الاثنين، 3 أكتوبر 2011

خيمة عن خيمة بتفرق..


سامية الزبيدي 

فعاليات إسناد معتقلينا الفلسطينيين في السجون الصهيونية التي بدأت اليوم باقامة خيمة الاعتصام المفتوح أمام مقر لجنة الصليب الأحمر بمدينة غزة بعد إعلان معتقلو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن إضرابهم المفتوح عن الطعام، والتحاق معتقلون من السجون الصهيونية تباعاً لا إجماعاً بالإضراب، احتجاجاً على استمرار سطو سلطات السجون الصهيونية على مكتسباتهم المعيشية البسيطة التي انتزعوها بالدم والجوع والعطش والمعاناة، ورفضا للسياسات اللا إنسانية التي تفتق عنها العقل الآسر للتضييق على المعتقلين بعد اختطاف المقاومة الفلسطينية الجندي المعتدي جلعاد شاليط.


باكورة هذه الفعاليات الشعبية، لم تكن على المستوى الذي طمح إليه بعض المتضامنون الحقيقيون مع المعتقلين ومعاناتهم، وبدى أن لجنة الاسرى التابعة للقوى الوطنية والاسلامية التي دعت للفعاليات قد حددت مسبقاً حجم وشكل التضامن الجماهيري المطلوب فلم تتعد مساحة الخيمة التي نصبتها امام الصليب الاحمر العشرين متراً، فيما لم يزد عدد الكراسي التي نشرتها على طول الخيمة وعرضها عن المئة.

أما اليافطات التي انتشرت على طول وعرض وسطح الخيمة فلم تجد من يدافع عن مضامينها وصور معتقليها التي زينت وحدها هذه الخيمة، وتساءلت في سري، لو أن جمعية مهجة القدس حشدت من كادراتها بعدد يافطاتها، الأحد عشر تقريباً، ولو أن جمعية واعد حشدت أربعة عشر كادراً بعدد يافطاتها، ولو أن جمعية حسام حشدت كذلك خمسة كوادر بعدد يافطاتها، ولو أن حركة الأحرار حشدت كادرين بعدد يافطاتها الاثنين، لكان الوضع أقل خزياً..

وحدها الجبهة الشعبية التي نشرت أربعة يافطات ملونة لمعتقليها وأمينها العام المعزول منذ خمسة سنوات، تكدس عشرات من قادتها وكوادرها وكأنما العرس الوطني لها وحدها، على رغم أنها لم تتعاط معه كذلك هي أيضا، وظل حضورها وتعبيرها عن آلام معتقليها في حدوده الدنيا.

زوجة الأسير نافذ حرز الله، أم أحمد لم تستطع الصمت وقالت، مؤنبة إيانا جميعاً: "لو أنها خيمة عزاء لكان عدد المعزين أكثر من ذلك بمرات عدة".

عشرات من قادة الفصائل وممثلي المؤسسات المهتمة بقضايا الأسرى، كانوا حاضرين، وتوالوا على الميكرفون لإلقاء الخطب العصماء، قادة خارت قواهم في مسيرة نضال طويلة، ولم يعودوا قادرين على تقديم أكثر من الشعارات الخاوية التي ظلوا يستمعون لها ويرددونها طوال أكثر من ستة عقود من الزمن...هذه الفصائل والمؤسسات لا تضخ بقواها الحقيقة الا في فعالياتها المنفردة، وربما في احتفالات انطلاقتها فقط.

كان لافتاً أن معظم المعتقلين المحررين غابوا عن الخيمة، هؤلاء المناضلون الأكثر إدراكاً لألم إخوانهم وأخواتهم في المعتقل، خصوصا وهم يخوضون هذه المعركة الصعبة مع الجوع والعطش والمرض، وقد كانوا قبل أيام أو أشهر أو أعوام يخوضونها معهم كتفاً بكتف، فلماذا يتركونهم اليوم وحدهم؟ أقول هذا رغم ادراكي عظيم ما قدموا، وتلمسي أنه لم يعد لدى كثير منهم أمل في مردود العطاء بعد أن جربوه لعقود مضت، وهو بالتأكيد ليس عذراً لفقدان الاتجاه.

أما الشباب فهم غائبون عن الخيمة الا من رحم ربي، هؤلاء الشباب أداة التغيير الحقيقي غائبون ومغيبون.

غائبون ليس من باب المصادفة، بل لأنهم جيل جاء في لحظة انحطاط تاريخي من فقدان الأمل والقيم..جيل دفع فاتورة أخطاء من قبله ولا زال يدفع..جيل لم يعد راغباً في التضحية من أجل القضايا الكبرى، ان كان مؤمنا بها اصلاً.

ومغيبون عبر سياسات مقصودة ممن سبقهم لاحتكار المكان والزمان لهم وحدهم، سياسات تضع شروطاً خاصاً على كل مخترق جديد، فعليه أن يتماهى مع أصحابها ويسير في ركبها وإلا فليبحث لنفسه عن زواية أخرى يحشر نفسه فيها.

تجولت في عيون الحاضرين فلم أحس معاني التضامن الحقيقي الا فيما ندر منهم، فهذا جاء نصرة لتنظيمه، وذلك جاء لإلقاء كلمة أمام الكاميرات، أما الأخير فكان حضوره جزء من عمله، وقليلون ارضوا رقصة الضمير المؤلمة في صدورهم، وحضروا أيضاً.

أما بضعة أمهات المعتقلين وزوجاتهم، فبدون وكأنهن يعيدن المشهد ذاته للمرة..غير المحسوبة، الذي ما فتأن يؤدينه منذ سنوات، ولسان حالهن يقول: "لا أحد يحس بنا وبأبنائنا سوانا".

علمنا غسان كنفاني عندما قال "خيمة عن خيمة بتفرق" بالقياس أن رسائلنا ان كانت ضعيفة مهترئة فلن يقرأها أحد، وان كان تضامننا مع معتقلينا بهذا الشكل والنوع، فلن تصل رسائلنا لا للعالم، ولا لمعتقلين الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية بشجاعة لا يملكها سواهم، وهم أحوج ما يكون لإحساس -يعزز من صمودهم - بأنهم ليسوا وحدهم. وأستحضر أن خيامنا التي نصبت في 2004، و2000 و1998، بعيدة كل البعد عن خيمة اليوم..وكلي أمل أن نشهد مشاركة أعلى خلال الأيام القادمة حيث ستتوالى فعاليات نصرة معتقلينا.

فلتعذرني فصائلنا، قادتنا، وكوادرنا، فيما سأقول: "أداؤكم في الانتصار لقضية مركزية مثل استمرار اعتقال أكثر من ستة آلاف معتقل في ظروف تزداد صعوبة كلما تقهقرت قضيتنا السياسية..مخزي، ويعريكم من كل الشعارات الوطنية القوية التي لم نعد نطرب لسماعها..فتخلوا عنها لصالح الفعل الميداني الحقيقي وإن لم تستطيعوا فتخلوا وامضوا واتركوا الفرصة لغيركم".

قال قائل من المتشدقين: "العهد هو العهد، والقسم هو القسم، وإنكم إن شاء لمحررين".

لم أستطع أن أمنع نفسي من التكرار في سري أدباً: "العهد لم يعد العهد، والقسم لم يعد القسم، وأننا ان بقيت الحال على حالها غير منتصرين. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق