السبت، 31 مايو 2014

رحلتي الى جنوب افريقيا: متضامنون أم أصحاب قضية


سامية الزبيدي

في 22 من شارع مارشال، في جوهانسبرغ، يقضي محمد دساي في مكتبه الصغير من بناية اتحاد الكنائس العالمية الضخمة، وقت طويل في التحضير والتنظيم وإرسال المراسلات إلى مختلف الجهات السياسية والمجتمعية والأكاديمية والاقتصادية والرياضية من أجل تحقيق أهدافه
محمد دساي وزملاءه في حملة bds جنوب افريقيا ومحررة المقال


ويؤمن دساي أن الفلسطينيين يستطيعون تحقيق كل أهدافهم، فقط كل ما يلزمهم هو الإيمان بحقوقهم.


دساي الذي يصفه شباب سفارة فلسطين بأنه “الدينامو” الذي يقف خلف تنظيم الكثير من الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، أهمها أسبوع مناهضة الفصل العنصري، الذي يتواصل في عامه العاشر منذ العام 2005، هو المسؤول التنفيذي لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والتي نجحت في إلحاق خسائر متنامية بالاقتصاد الإسرائيلي وبعلاقاته العميقة مع دولة جنوب إفريقيا على صعد أكاديمية وثقافية وحتى سياسية منها.

ويلتزم دساي ومعه شبان متطوعون آخرون، علاوة على آلاف المناصرين للحملة من كل المستويات، بمقاربةٍ بين تجربتهم في مقاومة نظام الفصل العنصري الذي ظل سائداً في جنوب أفريقيا لقرون عدة، وبين سياسات إسرائيل العنصرية تجاه الفلسطينيين في آخر احتلال في العالم، والتي وصفها سياسيو جنوب أفريقيا بأنها أكثر قسوة مما شهدوه خلال نضالهم ضد نظام الأبارتهايد في بلادهم.

ويقف مع حملة المقاطعة ضد إسرائيل، شخصيات وازنة في جنوب إفريقيا، ومنهم السفير المتقاعد وأحد مناضلي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC، يوسف سالوجي، الذي سافر إلى كندا خلال شهري شباط وآذار، ليلقي عدة محاضرات في جامعات كندية، بالتنسيق مع مؤسسات التضامن مع الشعب الفلسطيني هناك، لدعم القضية الفلسطينية، والدعوة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ونجحت حملة BDS في إثارة قلق الكيان المحتل، إلى الحد الذي دعا فيه، وزيرة خارجية الاحتلال الإسرائيلي تسيبي ليفني إلى اعتبار حملة المقاطعة بالكارثة، علاوة على إجبارها على إلغاء زيارة لها لجنوب أفريقيا في فبراير من العام 2010 في أعقاب تقدم مجموعة من المحامين الجنوب أفارقة بلائحة اتهام ضد الاحتلال في محاكمهم بعد المجازر البشعة التي ارتكبها خلال عدوانه على الشعب الفلسطيني في نهاية عام 2008 وبداية 2009.

وبضغط من هؤلاء، رفض عمال ميناء ديربان في العام 2009 إنزال حمولة إحدى السفن الإسرائيلية، الأمر الذي اتسع نطاقه، وتكرر في العام التالي، وفي أكثر من مكان في العالم.

وفي وقت لاحق قرر اتحاد عمال البلديات في جنوب أفريقيا (SAMWU) إطلاق حملة لجعل كل بلدية في جنوب أفريقيا منطقة خالية من الأبارتهايد الإسرائيلي.

وتطور الأمر ليحصد على الصعيد الاقتصادي قرارات بتمييز بضائع المستوطنات الإسرائيلية بملصق خاص، يوضح مكان صناعتها، على طريق سلكته دول أخرى لوقف استيراد منتجات مصنعة في مستوطنات يصفها القانون الدولي بـ"اللا شرعية".

وكانت حملة مقاطعة إسرائيل، نُظمت اثر نداء وجهه المجتمع المدني الفلسطيني في عام 2005، وقُوبل بتأييد دول، وأحزاب، ومجموعات أهلية، وعمالية، وطلابية، وأكاديمية، وفنية، وثقافية، تجاوبت مع حقوق الشعب الفلسطيني الواضحة، وشرعوا في إجراءات لمحاصرة آخر نظام تطهير عرقي، ومقاطعة دولة الفصل العنصري...في مقدمة يراها كثيرون قريبة لعزل "إسرائيل" عبر العالم.

ويرى هؤلاء أن هذه الحملة التي استرشدت بكفاح شعب دولة جنوب أفريقيا ضد نظام الأبارتهايد لعقود طويلة، حققت نجاحات أسرع مما حققه نداء "مقاطعة نظام جنوب أفريقيا" الذي أطلقه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في الثمانينات من القرن الماضي

وعليه فإنهم مقتنعون بهذا الطريق في سبيل نصرة القضية الفلسطينية، وعزل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، فقط كل ما يريدونه من الفلسطينيين هو إخبارهم ما هو الدعم الذي يحتاجونه وفي أي مجال.

- صديق قديم ووفي-

في العام 1994 نجحت جنوب أفريقيا في إسقاط نظام الفصل العنصري، ومعه علاقات وثيقة الصلة بتل أبيب، لم يكشف بعد عن تفاصيلها ومستوياتها، لتحل محله مع صعود حزب المؤتمر الأفريقي ANC والحزب الشيوعي واتحاد النقابات CUSATO إلى سدة الحكم، قيادة منتخبة ذات ارتباط عميق الصلة بمنظمة التحرير، انطلاقاً من أرضية الشراكة النضالية بين شعبي فلسطين وجنوب أفريقيا في السعي إلى الحرية والديموقراطية والمساواة.

ولا غرو في ذلك، وتاريخ قدري يجمع بين الشعبين اللذين ذاقا مطولاً صنوفا من الاضطهاد والتمييز، ليكون تاريخ بدء نظام الفصل العنصري الفعلي في جنوب أفريقيا مع فوز الحزب القومي الأفريكاني الذي وضع قواعد النظام العنصري في العام 1948، وهو العام نفسه لنكبة فلسطين وتهجير أرضها على يدي عصابات الصهاينة.

كما شاءت الأقدار أيضا أن يخوض الشعبان مراحل من النضال الواسع وعلى رأسه المسلح منه، ليصلا إلى المفاوضات طريقاً للحل في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وهو ما أفضى إلى سقوط نظام الفصل العنصري، وتحول جنوب أفريقيا إلى النظام الديموقراطي في العام 1994، فيما فشلت المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق أوسلو، ثم إقامة سلطة الفلسطينيين للحكم الذاتي بموجبها في تحرير فلسطين أو على أقل تقدير إقامة الدولة.

وفي وقت يقول فيه عضو اللجنة التنفيذية في ANC، المفكر ايسوب بهاد أن الثوار من البلدين تبادلوا الخبرات العسكرية والنضالية فإن فلسطينيين عاصروا تلك الحقبة قالوا ان منظمة التحرير بقيادة الراحل ياسر عرفات شكلوا داعما مهما لقيادة ANC والحزب الشيوعي في مراحل نفيهم وملاحقتهم من نظام الفصل العنصري البائد.

وعلى البعد الشخصي جمعت علاقات وطيدة الراحل عرفات برئيس حزب ANC آنذاك أوليفر تامبو، ومن بعده نيلسون مانديلا، ما سمح للقيادة الفلسطينية بعد تولي الأخير الحكم بزيارة جنوب أفريقيا مرات عدة، والتأسيس لعلاقات ثنائية رسمية بين البلدين، استمرت على المستويات نفسها في عهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس تامبو مبيكي، وخلفه الرئيس جاكوب زوما.

وعلى رغم العلاقة التاريخية المريحة، والالتقاء حول كثير من المشترك، إلا أن قيادة المنظمة أو السلطة أو الأحزاب الفلسطينية لم تعطها اهتماماً يميزها عن علاقاتها البرتوكولية الهشة مع عموم الدول الأفريقية الأخرى.

ولكن جنوب أفريقيا ظلت على التزامها الأخلاقي والإنساني نحو الحق الفلسطيني في الوجود والاستقلال، فكانت من أكبر المؤيدين لنيل فلسطين عضوية الأمم المتحدة عام 2011، ومن قبله صاحبة موقف رافض لبناء جدار الفصل العنصري، ولكل صور العربدة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وكان لها موقف رسمي وشعبي من اجتياح الضفة الفلسطينية في ربيع عام 2002، وحصار الرئيس الشهيد عرفات، وكذلك من الحرب الهمجية الإسرائيلي على قطاع غزة مطلع العام 2009، وإبان العدوان على أسطول الحرية، وحتى عدوان 2012.

وهي من الدول السباقة التي أعطت سفارة فلسطين تمثيلاً دبلوماسياً كاملاً، متحدية بذلك الدولة الصهيونية

اللافت في موقف هذه الدولة هو احترامها لإرادة الفلسطينيين أنفسهم (وهو ما ينبغي أن تعبر عنه قيادتهم)، بمعنى أنها تلتزم بالحيز السياسي الذي يصنعه أصحابه لأنفسهم، ففي وقت خبرت بنفسها حل الدولة الديموقراطية الواحدة بديلاً عن نظام الفصل العنصري السابق، تدعم جنوب أفريقيا قرار القيادة الفلسطينية بدولة مستقلة على حدود العام 1967، على رغم أن النقاشات الجانبية مع كثير من أقطابها تؤكد عدم قناعتهم الشخصية بهذا الحل، الذي أوصلته "إسرائيل" بممارساتها التوسعية والقمعية إلى طريق مسدود.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق