الأحد، 22 أبريل 2012

دعوة تحريضية

سامية الزبيدي 


استفزاز شديد اصابني كما كثيرين، من فئوية تجلت في مناسبات وطنية عدة، برزت مرة أخرى خلال احياء يوم الأسير في قطاع غزة، وما حدث من مهاترات لا تليق بفصائل وشخصيات وطنية لها تاريخ مشهود في معارك العطاء والتضحية من أجل هذا الوطن.



ومبعث هذا الاستفزاز رفع الأعلام الحزبية لفصيلين إسلاميين خلافاً لاتفاق سابق بين الفصائل كافة في اطار لجنة الأسرى التابعة للقوى الوطنية والاسلامية برفع العلم الفلسطيني فقط، وعدم استجابة "عاشقي" الكاميرات لطلب النزول عن منصة المهرجان امام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والفعاليات الهامشية التي غلب عليها الطابع الفئوي في شعاراتها ومظاهرها واستعراضيتها وخطبائها.

ليس هذا بيت القصيد، لأن هؤلاء ليسوا غافلين عما يفعلون، حتى أُذكر إن نفعت الذكرى، بل هم ضالون لن يجدي النصح أو النقد معهم، ولن تغير من افعالهم، بل ان استمراري في نقدهم سيزيد من احساسي واحساس الأجيال التي تصبو إلى بارقة أمل بعمق مأساتنا، ونفاد مخزوننا من الوطنية والانتماء والعطاء.

لذا فإنني ساكتب الى شباب، وشابات لا تزال طاقاتهم كامنة، مدفونة خلف أطلال من الاحباط وانعدام الثقة التي كرسها "كبارنا"، مناضلو الأمس، منتفعو الحاضر.

في 17 من نيسان (ابريل) الحالي شرع أكثر من 1500 معتقل فلسطيني وعربي في سجون الاحتلال في اضراب مفتوح عن الطعام، تحت شعار "النصر أو الموت"، لا لنيل حريتهم التي لم نبذل "بعمومنا" لا غال ولا نفيس من أجلها، بل لتحسين ظروف اعتقالهم في الحد الأدنى.

وهي بالمناسبة مطالب قديمة جديدة، تتكالب على مصادرتها ادارات السجون الصهيونية بين فترة وأخرى، وتستخدمها كوسائل ضغط على المعتقلين وتنغيص عيشهم، واهدار كرامتهم، ويدفعون ثمن استرداد بعضها أو تحقيق انجاز جديد من دمهم ولحمهم الحي.

حقهم في انهاء سياسات العزل الانفرادي، والتفتيش العاري، والحرمان من زيارة الأهل والأقارب، أو الاتصال بهم وغيرها من الممارسات اللا انسانية في حقهم، هي حقوق دنيا لأي معتقل، ناهيك عن كونهم مناضلين من أجل الحرية.

الا أن الجديد يكمن في استقبالنا قرارهم الشجاع خوض جولة جديدة من الصراع مع هذا العدو اللئيم، ففي معارك سابقة خاضها المعتقلون عبر اعلان اضرابهم المفتوح عن الطعام، الخيار الوحيد والأخير الذي يملكون، كان حجم التفاعل الجماهيري ونوعه، اكبر وأنبل وأشرف بمراحل مما يجري الآن، لماذا؟، أحسب أن الاجابة معروفة للجميع، وهي تراجع الاهتمام الوطني العام لصالح اهتمام فئوي وشخصي ضيق تجلى بأبشع صوره في الانقسام، الذي لا يريد اصحابه له أن ينتهي، وقضى، أو شوه، أو غطى على ما تبقى من جمال فلسطيني.

أعلم صعوبة أن تستنهض إحساساً من قلب ميت، أو تستحث الجمال في نفس مشوهة، أو تنفخ في جمر غطاه الرماد، الا أن تجاهلنا انساناً يعزف عن تناول طعامه، مستسلماً لنهش الجوع والعطش والنعاس، معرّضا نفسه لخطر الموت أو المرض أو الاعاقة، هو تجاهل مشبوه لا يمكن الاستكانة لاستمراره، وعلينا تحدي أنفسنا أولاً لنفضه عنا.

انها دعوة تحريضية لنفسي ولكم، ولا أطالبكم بالاضراب عن الطعام، على رغم أنه أحد وسائل التضامن وارسال الرسائل المهمة، لأنه ليس كل ما نملك، بينما هو كل ما يملك هؤلاء المعتقلون، فنحن نملك خيارات تبدو كثيرة لو أردنا.

ولن أطالبكم بخطف جنود ومبادلتهم ببعض أو كل هؤلاء الأشاوس، الوسيلة الأنجع مع الاحتلال لتحرير المعتقلين، لكني أدعي على الأقل أننا قادرون على استنهاض هذه الحال الجماهيرية المنهكة والخاملة، التي تبدو لا مبالية بأي شيء وبأي أحد حتى لو كان هؤلاء هم المعتقلون الذين ضحوا بحياتهم وحريتهم من أجل هذا الوطن.

ولا أطالبكم بالاحتشاد خلف أي فصيل أو قائد لم يبرر نفسه طوال العقدين الاخيرين الا بمزيد من السقوط والتنازل، لكننا لن نستطيع أن ندير الظهر لقائد صنع مكانته بالتنازل عن حريته وعائلته وقريته، وفكّر وخطّط ونفّذ ما قدر أنه سيسهم في نصرة شعبه وايذاء عدوه.

لن نستطيع ادارة الظهر لهؤلاء الذين قضوا اكثر من عشرين عاماً في السجن، ولا لذلك الرجل القابع في العزل الانفرادي منذ تسع سنوات، ولا لذلك القائد الذي قال ففعل، ولم يتراجع ولم يساوم، وظل يحرّض على مقارعة العدو حتى وهو معزول عن كل البشر.

لن نستطيع ادارة الظهر لكريم يونس، وحسن سلامة، واحمد سعدات، وعبد الله البرغوثي،وعباس السيد، وجهاد العبيدي، وإبراهيم حامد، ولا لثائر حلاحلة وبلال ذياب وجعفر عز الدين وغيرهم الكثير الكثير من أولئك القابضين على جمر فلسطين.

تعالوا "نثّور" في دواخلنا بعض الوفاء، ونحمل في قلوبنا صورهم وقصصهم، ونحكي لبعضنا عنهم.

تعالوا نحرض الناس على الاحساس بهم، والتضامن معهم..تعالوا نستنهض ما تبقى من أجل من تبقى.

تعالوا نحمي غدنا..حلمنا..بالتغيير، بالأمل، بالحرية...ولا تتركوا متعطشاً للحرية والكرامة وحده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق