السبت، 18 يونيو 2016

ورقة تقييمية للتغطية الاعلامية لأوضاع النساء الفلسطينيات أثناء العدوان الاسرائيلي وبعده




اعداد: سامية الزبيدي*
مقدمة:
على مدار واحد وخمسين يوماً من عام 2014، فتكت آليات اسرائيلية عسكرية بأرواح نحو 300 فلسطينية، وأصابت أكثر من ألفي امرأة اخرى بإصابات متفرقة، نحو 10 في المئة منها خلفت اعاقات دائمة بحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للمرأة، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية "أوتشا".
ونزحت نحو 18 ألف عائلة من منازلها بعد تدميرها في شكل كامل أو جزئي أثناء العدوان، لازال كثير منها في مساكن مؤقتة، أو في بيئة تفتقر لمقومات الحياة الآمنة والطبيعية.

وقضت نحو 4500 امرأة حامل فترة العدوان في ظروف تتهدد حياتهن وصحتهن وصحة أجنتهن على مدار اللحظة، خصوصا أن امكانية وصولهن للرعاية الصحية قبل الولادة و أثناءها وبعدها كانت محدودة بفعل استمرار القصف والدماء والاغلاق والنزوح، ناهيك عن استهداف المرافق الصحية ذاتها.
كما قتلت نحو 16 امرأة وأجنتهن في أرحامهن في هذه الهجمة المسعورة.
وحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، فقد تضاعفت نسبة وفيات الأمومة والمواليد الجدد في النصف الثاني من العام 2014.
ومن المعروف ان المرأة الفلسطينية "تتحمل مسؤوليات رعاية العائلة الممتدة المكونة في الأغلب من عدد كبير من الأطفال، حيث يبلغ متوسط حجم الأسرة في قطاع غزة وفقاً لبيانات "أونروا" 6.3.
تشكل المرأة الفلسطينية نحو نصف المجتمع الفلسطيني بفئاتها العمرية المختلفة، كن جنباً الى جنب مع أسرهن ضحايا العدوان، فكيف نقل الاعلام الفلسطيني مخاوفهن، آلامهن؟ وكيف صور صبرهن، واحتمالهن؟ وكيف تفاعل مع احتياجاتهن؟ وإلى أي حد بحث عن أراءهن وأفعالهن؟ أثناء العدوان وبعده.
الاعلام والنساء:
تشير دراسات حول صورة المرأة في وسائل الاعلام الفلسطينية الى أنها لم تغادر مربع النمطية المعروفة كثيراً،  وبحسب دراسة لمركز شؤون المرأة حول احتياجات النساء الفلسطينيات في العام 2010 جاءت تغيير الصورة النمطية عنهن في الاعلام في الاحتياج الثاني لهن.
وعن هذه الصورة تحدثت دراسة المركز الى أن المرأة لازالت "تقدم بصورة نمطية تتقدم فيها المعاناة على الانجاز والوطني على الانساني، و تقدم المرأة كتابع للرجل بدلا من شخصيتها المستقلة".
وتشير متابعة غير بحثية لأداء الاعلام الفلسطيني خلال فترات الأزمات، ومنها العدوان الاخير الى استمراره بحصر النساء في ثوب الضحية، الضعيفة، المتلقية، كأم الشهيد، زوجته أو شقيقته، كصاحبة المنزل المهدم، والمسؤولة عن مأكل ومأمن أطفالها في ظل النزوح والتشرد.
وهي صورة مشرفة، الا أن تجميد المشهد فيها، هضم لصور أخرى تلعب فيها النساء أدواراً سياسية وتنموية واقتصادية واجتماعية متنوعة وبالغة الأهمية.
العدوان الأخير:
عجت الفضائيات والاذاعات والصحف بالأخبار العاجلة، وتوالت أعمال القتل والقصف والتدمير، وغابت الحماية، وصعبت الحركة، وتشرد الناس، في وقت لم تستطع كل أعمال الاغاثة والمساعدات التي قدمتها جهات عدة أن تمنع الوضع الانساني في القطاع من الانهيار.
واشتغلت اعلاميات واعلاميون في مواكبة الاحداث أولاً بأول معرضين حياتهن الى خطر الموت والاصابة، فاستشهد نحو 17 صحافيات، وجرح آخرين، كما استقبل بعضهم على الهواء مباشرة نبأ استشهاد حبيب لهم، أو نزوح أسرهم، أو هدم منزلهم.
وإن كانت شجاعة الصحافي والصحافية، الفلسطيني، والفلسطينية ومهنيتهما المشهودة، والمتكررة مع كل عدوان جديد لاحتلال فاشي، فإن نمط التغطية الصحافية في عمومها ظلت على حالها ازاء النساء واحتياجاتهن.
وصدر الاعلام الفلسطيني الى الحيز المحلي والاقليمي والعالمي، آلاف الصور لنساء ثكالى، ومشردات، يشكين مصابهن، وغياب الحماية لهن ولمجتمعهن من ناحية، ويهتفن بالفداء والتضحية بأنفسهن وكل ما يملكن في مواجهة هذا العدوان من ناحية أخرى.
ولاحق الاعلام عشرات الاصدارات والبيانات لأرقام الشهداء والشهيدات، والمصابين والمصابات، وكذلك لأعمال المقاومة على مدار اللحظة.
وحظيت إعلانات من نوعية عدد الولادات خلال العدوان على اهتمام إعلامي كبير من ناحية وطنية، كإجراء تعويضي عن الشهداء الذين سقطوا.
ولئن كانت هذه التغطية الاخيرة نموذجاً لغياب الرؤية الإنسانية والمهنية في الرسالة الاعلامية التي يتسم بها العمل الاعلامي الفلسطيني في غياب المرجعية والسياسة الاعلامية الموحدة، فإنها شكلت أحد أشكال التنكر الفادح لمعاناة النساء الحوامل وقت العدوان.
فلم يكترث الاعلام الذي تابع هذه الاعلانات، وهرع لتغطية هذه المؤتمرات، وصدر للعالم مشاهد لنساء وضعن حديثاً أطفالهن في مراكز اللجوء، من دون أن يتحدث عن الظروف التي قضت بها هؤلاء النساء الأيام الاخيرة من حملهن الشاق، ولا عن الطريق الى المراكز الصحية والمستشفيات ليضعن أطفالهن، ولا عن الاهتمام والرعاية اللتان لم تجدانها بعد أن سرحن من أكشاك الولادة في اليوم نفسه ليعدن وأطفالهن الى تهديد الموت وصلف اللجوء.
كذلك لم يصدر الاعلام الفلسطيني الكثير من القصص عن غياب العناية ونقص المرافق الصحية، وغياب الحد الأدنى من الخصوصية والحماية للنساء النازحات الى المدارس والمستشفيات والحدائق.
كما صمتت بالكامل عن أعمال العنف المبني على النوع الاجتماعي الذي ارتكبت بحق النساء أثناء العدوان وبعده، ولم تعط الاهتمام الكافي للتوزيع غير العادل للمساعدات الاغاثية، حيث تبين أن معظم هذه المساعدات وزعت على "الرجال دون تنظيم سليم لخطوط التوزيع تاركين النساء والمسنين يبحثون بعناء عن حصصهم"
وانشغل الاعلام الفلسطيني كعادته عن دوره الإنساني والخدماتي نحو الدور السياسي والتعبوي، فلم يتطرق بكثير من التركيز على توعية الناس بجهات تقديم المساعدة المختلفة سواء كان منها الصحية أو الاغاثية أو الأمنية، وكانت الاستجابة المحدودة على هذا الصعيد في شكل ردود فعل على استغاثات المكلومين والمحاصرين والمصابين.
ويدلل على ذلك، أن معظم النساء قلن أنهن لم يعلمن بـ"المعلومات المتعلقة بالجهات التي يمكنهن مساعدتهن في حالات الطوارئ".
وفي الوقت الذي ظلت فيه صورة المرأة والطفل الفلسطيني الأكثر شعبية في وسائل الاعلام الفلسطيني والعالمي، غابت صور النساء كقياديات في السلك السياسي والدبلوماسي، وكذلك كخبيرات ومحللات ومختصات، وحتى كمبادرات في العمل الاغاثي والانساني المختلف.
ولم تسمع صوت النساء لا في عروض التهدئة والمفاوضات حولها، ولا في الاتفاق النهائي.
بعد العدوان:
انقشعت غبار العدوان، لتخلف دمار كبير، لازالت آثاره تتكشف وتتمدد على الصعد النفسية والاجتماعية والصحية والامنية والبيئية.
لم تنته الرسائل الاعلامية بوقف الأعمال الحربية، لكن الاهتمام الاعلامي الدولي والمحلي قل رويداً رويداً، حتى أفل تماماً، مع توارد قضايا وعناوين أخرى في فلسطين والعالم الى الصدارة.
وتحولت كوارث العدوان الى عناوين اخرى، الاعمار، واحتمالات تجدد العدوان أو التوصل الى تهدئة طويلة أو قصيرة، ونادراً ما حظيت قصص النساء بحقها في أن تروى بعد.
ومرة أخرى لم يحفل الاعلام كثيرا، كما فعل مع مشهد المرأة في معركتها الجديدة مع الكرفان صيفا وشتاء، أو مع ندرة الكهرباء أو الماء، متجاهلاً حقوق النساء المهدورة نتيجة فقدان الابناء والازواج، وصراعهن من أجل حقوقهن في الحضانة والنفقة والمساعدات والتعويضات وغير ذلك.
كما لم يناقش الأبعاد النفسية والاجتماعية لأثار هذا العدوان على النساء، اللواتي اشتكين في عمومهن من أعراض قلق واكتئاب وغضب شديد، خصوصا أن مسؤولياتهن لا تعطيهن الكثير من الوقت والمساحة للتعبير عن أوجاعهن وآمالهن.
ولم تحظ قصص النساء اللواتي غدين بين ليلة وضحاها معيلات لأسر كاملة نتيجة فقدان المعيل أو اعاقته، وصراعهن مع المجتمع وتقييده لحرياتهن ووصولهن للموارد، ناهيك عن مآل نحو مئتي امرأة تعرضت للإعاقة الجسدية بعد الاصابة لما يكفي من انتباه الاعلام.
ولم يتابع الاعلام ظواهر اخرى، ارتبطت بالعدوان ولها علاقة بالنساء في شكل خاص، مثل زيادة معدلات الزواج المبكر، ومحاولات الانتحار، والعنف الأسري، والتفكير بالهجرة..الخ.
كما لم يسلط الضوء الكافي على استجابة الاطراف المعنية المختلفة للاحتياجات الانسانية للنساء اثناء العدوان وبعده.
توصيات:
يمكن استخلاص مجموعة من التوصيات من إشكاليات التغطية الاعلامية القاصرة لأوضاع النساء أثناء العدوان وبعده، وأهمها:
-         اعتماد المعايير المهنية في العمل الصحفي، والذي يقف مبدأ التوازن على رأسها في التغطية الصحافية، يشكل مدخلاً يمكن أن يضمن تغطية أكثر عدلاً لأوضاع النساء.
-         تطوير معارف الصحافيين وخبراتهم في تحسس قضايا النساء واحتياجاتهن.
-         تطوير قوائم بأسماء نساء خبيرات ومختصات في المجالات كافة، تكون متاحة بسهولة امام العاملين في وسائل الاعلام المختلفة.
-         تعزيز قدرات الصحافيين والصحافيين في فنون العمل الصحفي وخصوصا القصة (الفيتشر).
-         تعزيز دور الاعلام في الرقابة والمساءلة للجهات المسؤولة عن الاستجابة لحاجات المجتمع عامة والنساء خاصة في أوقات الطوارئ.
-         فتح قنوات بين الاعلام والمؤسسات الاغاثية، ضرورة، ستمكن الاعلام من القيام بدوره الخدماتي والتوعوي على وجه أفضل.
-         وأخيرا، اخضاع الرسائل الاعلامية في وسائل الاعلام الفلسطيني المختلفة للبحث العلمي واستخلاص النتائج ضرورة لوضع الاصابع على مكامن الخلل، وصوغ السياسات ووضع الآليات الكفيلة بتجاوزها.
وان كان البعض يصر على أن الصراع يجب ان يستمر، فكل عدوان ونساءنا بخير.





مصادر الورقة:

-         الأمم المتحدة للمرأة، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية، وثيقة بعنوان "احتياجات النساء والفتيات في التدخلات الانسانية في قطاع غزة"، اغسطس 2015.

-         مركز شؤون المرأة، دراسة حول تحديد اولويات قضايا النساء في قطاع غزة، نوفمبر 2010.

-         الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، بيان بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ابريل 2015.

-          وفاء عبد الرحمن، مقال منشور على شبكة نوى بعنوان "انكشاف النساء في الحرب على غزة"، 17 نوفمبر 2015.




·        *  ورقة مقدمة الى مؤتمر بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بعنوان: "حق المرأة في الحماية مسؤولية الجميع" في غزة 24/11/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق