السبت، 22 أكتوبر 2011

بازار الاستثمار


بقلم: سامية الزبيدي
منذ سنوات طويلة لم يدخل الفرح قلوبنا، لكن كعادته جاء ممزوجاً بألم عميق، تعددت أسبابه بين الخاص والعام.
قفزت فرحاً فور سماعي خبر إنجاز صفقة تبادل المعتقلين الفلسطينيين بالجندي الأسير غلعاد شاليت، من قبل قادة في حركة "حماس" تزف لشعبنا تحقيق الصفقة أكثر من 90 في المئة من شروطها المعروفة.


وفي اليوم التالي، بدأنا كما كتبت على صفحتي على "فيس بوك" في العد والاحصاء والحسابات؟ من تحرر ومن بقي؟ هل حققنا 90 في المئة من المعايير أم أقل؟ ورغم مشروعية هذه الأسئلة الا أنني قلت ولا زلت أقول إن هذه الأسئلة المشروعة لا تلغي الانجاز ولا أهميته.
وتجاهلت أحاديث البعض عن الأثمان المرتفعة التي دفعها شعبنا مقابل شاليت، وتوقيت الصفقة، ومصالح "حماس"، ومصر وقطر وتركيا وغيرها في انجازها، وعن بنود سرية أو علنية أخرى في الصفقة.
وحاولت أن أبتعد قليلاً عن عادتنا البشرية السيئة بالنظر إلى نصف الكأس المسكوب، الا أنني قررت الكتابة عما سكب منا لعل وعسى يقرر ساستنا أن يغيروا ما بهم حتى يغير الله حالهم.
في الوجه المشرف من اللوحة، كانت صفقة رابحة، واستقبال مشرف لأبطال شعبنا، وتسليم قوي وباعث على الفخر لشاليت.
أما في الوجه الاخر من اللوحة، فحدث ولا حرج بازار لاستثمار هذه الصفقة، كل بطريقته.
المصريون اختطفوا شاليت لدقائق وانتزعوا منه اعترافات مصورة زفوها للعالم كله تحت شارة القناة المصرية الأولى في سبق صحافي استهدف اظهار بصمات الدور المصري الرئيس في تحريره.
والاسرائيليون الذين بدا أنهم كانوا يفضلون لو مزقوا شاليت الى تريلون شظية، ولا أطلقوا سراح بعض أبطالنا الأسرى ممن نفذوا عمليات بطولية أريق خلالها "دم نقي لشعب الله المختار"، استهدفوا تحقيق تصفيق مشابه لما حظي به الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، علاوة على تخفيف الضغوط المتعلقة بمشكلات اقتصادية ومجتمعية داخلية، وحتى رئيس حكومتهم بنيامين نتانياهو شخصياً لم يتورع عن الاسئثار بـ"الانجاز" الاسرائيلي، واستقبل شاليت وحده.
أما الفلسطينيون، فهم للأسف مِلل وأحزاب متعددة، وسأبدأ بصاحب مِلة رام الله الذي "اختطف" الأسرى من سجن عوفر إلى مقر المقاطعة، تاركاً أمهاتهم وأسرهم وأحبائهم في انتظارهم امام حاجز بيتونيا، كي لا يسمح لـ"حماس" بقضم الحلاوة وحدها.
أما "حماس" صاحبة الانجاز، فعلى رغم تصريحاتها التي نحترمها جداً لتحويل العرس الى عرس وطني، الا أن هذه المحاولة ظلت نظرية إلى حد كبير.
أحد الزملاء الصحافيين قال: "في التخطيط كان أداء حماس ممتازاً، لكن عند التطبيق صفر" في اشارة منه لترتيبات المكتب الإعلامي الحركة المنظمة والرائعة لتحركات الصحافيين ودورهم في تغطية هذا الحدث التاريخي على الورق فقط، وهذا سأوضحه أكثر لاحقاً.
اما الحركة الأم، فقد استفردت بنصر شاليت وتجاهلت الفصائل التي شاركت في التخطيط وتنفيذ عملية أسر شاليت، خصوصاً لجان المقاومة الشعبية، فلم نسمع لهم ذكراً في هذا النصر.
ورغم تصريحاتها، واجتماعاتها مع كل الفصائل الفلسطينية لمشاركتها ترتيبات استقبال الأبطال، الا أن ما ظهر في النهاية لم يكن الا قيادات "حماس" وخطباءها وكتائبها وسلاحها، وكان وجود الجميع بما فيهم المعتقلين المحررين أنفسهم حضور أكثر مما هو مشاركة فعلية.
كما أن اكتشاف أن حوالي عشرة معتقلات لازلن في زنازين التوقيف الاسرائيلية، لم يكن ليحدث لو أن "حماس" أشركت ذوي الاختصاص في متابعة شؤون الأسرى في إعداد قوائمها، وربما لخرج العشرات من المعتقلين من أصحاب المحكوميات الطويلة التي تصل لأكثر من خمسة وعشرين عاماً ولم تشملهم الصفقة، فيما خرج بعض المعتقلين ممن قضوا خمس أو ست أو سبع سنوات من محكومياتهم، وحوالي عشرة آخرين ممن بقي على اطلاق سراحهم مثل هذا العدد من السنوات.
من حقهم جميعاً علينا أن لا نألوا جهداً لتحريرهم، لكن بالتأكيد أنه إن كان هناك مفاضلة على قاعدة أن العدد محدود كحال هذه الصفقة فيجب أن تكون الأولوية لمن أمضى مدة أطول، لا على قاعدة الانتماء السياسي، حيث تظهر عملية فحص انتماءات قائمة أسماء الدفعة الأولى للمحررين أن ما يزيد على 70 في المئة من القائمة لأسرى محسوبين على حركة "حماس".
وهنا يمكن تفهم أن تسعى الحركة لتحرير أبناءها أولاً، لكن بالتأكيد لا يمكن تفهم أن يأتي ذلك على حساب 530 معتقل لا زالوا يمضون السجن المؤبد مرة أو مرات عدة، خصوصاً وأن هذه الصفقة ربما تكون فرصتهم الأخيرة وقد تقدم بهم العمر.
ملاحظات أخيرة للمعنيين:
•      أحد الصحافيين قال على مسمعي: "لو كان هناك مياه لبللت بطاقتي وشربت مياهها"، والمقصود بطاقة تسهيل مهمة الصحافيين التي وفرتها وزارة الداخلية والحركة مشكورة لكل من يريد تغطية هذا الحدث المهم، الا أن هذه البطاقة لم يصاحبها أي امتيازات تذكر للصحافيين على أرض معبر رفح أو الكتيبة، حيث كان المعبر تحت سيطرة كاملة "للقسام" وليس لوزارة الداخلية أي "مونة" هناك، فيما لم نشهد في الكتيبة أي أماكن مخصصة أو تسهيلات للصحافيين كما كان مخططاً، وترك الصحافيون "كل شاطر بشطارته".
•      بكل ما تكتنفه قضية الابعاد من ظلم جديد، الا أن المعاملة التي لقيها بعض أهل هؤلاء المبعدين على معبر رفح كانت مخزية، ولمن يرغب بالاطلاع أكثر يمكنه التحدث مع شقيقة الأسير المحرر فؤاد الرازم "أم نضال" التي قالت وهي محقة: "هؤلاء الأسرى أحوج ما يكونوا لأن يحتضنوا أهلهم لا للمهرجانات".
•      شروط الابعاد ان وجدت فلا زالت غامضة، خصوصا أن ادارة السجون حاولت وفشلت في اجبار المحررين على توقيع وثيقة تنص على أن ابعادهم الى القطاع إلى الأبد، وأن أي مخالفة تصل عقوبتها وفق القوانين الاسرائيلية إلى السجن أكثر من ثلاثة أشهر، تعرض الأسير للاعتقال وتمضية محكوميته كاملة.
•      أكثر من 28 طفلاً تائهاً عن أهله خلال مهرجان استقبال المعتقلين في الكتيبة، اثنان منهم دون الثانية من عمرهم!
•      الاستماع لقصص هؤلاء المحررين يُدمي القلب، لكنه بالتأكيد يزيد الاحساس بالانتماء لهذا الوطن، فلتحرصوا على معرفتها.
•      عدد كبير من هؤلاء المحررين يرغب في الزواج وتأسيس عائلة، على قدر من الانتماء والوفاء، وفي هذا فلتتنافس المتنافسات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق