً في حجم ونوع تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار عموماً، وفي المجلس التشريعي القادم خصوصاً، غير واردة في الحسبان؟ خاصة إذا كنا ننتظرها من هذه الأحزاب، التي ما فتأت تُنظر، وتؤطر، وتتذرع، وتشرح، كي تتملص من مسؤولياتها اتجاه بقاء المرأة في أدنى المواقع، قاصرة عن المشاركة في تحديد حاضرها، ومستقبلها، ومستقبل الأجيال القادمة.

-------------

تحت الحصار

الشعب الفلسطيني بكافة فصائله وتنظيماته في خندق واحد

سامية الزبيدي .غزة

شباب يروحون ويجيئون ، ملتحفين أسلحتهم وبنادقهم على أكتافهم اتقاءا بعضا من برودة شهر أبريل المترددة بين بقائها ورحيلها ،  يتحركون ثللا ثللا ، إذا ما نظرت إليهم وجدت أعين لم تذق طعم النوم منذ فترة طويلة تعاند شوقها للراحة وتجوب أزقة وشوارع المخيم الفلسطيني في رحلات مستمرة ، بين شماله، وجنوبه، غربه ، وشرقه، و شفاها تعلوها ابتسامة من يعرف طريقه فاطمئن الى نهايته ، وأصابع حذرة ثابتة طوال الوقت على أزندة البنادق ، وقلوب قد يملؤها الترقب والتوتر ، ولكن لا يعرف الخوف إليها سبيلا .
هذه هي حال بعضا من المقاتلين الفلسطينيين في ليلهم ونهارهم ، فيما يصحو من تبقى منهم كما ينام على أصوت البنادق الفلسطينية الهزيل أمام أصوات المدافع والرشاشات والصواريخ الإسرائيلية في مقارعة بطولية أزلية بين الكف والمخرز ، فمنذ بدأ الحصار الأخير على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي وصل إلى حد أن لم يعد يفصل بين جنود الاحتلال وبين الوصول إلى الرئيس الفلسطيني إلا جدران مكتبه، بعد اقتحام وتدمير القوات الإسرائيلية للمقرات الرئاسية في رام الله في التاسع والعشرون من الشهر الماضي ، تباسل الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وتنظيماته في صد هذه الهجمة الشرسة والمستمرة عليه وعلى رمزه المحاصر ، ولم يعد أحد يسمع في معركة الصمود والتحدي التي يخوضها الكف الفلسطيني الواحد ضد المخرز الإسرائيلي ، من يتحدث عن أمجاد شخصية أو حزبية لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك ، وأصبح المنبر فقط لصوت المقاومة فلا تكاد تميز  في المعركة ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم بين الشباب الفلسطيني المقاوم ، إلا بعدد الرصاص في بندقية كل منهم ، وفي قدرة أحدهم  دون الآخر على أداء المهمة المناطة به ، لتقديمه إلى الصف الأول في مقاومة المحتل.
للاطلاع على أهداف هذه الوحدة المتميزة بين الفصائل والتنظيمات الفلسطينية ، وأشكالها ، والعوائق التي تقف أمامه، وسبل تطويره والارتقاء به ، ولاستيضاح مدى صلابة هذه الوحدة ، وقدرتها على مواجهة التحديات القادمة ، المتمثلة في مجيء وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية " كولن باول " إلى المنطقة العربية ، وما سيتبعه من ضغوطات أمريكية على الجانب الفلسطيني ، لاعادة التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي ، وتنفيذ قرارات ما يسمى بوقف إطلاق النار ، وموقف التنظيمات الفلسطينية من هذه الضغوطات أجرينا التحقيق التالي :

خندق واحد

شنت الحكومة الإسرائيلية منذ بدأ انتفاضة الأقصى الحالية حربا شرسة تجاه الشعب الفلسطيني ، تشهد الفترة الحالية أعنف فصولها ، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني وقيادته ، لأشد أنواع الحصار والإرهاب المنظم ، من قتل، وهدم ،وتدمير ، وردا على هذه الهجمة الإسرائيلية كان لابد للفلسطينيين أن يجندو كل ما لديهم من قوة بشرية ومادية لمواجهة هذا العدوان ، وفي ظل الرجوح الواضح للكفة الإسرائيلية العسكرية لم يتبقى للفلسطينيين إلا أن يعتمدوا على سواعدهم العارية ، في هذا الإطار شدد عددا من المسؤولين في تنظيمات فلسطينية فاعلة داخل الوطن الفلسطيني المحتل على دور الوحدة الميدانية بين كافة التنظيمات والفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي  ، فيقول الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي عبد الله الشامي " أن إمكانيات الشعب الفلسطيني في مواجهته الاحتلال الإسرائيلي متواضعة بالمقارنة بما تملكه آلة إسرائيل العسكرية ، مما يحتم علينا العمل على توحيد كل الطاقات الفلسطينية في خندق واحد "
ويضيف الشامي قائلا "يقع على عاتق التنظيمات والفصائل الفلسطينية دورا رئيسيا في تمتين الجبهة الشعبية الداخلية ، فعندما يشعر الشعب الفلسطيني بوحدة واجتماع جميع فصائله على هدف واحد ، يشعر بالطمأنينة والأمن ، مما يحفزه على المضي في المقاومة ".
فيما يؤكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح زيدان أن أي محاولة لابراز التناقضات والصراعات الداخلية الفلسطينية لا تخدم سوى المخطط الإسرائيلي والأميركي لاضعاف الجبهة الفلسطينية الداخلية  مشددا على أن  " الوقت حان لوضع كل هذه التناقضات الثانوية جانبا ، وتركيز كل الجهود لإفشال الحرب الإسرائيلية وأهدافها السياسية المعلنة والتي تتمثل بمشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون التصفوي للشعب الفلسطيني وقيادته ، وبإيجاد قيادات فلسطينية بديلة تقبل بالمطالب والمخططات الإسرائيلية ، والعمل على افشالها عبر استمرار الإجماع الوطني حول المقاومة وضرورة تصعيدها ".
ويتفق عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ،وعضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية د. زكريا الأغا مع حديث كل من الشامي وزيدان ، مؤكدا في الوقت نفسه انه لم يعد أمام الشعب الفلسطيني في معركة التصدي والدفاع عن نفسه وقراه ومخيماته ومدنه الا التوحد ، وتركيز كل إمكانياته المتواضعة في مواجهة هذا العدوان الشرس قائلا " لا يستطيع أي فصيل فلسطيني وحده مواجهه هذه القوات الغازية ، وهناك ضرورات تحتم على الجميع الانخراط في بوتقة واحدة .

معوقات

وحول المعوقات التي وقفت سابقا ، ومن الممكن أن تعود لتقف مجددا دون استمرار هذا الوضع المتماسك للشارع الفلسطيني وتنظيماته ، يرى عضو قيادة حركة حماس في غزة  د. محمود الزهار أن الخلاف السابق عهده بين الحركة وغيرها من التنظيمات الفلسطينية مع السلطة الوطنية ينبع من رفض الحركة لاتفاقيات أوسلو وما تبعها من استحقاقات ، لم تعطى مقابلها الأرض الفلسطينية لأصحابها ، بالإضافة إلى الخلاف حول الوضع الداخلي للسلطة ، والذي لم يتسم بالشفافية والوضوح ، مشددا في الوقت نفسه على أن الشعب الفلسطيني بكافة فئاته عاد خلال الانتفاضة الحالية  ليتحدث عن برنامج المقاومة كوسيلة أخيرة لنيل استقلاله .
فيما يؤكد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة ، أن علاقة التنظيمات الوطنية والإسلامية  بالسلطة الفلسطينية لم ترتقي إلى مستوى الوحدة السياسية ، التي يراها المجدلاوي متمثلة في " قيادة السلطة لائتلاف وطني يضم كافة فصائل الشعب الفلسطيني في معركة الاستقلال ، ومواجهة العدوان الشامل الذي تشنه حكومة الإرهاب المنظم " إسرائيل " على الشعب الفلسطيني " .
واستدرك المجدلاوي قائلا أن " الصمود والمقاومة التي مثلها الرئيس عرفات في حصاره في رام الله ، دفع بكل التناقضات الفلسطينية الداخلية إلى الخلف ليصبح الشعب بكل تنظيماته جسما واحد في مقاومة الاحتلال ".

وحدة ميدانية متقدمة

في الوقت الذي تتعرض فيه العديد من المدن الفلسطينية لحملات من التوغل والقتل والإرهاب الغير مسبوق ، في رام الله ، ونابلس وجنين ، ورفح وخانيونس وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية ، و تقبع مدن ومخيمات أخرى تحت سيف الترقب والانتظار للهجمات الإسرائيلية عليها في قطاع غزة ، سعت لجنة المتابعة العليا في القطاع ، ولجنة القوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية ، لتطوير أدائها واستعداداتها لاطالة زمن الصمود والمقاومة الفلسطينية في حال اجتاحت قوات الاحتلال هذه المناطق ، وفي هذا الإطار يشير د.الزهار إلى " وجود تركيبة من اللجان تتواجد على الأرض الفلسطينية ، تعمل على ترميم أثار الاجتياح ، وتقديم المساعدات لأبناء الشعب الفلسطيني في مجالات عدة " .
وقال زيدان أن الشكل الرئيسي لهذه الوحدة الميدانية تمثل في تشكيل لجان الدفاع و لجان الطوارئ الفلسطينية في كل حي ومخيم ومدينة من المناطق الفلسطينية ، وعلى وجه خاص في قطاع غزة المتوقع اجتياحه في كل وقت .
ويؤكد الأغا على أن هذه اللجان شكلت بالتنسيق الكامل بين جميع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية ومؤسسات السلطة الرسمية ، لتشرف على تنظيم كل إمكانيات الشعب الفلسطيني في مقاومته للاجتياح ، فمنها ما يتعلق بالجانب العسكري ، ومنها ما يتعلق بالجانب الصحي ، والتمويني ، والخدماتي .
ويجري الآن في مخيمات ومدن قطاع غزة والضفة الغربية ، ترتيب أماكن بسيطة تحتوى على ما قد يتوفر من الإسعافات الأولية ، والمواد التموينية ، كما يجري وضع المتاريس والعقبات بأبسط الوسائل في الشوارع الفلسطينية لاعاقة تقدم قوات الاحتلال حال تنفيذها لعمليات مداهمة للمخيمات الفلسطينية .

مخاوف

ومن ناحية ثانية يقلل مسئولي عدد من التنظيمات الفلسطينية من دقة المخاوف التي أثيرت  بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن إيفادها وزير خارجيتها " كولن باول " إلى المنطقة العربية ، والتي تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ، أو الضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بعودة التنسيق الأمني بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، والذي سيترتب عليه قيام السلطة باعتقال فلسطينيين ، وتقييد لحركة عدد من التنظيمات الفلسطينية ، ترى فيها الولايات المتحدة وإسرائيل منبعا لما تسميه إرهابا ، وعلى رأسها كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح التي يقبع على رأسها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات شخصيا .
أكد الآغا أن السلطة الفلسطينية ليست لديها أي شئ تقدمه لباول أو لغيره قائلا " أن ظهورنا للحائط في مواجهة الهجمة الإسرائيلية الشرسة علينا ، ونحن لن نقبل بأي اتفاق لا يتضمن وقفا فوريا لعدوان إسرائيل على شعبنا الفلسطيني ، وانسحابا إسرائيليا من الأراضي الفلسطيني  إلى حدود خط الرابع من حزيران ، بالإضافة إلى إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، وهو الأمر الذي تنهج حكومة إسرائيل الحالية خطا معاكسا له ، لذا نرى أن احتمالات التوصل إلى أي اتفاق مع هذه الحكومة معدومة تماما ".
وشدد الآغا على أن فتح وباقي الفصائل الفلسطينية لن تقبل بوقف إطلاق للنار دون تقديم ضمانات أكيدة على أن لا يحاسب أحد عن مقاومته المشروعة للاحتلال ، بالإضافة إلى انسحاب إسرائيل من المناطق الفلسطينية ، وحل جميع القضايا المتعلقة الأخرى ، مشيرا إلى عدم قبول الشعب الفلسطيني للحلول الانتقالية التي تعطي العدو الإسرائيلي فرصة التقاط أنفاسه لمعاودة عدوانه على الفلسطينيين ، والى تزايد التوجه نحو المطالبة بحل نهائي للقضية "
وشارك المجدلاوي الآغا الرأي مستبعدا أن تلقى الضغوط  الأمريكية على السلطة الفلسطينية نجاحا  يذكر ، في حل القضية الفلسطينية، قائلا "أنه طالما ترفض الولايات المتحدة التسليم بأن الاحتلال هو جوهر الصراع في هذه المنطقة فان جميع اقتراحاتها ومحاولاتها لوقف التدهور في الوضع الفلسطيني ستظل عاجزة عن تحقيق السلام العادل أو التسوية المؤقتة على الأقل ".
واعتبر د. الزهار أن قبول السلطة الفلسطينية للعودة الى مربع أوسلو السابق ، و إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل أحد العوامل التي ستؤدي إلى تمزيق الشارع الفلسطيني ، متسائلا  "هل من المعقول أن يقبل  الشعب الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات الجسام ، والشارع العربي الذي خرج مناديا بإغلاق السفارات الإسرائيلية والأمريكية وطرد سفرائهم ، بعودة التعاون والتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي ".
ووصف الزهار أي محاولات للإدارة الأمريكية  لفرض هذا الجانب على السلطة الفلسطينية جريمة كبرى ترتكبها مجددا إزاء الشعب الفلسطيني .

المقاومة قرار ثابت

وأكدت التنظيمات الفلسطينية المختلفة الاتجاهات "للمجلة" أثناء حديثنا مع مسؤولين منها ، ما سبق وأكدته على أرض الواقع منذ بدأ الانتفاضة الحالية ، أن مقاومة المحتل هو خيار ثابت ومشروع ، بكافة أشكاله طالما بقى الاحتلال قائما .
واعتبر الشامي أن العمليات الاستشهادية كشكل من أشكال النضال ضد دولة الاحتلال  ليست هدفا لذاته ، وانما هي وسيلة للمقاومة في ظل الاختلال الشاسع لموازين القوى بين الجانبين .
وأكد أن حركة الجهاد الإسلامي لن تلجأ الى القيام بعمليات استشهادية في حال وجدت وسيلة أخرى للضغط على دولة الاحتلال " إسرائيل " .
فيما ترى حماس على لسان د. الزهار الذي قال " أن برنامج المقاومة مستمر بإرادة الشارع الفلسطيني كله ، وأن الحركة ماضية في القيام بدورها النضالي في المقاومة ما بقي الاحتلال قائما ".
فيما تعتبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن الكفاح المسلح ، كباقي أشكال النضال الفلسطيني المشروع كان عاملا أساسيا في تسليم إسرائيل نفسها وحليفتها الدائمة " أميركا " ، بأن هذه الحرب الشاملة والإجرامية التي يشنها شارون وحكومته ضد الشعب الفلسطيني لن تكسر إرادته  .
 ويؤكد المجدلاوي "أن هذه المقاومة الباسلة هي التي دفعت أمريكا لإرسال مبعوثها الجنرال أنتوني زيني ، ومن ثم وزير خارجيتها باول الى المنطقة ، كما أنها دفعت الجماهير العربية للخروج إلى شوارع العواصم العربية ، للتنديد بما يرتكب ضد الشعب الفلسطيني ، واشعار الولايات الأمريكية المتحدة أن مصالحها تتعرض للتهديد بشكل حقيقي في المنطقة العربية ".
ووافقت كل من الجبهة الديمقراطية ، وفتح آراء باقي التنظيمات الفلسطينية معتبرين أن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني هو المراهنة على طاقاته ، في مقاومة الاحتلال ، ويقول زيدان في هذا الصدد " أن مشكلتنا ليست في وقف إطلاق النار من عدمه بل في استمرار الاحتلال ، ومحاولاته فرض حلول سياسية لا تنسجم مع أدني حقوق الشعب الفلسطيني ، مما لا يترك للفلسطينيين سوى استمرار الانتفاضة وتعميق الوحدة الوطنية بين مختلف فئاته في معركته المستمرة لنيل حقوقه المغتصبة ".
هذا هو الحال الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد يوما بعد يوم ، عشرات الشهداء يسقطون كل يوم ، في رام الله ، و نابلس ،و جنين ، و رفح ، وخانيونس … وقائمة المدن والمخيمات الفلسطينية الباقية رصت علي صفحات الأجندة الإسرائيلية تباعا ،وفي انتظار ذلك يقف أبناء  فتح وحماس والجبهة والجهاد ومن سواهم جنبا الى جنب في معركة التحدي والصمود كما يسميها الفلسطينيون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي ، ولكل المتشككين في قدرة الكف على مواجهة المخرز ،لهم في مدينة جنين الفلسطينية ردا  حاسما ، ففي الوقت الذي لا تزال فيه آليات قوات الاحتلال تتدفق إليها ، بدباباتها ، ومروحياتها ، وجندها المدججين بأفتك أنواع الأسلحة ، لليوم الرابع على التوالي ، لا يستطيع جند الاحتلال التقدم  شبرا واحدا داخلها ، في ظل المقاومة الباسلة التي يقوم بها أبناء جنين الأبطال ، وحال الفلسطينيين ، كل الفلسطينيين يقول " أما حياة تسر الصديق وأما ممات يغيظ العدا " 

·       موضوع نشر في مجلة المجلة في شهر 4/2002 تقريبا لاني لم استلم المجلة ولكني ابلغت بنشره لان المجلة لا تصل لديها في غزة ، لكنت ارسلت لك النسخة المنشورة


 -----------------

بعد رحيل قائدهم ورمزهم ورئيسهم ياسر عرفات
هل يحتكم الفلسطينيون للقانون؟؟؟
"أبو مازن"، و"أبو علاء" المرشحان الأبرز لخلافة أبو عمار في قيادة الشعب الفلسطيني

غزة-سامية الزبيدي
أداء الفلسطينيون بعد رحيل القائد الفلسطيني ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، المتمثل في نقلهم مفاتيح الحكم، التي كانت جميعها في يد الرئيس عرفات إلى عدد من القيادات الفلسطينية بسلاسة، وسلام، سحب البساط من تحت أقدام كل المتربصين أو  المتوقعين لحال من الفوضى والانفلات والصراع على خلافة عرفات، وصلت إلى حد توقع الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية.
فهل حقا، تعلم الفلسطينيون درسهم جيدا، ونأؤوا بأنفسهم عن دخول حرب لن يكون غيرهم الخاسر فيها؟ وهل هم جادون حقا، في الاحتكام إلى دولة القانون، كما يدعون؟ أم أن ما حدث لم يتجاوز توزيع "التورته" بشكل حاولوا من خلاله إرضاء الجميع؟، محمود عباس "أبو مازن" رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفاروق القدومي "أبو اللطف" رئيسا لحركة "فتح"، وأحمد قريع "أبو علاء" على حاله رئيسا للحكومة، فيما يصبح روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي رئيسا مؤقتا للسلطة الفلسطينية بموجب أحكام الدستور.
رحل الرئيس عرفات، الذي قاد شعبه أكثر من 40عاما، ومثل عنوانا لفلسطين، كما مثلت فلسطين له عنوانا، رحل مخلفا وراءه صدمة وحزنا عميقا في قلب شعبه، وكل من أحبه، وحتى لدى من اختلف معه.
وعلى رغم ذلك، فإن للحديث عن خليفة لعرفات مشروعيته، فالمسيرة لم تنتهي بعد.. وعلى أحد ما أن يحمل الراية؟؟.
وعلى رغم ان الجميع متفق على ان أي رئيس فلسطيني قادم لن يكون له المكانة التي كانت لعرفات، نظرا لعدم امتلاك أي شخصية مرشحة الرمزية والشرعية التي امتلكها عرفات بجانب قدرته على جمع كل الخيوط بين يديه.
إلا انه وبموجب القانون الفلسطيني، رئيس المجلس التشريعي فتوح، حمل الراية مؤقتا، مدة 60 يوما حسب النظام الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت)، يتم خلالها الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية، ستعطي الشرعية لخليفة عرفات المنتظر.
فهل سيستمر الفلسطينيون في تطبيق القانون وبنوده، وهل ستجري الانتخابات في موعدها؟.
انتقالا سهلا..هل يستمر؟؟
المحلل السياسي الدكتور مخيمر أبو سعدة، يعتبر الترتيبات الفلسطينية، التي تمخضت عن توزيع المناصب التي كان يشغلها الرئيس على كل من "أبو مازن" و"أبو اللطف"، و"فتوح" مثلت "انتقالا سهلا وسلسا للسلطة في المؤسسات الفلسطينية كافة، منظمة التحرير، حركة "فتح"، السلطة"، إلا انه شكك في صمود هذه الترتيبات، متسائلا: "كم نستطيع ان نستمر في هذا الترتيب، سؤال أضع تحته علامات استفهام كثيرة؟ ستجيب عنها الأيام القادمة".
وحول أسباب ما حدث، يعتقد د. أبو سعدة أنها "رسالة موجهة إلى الإسرائيليين والأميركيين والعالم، أن الشعب الفلسطيني الذي كانوا يراهنوا على اقتتاله الداخلي، فوت الفرصة عليهم، بالاحتكام إلى القانون، وإعطائهم صورة إننا شعب ديمقراطي ونتمسك بالقوانين"، معتبرا الترتيبات الحاصلة "توليفة داخلية سياسية تضمن عدم حدوث صراع على السلطة داخل المناطق الفلسطينية".
ويعرب د. أبو سعدة عن "أمله ان تجري انتخابات رئاسية خلال 60يوما"، مستبعدا حدوث ذلك لأن "الوضع غير مناسب لإجرائها، فالضفة الغربية محتلة بالكامل، وقطاع غزة تسوده الفوضى والفلتان الأمني، ومن دون مساعدة المجتمع الدولي والضغط على إسرائيل، ومن ثم استجابة إسرائيل لهذه الضغوط، لن يكون بإمكان الفلسطينيين إجراء الانتخابات".
وتوقع ان "تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالضغط على إسرائيل بهذا الشأن، فهي كانت في السابق تعارض إجرائها، لأنها كانت تعلم انها ستؤدي إلى انتخاب عرفات مرة أخرى، وهو ما كانت تتحاشاه".
وعي واضح وتفهم للمسؤوليات
فيما، يرى الدكتور كمال الشرافي، عضو المجلس التشريعي، ووزير الصحة سابقا، ان "جميع المؤشرات التي بدأت في الظهور منذ ذهاب الرئيس للعلاج في باريس، ومن خلال لقاءات القوى والمؤسسات، تنبأ عن وعي واضح وتفهم للمسؤوليات الوطنية الجسيمة الملقاة على عاتقنا، ولضرورة الحفاظ على مكتسبات هذا الشعب، وإفشال توقعات أعداء شعبنا بالاقتتال الداخلي".
ويؤكد د. الشرافي ان "مستقبل الفلسطينيين مطمأن طالما سيحكمون عبر المؤسسة والقانون، وهذا لا يعني ان يمضي الأمر بالمسطرة والقلم، فسيكون هناك مشكلات، وعثرات، ولكن لن نصل إلى حد توقعات البعض بفوضى أو  حرب أهلية".
بدوره، يرى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ناصر الكفارنة ان خلافة الرئيس عرفات في حركة فتح هو شأن داخلي فتحاوي، أما موضوع منظمة التحرير فهو شأن يتعلق بالقوى والأحزاب السياسي الفلسطينية كافة، سواء المشاركة في المنظمة أو  التي خارجها حتى اللحظة، وهذا يستدعي إعادة تشكيل المنظمة بمختلف هيئاتها بدءاً من المجلس الوطني مرورا بالمركزي وانتهاءً باللجنة التنفيذية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب  الفلسطيني، بأكمله، وليس لجزء من هذا الشعب أو  لتنظيم يتفرد بها وكأنها مؤسسة حزبية خاصة به، أما فيما يتعلق بالسلطة، فيجب على السلطة ان تحترم القوانين التي شرعتها وأقرتها، والقانون ينص صراحة على ان يتولى رئيس المجلس التشريعي مسؤولية السلطة مدة 60 يوما، ومن ثم ينتخب الرئيس انتخابا حرا من الشعب".
انتخابات رئاسية ام قيادة وحدوية
وأشار إلى ان "الحديث الذي يدور حول إمكانية تغيير البند المتعلق بذلك يجب أن لا يقبله شعبنا، ولا قواه السياسية، ويجب ان نعمل على ان لا تعقد الانتخابات فقط لانتخاب رئيس جديد، وإنما انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية ومحلية، على أساس قانون انتخابي ديموقراطي يضمن تمثيل حقيقي للقوى والأحزاب السياسية ويخرج شعبنا من المأزق الذي وضعته فيه القيادة المتنفذة في م.ت.ف منذ عشرات السنين.
وحول مدى صدقية رئيس الوزراء "أبو علاء" في محاولاته والاجتماعات، والاتصالات التي أجراها مع القوى الفلسطينية المختلفة، لرص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية، وعودة الحديث عن قيادة وطنية موحدة في غياب عرفات، يرى الكفارنة ان "المسألة لا تتعلق بالنوايا الصادقة أو  غيرها، فالمصالح الطبيعية والاقتصادية الضيقة للشرائح الطبقية التي تشكلت في م.ت.ف والسلطة وممثليها السياسيين سواءً في السلطة أو  المنظمة، يجب ان لا تغيب عن بالنا عند الحديث عن مثل هذه النوايا أو  الجهود، وإن دراسة خطوة أبو علاء أو  خطوات غيره من القيادات المتنفذة في السلطة والمنظمة لترتيب البيت الفلسطيني لا يمكن النظر إليها خارج هذا السياق، إذ ان مصالحهم ارتبطت بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وهي ما ستدفعهم وبكل استطاعتهم إلى الانخراط في عملية التسوية والاستجابة لخطة شارون التصفوية" في إشارة إلى ان هذه المصالح تتعارض بشكل كامل مع تطلعات الشعب الفلسطيني وقواه السياسية.
من سيخلف عرفات؟؟
يؤكد رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى هيئة تشريعية في منظمة التحرير) سليم الزعنون في تصريحات صحافية له، ان "من سيحل مكان عرفات، عدة أشخاص، وليس شخص واحد".
فيما يرى وزير الأمن القومي محمد دحلان، انه "لا يمكن تعويض القائد عرفات إلا بمؤسسة فلسطينية، وعمل جماعي، فإذا ما كان الرئيس عرفات يستطيع أن يغطي بكوفيته بعض التجاوزات، فإن أحدا غيره لا يستطيع ذلك".
إلا ان تحليلات المراقبين الفلسطينيين تجمع على أن "أبو مازن" (69عاما)، و"أبو علاء" (67عاما) هما المرشحان الأكثر حظّا لخلافة عرفات، فكلاهما تعتبره الأوساط السياسية الفلسطينية من أبرز وجوه "الحرس القديم" في القيادة الفلسطينية، حيث شغل الأول منصب أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، والثاني رئيس الوزراء وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
ويرجح د. أبو سعدة ان يكون "أبو مازن" المرشح الأوفر حظا، "على اعتبار انه رفيق درب الرئيس أبو عمار منذ 40عاما، ورئيس منظمة التحرير، ويحظى بقبول شعبي وإقليمي ودولي كبير".
ويضيف المحلل السياسي والكاتب الصحافي، المقرب من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الدكتور غازي حمد إلى د. أبو سعدة أسباب أخرى، تجعله هو الآخر يؤكد ان أبو مازن سيخلف عرفات وهي: "يمتلك رؤية سياسية مبلورة وواضحة لا يمتلكها سواه، مقبول لدى شريحة كبيرة من "فتح"، التي سيكون لها دورا حاسما في ترشيحه، علاقته مع الفصائل الفلسطينية، وخاصة "حماس" علاقة جيدة، وتتسم بالانفتاح".
إلا انه يرى ان الطريق لن تكون ممهدة أمامه تماما "فهناك أيضا تيار قوي في "فتح" يعارض أبو مازن خصوصا داخل اللجنة المركزية للحركة، ووقف ضده في رئاسة الوزراء سابقا، وأجهض حكومته، كما ان علاقاته مع الأجهزة الأمنية ليس جيدة، خصوصا الاستخبارات العسكرية، علاوة على موقف قيادة كتائب شهداء الأقصى المعادي له".
ويزيد د. حمد على ذلك، بالتأكيد ان "أي شخص سيأتي بعد أبو عمار، سيجد أمامه تركة ثقيلة، و كم كبير من التناقضات، لم يكون من السهل حلها".
كما ان "أبو مازن" لا يحوز على كثير من القبول في الشارع الفلسطيني، لمواقفه من ما أسماه "عسكرة الانتفاضة"، وعلاقاته الحميمة مع إسرائيل وأمريكا، إضافة إلى انه المهندس الحقيقي لاتفاقات "أوسلو"، التي يعتبرها كثير من الفلسطينيين أضرت بهم، كما يعتقدون ان أبو مازن من الشخصيات "المفرطة" بالحقوق الفلسطينية.
وهو ما ينفيه، د. أبو سعدة، مؤكدا ان "أبو مازن واقعي، ولكنه ليس معتدلا، ولا أعتقد أن أبو مازن أو  سواه يجرؤ على التنازل عن أكثر مما تنازل عنه عرفات نفسه، وهو قيام دولة فلسطينية في حدود عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين".
يذكر أن عباس استقال من رئاسة الوزارة الفلسطينية في سبتمبر 2003 بعد 4 أشهر من توليه هذا المنصب إثر خلاف مع عرفات حول السلطات والصلاحيات التي من المفترض أن يتولاها.
أما "أبو علاء" فيستبعد بعض المحللين خلافته لعرفات، من خلال انتخابات حرة نزيهة، على رغم ان لديه ما يؤهله لذلك،  لتورطه في فضائح فساد(بيع الاسمنت لصالح بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي)، كان أبو عمار العامل الرئيس وراء عدم تفاقم تداعياتها.
كما  أن هناك حديث يدور حول وجوه شابة لخلافة عرفات، مثل مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي، وأحد أبرز قيادات فتح، الذي يقبع حاليا في سجون الاحتلال- والذي تشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى أنه الثاني تأييدا في صفوف الشعب الفلسطيني بعد الرئيس عرفات- ووزير الأمن القومي محمد دحلان، وجبريل الرجوب مستشار عرفات لشئون الأمن القومي، إلا ان الجميع يجمع على أن الطريق أمامهم طويل وصعب لذلك.
من جانبه، يرى الكفارنة ان "الحديث عن خليفة للرئيس عرفات مسألة شائكة ومعقدة، لأننا نتحدث عن رئيس فوق العادة، رئيس تعددت مسؤولياته، ومناصبه، في فتح، والمنظمة، والسلطة، والأجهزة الأمنية، والعسكرية، والمالية"، مؤكدا ان "على القوى السياسية الفلسطينية التي عارضت باستمرار نهج التفرد والهيمنة العرفاتية ان تعمل وبكل جهدها ان لا تتكرر هذه التجربة، وأن يتم العمل على تشكيل قيادة وطنية موحدة مؤقتة يشارك فيها الجميع من دون استثناء، تكون مسؤولة عن الشأن السياسي الفلسطيني العام، لحين إجراء انتخابات شاملة، للرئاسة، وللمجلس التشريعي، والوطني، بحيث يتم عقد انتخابات ما أمكن للفلسطينيين في الشتات، وهو الحل الديمقراطي لمنصب رئيس السلطة، والمنظمة".
أما د. الشرافي فقال: "لست متأكدا من أحد..ولكني سأحترم خيار الشعب الفلسطيني"، مشيرا إلى ان باب الترشيح مفتوح أمام الجميع "كل فلسطيني إذا انطبقت عليه الشروط القانونية، يستطيع الترشح للرئاسة".
وحول إمكان إقدام "حماس" أو  غيرها من القوى المعارضة على المشاركة في الانتخابات الرئاسية بمرشحين لها، أعرب د. الشرافي عن أمله في ان "تعطي السلطة وفتح مؤشرات ايجابية، ليس لحماس فقط، بل لباقي القوى في ائتلاف الحركة الوطنية على نيتها الصادقة في تحكيم القانون، وإجراء انتخابات حرة نزيهة، والفرصة أمامها الآن لذلك، من خلال الانتخابات المحلية، إذا نجحنا في أن نعطي الثقة لكل من يرشح نفسه، بالمنافسة الحرة، يمكن ان نشجع الآخرين على المشاركة في الانتخابية التشريعية والرئاسية".
واعتبر ان الطريق إلى ذلك "يتطلب الإسراع في تحديد موعد للانتخابات"، مؤكدا "إننا جاهزون فلسطينيا لإجراء انتخابات، وما ينقصنا هو ضمان عدم تدخل قوات الاحتلال في سيرها، وعدم منع بعض المناطق من المشاركة فيها كما حدث إبان عملية التسجيل للانتخابات، خصوصا في القدس المحتلة".
من جانبه، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بتقديم تسهيلات ومساعدات لمن يخلف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، مبديا استعداده لبدء مفاوضات مع قيادة فلسطينية جديدة تثبت أنها "تكافح الإرهاب" على حد قوله.
إلا ان هذه التعهدات، لا تعني الكثير للفلسطينيين، الذين لم يعهدوا التزام إسرائيل، بأي من وعودها أو  تعهداتها.
هل تجاوز الفلسطينيين مرحلة الخطر؟؟
وردا على بعض من يقول، أن فجيعة الفلسطينيين برحيل الرئيس، منعتهم من إثارة أي صراعات حاليا على المناصب، والنفوذ، والصلاحيات، توقعها معظم المراقبين والمحللين، للشأن الداخلي الفلسطيني، خصوصا وان الأشهر السابقة شهدت توترا ومواجهات فلسطينية فلسطينية حامية الوطيس بين ما سمي "معسكر الإصلاح"، ومعسكر "الحرس القديم"، كانت الأجهزة الأمنية المتعددة هي اللاعب الرئيس فيها.
وهو ما حدا بالكفارنة إلى توقع "حدوث بعض المشاكل بين أطراف داخل السلطة، وأجهزتها الأمنية"، مستبعدا ان تصل إلى "درجة الاقتتال الداخلي أو  الحرب الأهلية".
ويتفق د. حمد مع الكفارنة في أن "كثير من المشكلات ستنشأ، قد تؤدي إلى  حال من الصراع المحدود"، مرجعا نجاح الفلسطينيين في ترتيب أمورهم حتى الآن إلى "أجواء الحزن التي يعيشها شعبنا حاليا".
ويؤكد: "بعد انتهاء أيام العزاء، ربما تبدأ الأمور الحقيقية في الظهور".
ويرفض د. حمد إجراء انتخابات رئاسية فقط، داعيا إلى " إجراء انتخابات شاملة، رئاسية، تشريعية، محلية"، مؤكدا ان الفلسطينيين "بحاجة إلى  إصلاح وتغيير حقيقي، وليس انتخاب رئيس مكان آخر".
إلا انه يشكك في إمكانية عقد مثل هذه الانتخابات، في ظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مؤكدا ان "شارون ليس معنيا بتهدئة الأجواء، وإجراء انتخابات، لأنه سيضطر للجلوس إلى طاولة المفاوضات، التي لطالما زعم انه لا شريك فلسطيني يشاركه إياها، ويقدم تنازلات غير جاهز لها، كما ان ذلك يتعارض مع خطته للفصل الأحادي الجانب، المصمم على تمريرها".
"حماس" والانتخابات
وحول موقف حماس من المشاركة في انتخابات رئاسية أو  تشريعية قادمة، يقول د. حمد: "حماس تنادي بقيادة موحدة تجمع مختلف أطياف العمل الوطني الفلسطيني، تقود الشعب الفلسطيني بشكل مؤقت، وتعمل على إجراء انتخابات شاملة، وهو ما لا يلقى قبولا من السلطة وحركة "فتح"، التي تعتبرها بديلا عن السلطة، إلا انه من الممكن ان تشارك حماس في انتخابات تشريعية، أو  تنخرط في أي إطار سياسي فلسطيني، في حال تم الاتفاق مع السلطة على الرؤية السياسية لكليهما".
ويرى د. أبو سعدة ان حماس "لن يكون أمامها في المرحلة القادمة إلا ان تصبح جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني، وإلا سيكون هناك مواجهات ومشاحنات فلسطينية فلسطينية، خصوصا وأن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة إحياء للمفاوضات مع إسرائيل، وبدء تطبيق خطة خارطة الطريق".
ويرجح ان تختار حركة "حماس" الانخراط في انتخابات تشريعية، ومحلية، خصوصا بعد ان رفعت شعار "شركاء في الدم شركاء في القرار"، وأعلنت نيتها المشاركة في الانتخابات المحلية"، مستبعدا ان تشارك في انتخابات الرئاسة، لان منصب الرئيس يترتب عليه استحقاقات دولية لا تتوافق مع توجه الحركة".
ويعلل اعتقاده بالقول ان "حماس أصبحت أكثر واقعية مما سبق، بعد اغتيال مؤسسها، وزعيمها الروحي الشيخ احمد ياسين، وقائدها عبد العزيز الرنتيسي، والكثير من قادتها العسكريين والسياسيين".
إذاً، يبقى المرشحان الأبرز، والأكثر قبولا، من داخل حزب السلطة "فتح"، هما عباس، وقريع، حسب توقعات الكثيرين، وربما تفاجئنا الأيام..أو  لنقل الإسرائيليون والأمريكان، بما لم يكن في الحسبان.
إلى ذلك الوقت، تبقى الـ 60 يوما، التي يحددها الدستور الفلسطيني، فترة لرئاسة مؤقتة، تجري في ختامها انتخابات رئاسية، يختار فيها الشعب رئيسه، الحكم الفيصل على صدق توجه الفلسطينيين نحو دولة القانون والمؤسسة..أو  نحو استمرار النهج العرفاتي المتفرد، والمهيمن على كل الأمور، الذي تخرج من مدرسته الكثيرين، والكثيرين.
----------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق