الأربعاء، 2 يناير 2013

لقمة العيش وأوسلو



سامية الزبيدي
حاولت بعض الأطراف تشجيع حراك شعبي في الضفة الفلسطينية ضد حكومة الدكتور سلام فياض شخصياً، الا أنه سرعان ما خفتت حدته وتلاشت رغم أن مسببات تصاعده مستمرة، فمستويات رفض الجمهور الفلسطيني لواقعه المزري وتلمسه علاقة هذا الواقع بالسياسات الاقتصادية والسياسية للسلطة في أوجها.
ورغم نجاح المسعى الفلسطيني في الحصول على دولة في الأمم المتحدة بصفة مراقب الا أن الابتزاز السياسي والاقتصادي لم يتوقفا، وهو ما حدا بالرئيس محمود عباس الى التلويح بامكانية حل السلطة وتسليم مفاتيحها للرئيس الصهيوني بنيامين نتنياهو، وهو ما يجمع السياسيون والمحللون على أنه لا يعدو كونه مناورة سياسية من الرئيس أبو مازن لتحسين شروط التفاوض.


من جانبها، دولة الاحتلال ماضية في مشاريعها الاستيطانية الكبرى التي تقسم شمال الضفة الفلسطينية عن جنوبها تماماً، وتستكمل اجراءاتها العنصرية على الأرض، وضغوطاتها على الاطراف كافة للاعتراف بدولة يهودية لمواطنيها فقط، وتحاصر السلطة الفلسطينية مالياً، وتحبط مشروعها الأول والأخير لاستئناف المفاوضات لأجل المفاوضات، فيما تلاعب حكومة غزة بالحصار تارة، والارهاب تارات، وملهاة "سيب وأنا أسيب" في آخر اصداراتها.
قوة القضية الفلسطينية وحضورها تراجع بالعموم على المستويات الفلسطينية والعربية والعالمية، بفضل الانقسام أولاً، وهيمنة السلطة الفلسطينية على منظمة التحرير، وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني، لصالح المشاريع الحزبية والدينية في الوطن والمنطقة العربية، وانشغال الأخيرة في همومها المحلية.
أما المواطن واللاجئ الفلسطيني فحاله متعدد الطبقات متغير الوجهات، فالفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48، ليس كفلسطينيي مخيمات اللجوء في سوريا، ليس كفلسطينيي قطاع غزة، ليس كفلسطينيي لبنان والأردن أو في أي مكان آخر من العالم، وهؤلاء ليسوا كفلسطينيي الضفة الغربية والقدس...كل له همه وقضاياه التي تطغى أحياناً على هدفهم الأوحد بتحرير أرضهم المغتصبة، وحلمهم بالعودة.
هذه الهموم التي يفرضها واقعهم الجغرافي والسياسي وتفرقهم. ففي الأراضي الفلسطينية المنقسمة الفقراء ازدادوا فقراً، والأغنياء أضحوا نوعين: الأول ضاعف غناه، والثاني اغتنى من العدم، والطبقة الوسطى جلها موظفين ينتظرون بلهفة حركة الصراف الآلي، وتصريحات العم فياض، والشيخ هنية، تكبلهم قروض بنكية وديون شهرية...وهؤلاء جميعاً ينظرون إلى حنفية السلطة التي لا تملك موعد فتحها أو إغلاقها، كانتظار العطشان قطرة ماء.
في ظل كل هذه الظروف، وتصاعد حال الشكوى والضيق والأنين تحت وطأة الفقر والبطالة وغياب الأفق السياسي والاقتصادي، هل ارتفعت مستويات المناداة باسقاط اتفاق اوسلو لما يسمى بالسلام مع الدولة المحتلة وتوابعها الاقتصادية والأمنية، باعتباره المنبع الأساسي لكل هذا التراجع والأزمات؟
الجواب بشكل واضح تماما هو لا. فلا زالت المناداة باسقاط اوسلو كلاشيهات اعلامية خصوصاً من أصحابه ومهندسيه، الذين لم يحُضّروا مع الكل الوطني ولا يبدو أنهم ماضون نحو ذلك للاتفاق على أي بدائل وطنية أخرى لمسلك أوسلو ووظيفته، وإعادة اجتراح طريق كفاحي بديل.
بل وللأسف فإن التسليم بحال الارتهان للقمة العيش التي كرستها أوسلو بمخطط علني وواضح منذ نشأتها، ترافق مع تراجع القيم الوطنية عموماً لصالح الفئوية والحزبية الضيقة الى درجة النفعية الشخصية، وهي نتائج وصلت لها الساحة الفلسطينية كنتاج طبيعي لاوسلو المسخ الذي قسم الفلسطينيين بشأنه، ثم جرهم جميعاً للتعامل معه كأمر واقع، ليبدأ الصراع بين المبدأ والحاجة.
لذا وبعد أن تلاشت ثقة المواطن بقيادته عموماً، وارتبط تأييد تيار ليس بالقليل من الجمهور الفلسطيني بمصالح وقتية مع هذا الجناح أو ذلك، فان المناداة باسقاط اوسلو التي منحت الشرعية لوجود السلطة الفلسطينية أولاً، ثم لحكم حماس في غزة لاحقاً عبر ما سمي بصندوق الانتخابات التي ارتضت الحركة الاسلامية الممانعة الانخراط في لعبته، لتجر الساحة الفلسطينية لمزيد من التهاوي والتراجع على المستوى الوطني، باضعاف تيار المعارضة، وتقوية تيار المستفيدين من اوسلو وسلطته، أضحت هذه المناداة بعيدة.
اذا، فاسقاط اوسلو ليس سوى شعار، تخشاه القوتين الأساسيتين في الساحة الفلسطينية، فتح وحماس (سلطتي رام الله وغزة)، ومن خلفهما أكثر من 150 ألف موظف حكومي يعيلون شريحة ضخمة من شعبنا وينعشون اقتصاد تبعي، استهلاكي لا يقوم بسواهم.
والا فماذا يمكن نفهم من تصريح الرئيس أبو مازن بحل السلطة من دون أن يقدم فعلياً على تغيير طبيعة وظائفها التي يحددها اوسلو، بوقف التنسيق الأمني وتدفق البضائع الاسرائيلية للسوق الفلسطيني أولاً، ومن سياسة التهدئة التي بدأتها حركة "حماس" مع دولة تحتل أرض شعبها، وتعتدي عليه وعليها وقتما شاءت؟؟!!!.
ومع أن هذا الطوق الذي يعتصر عنق الفلسطينيين كل يوم أكثر، ويعيق تطورهم لن يفك الا بتحطيمه، الا أن حال تنظيماتنا الرئيسة وضعف البدائل المتوافرة لها يحول دون أي ترجمات عملية نحو تحطيم هذا الطوق، نحو اسقاط اوسلو وتبعاته الاقتصادية والسياسية عن كاهل مجتمعنا، الى الحد الذي يبدو فيه أن أحداً أصلاً لا يسعى لفك هذا الطوق، الذي أصبح مع الوقت مألوفاً..وربما مطلوباً!!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق